أساتذة الجامعات الخاصة: عمال مياومة حسب القانون
د. يوسف ربابعة
كاتب صحافي وأكاديمي أردني
نيسان ـ نشر في 2023-06-07 الساعة 08:07
نيسان ـ في البداية علينا أن نعترف أن الجامعات الخاصة قد شاركت في تقديم خدمات التعليم للطلاب في الأردن، وبعضها قام بجهود مهمة في هذا المجال، لكننا إذا نظرنا إلى ما كان متوقعاً منها فإننا سنجد أن النتائج لم تكن على قدر الأمل.
لم تقدم هذه الجامعات رؤية تعليمية جديدة، ولا أدوات وخدمات متميزة كثيراً تختلف عن الجامعات الحكومية، وبقي أغلبها يسير بخطى بطيئة جداً في مجالات التطوير الإداري والأكاديمي، وقد اتبعت نفس الطرق الموجودة في الجامعات الرسمية من حيث تعيينات مجالس العمداء والأقسام والترقيات، ولم تقدم نماذج جديدة لدفع العملية التعليمية خطوة نحو الأمام نوعاً لا كماً.
لا أناقش هنا الطريقة التي تمت بها عملية فتح جامعات خاصة، وطرق الترخيص، وخبايا الاعتماد، فربما ذلك يحتاج إلى مقالات أخرى، لكنني سأتحدث عن الجانب الأكاديمي الذي يخصّ أعضاء الهيئات التدريسية في هذه الجامعات، فقد بحثت كثيراً عن قانون خاص بأعضاء الهيئة التدريسية من حيث التعيين والعقود والتثبيت فلم أجد شيئاً، والغريب أن قانون الجامعات الأردنية لسنة 2017 لم يتطرق إلى أي ناحية من النواحي التي تخص أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الخاصة، وكان منشغلاً بذلك في الجامعات الرسمية، مما يعني أن هؤلاء الأساتذة الذين ربما يبلغ عددهم 10 آلاف شخص، ليس لهم أية حقوق بما يتناسب مع حجم ما يقدمونه، وليس لهم قانون يحميهم ويضمن مستقبلهم واستقرارهم، وهم خاضعون لقانون العمل والعمال وليس لقانون هيئات تدريسية.
من غير المعقول أن يبقى الأساتذة في الجامعات الخاصة رهناً لمستقبل غامض، ويتم تجديد عقودهم سنوياً، وليس لديهم أي فرصة في التثبيت مهما كانت رتبهم الأكاديمية، كما أنه ليس لديهم الفرصة في التفرّغ العلمي أو الإجازات العلمية أو من دون راتب، مع أن قانون الجامعات في المواد (15) و (19) المتعلقة بمجلس الكلية ومجلس القسم يشير إلى أن من مهام مجلس القسم النظر في الإجازات والتفرغ العلمي والتثبيت، فهل هذه الميزات للجامعات الرسمية أم أن القانون ينطبق على الجميع؟
هناك قانون اسمه “قانون الجامعات الأردنية”، لكن عندما ننظر فيه نجد أنه يتحدث عن الجامعات الرسمية بالتفصيل، ويشير بشكل غامض إلى الجامعات الخاصة، فمثلا يتحدث في المادة (10) عن طريقة تعيين الرئيس فقط، وليس هناك أي بند متعلق بأعضاء الهيئة التدريسية، كما أنه يتحدث عن الجانب المالي لهذه الجامعات بالتفصيل ويتدخل به بشكل مباشر، ويجعل له قانوناً لتحصيل الأموال، فهل تعتقد وزارة التعليم العالي والحكومة أن تنظيم هذه الأمور أهم من وضع قوانين لحماية الأساتذة المطلوب منهم أن يبدعوا في البحث العلمي والاكتشاف والتطوير؟ وكيف يمكن لشخص مرعوب أن يبدع، وهو يخشى في كل عام أن يُلقى في الشارع من دون أية حقوق؟
إن الأستاذ في الجامعات الخاصة عليه أن يوقع مع نهاية كل عام عقداً جديداً مع الجامعة، وعليه أن ينتظر في نهاية كل عام دراسي رحمة المسؤولين وربما المستثمرين ليتم تجديد عقده، وربما علينا أن نتخيل حجم المعاناة النفسية التي يعانيها هذا الشخص الذي يخشى غضب أولي الأمر، ويراجع حساباته وما يمكن أن يكون قد تفوه به أو صرح به فأغضبهم.
