مشروع العطارات: صمت صيني والأردن يبحث عن الإنصاف
بسام بدارين
كاتب اردني
نيسان ـ نشر في 2023-07-23 الساعة 07:15
نيسان ـ لو كانت الأسقف السياسية لا تسمح لسبب أو لآخر بمشروع ضخم من هذا الصف في الأراضي الأردنية كان يفترض بالحكومة التي منحت التراخيص التدقيق أكثر في ملف التسعير.
المفارقة الأساسية في مشروع العطارات الأردني المثير للجدل والذي عاد مؤخرا لسبب غامض حتى الآن إلى الأضواء انه الدليل الأكبر على مستويات التخبط الإداري المرتبط دوما بقرارات سياسية متقلبة يتضح انها غير مدروسة. لا بل أكثر من ذلك مكلفة ماليا وتعود بالخسائر على الخزينة.
مشروع العطارات كان يفترض أن يشكل رافدا حيويا لمفهوم ومنطق أمن الطاقة الأردني، بمعنى القدرة على توليد الطاقة الكهربائية واستعمالها في الداخل أو بيعها في الإقليم عبر تقنية الصخر الزيتي وثرواته الطبيعية الممتدة في الكثير من الأراضي الأردنية.
كان المشروع عمليا عنوانا عريضا للأمن في مجال الطاقة عندما تم تصميمه والتفكير به، وعندما أصدرت حكومة أردنية سابقة التراخيص اللازمة لهذا الاستثمار الضخم بغطاء صيني لأول مرة.
لاحقا تغيرت المعطيات وانطفأت الكهرباء فجأة في عهد إحدى الحكومات قبل عدة سنوات فاتهم المشروع بالتسبب بـ«الغبن الفاحش» وتم توجيه شكوى للتحكيم الدولي على هذا الأساس لأن الحكومة المعنية تريد تخفيض الأسعار المتفق عليها.
وصفت وزير الطاقة السابقة هالة زواتي تلك الاتفاقيات بأنها «خطأ فادح». وبقي السؤال: ما هو تعريف الإنصاف وكيف تنقلب حكومة أردنية على اتفاقيات موقعة بشكل ألحق ضررا بالغا في مشروع استثماري ضخم سقفه وصل إلى ملياري دولار يفترض أنه يؤسس لبنية تحتية تضمن النطاق؟
سؤال محرج وصعب في الآن ذاته. ورغم أن مراجعة مشروع العطارات خطوة سياسية بامتياز طالما رفض رئيس الوزراء آنذاك الدكتور عمر الرزاز تسييسها إلا أن الإجابة على ذلك السؤال هي بموقع الطريق المختصرة نحو الإشكال الأهم في الإدارة البيروقراطية للحكومة.
لو كانت الأسقف السياسية لا تسمح لسبب أو لآخر بمشروع ضخم من هذا الصف في الأراضي الأردنية كان يفترض بالحكومة التي منحت التراخيص التدقيق أكثر في ملف التسعير.
لكن هذه الأخطاء هي جزء من سياسة العمل بالتقسيط والقطعة بين الحكومات الأردنية رغم أن ملفا مثل أمن الطاقة يفترض أن يكون عابرا للحكومات.
بكل حال تضرر مستثمرون من قرار الحكومة السابقة تجميد العمل بجزئية التسعير ثم التعطيل باللجوء إلى التحكيم الدولي وسط انطباع عام بأن أصل النقاش هو الغطاء الصيني وتسييس هذا الغطاء وتدخل دول صديقة وحليفة للأردن على رأسها الولايات المتحدة للضغط على الحكومة الأردنية ولكن بدون تقديم تعويض لها بالمقابل أو خيار بديل.
