بين الأسد وزيلينسكي... عناوين السعودية الجديدة
عمر الرداد
كاتب وخبير أمني
نيسان ـ نشر في 2023-05-21 الساعة 17:11
نيسان ـ لم يكن مفاجئاً حضور الرئيس السوري بشار الأسد قمّة جدة، فكل المؤشرات، بما فيها الاجتماعات التحضيرية لوزراء الخارجية العرب، والزيارات واللقاءات بين مسؤولين سوريين ونظرائهم العرب في دمشق وعمّان وجدة، كانت تشي بأنّ حضور الأسد بات مؤكداً قبل انعقاد القمة، وحتى لو لم يحضر الأسد شخصياً، فإنّ ذلك لم يكن ليغير من حقيقة أنّ مشروعاً عربياً تم إنجازه بعودة سوريا إلى فضائها العربي، حتى خارج مؤسسات جامعة الدول العربية، رغم تحفظات بعض الدول العربية، لكن ما شكّل مفاجأة للقمة هو حضور الرئيس الأوكراني زيلينسكي للقمة، بدعوة وترتيب من المرجّح أنّها كانت بإشراف ولي العهد السعودي، ومن المشكوك فيه اطلاع كافة الوفود العربية في القمّة على ترتيباتها قبل إنجازها.
بين خطاب الأسد وخطاب زيلينسكي تتموضع السعودية الجديدة، عبر قوة دبلوماسية ناعمة، تعكس دورها وثقلها الإقليمي والدولي، بعناوين ومفردات جديدة جوهرها المزيد من البراغماتية والاعتدال والمصالح العربية العليا، والقفز فوق الجراح العربية
لا شك أنّ المقاربة القائلة إنّ مشاركة زيلينسكي في قمة جدة كانت رسالة سعودية لتأكيد موقفها "الحيادي" تجاه الحرب الروسية على أوكرانيا تكتسب شرعية في هذه المرحلة، لا سيّما في ظل اتهامات أمريكية وأوروبية توجّه للسعودية ومعها الإمارات بالوقوف الى جانب روسيا والرئيس بوتين، وتمويل حربه في أوكرانيا من خلال خفض إنتاج النفط والحفاظ على الأسعار المرتفعة، وهو ما تنفيه السعودية بالقول إنّها تخضع قراراتها الخاصة بإنتاج النفط لقانون العرض والطلب، دون أن يخفي ذلك خلافات بين السعودية وأمريكا حول العديد من القضايا التي تؤشر لعدم استيعاب الدولة العميقة في أمريكا للتغييرات العميقة في السعودية، ومغادرة مفاهيم ومقاربات التبعية والانصياع لأمريكا، مقابل تأسيس مفاهيم شراكات جديدة ومتنوعة.
بما خطفت صورة الرئيس زيلينسكي الأضواء التي كان يفترض أن تتركز على صورة الرئيس بشار الأسد وحضوره الأول للقمة منذ "الثورة" في سوريا، لكنّها قدمت صورة جديدة للسعودية في ممارسة أدوار سياسية ما بين إقليمية ودولية، في ظل مقاربات جديدة في الصراع الدولي ربما عكسها خطابا "زيلينسكي والأسد في القمة"، ما بين خطاب ماضوي قدّمه الأسد، بصورة الفارس العائد بالنصر الساحق على خصومه الذين يحتضنونه في القمة، وقرروا عودة سوريا الدولة إلى الحضن العربي، وخطاب زيلينسكي الذي قدّم عرضاً يشرح فيه قضية أوكرانيا "الدولة والشعب"، ويطلب دعماً عربياً لقضية بلاده التي تتعرض لاحتلال أجزاء منها، وخطف الأطفال... إلخ.
بين خطاب الأسد وخطاب زيلينسكي تتموضع السعودية الجديدة، عبر قوة دبلوماسية ناعمة، تعكس دورها وثقلها الإقليمي والدولي، بعناوين ومفردات جديدة جوهرها المزيد من البراغماتية والاعتدال والمصالح العربية العليا، والقفز فوق الجراح العربية، تنسق وتتعاون مع الصين وروسيا في ملفات تحقق مصالحها، وتتعاون مع أمريكا وأوروبا والقوى الصاعدة في الشرق وأمريكا اللاتينية بالمرجعية نفسها، وهو ما تتم ترجمته بالدور الذي تقوم به الرياض حالياً في مفاوضات وقف القتال بين طرفي النزاع في السودان وبتنسيق مع واشنطن.