ولأزيدكم من الشعر بيتاً فإن بعض المسؤولين والمستثمرين في بعض هذه الجامعات -حتى لا أظلم جميعها- يقوم بمراقبة صفحات الأساتذة والموظفين على فيس بوك وتويتر. فكيف يستطيع هذا الأستاذ أن يكون حراً ليعلم الحرية لطلابه؟ وكيف لا يكون شجاعاً في قول الحق ليعلم طلابه الشجاعة؟
إن هناك حاجة كبيرة لإيجاد قانون يحمي هذه الفئة، أو أن يتم تطبيق القانون الساري في الجامعات الرسمية على الأقل، من حيث التعيين والتثبيت والتفرغ العلمي والإجازات والامتيازات والحقوق، وإلا فلا يمكن أن نطلب من الأساتذة في الجامعات الخاصة أن لا يفكروا في البحث الدائم عن فرص جديدة في جامعات رسمية، وتبقى الجامعات الخاصة بيئات طاردة، ما دام الاستقرار مستحيلاً.
ولا يمكن أن يبقى الأستاذ في الجامعة يُعامل حسب قانون عمل المياومات المؤقتة، لأن هذا الاستاذ يحتاج إلى الاستقرار المالي والنفسي من أجل أن يكون قادرا على العطاء في البحث والتفكير، وطبعاً لا أدعو هنا إلى الاستقرار الذي يعني الكسل والتكاسل بل إلى الاستقرار المبني على قيمة الجهد الذي يقدمه الأستاذ في مجال عمله.
يوسف ربابعة: كاتب وباحث وأستاذ جامعي. له مجموعة أبحاث في مجال التعليم والفكر والسياسة، ومنها: تجديد الفكر الديني، الشعر والقرآن.
لم تقدم هذه الجامعات رؤية تعليمية جديدة، ولا أدوات وخدمات متميزة كثيراً تختلف عن الجامعات الحكومية، وبقي أغلبها يسير بخطى بطيئة جداً في مجالات التطوير الإداري والأكاديمي، وقد اتبعت نفس الطرق الموجودة في الجامعات الرسمية من حيث تعيينات مجالس العمداء والأقسام والترقيات، ولم تقدم نماذج جديدة لدفع العملية التعليمية خطوة نحو الأمام نوعاً لا كماً.
لا أناقش هنا الطريقة التي تمت بها عملية فتح جامعات خاصة، وطرق الترخيص، وخبايا الاعتماد، فربما ذلك يحتاج إلى مقالات أخرى، لكنني سأتحدث عن الجانب الأكاديمي الذي يخصّ أعضاء الهيئات التدريسية في هذه الجامعات، فقد بحثت كثيراً عن قانون خاص بأعضاء الهيئة التدريسية من حيث التعيين والعقود والتثبيت فلم أجد شيئاً، والغريب أن قانون الجامعات الأردنية لسنة 2017 لم يتطرق إلى أي ناحية من النواحي التي تخص أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الخاصة، وكان منشغلاً بذلك في الجامعات الرسمية، مما يعني أن هؤلاء الأساتذة الذين ربما يبلغ عددهم 10 آلاف شخص، ليس لهم أية حقوق بما يتناسب مع حجم ما يقدمونه، وليس لهم قانون يحميهم ويضمن مستقبلهم واستقرارهم، وهم خاضعون لقانون العمل والعمال وليس لقانون هيئات تدريسية.
