الشارع الاردني .. وجدل الثانوية العامة
نيسان ـ نشر في 2023-06-24 الساعة 14:40
نيسان ـ المعايير التي كان يستخدمها الناس للنظر الى الافراد وتقييم ادائهم تلاشت بفعل التغيرات السريعة والازاحة التي حصلت لمجتمعنا وثقافتنا ونحن نستدير نحو العالم الغربي ونهجر هويتنا الثقافية تحت عناوين العصرنة والتحديث ومحاكاة العالم الراسمالي وانماط عيشه وقيمه الاستهلاكية.
في مجتمع يعتبر فيه الاستهلاك التفاخري واقتناء البيوت والسيارات الفارهة والتحدث بلغات غربية وإقامة الحفلات في الخارج وإرسال الأبناء الى جامعات ومعاهد اجنبية باهظة التكاليف والسباق المحموم بين الافراد والأسر للحصول على جنسيات جديدة تيسر لهم الاستمتاع بامتيازات التنقل والسفر والتعليم والعلاج والتهرب الضريبي تختفي كل معايير التقدم التقليدية التي اعتدنا عليها وتظهر الفهلوة والشطارة والعلاقات وبيع الولاءات والمزايدات والوصولية عبر تسليع كل الأشياء بما في ذلك المشاعر والانتماءات والوشايات وشيطنة الاخر وابتداع مفاهيم خاوية من كل القيم والمعاني وصالحة للاستخدام بين بحارة السياسة والاقتصاد والاستثمار.
اليوم وبعد شيوع مفاهيم العولمة الامنية تم القضاء على غالبية المعايير التقليدية التي ضبطت ايقاع المجتمع وحافظت على توازن علاقاته عبر مئات السنين فقد تراجع دور الدين كموجه ومعيار للعلاقات الصحية التي توحد مشاعر وسلوك الناس.. وقد جاء كل ذلك بعدما اجتاحت ثقافتنا قيم واحكام ومعايير جديدة كالتطرف والغلو باعتبارها اخطار محتملة ينبغي استبدالها بالوسطية والاعتدال.
العشائرية وما فيها من قيم واعراف وتقاليد جرى تفكيك وظائفها وابقي على هياكلها واصبحت لا تقوى على القيام بشي سوى إدارة المأتم واخذ العزاء وإدارة ولائم الأفراح في بعض الحالات..
الحديث عن الدور السياسي للقبيلة كلام لا يفهم منه انها قادرة على ان تترجم ارادتها بعدما تم العبث بهذه الارادة وتفتيتها من خلال توليد قيادات مصطنعة داخل القبائل والعشائر وتطبيق قوانين تفتت كيانات العشائر وتحولها الى جماعات متصارعة..
المعيار الوحيد الذي بقي ليلقي الضوء على جوانب متعددة من شخصياتنا هو الثانوية العامة او"التوجيهي" فهو يعطي مؤشر على العمر فعندما يقول احدهم انه أنهى الثانوية عام ١٩٨٠ تعرف وبلا عناء أن عمره فوق الـ ٦٠ عام واذا عرفت ان جميع ابناء اسرة ما قد أنهوا الثانوية العامة فيعطيك ذلك مؤشرا على اهتمام الاسرة بالتعليم.
العلمي والادب والصناعي والتجاري والزراعي مؤشرات فرعية على خلفية الفرد وقدراته الأكاديمية. في الاردن ومنذ تبني نظام التوجيهي في مطلع الستينات جرى تصنيف الشباب والشابات الى طبقتين الأولى طبقة الحاصلين على الثانوية العامة والثانية طبقة غير الحاصلين او التوجيهي راسب وما دون التوجيهي.
في الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينيات من القرن الماضي كان خريج الثانوية العامة يعين في دوائر الحكومة ويعتبر موظفا يتطلع الى مستقبل وظيفي
حتى اوائل السبعينيات كانت قلة من الخريجين يلتحقون بالجامعة الاردنية وجامعات مصر وسوريا والعراق والميسورين كانوا يرسلوا فلذات اكبادهم الى الولايات المتحدة وأوروبا ليعودوا الى مواقع يختاروا الخدمة فيها.
الأوائل في الثانوية العامة يملكوا ترف الاختيار فهناك بعثات الى الجامعة الامريكية او روسيا او الاردنية ان احبوا.
في السنوات العشر الاخيرة تعرضت الثانوية العامة الى محاولات متعددة من التشدد والتسامح والتعديل ومحاولات الالغاء او الاستبدال تحت مبررات غير مفهومة تماما..
لا أعرف السياق الذي تحدث خلاله دولة الرئيس بأنه من اوائل الثانوية العامة عام ١٩٨٦.. ولا اظن ان أحدا يستكثر على دولته ان يكون الأول.
المدهش اننا نعيش جميعا في حقبة تختلط فيها المعايير وتغيب المرجعيات ومن غير ان نشعر نجد أنفسنا نستشهد وبلا وعي في الثانوية العامة باعتبارها اكثر المعايير التي تميز بين ابناء الفوج الواحد وتصنف قدراتهم..
