اتصل بنا
 

دع المشهد اليومي يتكرر .. قصة للاديب عصام الدين محمد أحمد

نيسان ـ نشر في 2015-10-31

x
نيسان ـ

أستطالت جلستى على المقهى، تؤرجحنى الذكريات، أى نعم تتاح لى فرص السفر فى الزمن،ولكن البال مخنوق يخشى لفظ الروح مع الزفير الأول،أظن أنه تأكد لى أستحالة تحمل تسعين يوما بين دهاليز الصياعة،لا أقدر على البوح لزوجتى وأولادى بالأزمة الحالية،فأنا فى وادى وهم فى آخر يبعد آلاف الفراسخ،وحديث الذكريات مرتبك،تتناوشه الأوهام والمفاهيم المغلوطة،أصابنى السقم،وحلت بى النوائب،ولم أعهد دكان الطبيب ليبيعنى أمبول الشفاء،فما أغنت الرؤى الخداعة عن الفهم والادراك.

أمسكت ورقةلأخطط لكتابة تظلم،أفكارى مشتتة منفلتة؛ماذا أكتب؟ كيف أستهل النظم؟ المعلومات مكتملة والأسانيد القانونية راسخة متوفرة،وبافتراض الانتهاء من نسخ التظلم ورفعه لرئيس العدلية أيلتفت أحد إلى مضمونه؟ أهناك سبيل آخر؟ وما موقف الزملاء؟ أيدعونك دون موآزرة؟ أيقفون موقف المتفرجين؟ تبا لهذا العقل المعتوه! هل قام أحدهم بالاتصال بك استفسارا أو تأنيبا؟ ولماذا تشغلهم الحوادث وقد حصلوا على المكافآت؟ أغلقت صنبور الأسئلة،أجاهد لكتابة التظلم،أكتب:

(معالى المستشار الجليل رئيس العدلية

تحية طيبة وبعد...)

لا يتحرك القلم،يتلعثم،لا ينطق حرفا،لا يرسم نقطة،أأكتب أننى أخطأت؛تجاوزت حدود الأدب ونطاق المغفرة؟ أأستجير بعطفه من رمداء سخطه؟ أأتوسل إليه فوق أربع زاحفا؟ يا لطول الشقة بين المبدأ ولقمة العيش!اكتب وصفك بعزة،ولا تهتم كثيرا بالنتائج،يتململ القلم:

(أندلعت المظاهرات يوم الأثنين الموافق 29 ابريل،التجمعات عادية وطبيعية والمطالب لم تتجاوز الأفواه،أنتشرت الأنباء عن نشر بعض المستشارين بوستات محملة بالفاظ قاسية وشتائم غير منضبطة عن العاملين المدنيين،وهنا أضحت المشاركة بالمظاهرات طلبا للكرامة واجبا إنسانيا.)

سكت القلم،جف ريقه،لا أعلم –يقينا-من وزع البوستات المسيئة؛من المؤكد هناك من لديه الدوافع لإثارة القلاقل والبلبلة بين الموظفين والمستشارين،ولكن من هم؟ أقلب الاسماء،أنبش قبور المصالح،يتوارى خلف الأكفان من أضرم النيران،ومن المنطقى التخمين بمروجى الوشايات إلى من لهم علاقات قوية بالمكتب الفنى القديم،عموما هى مجرد قراءات منقوصة،يستأنف القلم النهوض من عثرته:

(أبديت تعليقا بقناة النيل للأخبارمفندا حجج الإدارة،كما أننى أعلنت أمتعاضى عن مظاهر العنف على صفحات التواصل الاجتماعى،وتوالت البوستات الشارحة،أنطلاقا من مسئوليتى وولائى لهذا المبنى والمعنى.)