أحدثت قمة جدة، بلا شك، ثقوباً في الجدران والسدود العالية بين العرب ومحيطهم الإقليمي وعلاقاتهم الدولية، ومع ذلك فالطريق ليست مفروشة بالورود، فهناك الكثير من العقبات والتحديات
لعلّه من غير المنطقي مطالبة القمة العربية بحل الخلافات العربية جميعها، فتلك مطالبات لا تستند لدراسة موضوعية للواقع العربي، لكن يكفي أن تقدّم صورة جديدة تختلف عن القمم العربية السابقة، التي كان من بين أبرز عناوينها تعبيرات عن محاور واصطفافات وإقصاء وشيطنة، وهناك الكثير من الشواهد على السباب والشتائم بين زعماء عرب في قمم سابقة، مقابل مفردات جديدة شهدتها قمة جدة، ربما كانت أكثر واقعية وموضوعية، ولم تذهب باتجاه التهوين أو التهويل والمبالغات في اتخاذ قرارات لا يمكن ترجمتها على غرار خطابات ستينات القرن الماضي، عندما كان الزعماء العرب يتخذون قرارات لا تقتصر على تحرير فلسطين فحسب؛ بل وتحرير أمريكا اللاتينية، ومواجهة الصهيونية العالمية نيابة عن العالم، وتحريره من الإمبريالية.
وفي الخلاصة، فإنّ قمة جدة، بلا شك، أحدثت ثقوباً في الجدران والسدود العالية بين العرب ومحيطهم الإقليمي وعلاقاتهم الدولية، كما أنّ الجغرافيا السياسية ومكان انعقاد القمة فرض نفسه على أجوائها وبالتالي قراراتها، ومع ذلك فالطريق ليست مفروشة بالورود، فهناك الكثير من العقبات والتحديات، لعل في مقدمتها أنّه إذا كان حضور الأسد للقمة نتاجاً لاتفاق المصالحة بين الرياض وطهران، فإنّ حماية هذا الاتفاق ما تزال بحاجة لجهود إيرانية تثبت التزاماتها ومصداقيتها، خلافاً لما يعوّل عليه المعارضون للاتفاق "أمريكا وأوروبا وإسرائيل"، وهو ما لم تقدمه مفردات خطاب الأسد، الذي كان يؤمل أن يقدّم تصورات ورؤى جديدة تجيب على المطالب العربية بخصوص "تهريب المخدرات، واللاجئين، والحل السوري- السوري"، في إطار تسوية شاملة، مؤكد أنّها ستبنى على ما شهدته سوريا خلال أعوام الثورة، ولن يكون مقبولاً حتى من أقرب حلفاء سوريا استمرار الوضع الذي كان قائماً قبل عام 2011، فماذا سينقل العرب للفاعلين الدوليين في الملف السوري، خاصة الموجودين على الأراضي السورية، بالإضافة إلى الانتصار السوري؟.
بين خطاب الأسد وخطاب زيلينسكي تتموضع السعودية الجديدة، عبر قوة دبلوماسية ناعمة، تعكس دورها وثقلها الإقليمي والدولي، بعناوين ومفردات جديدة جوهرها المزيد من البراغماتية والاعتدال والمصالح العربية العليا، والقفز فوق الجراح العربية
لا شك أنّ المقاربة القائلة إنّ مشاركة زيلينسكي في قمة جدة كانت رسالة سعودية لتأكيد موقفها "الحيادي" تجاه الحرب الروسية على أوكرانيا تكتسب شرعية في هذه المرحلة، لا سيّما في ظل اتهامات أمريكية وأوروبية توجّه للسعودية ومعها الإمارات بالوقوف الى جانب روسيا والرئيس بوتين، وتمويل حربه في أوكرانيا من خلال خفض إنتاج النفط والحفاظ على الأسعار المرتفعة، وهو ما تنفيه السعودية بالقول إنّها تخضع قراراتها الخاصة بإنتاج النفط لقانون العرض والطلب، دون أن يخفي ذلك خلافات بين السعودية وأمريكا حول العديد من القضايا التي تؤشر لعدم استيعاب الدولة العميقة في أمريكا للتغييرات العميقة في السعودية، ومغادرة مفاهيم ومقاربات التبعية والانصياع لأمريكا، مقابل تأسيس مفاهيم شراكات جديدة ومتنوعة.