من غير المعقول أن يبقى الأساتذة في الجامعات الخاصة رهناً لمستقبل غامض، ويتم تجديد عقودهم سنوياً، وليس لديهم أي فرصة في التثبيت مهما كانت رتبهم الأكاديمية، كما أنه ليس لديهم الفرصة في التفرّغ العلمي أو الإجازات العلمية أو من دون راتب، مع أن قانون الجامعات في المواد (15) و (19) المتعلقة بمجلس الكلية ومجلس القسم يشير إلى أن من مهام مجلس القسم النظر في الإجازات والتفرغ العلمي والتثبيت، فهل هذه الميزات للجامعات الرسمية أم أن القانون ينطبق على الجميع؟
هناك قانون اسمه “قانون الجامعات الأردنية”، لكن عندما ننظر فيه نجد أنه يتحدث عن الجامعات الرسمية بالتفصيل، ويشير بشكل غامض إلى الجامعات الخاصة، فمثلا يتحدث في المادة (10) عن طريقة تعيين الرئيس فقط، وليس هناك أي بند متعلق بأعضاء الهيئة التدريسية، كما أنه يتحدث عن الجانب المالي لهذه الجامعات بالتفصيل ويتدخل به بشكل مباشر، ويجعل له قانوناً لتحصيل الأموال، فهل تعتقد وزارة التعليم العالي والحكومة أن تنظيم هذه الأمور أهم من وضع قوانين لحماية الأساتذة المطلوب منهم أن يبدعوا في البحث العلمي والاكتشاف والتطوير؟ وكيف يمكن لشخص مرعوب أن يبدع، وهو يخشى في كل عام أن يُلقى في الشارع من دون أية حقوق؟
إن الأستاذ في الجامعات الخاصة عليه أن يوقع مع نهاية كل عام عقداً جديداً مع الجامعة، وعليه أن ينتظر في نهاية كل عام دراسي رحمة المسؤولين وربما المستثمرين ليتم تجديد عقده، وربما علينا أن نتخيل حجم المعاناة النفسية التي يعانيها هذا الشخص الذي يخشى غضب أولي الأمر، ويراجع حساباته وما يمكن أن يكون قد تفوه به أو صرح به فأغضبهم.
ولأزيدكم من الشعر بيتاً فإن بعض المسؤولين والمستثمرين في بعض هذه الجامعات -حتى لا أظلم جميعها- يقوم بمراقبة صفحات الأساتذة والموظفين على فيس بوك وتويتر. فكيف يستطيع هذا الأستاذ أن يكون حراً ليعلم الحرية لطلابه؟ وكيف لا يكون شجاعاً في قول الحق ليعلم طلابه الشجاعة؟
إن هناك حاجة كبيرة لإيجاد قانون يحمي هذه الفئة، أو أن يتم تطبيق القانون الساري في الجامعات الرسمية على الأقل، من حيث التعيين والتثبيت والتفرغ العلمي والإجازات والامتيازات والحقوق، وإلا فلا يمكن أن نطلب من الأساتذة في الجامعات الخاصة أن لا يفكروا في البحث الدائم عن فرص جديدة في جامعات رسمية، وتبقى الجامعات الخاصة بيئات طاردة، ما دام الاستقرار مستحيلاً.
ولا يمكن أن يبقى الأستاذ في الجامعة يُعامل حسب قانون عمل المياومات المؤقتة، لأن هذا الاستاذ يحتاج إلى الاستقرار المالي والنفسي من أجل أن يكون قادرا على العطاء في البحث والتفكير، وطبعاً لا أدعو هنا إلى الاستقرار الذي يعني الكسل والتكاسل بل إلى الاستقرار المبني على قيمة الجهد الذي يقدمه الأستاذ في مجال عمله.
يوسف ربابعة: كاتب وباحث وأستاذ جامعي. له مجموعة أبحاث في مجال التعليم والفكر والسياسة، ومنها: تجديد الفكر الديني، الشعر والقرآن.
نيسان ـ نشر في 2023-06-07 الساعة 08:07
رأي: د. يوسف ربابعة كاتب صحافي وأكاديمي أردني