اتصل بنا
 

الحرامي عندما يحلف

نيسان ـ نشر في 2023-06-25 الساعة 08:50

نيسان ـ ماذا لو وقف جنديّ صهيونيّ وأنشد: "بلاد العرب أوطاني/ من الشام لبغدان. ومن نجد إلى يمنٍ/ إلى مصر فتطوان"؟ مع التذكير بأن تطوان مدينة مغربيّة.
لا يندرج السؤال في إطار "الفنتازيا" كما يظنّ بعضهم، أو أن الجندي الصهيونيّ تعرّب، أو استعرب، بل يدخُل في عمق النظرية الصهيونية القائمة على تحويل سلاح الخصم إلى سلاح ضدّه، تماماً مثلما نجحت إسرائيل في استثمار الخطاب العربي القديم عن ضرورة إبادة إسرائيل و"إطعام اليهود لأسماك البحر"، في كسب تعاطف العالم ضدّ العرب "الهمج".
ومن الواضح أن ذلك النشيد الأثير عند العرب قد يصبح عمّا قريب نشيداً إسرائيليّاً، بامتياز، ليس على قاعدة "التعرّب"، بل لمزيد من "التصهين"؛ لأنه يعني، عند انقلاب الصورة، أن بلاد العرب، برمّتها، من المشرق إلى المغرب، أصبحت حقّاً صهيونيّاً خالصاً.
وللكلام مناسبة، بالطبع، بدأت قبل تسريبٍ إعلاميّ حول عزم إسرائيل الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وقبل مشاركة قوات ثلّةٍ من لواء غولاني الإسرائيليّ في مناورات "الأسد الأفريقي" لهذا العام، التي تقام سنويّاً في المغرب بالتعاون بين الجيشين المغربي والأميركي. فالمناسبات ربما بدأت قبل ذلك بكثير، منذ أيام ملك المغرب الراحل، الحسن الثاني، الذي أبدى كثيراً من النيات الحسنة، المعلنة، تجاه إسرائيل، وضرورة "الصلح" معها. أمّا عن النيات المبطّنة، التي تحوّلت إلى زيارات متبادلة، وتعاون من وراء الستار، فحدّث ولا حرج، بل يقال إن للمغرب يداً طولى في معظم معاهدات السلام العربية التي وقّعت لاحقاً، وفي مقدمها اتفاق أوسلو، بدليل أن رئيس وزراء إسرائيل الراحل، إسحق رابين، آثر أن ينعطف بطائرته التي أقلّته في طريق عودته إلى فلسطين المحتلّة من واشنطن، لتحطّ في المغرب، عقب توقيعه معاهدة السلام مع الرئيس الراحل ياسر عرفات. وكأنه يريد أن يردّ الفضل إلى أهله، وأن يقدّم المعاهدة نفسها هدية شكر وامتنان لصاحب الفضل، الحسن الثاني.
والحال أن العلاقة العاطفية لم تكن من طرفٍ واحد فقط، بل كانت إسرائيل تحمل المشاعر ذاتها للمغرب، تحديداً، لا لأنّ أغلبية اليهود العرب المهاجرين إلى إسرائيل هم من المغرب وحسب، بل لأنّ المغرب هو خاتمة الوطن العربي، وللأطراف أهميتها في التفكير الاستراتيجي الصهيوني، فالإطباق عليها يعني حصار العمق، وليس شرطاً أن يكون الحصار عسكريّاً، بل يكفي أن يكون نفسيّاً في هذه الحالة، ليرى المواطن العربي العلم الإسرائيليّ مرفرفاً على حدود خريطته الكبرى، من مشرقها إلى مغربها.
أمّا عن مشاعر الطرف الأول من العلاقة، فثمّة طرفة تلامس المأساة، عندما يطلب المغرب اعترافاً من محتلّ وغاصب بسيادته على رقعة من الأرض، كمن يطلب شهادة لصّ أو قاتل للمحكمة، عندها تصبح البراءة إدانة، والسيادة اغتصاباً، بل يمكن، في هذه الحالة، سحب عديد من الاعترافات السابقة بسيادة المغرب على الصحراء من عربٍ كانوا يؤمنون بذلك قبلاً؛ لأن الشاهد محتلّ، ولا يمكن أن يطلبه للشهادة إلا محتلّ مثله، على قاعدة المثل "قيل للحرامي: احلف، فقال: جاء الفرج".
أمّا لو جاء التماس الاعتراف الإسرائيلي نكاية بالجارة الجزائر، التي ترفض سيادة المغرب على الصحراء، فالطامّة أشدّ وأدهى، لأن المغرب، في هذه الحالة، يكون قد تعامل وفق المثل الشعبي الذي يتحدّث عن زوج خصى نفسه نكاية بزوجته؛ لأنها الخاسر الأكبر في مثل هذه النّكايات العبثيّة، كمن يُدخل الدبّ إلى كرمه ويريد لعنبه أن يبقى سليماً.
على الأرجح، ستحقّق إسرائيل رغبة العشيق قريباً، وتعترف بسيادة المغرب على الصحراء، لكنها ستكون أشبه بالسيادة على "الهباء"، لأنها سيادةٌ مؤقتة في عُرف إسرائيل التي استبدلت نشيدها الوطني "هتكفاه"، بنشيد جديد هو: "بلاد العرب أوطاني..." منذ رأت ثلّة من العرب يقدّمون لها نشيدهم على طبقٍ من ضعف، ووهن، ورايات بيض.العربي الجديد

نيسان ـ نشر في 2023-06-25 الساعة 08:50


رأي: باسل طلوزي

الكلمات الأكثر بحثاً