اتصل بنا
 

الشرفات يكتب عن إستراتيجية الراعي والجربوع

نيسان ـ نشر في 2023-06-23 الساعة 18:09

x
نيسان ـ سعود الشرفات
الجربوع حيوان صغير جداً من الثديات يعيش في الصحراء وله عدة انواع، يشبه الكنغر في الشكل، حتى ليبدو كأنه كنغر قزم وهو حيوان ليلي يتغذى على الأعشاب،ولا يشرب الماء، ويعيش في جحور تحت الارض يصل عمقها احيانا إلى مترين. عدوه الأول الأفاعي التي تدخل إلى جحره وبعض انواع البوم الليلي، إضافة إلى العدو الأكثر فتكاً ؛ الإنسان. وحتى نكون أكثر تحديداً رعيان المواشي والقطعان في الصحراء الذين يحبون أكل لحمه شوياً على النار. ويقال بأن لحمه مُحلل في الدين الإسلامي. وأحياناً يفعلون ذلك للتسلية فقط لتضيع الوقت في نهارات الصحراء الطويلة المملة.
ولقد طور الجربوع وسائل دفاع دقيقة محكمة لكيفية الهروب من الجحر عندما يداهمه الخطر. فالجحر مغطى بالتراب ولا يعرفه إلا الخبراء، وللجحر مخرج طوارئ سري على وجه الأرض للهروب؛ أيضا لا يستطيع التعرف عليه إلا الخبراء. ويسمى منفذ الهروب هذا عند البدو "النطوقة" ويمكن اعتباره مخرج الطوارئ باعتبار ان الجربوع" ينطق "؛ يخرج مسرعاً منه للهروب.
لسوء حظ الجربوع؛ وربما كل الحيوانات الأخرى، أن بدو الصحراء عرفوا عبر التاريخ الطويل، ومن خلال التجارب كل وسائل دفاع الجربوع فأصبح لديهم عدة طرق لإخراجه من جحره العميق. لكن الجربوع يعرف شيء واحد مهماً؛ هو كيفية الهرب.
هناك الطريقة التقليدية بالحفر مباشرة عليه إذا فشلت حيل دفعة للخروج بهدف الهروب من مخرج الطوارئ "النطوقة".
والطريقة الثانية وهي غير تقليدية؛ وتتمثل بسكب الماء مباشرة بحجر الجربوع الدفعة مجبرا على الخروج.
وتفترض هذه الطريقة ان يكون لديك احتياطي كافي من الماء وأحياناً كثيرة لا يخرج الجربوع لأسباب غير معروفة. ربما لأنه اختنق من الماء فمات.
إن راعي الأبل في الصحراء عادة يحمل كمية محدودة من الماء في قربته لاستخدامة الشخصي. ولا يملك أو تتوفر له مصادر متاحة لإعادة التزود بالماء في الصحراء القاحلة. وعلى عكس قطيع الإبل الذي يحتمل العطش لثلاثة ايام على الأقل، فإن الراعي الشقي لا يحتمل العطش والظمأ أكثر من يوم وليلة في قيض الصحراء اللاهبة.
في وقت مبكر من النهار يعثر الراعي في طريقه على الجربوع ولأنه مغرم بطعم لحم الجربوع المشوي. يقرر بسرعة وبحماس متهور بدون تفكير عميق بخيارته الذهاب إلى الطريقة غير التقليدية لإخراج الجربوع، وهي سكب ما معه من الماء في جحر الجربوع لأنه في عجلة من أمره؛ فلا يريد أن يبتعد عن القطيع خشية ان تهاجمه ذئاب الصحراء الجائعة.او ان يضيع وينهبه قطاع الطرق.
في لحظة غياب للعقل يسكب الراعي المتهور كل ما معه من الماء لإخراج الجربوع من جحره، لكن الجربوع لسبب ما لا يخرج من الجحر، ويفقد الراعي ما معه من ماء في الصحراء؛ فيموت من العطش.
حسناً؛ قد تبدو هذه القصة أو الحكاية خيالية أو أسطورية، لكنها حتماً ليست عن مجتمع الجرابيع والثديات الصغيرة. وهي حتماً ليست نقدا للسذاجة الطبيعية لمجتمع رعيان البدو. و هناك الكثير من والقصص المشابهة لها في الثقافات الأخرى، وكلها تدور حول الحيونات الصغيرة، لكنها محملة بالمعاني والأفكار والفلسفات العميقة. على سبيل المثال قصة الأرنب والسلحفاة، الثعلب والقنفذ، الأسد والفأر، لون القط، العصفور والقفص وغيرها.
أنها قصة عن خيارات الحياة الفردية، في العائلة والمجتمع ،وعن السيناريوهات والتخطيط ،وتحليل المخاطر ، والخيارات العقلانّية والاستراتيجيات الكبيرة للدول . أنها عن القرارات المتهورة في السياسية والاقتصاد والاجتماع والأمن ،عن المعارك التضحيات التي تخاض بلا تخطيط مسبق،عن المشاريع والاستثمار في الوهم، عن التضحيات والانتصارات التي لا تتحق إلا بالكثير من الخسائر، عن الرهانات الكبرى على الأشياء التافهة التي تدفعنا بدون تفكير بالعواقب إلى استمرار ارتكاب الأخطاء القاتله. فكم من مرة قمنا بسكب كل ما نملك من ماء - اي كل مواردنا النادرة - في جحر جربوع، من أجل تحقيق إنجاز سخيف أو نصر تافه؛ ليس أكثر من حفلة شواء لجربوع هزيل.

نيسان ـ نشر في 2023-06-23 الساعة 18:09

الكلمات الأكثر بحثاً