طوال الوقت كانت وزيرة الطاقة السابقة زواتي تصر على أن التحكيم الدولي سيتعامل بإنصاف مع الأردن، وفهمت «القدس العربي» بأن كلفة اللجوء إلى التحكيم الدولي هي أقل بالتأكيد من كلفة المجازفة بتمرير التسعير القديم فيما لا مجال لغرامات ولا كلف إضافية على الخزينة الأردنية لأن خسارة التحكيم تعني عودة المشروع للعمل بالاتفاقيات القديمة بكل بساطة. أحد الخبراء همس لـ «القدس العربي» قائلا إن الخسارة الحقيقية بعد التحكيم ستكون عدم وجود آلية منتجة لإجبار المستثمر على الجلوس للتفاوض المباشر، ثم يسأل: إذا خسرت الحكومة قضية التحكيم، كيف ستجبر المستثمرين على التفاوض لتخفيض الأسعار؟
يبدو انه سؤال «إداري» أو له صلة بالسياسة الإدارية سقط من الحسابات.
والثغرة التالية في عرف الخبراء أن اللجوء للتحكيم الدولي بناء على «الغبن» كان أضعف الحلقات في الطعن، فإثبات الغبن مسألة هي الأصعب في المداولات القانونية الدولية والحكومة الأردنية تعرف ذلك والسؤال: لماذا اختارت الطعن على أساس الغبن حصرا؟ وما هو تصور الطاقم الذي أدار المسألة في هذا السياق؟
واضح أن ثمة أسرارا وخلفيات لا أحد يعرفها.
والأوضح أن مشروع العطارات دخل مبكرا في إطار نكايات شخصية وفي سياق صراعات بين مراكز القوى المحلية ودفع المشروع بوضوح ثمن التخبط الإداري وتصفية الحسابات.
اليوم عادت الأضواء لتلاحق نفس المشروع وسط انطباع عمومي بأن المسألة لم يتم تجاوزها بعد والأسئلة تتواصل وسط الانطباع بان إيقاف نمو مشروع العطارات لإنتاج الطاقة الكهربائية من الزيت الصخري كان أساسه تمرير صفقة الغاز مع إسرائيل.
لكن تمرير صفقة الغاز مع الإسرائيليين لم ينته بعلاقات دافئة بين الأردن والجانب الإسرائيلي بعدما قفز الائتلاف اليميني الحكومي المتشدد إلى الواجهة وبالتالي لم يساهم توريد ما قيمته 10 مليارات دولار من الغاز من الإسرائيليين إلى الأردن باستقرار حتى العلاقات الثنائية الأردنية الإسرائيلية.
بكل حال يفترض أن مشروع العطارات إذا ما كانت المعلومات دقيقة وتقبلت الحكومة اقتراح الإعلان بشفافية للرأي العام عما يحصل خلف ستائر التحكيم الدولي بشأن هذا المشروع قد تتقلص الإثارة والخسائر.
الولايات المتحدة بالتأكيد تدخلت لإحباط المشروع لصالح الغاز الإسرائيلي خلافا لضغوط سياسية وتصفية حسابات بين مراكز القوى الداخلية ولخسائر فادحة متوقعة بالطريق، فيما ظل الصيني صامتا حتى الآن يراقب المشهد. والتحكيم الدولي قد لا ينصف الأردن وهو كان قد اتجه إليه أصلا بقصد الإنصاف / القدس العربي
المفارقة الأساسية في مشروع العطارات الأردني المثير للجدل والذي عاد مؤخرا لسبب غامض حتى الآن إلى الأضواء انه الدليل الأكبر على مستويات التخبط الإداري المرتبط دوما بقرارات سياسية متقلبة يتضح انها غير مدروسة. لا بل أكثر من ذلك مكلفة ماليا وتعود بالخسائر على الخزينة.
مشروع العطارات كان يفترض أن يشكل رافدا حيويا لمفهوم ومنطق أمن الطاقة الأردني، بمعنى القدرة على توليد الطاقة الكهربائية واستعمالها في الداخل أو بيعها في الإقليم عبر تقنية الصخر الزيتي وثرواته الطبيعية الممتدة في الكثير من الأراضي الأردنية.
كان المشروع عمليا عنوانا عريضا للأمن في مجال الطاقة عندما تم تصميمه والتفكير به، وعندما أصدرت حكومة أردنية سابقة التراخيص اللازمة لهذا الاستثمار الضخم بغطاء صيني لأول مرة.