مللت التكرار،أمهلت ذهنى بعض الوقت،أيفيد التظلم؟ إجراء إدارى وقانونى تبنى عليه مسارات التقاضى،فزخرفة اللفظ لن تأتى بثمارها،فالمستشارون لن يقبلوا بشئ يمثل لهم هزيمة فى معركة الكرامة،والموظفون يندسون خلف الأبواب،يتحسبون الأنتقام من وجودهم؛فالوقف أمامك والنكران خلفك،ما الذى جنيته من حديقة التمرد؟! ألم تأكل ثمرة التفاح المحرمة؟ هاأنت منبوذ مطرود من رحمة الآلهة،يعلو رنين الهاتف،أنظر إلى الشاشة؛عشرة مكالمات لم أرد عليها،أضغط الزرار:

- كيف الحال؟.. كويس،مين حضرتك؟

- إيمن يا عم عاصم... معلهش؛النمرة غريبة.

- ما غريب إلا الشيطان،عندى أخبار سيئة...هات ما عندك يا فتى ؛فالنتائج كلها زى الزفت.

- أحالت العدلية الموضوع إلى النيابة العامة والإدارية...شئ متوقع وأنا فى ساحة الانتظار.

- المستشار اللى ماسك الملف حلف أنه لا بد من فصلكم... لا جديد وكيف حال الموظفين؟

- عادى أشجعهم على يقدر على الهمس... مخرج مسرح العرائس قطع الحبال.

- الموظف ضعيف يا عم عاصم... هأ..هأ ما أسسخفها من نكتة!

- عموما الأجواء هادئة لأبعد الحدود،لو رميت أبرة فى الطرقات لأصمك رنينها... ايه يا عم التطور اللغوى دا؟

- من عاشر القوم أربعين يوم صار منهم... يا عم عاصم حد قالك اكتب بوستات صاروخية،قاذفات آر بى جى؟

- أنعيب على الورد شكله وننكر شذاه؟.. يا عم المتغطى بالموظفين عريان.

- لم تتردد مثل هذه الأقوال إلا الآن... ماذا أنت فاعل؟

- لا شئ سوى الانتظار... أعلاقتك بقسم بولاق جيدة؟

- بل سيئة للغاية... فكر فى السفر لأهلك لمدة أسبوع.

- لماذا؟.. سترسل لك النيابة طلب استدعاء عن طريق القسم،خذ حذرك.

- خلاص مع السلامة يا إيمن.

الأمر سهل ولا يحتاج لكل هذا التوتر،فأنت لم تقتل أو تسرق،وجريرتك لا تتعدى إبداء رأى،وكونهم مستشارين لا يرعبك،أترهبهم يا فالح؟ فمع من تكون المعارك أذن؟ أتكون مع زوجتك أو أولادك؟ أقصى ما يستطيعونه فصلك،ورب الرزق لم يغادر السماء بعد،فى ثورة 25 يناير كان الهم عاما وشاملا،وفى ثورتك الوظيفية الهم خاص والعقوبة شخصية،أى أن النتائج تلحق بك مباشرة،ألم تعرف هذه الحقيقة من قبل؟ شذ عقلى،لم أكن يوما رهينا لجهة تحقيق، أقصد النيابة بشقيها،وبعد انقضاء العمر الطويل أتقيد فى دهاليز التحقيق! ماذا يريدون؟ أيهدفون إلى تقبيل أقدامهم؟ لا وألف لا،فلأنتظر استدعاء النيابة،انتظر يا معتوه،وكأن النيابة سترسل لك مندوبا رقيقا يحثك على المثول أمامها! والنيابة- فى الواقع- ستجرجرك إليها عن طريق قسم الشرطة،ستتمركز القوة أمام الشارع،سيصعد إلى الشقة ضابط مدجج بالسلاح،تحيط به ثلة المخبرين والأمناء،سيخلعون باب الشقة،ولماذا يجربون الطرق ابتداء؟ سيسحبونك كالخروف إلى البوكس،كل شرفات الشارع مزينة برؤوس البشر،ستبيت ليلة بالحجز انتظارا للعرض على النيابة،سيقذفون بك إلى زنزانة سيارة الترحيلات صباحا،ستقعى مستندا على ركبتيك منتظرا قدوم الباشا،وأنت وحظك مع معاليه،أيتحمل ابنائى رؤيتى فى هذا الموقف المهين؟ لماذا كل هذه السوداوية؟ ألا توجد ألوان أخرى؟ سترسل لك النيابة سيارة BMW مكيفة،سيستقبلك وكيل النيابة أمام الاسانسير،سيسألك بعض سؤال،سيصحبك ثانية إلى المصعد مودعا إياك،ما رأيك فى هذا اللون ياجميل؟