بما خطفت صورة الرئيس زيلينسكي الأضواء التي كان يفترض أن تتركز على صورة الرئيس بشار الأسد وحضوره الأول للقمة منذ "الثورة" في سوريا، لكنّها قدمت صورة جديدة للسعودية في ممارسة أدوار سياسية ما بين إقليمية ودولية، في ظل مقاربات جديدة في الصراع الدولي ربما عكسها خطابا "زيلينسكي والأسد في القمة"، ما بين خطاب ماضوي قدّمه الأسد، بصورة الفارس العائد بالنصر الساحق على خصومه الذين يحتضنونه في القمة، وقرروا عودة سوريا الدولة إلى الحضن العربي، وخطاب زيلينسكي الذي قدّم عرضاً يشرح فيه قضية أوكرانيا "الدولة والشعب"، ويطلب دعماً عربياً لقضية بلاده التي تتعرض لاحتلال أجزاء منها، وخطف الأطفال... إلخ.
بين خطاب الأسد وخطاب زيلينسكي تتموضع السعودية الجديدة، عبر قوة دبلوماسية ناعمة، تعكس دورها وثقلها الإقليمي والدولي، بعناوين ومفردات جديدة جوهرها المزيد من البراغماتية والاعتدال والمصالح العربية العليا، والقفز فوق الجراح العربية، تنسق وتتعاون مع الصين وروسيا في ملفات تحقق مصالحها، وتتعاون مع أمريكا وأوروبا والقوى الصاعدة في الشرق وأمريكا اللاتينية بالمرجعية نفسها، وهو ما تتم ترجمته بالدور الذي تقوم به الرياض حالياً في مفاوضات وقف القتال بين طرفي النزاع في السودان وبتنسيق مع واشنطن.
أحدثت قمة جدة، بلا شك، ثقوباً في الجدران والسدود العالية بين العرب ومحيطهم الإقليمي وعلاقاتهم الدولية، ومع ذلك فالطريق ليست مفروشة بالورود، فهناك الكثير من العقبات والتحديات
لعلّه من غير المنطقي مطالبة القمة العربية بحل الخلافات العربية جميعها، فتلك مطالبات لا تستند لدراسة موضوعية للواقع العربي، لكن يكفي أن تقدّم صورة جديدة تختلف عن القمم العربية السابقة، التي كان من بين أبرز عناوينها تعبيرات عن محاور واصطفافات وإقصاء وشيطنة، وهناك الكثير من الشواهد على السباب والشتائم بين زعماء عرب في قمم سابقة، مقابل مفردات جديدة شهدتها قمة جدة، ربما كانت أكثر واقعية وموضوعية، ولم تذهب باتجاه التهوين أو التهويل والمبالغات في اتخاذ قرارات لا يمكن ترجمتها على غرار خطابات ستينات القرن الماضي، عندما كان الزعماء العرب يتخذون قرارات لا تقتصر على تحرير فلسطين فحسب؛ بل وتحرير أمريكا اللاتينية، ومواجهة الصهيونية العالمية نيابة عن العالم، وتحريره من الإمبريالية.
وفي الخلاصة، فإنّ قمة جدة، بلا شك، أحدثت ثقوباً في الجدران والسدود العالية بين العرب ومحيطهم الإقليمي وعلاقاتهم الدولية، كما أنّ الجغرافيا السياسية ومكان انعقاد القمة فرض نفسه على أجوائها وبالتالي قراراتها، ومع ذلك فالطريق ليست مفروشة بالورود، فهناك الكثير من العقبات والتحديات، لعل في مقدمتها أنّه إذا كان حضور الأسد للقمة نتاجاً لاتفاق المصالحة بين الرياض وطهران، فإنّ حماية هذا الاتفاق ما تزال بحاجة لجهود إيرانية تثبت التزاماتها ومصداقيتها، خلافاً لما يعوّل عليه المعارضون للاتفاق "أمريكا وأوروبا وإسرائيل"، وهو ما لم تقدمه مفردات خطاب الأسد، الذي كان يؤمل أن يقدّم تصورات ورؤى جديدة تجيب على المطالب العربية بخصوص "تهريب المخدرات، واللاجئين، والحل السوري- السوري"، في إطار تسوية شاملة، مؤكد أنّها ستبنى على ما شهدته سوريا خلال أعوام الثورة، ولن يكون مقبولاً حتى من أقرب حلفاء سوريا استمرار الوضع الذي كان قائماً قبل عام 2011، فماذا سينقل العرب للفاعلين الدوليين في الملف السوري، خاصة الموجودين على الأراضي السورية، بالإضافة إلى الانتصار السوري؟.
نيسان ـ نشر في 2023-05-21 الساعة 17:11
رأي: عمر الرداد كاتب وخبير أمني