في بلادنا كنا مع كل موسم نترنم على شدو عبدالحليم:
وحياة قلبي وافراحه ..وهنا بمسى وصباحه
ما لقيت فرحان في الدنيا ..زي الفرحان بنجاحه
اتمنى على الأخوة في التربية والتعليم ان لا يتابعوا السير في طريق إلغاء الثانوية العامة لأنها اخر ما تبقى لنا من معايير.
(عمون)
في مجتمع يعتبر فيه الاستهلاك التفاخري واقتناء البيوت والسيارات الفارهة والتحدث بلغات غربية وإقامة الحفلات في الخارج وإرسال الأبناء الى جامعات ومعاهد اجنبية باهظة التكاليف والسباق المحموم بين الافراد والأسر للحصول على جنسيات جديدة تيسر لهم الاستمتاع بامتيازات التنقل والسفر والتعليم والعلاج والتهرب الضريبي تختفي كل معايير التقدم التقليدية التي اعتدنا عليها وتظهر الفهلوة والشطارة والعلاقات وبيع الولاءات والمزايدات والوصولية عبر تسليع كل الأشياء بما في ذلك المشاعر والانتماءات والوشايات وشيطنة الاخر وابتداع مفاهيم خاوية من كل القيم والمعاني وصالحة للاستخدام بين بحارة السياسة والاقتصاد والاستثمار.
اليوم وبعد شيوع مفاهيم العولمة الامنية تم القضاء على غالبية المعايير التقليدية التي ضبطت ايقاع المجتمع وحافظت على توازن علاقاته عبر مئات السنين فقد تراجع دور الدين كموجه ومعيار للعلاقات الصحية التي توحد مشاعر وسلوك الناس.. وقد جاء كل ذلك بعدما اجتاحت ثقافتنا قيم واحكام ومعايير جديدة كالتطرف والغلو باعتبارها اخطار محتملة ينبغي استبدالها بالوسطية والاعتدال.
العشائرية وما فيها من قيم واعراف وتقاليد جرى تفكيك وظائفها وابقي على هياكلها واصبحت لا تقوى على القيام بشي سوى إدارة المأتم واخذ العزاء وإدارة ولائم الأفراح في بعض الحالات..
الحديث عن الدور السياسي للقبيلة كلام لا يفهم منه انها قادرة على ان تترجم ارادتها بعدما تم العبث بهذه الارادة وتفتيتها من خلال توليد قيادات مصطنعة داخل القبائل والعشائر وتطبيق قوانين تفتت كيانات العشائر وتحولها الى جماعات متصارعة..
المعيار الوحيد الذي بقي ليلقي الضوء على جوانب متعددة من شخصياتنا هو الثانوية العامة او"التوجيهي" فهو يعطي مؤشر على العمر فعندما يقول احدهم انه أنهى الثانوية عام ١٩٨٠ تعرف وبلا عناء أن عمره فوق الـ ٦٠ عام واذا عرفت ان جميع ابناء اسرة ما قد أنهوا الثانوية العامة فيعطيك ذلك مؤشرا على اهتمام الاسرة بالتعليم.
العلمي والادب والصناعي والتجاري والزراعي مؤشرات فرعية على خلفية الفرد وقدراته الأكاديمية. في الاردن ومنذ تبني نظام التوجيهي في مطلع الستينات جرى تصنيف الشباب والشابات الى طبقتين الأولى طبقة الحاصلين على الثانوية العامة والثانية طبقة غير الحاصلين او التوجيهي راسب وما دون التوجيهي.
في الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينيات من القرن الماضي كان خريج الثانوية العامة يعين في دوائر الحكومة ويعتبر موظفا يتطلع الى مستقبل وظيفي
حتى اوائل السبعينيات كانت قلة من الخريجين يلتحقون بالجامعة الاردنية وجامعات مصر وسوريا والعراق والميسورين كانوا يرسلوا فلذات اكبادهم الى الولايات المتحدة وأوروبا ليعودوا الى مواقع يختاروا الخدمة فيها.
الأوائل في الثانوية العامة يملكوا ترف الاختيار فهناك بعثات الى الجامعة الامريكية او روسيا او الاردنية ان احبوا.
في السنوات العشر الاخيرة تعرضت الثانوية العامة الى محاولات متعددة من التشدد والتسامح والتعديل ومحاولات الالغاء او الاستبدال تحت مبررات غير مفهومة تماما..
لا أعرف السياق الذي تحدث خلاله دولة الرئيس بأنه من اوائل الثانوية العامة عام ١٩٨٦.. ولا اظن ان أحدا يستكثر على دولته ان يكون الأول.
المدهش اننا نعيش جميعا في حقبة تختلط فيها المعايير وتغيب المرجعيات ومن غير ان نشعر نجد أنفسنا نستشهد وبلا وعي في الثانوية العامة باعتبارها اكثر المعايير التي تميز بين ابناء الفوج الواحد وتصنف قدراتهم..
في بلادنا كنا مع كل موسم نترنم على شدو عبدالحليم:
وحياة قلبي وافراحه ..وهنا بمسى وصباحه
ما لقيت فرحان في الدنيا ..زي الفرحان بنجاحه
اتمنى على الأخوة في التربية والتعليم ان لا يتابعوا السير في طريق إلغاء الثانوية العامة لأنها اخر ما تبقى لنا من معايير.
(عمون)
نيسان ـ نشر في 2023-06-24 الساعة 14:40
رأي: د. صبري الربيحات