أصل إلى البيت منهكا،لا يمكننى الجلوس أو النوم،كل ديدان الأرض تقرصنى،أنهض،أقعد،أضطجع،أنتفض،هكذا دواليك ،وكأننى بطل مسرحية العناء،وربما أكون مؤديا لتمرين لياقة بدنية من تأليفى! تتوالى أوامرى للولية:حطى فحم على البوتجاز،اعملى شاى،جهزى الأكل،هاتى الولعة،بلاش سكر فى الشاى،خلاص أنا شبعان،الولعة منطفئة،الشاى سكره زيادة،أين الأكل؟ شيلى الجزمة،(الدرنج سوت)مقطوع،اكنسى الأرض،زجاجة مياه،أين الريموت؟ الجوارب مقطوعة،بدلى القناة،لأول مرة تلتزم للأوامر دون تعليق،الإيقاف لتسعين يوما لن يكون مشكلة عسيرة ،تتطلب الشرح والأقناع،ولكن الأزمة الحقيقية هى الإحالة للنيابة،أرتميت فوق الكنبة مشتتا،قلت:

- اوقفونى عن العمل لثلاث شهور. ردت زوجتى:

- يا سيدى ربك يمشيها. يسأل الابن الأكبر:

- المظاهرات حق دستورى. أعقب ساخرا:

- دستور يا أسيادنا. أجهز عليهم بتكملة الخبر:

- احالونى للنيابة. تتمتم زوجتى:

- نيابات وأقسام ،رجعنا للقرف ثانى. أطرح مخاوفى:

- ممكن تأتى أى قوة من القسم فى أى لحظة،وشكلى يبقى زبالة قدام سكان الشارع. تتلعثم زوجتى:

- النيابة تبع القضاء،ومن المؤكد أنها ستجامل المستشارين عندكم. تخرج الحروف من حلقومى:

- كل شئ جائز. تقترح زوجتى:

-لماذا لا تسافر إلى دمياط،تشم هواء،وتبعد عن الجو المعقرب هنا. أفسر:

- أتقصدين الهرب؟ تنفجر:

- تصرفاتك الأيام الماضية مريبة،كل يوم تكتب على الفيسبوك،واليوم الذى يليه تشطب ما كتبت،والنتيجة أنك مهدد بالسجن،ونحن ما مصيرنا؟ ألم تفكر- لحظة- فينا؟ أعلق متفلسفا:

- ظننت أن الواقع قد تغير،اعتقدت أن الثورة فرضت قانونها! تستغل الظروف لتشتم:

- ثورة إيه يا روح أمك؟ لأول مرة تنتقدنى بهذه الصورة الجارحة،يتدخل أصغر ابنائى:

- أفعلت الصواب؟ أرد ببطئ شديد:

- هذا ما أؤمن به. يصدر حكما:

-خلاص لا تشغل بالك. يتدخل الابن الأكبر:

- دعنا الآن نفكر فى المصيبة؛لماذا لا تقضى أسبوعا بلوكاندة فى وسط البلد؟ أتساءل:

- ومن أين لى بالتكلفة؟

يحضر لى الابناء والزوجة مدخراتهم طوال الأيام الماضية أتجاوز المبلغ ألفى جنيه،قيمة المبلغ مثلت لى مفاجأة سارة،ولأول مرة أشعر أن لحياتى ثمنا،الولد الثالث لابد بالبلكونة،يتابع السيارات المارة بالشارع،خشية أن تكون النيابة قد تحركت وأرسلت جلاميد القسم لتقييدى بأساور الحديد،أتصلت برمضان على الهاتف:

- كيف حالك؟... بخير والحمد لله.

- صدر قرار بإيقافى وأحالة التحقيقات إلى النيابة... بسيطة ولا تشغا دماغك.

- يا عم النيابة تعنى الحبس أربعة أيام... النائب العام شخصية محترمة.

- لم أسألك الرأى فى شخص النائب العام... لم نختر هذا النائب عبثا،لم يصدر الرئيس قرارا بتعيينه لذرأ الرمال فى الأعين.

