اتصل بنا
 

الدجاج بانتظار الفتوى

نيسان ـ نشر في 2023-06-30 الساعة 10:03

نيسان ـ شهدت أوساط الدجاج العربي في الأيام القليلة الماضية حالة من الهرج والمرج، إثر تصاعد الجدل المتمخّض عن فتوى أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر، الدكتور سعد الدين الهلالي، بجواز التضحية بالطيور بدل الأغنام والبقر، تسهيلاً على العباد، وتمكين ذوي الدخول المحدودة من أداء هذه الشعيرة، فقد كان الدجاج يشعر، حتى وقت قريب، أنه "محظوظ"؛ لكونه في منجى من هذه المناسبة السنوية، التي يطاح فيها رفاق السكّين وحدهم من دونها، بل إن هذه المناسبة، تحديدًا، يعتبرها الدجاج "عيدًا" مشتركًا مع البشر؛ كونها تمدّ في عمره بضعة أيام، يكون فيها الاهتمام منصبًّا على لحوم "الزملاء" وحسب.
وعلى منقلب آخر، شعر الدجاج العربي ببعض التفاؤل؛ لأن فتوى الهلالي ووجهت بردودٍ رافضة من لدن علماء يخالفونه الرأي في ما ذهب إليه، ويرون أن الأضحية لا ينبغي أن تكون إلا من لحوم الماشية، حصرًا، معزّزين آراءهم بأسانيد علمية، فيما وقف ذوو الدخل المحدود حيارى بين الفتويين، وإن كان منهم من يميل إلى قاعدة قديمة ما تزال متداولة، أن "اختلاف العلماء رحمة"، ما يعني أن في مكنتهم التضحية بالدجاج بدل الغنم.
للتذكير فقط، لم يدر هذا الجدل في البلاد العربية كلها، بل في معظمها التي لا يؤكل فيها اللحم إلا في الأعياد فقط، والتي توشك أن تعلن نفسها "بلادًا خالية من اللحم"، ذلك أن من غير الإنصاف أن تقارن هذه البلاد بقريناتها العربيات الأخريات، التي وصلت فيها التخمة إلى حدّ أن بات بعض مطاعمها يقدّم "اللحم المذهّب"، وهو شرائح لحم مشوية مغلفة بنثار ذهب حقيقي، تكلفة الصحن منها آلاف الدولارات. وما ذلك إلا تعبيرٌ عن مبلغ عمق الفجوة بين مترفي الوطن العربي ومعدميه، الذين كانوا ينتظرون حسم الجدل القائم بشأن جواز التضحية بالدجاج من عدمه.
أما الطرف الثالث في هذا الجدل المستعر، فهو الماشية التي شهدت، هي الأخرى، حالة من الانتظار المشوب بالحذر مما ستسفر عنه الفتاوى المتبادلة، بل إنها أشدّ المعنيين بها؛ لأنه جدل على حياتها، وغنيّ عن القول إنها كانت تميل إلى الحسم لصالح فتوى الدكتور الهلالي، التي تعني أن الدجاج سيحمل عنها قسطًا من أعباء الذبح، ما يتيح لفئة منها النجاة، وانتظار موتٍ مؤجّل، على الرغم من أنها تفقد بهذه الفتوى جزءًا من هيبتها؛ لكونها تساويها بالدجاج، فقد كانت تضع نفسها في مرتبة أعلى، سعرًا ولحمًا، فضلًا عن أنها لا تُحبَس في أقفاص، بل في حظائر تتيح لها حرية أكبر في التحرّك؛ لأنّ "الحبل المشدود إلى أعناقها أطول قليلًا"، وفق ما سمعته ذات مرّة من "زوربا" اليوناني.
لم نتحدّث بعد عن الطريقة التي كان سيوزّع بها لحم الدجاج لو حسم الجدل لصالح إدراجه في خانة الأضاحي المباحة، وهذا أيضًا ممّا يحتمل الأخذ والردّ، فهل كان سيقطّع جسد الدجاجة إلى أجزاء، ويوزّع كل جزء على حدة؛ فيكون نصيب المتحلّقين حول الأضحية فخذاً، أو صدرًا، أو ربما أقلّ من ذلك؟ أم ينبغي خصّ فقير واحد بالدجاجة كاملة؟ وماذا عن الريش والأحشاء؟
أسئلةٌ عديدةٌ أضرمتها هذه الفتوى التي لم تُحسم في هذا العيد، على الأقل، غير أن أحدًا منا لا يعرف أنه كانت ثمة مشاعر متضاربة من الغضب والشفقة تدور في أذهان الماشية العربية ودجاجها على حدّ السواء ... الغضب لكونها تشعر بأنها أضاحي لضحايا يمارسون دور الجلاد، ولا يعيرون التفاتًا إلى عشرات السكاكين التي تقتطع من لحومهم يوميًّا، ومن الحبال التي تطوّق أعناقهم بينما يعتقدون أنهم ما زالوا أحرارًا. أما الشفقة فلأن الماشية والدجاج العربيين لا يضيرهما أن يسدّا رمق الجياع والفقراء من لحومهما حتى لو ضحّيا بنفسيهما من أجلهم، ولأنهما يخشيان من فتوى مقبلة، يبحث عنها طغاة الوطن العربي هذه المرّة، ليبرئوا ساحاتهم بعد أن استَبَقوا الفتوى، وأجازوا لأنفسهم التضحية بلحوم شعوبهم.العربي الجديد

نيسان ـ نشر في 2023-06-30 الساعة 10:03


رأي: باسل طلوزي

الكلمات الأكثر بحثاً