اتصل بنا
 

قبل فيينا وبعدها..!!

رئيس تحرير صحيفة الثورة السورية التابعة لنظام الاسد

نيسان ـ نشر في 2015-10-30 الساعة 23:44

نيسان ـ

يأتي الاتفاق الهاتفي بين أوباما وسلمان على دعم الإرهاب -تحت مسمى المعارضة -في إطار الاتفاق على حسم الأولويات الأميركية والسعودية، استباقاً للقاء فيينا الثاني بشقيه: المختصر والموسع،
في وقت ينحصر فيه الصراع على أولويات تتقاذفها الرؤى والمصالح والأطماع والحسابات والمعادلات، وتتجاذبها إلى حدّ بعيد المقاربات الخارجة من بيدر المجابهة على المشهد الدولي.‏

فإذا كان لقاء فيينا الرباعي الأول قد عاد بخلاف الأولويات إلى مربعه الأول وإن تباينت المحاججة فإن الصراع بين مَنْ يريد مكافحة الإرهاب وبين مَنْ يبحث عن مقاربة تُبقي على دعمه، حيث الروسي كان واضحاً في صياغة تحاكي الخطر الداهم الذي تجاوز حدود المنطقة بلا ريب، فيما أميركا وأدواتها لا تزال تراهن على شراء الوقت وتعوّل على الإرهاب وتنظيماته لتسويف البت في أولويات مكافحته ومجابهته.‏

هذا الأمر يبدو أنه يدفع إلى تحديد مساحات الحراك الأميركي، سواء ما يُعلن منها أم ذاك الذي يمرّ في الكواليس، وعبر مخرجات الفهم الأميركي للدور الوظيفي لكثير من أدواتها، حيث التصعيد لا يقتصر على تبديد مناخ التفاؤل بالحراك السياسي الموازي، بل يشمل زوايا المشهد وتداعياته المختلفة، باعتباره محركاً ومدخلاً لصياغات أميركية تعارض منطق الواقع، لكنها تماشي ما يظهر منه وما تتطلبه الضرورة الدبلوماسية، من دون أن يلزمها بأي موقف وهي التي اعتادت أن تصبح على غير ما تُمسيه.‏

وسط هذا الازدحام في التباينات السياسية والميدانية، تغص حلبة السباق بسلسلة من مواقف التصعيد والتسخين صعوداً إلى حافة الهاوية، وأحياناً إلى ما بعدها، وبين المشهد السياسي والتطور الميداني تبرز إلى العلن سلسلة من المواقف الأميركية، التي تحاكي تمنيات أدواتها في المنطقة، وجزءاً من أطماع حلفائها خارجها، بحيث تمطر المشهد السياسي، بكمٍّ لا ينتهي من التصريحات والتصريحات المضادة، إلى الحدّ الذي باتت فيه طلاسم الموقف الأميركي عُرفاً سائداً في قراءة المشهد، ومادة يومية للتندّر السياسي وفكّ رموزه، فتارة أميركا توقف برنامج تدريب إرهابييها من المعتدلين، وأخرى ترصد له التمويل المضاعف وتعيّن قادة جدداً، وفي ثالثة تحاكي أوهام بعض بيادقها واستطالاتهم الـمَرَضية، ثم ما تلبث أن تدير ظهرها ومن دون أي تفسير.‏

ما يمكن الجزم به، أن السياسة الأميركية ليست تلك الغائرة في بحور الارتياب والشك والتردد والارتباك كما تظهر الصورة، بقدر ما تحاكي وضعاً سياسياً مطلوباً منه أن يُظهر الارتباك والتردد، أو الإيحاء بأن ما يصلُح هنا لا يجوز هناك، ولا تتردد واشنطن في التقاط اللحظة التي تعبّر فيها عن توجهها ومصالحها، ولو اقتضت في بعض الأحيان أن تُبدي ما يشبه المواجهة أو التناقض مع أدواتها أو حلفائها على الطاولة ذاتها.‏

غير أن هذا لا يعني أن أميركا تُبدّل من خياراتها، أو تعدّل من استراتيجيتها، بقدر ما تعكس قدراً من مراوغة لا تنتهي، وفائضاً من نفاق لا يتوقف.‏

والعكس لا يحتاج إلى برهان، حيث ما تقوله عن مرتزقتها وأدواتها وجزء كبير من حلفائها، لا يعني بأي حال أنها ستوقف رهانها أو تعويلها عليهم، بما في ذلك إحالتهم مسبقاً إلى التقاعد المبكر أو من حيّدَته لبعض الوقت، ولقاء المستبعدين في باريس شاهد.‏

وسط هذه وتلك، لن تتردد في إعادة الأمور إلى المربع الأول، تحديداً في معركة الصراع على الأولويات التي تتبادل من خلالها الأدوار مع أدواتها، في سيناريو سيتكرر كثيراً وطويلاً، حيث المنطق يقول ما الحاجة إلى إضاعة الوقت في الاستماع لما يحفظه الأميركي وهو قائله وملقّنه ومسوّقه؟ وما الحاجة إلى إعادة تكراره أمام الروسي وقد سمعه مراراً وتكراراً؟!.‏

مابعد فيينا سيكون شاهداً ومحضر إثبات على صراع يتأجج، وعلى مجابهة مفتوحة على الأولويات ذاتها، لكن المعركة خارجها وبعيدة عنها، في ساحات زرعتها الأيادي السعودية والتركية، ومعها الأميركية بالإرهاب ومنتجاته لتبقى مفتوحة على إحياء الدور الوظيفي الذي يقتل ويدمّر ويخرّب بالوكالة، ويكتفي الأميركي بإدارته.‏

الفارق الوحيد أن أميركا لم تعد متفرّدة ولا منفردة في المشهد، تحاول وتراوغ، لكنها ستضطر إلى أن تسمع ما يجب أن يقال والوقت لم يعد ملكها أو تحت تصرّف أدواتها، بل بات للروسي ومعه الإيراني والسوري ميدانياً وسياسياً- بإسقاطاته الاقليمية والدولية- وقتهم ومساحة حراكهم، والأهم بدائلهم وخياراتهم.‏

نيسان ـ نشر في 2015-10-30 الساعة 23:44

الكلمات الأكثر بحثاً