- خلينا فى المفيد؛ما هو الأجراء المرتقب من النيابة؟.. الاستدعاء للتحقيق.

- طبعا الاستدعاء عن طريق القسم،ورئيس المباحث يحمل لى الطغينة،أنسيت قضية أسامة؟.. عشرات الأحداث تمر على رئيس المباحث؛ولا أظن أنه يتذكرك!

- كيف لا يحفظ اسمى ورسمى؛الشكوى التى قدمتها مفندا تعنته وتجبره على أخى مازالت ماثلة فى ذهنه،فالسنتان أمد قصير فى عرف هؤلاء.

- الشكوى لم تكن افتراءوالوقائع حقيقية أثبتتها تحريات مديرية الأمن،وبالتالى انصفتك المديرية؛فأسامة قبض عليه من باب تسديد المحاضر غير المغلقة؛وجدوا على هاتفه تماثيل فرعونية غير مسجلة بالآثار،ولإنها قطع آثار حقيقية ساوموه لكى يخبرهم عن مكانها،بالطبع رفض خوفا من التصفية،وما كان أمامهم إلا تلفيق قضية له عنوانها حيازة وتجارة قطع أثار،ولكون الموضوع مفبرك فأنعكس هذا الكذب فى محاضر التحريات والضبط،مارسوا ضغوطا كبيرة لفتح قناة اتصال مع أصحاب القطع،ضايقوه فى الحجز،منعوا عنه الزيارات،وتلخصت شكوتك فى سوء المعاملة والتعذيب.

- وهذا أدعى للتذكر ؛فالمصالح الدولارية لا يمكن نسيانها.

- يا باشا الوضع بعد الثورة أفضل كثيرا؛فالشرطة-الآن-فى حال انعدام وزن،ولن تلجأ لذات ممارساتها السابقة.

- أينسى رئيس المباحث هجوم عشرات الضباط على عرينه؟

- لن يجروءأحدعلى أهانتك،وعموما يمكنك السفرإلى إحد المصايف لقضاءأسبوع بين الرمال والموج وزرقة السماء.

- وكأن العالم كله متواطئ لسفرى،لن أسافر وليكن ما يكون.

- عموما لا تذهب إلى سراى النيابة إلا بعد الرجوع إلى والتنسيق معى،لأحضر معك.

أنهيت المكالمة،لم تهدأروحى،الخوف عباءة أسرتى،تناقل الجميع الارتباك،لاأتحمل المكوث فى مواجهة أشعاعات اللوم والتقريع،أسرعت الخروج إلى الشارع،أمشى على غير هدى،الناس جميعهم يفترسوننى بنظراتهم،أنحرف يمينا ويسارا حتى لا أصطدم بإحد،أكل هؤلاء البشر يطاردوننى؟ لماذا لا أقف فى بحر الشارع وأزجرهم بلسان حاد؟ حتى النساء والأطفال فى الشرفات يسخرون من هيئتى المزرية،سيارات الكبوت والتكاتك تتقاذفنى بين جنباتها،يحفنى الصاج،أتكعبل أكثر من مرة ولكن ربنا ستر،تصيح المطبات فى وجهى فأرتجف،كل العيون المتربصة على المقاهى تحملق فى وجهى المكفهر،فى كل خطوة خطيئة،ومع كل خطيئة جريرة،والجرائر تفضح السرائر،آه يا معتوه كفاية نوح!

أسند ظهرى المتعب فوق كرسى بالمقهى النائى،رواد المقهى لا يتجاوزون أصابع اليدين،ينتشرون وكأنهم فى جزر منعزلة،تأتى الشيشة برفقة الأدخنة،يصحبها فنجان قهوة سادة،هاأنا جالس الآن والمشاهد مهزوزة؛إيقاف عن العمل،هروب من البيت كل صباح،إحالة التحقيق للنيابة،ظهور شبح رئيس المباحث،لا نجاة لك إلا فى طريق سفر،الأنتظار المقيت،عناوين النيون المتلألئة تومض؛فى جنبات الشاشة كهل فى الثانية والخمسين يحمل حقيبة ملابس فوق كتفه،ينتظر القطار المتجه إلى دمياط،وفى الجنبات ذات الكهل فى بهو الفندق الشعبى يقلب قائمة الأسعار،وفى الأعلى الكهل يصعد قطار الصعيد،وبجوارى على المقهى الكهل نفسه،نسخ الكهل متراصة،أجيب الهاتف:

- أيوه يا باشا،ما آخر الأخبار؟.. كتاب العدلية فى طريقه للنيابة،ومن الممكن استدعاءك خلال ساعات.

- ماشى يا سيدى،والله المستعان... على فكرة لم تكن هناك مساعى من أى فردلإعادة النظر فى الموضوع أو تعطيله.

- ألم يصدر من العدلية بيان بصرف المطالبات المالية للجالسين على مكاتبهم؟.. قلبى معك.

- وهذا يكفينى ياإيمن بيه.

أنقطع الاتصال،دوست على الزرار الخطأ،الكهول المحيطة بى تضحك بشكل هستيري،أنفث سحابات الأدخنة الرمادية،أرتشف القهوة المرة،تنتابنى الحوارات:

لماذا يتملكك الضعف؟.. أين البأس وقوة الشكيمة؟.. أتعرف شيئا عن القضاء والقدر؟.. سيمر اليوم ويهل الغد ولن يفيد الأزمات البكاء... لا تجيد البناء إلا فى أملاك الغير... مع الطلقة يفر الموظفون،تسعون فى المائة منهم قبعوا فى مكاتبهم،فلم تكن حربهم،اسماؤهم فى قوائم الشرف والمخصصات المالية ستتراقص إليهم... تطاردك الهلاوس،تهرف حينما تذكر كلمة نيابة،أين الشجاعة والإقدام؟.. يا باشا دعك من قائمة المبادئ،ما نكست المبادئ حقا وما نكست باطلا،الفقراء دوما تغرر بهم أثواب الشجاعة القشيبة،وفى غمضة عين يعلقون كالخراف تضحية للكسالى،من آثر السلامة نجا،ومن نجا سمق فى سماء الولاء،وأنت أيها الوافد من الجنوب لا الأرض أرضك ولا الناس من أهلك،أتدعى البطولة فى بلد الأفيال،ما الذى تخدشه الجراء فى اجساد أسود هصورة؟.. أيتساوى الإنسان بالانسان؟أنها مسألة فيها نظر،ترهات عقل ملتاث ،فى الصراع لا تتساوى الابدان،تتباين قوى النيران،وأنت- الآن- كالفأر المذعور،والقط المخموش،والجرو المطارد من نساء القبيلة،أجننت حتى ترد صفوا؟ وأمثالك لا يردون الماءإلا كدرا وطينا!

فصول التأنيب تتالت أمام ناظرى،هربت من المقهى إلى آخر،السقم البواح حاق بى،أنتهى الفصل السابع وأنا فى شقتى بين ابنائى،أنهيت إليهم قرارى بعدم الهرب والمكوث انتظارا لسهام السماء النارية،لو تملكتنى الشيزوفرونيا لخسرت أولادى وخسرتنى كتبى،ستهاجمنى كل هذه الكراتين المملوءة بالكتب،لن ترض عنى العرب،ولن يشفع لى الغرب،ستتلاشى هويتى ولن أجد لى وطنا،منذ شهور قليلة تجرى خلفك كتيبة صاعقة،تلاحقك،تمسك بتلابيبك،يطأوك أسفل الأقدام،يركلوك،لم تصرخ،أى نعم اقتحمتك الأوجاع،ولكنك لن تضعف،الضربات تدفع عقلك للتشبث أكثر بالحياة،وجسدك لا يشرإلا الدماء،والآن الآن يحتلك الخنوع،يعجنك الخزى بدقيق الرعب،ترجل يا فتى ونم وامر ابنك بمغادرة البلكونة وانصح زوجتك بالثرثرة فى أى موضوع ودع المشهد اليومى يتكرر.

تمت بحمد الله

عصام الدين محمد أحمد

نيسان ـ نشر في 2015-10-31

الكلمات الأكثر بحثاً