لاحقا تغيرت المعطيات وانطفأت الكهرباء فجأة في عهد إحدى الحكومات قبل عدة سنوات فاتهم المشروع بالتسبب بـ«الغبن الفاحش» وتم توجيه شكوى للتحكيم الدولي على هذا الأساس لأن الحكومة المعنية تريد تخفيض الأسعار المتفق عليها.
وصفت وزير الطاقة السابقة هالة زواتي تلك الاتفاقيات بأنها «خطأ فادح». وبقي السؤال: ما هو تعريف الإنصاف وكيف تنقلب حكومة أردنية على اتفاقيات موقعة بشكل ألحق ضررا بالغا في مشروع استثماري ضخم سقفه وصل إلى ملياري دولار يفترض أنه يؤسس لبنية تحتية تضمن النطاق؟
سؤال محرج وصعب في الآن ذاته. ورغم أن مراجعة مشروع العطارات خطوة سياسية بامتياز طالما رفض رئيس الوزراء آنذاك الدكتور عمر الرزاز تسييسها إلا أن الإجابة على ذلك السؤال هي بموقع الطريق المختصرة نحو الإشكال الأهم في الإدارة البيروقراطية للحكومة.
لو كانت الأسقف السياسية لا تسمح لسبب أو لآخر بمشروع ضخم من هذا الصف في الأراضي الأردنية كان يفترض بالحكومة التي منحت التراخيص التدقيق أكثر في ملف التسعير.
لكن هذه الأخطاء هي جزء من سياسة العمل بالتقسيط والقطعة بين الحكومات الأردنية رغم أن ملفا مثل أمن الطاقة يفترض أن يكون عابرا للحكومات.
بكل حال تضرر مستثمرون من قرار الحكومة السابقة تجميد العمل بجزئية التسعير ثم التعطيل باللجوء إلى التحكيم الدولي وسط انطباع عام بأن أصل النقاش هو الغطاء الصيني وتسييس هذا الغطاء وتدخل دول صديقة وحليفة للأردن على رأسها الولايات المتحدة للضغط على الحكومة الأردنية ولكن بدون تقديم تعويض لها بالمقابل أو خيار بديل.
طوال الوقت كانت وزيرة الطاقة السابقة زواتي تصر على أن التحكيم الدولي سيتعامل بإنصاف مع الأردن، وفهمت «القدس العربي» بأن كلفة اللجوء إلى التحكيم الدولي هي أقل بالتأكيد من كلفة المجازفة بتمرير التسعير القديم فيما لا مجال لغرامات ولا كلف إضافية على الخزينة الأردنية لأن خسارة التحكيم تعني عودة المشروع للعمل بالاتفاقيات القديمة بكل بساطة. أحد الخبراء همس لـ «القدس العربي» قائلا إن الخسارة الحقيقية بعد التحكيم ستكون عدم وجود آلية منتجة لإجبار المستثمر على الجلوس للتفاوض المباشر، ثم يسأل: إذا خسرت الحكومة قضية التحكيم، كيف ستجبر المستثمرين على التفاوض لتخفيض الأسعار؟
يبدو انه سؤال «إداري» أو له صلة بالسياسة الإدارية سقط من الحسابات.
والثغرة التالية في عرف الخبراء أن اللجوء للتحكيم الدولي بناء على «الغبن» كان أضعف الحلقات في الطعن، فإثبات الغبن مسألة هي الأصعب في المداولات القانونية الدولية والحكومة الأردنية تعرف ذلك والسؤال: لماذا اختارت الطعن على أساس الغبن حصرا؟ وما هو تصور الطاقم الذي أدار المسألة في هذا السياق؟
واضح أن ثمة أسرارا وخلفيات لا أحد يعرفها.
والأوضح أن مشروع العطارات دخل مبكرا في إطار نكايات شخصية وفي سياق صراعات بين مراكز القوى المحلية ودفع المشروع بوضوح ثمن التخبط الإداري وتصفية الحسابات.
اليوم عادت الأضواء لتلاحق نفس المشروع وسط انطباع عمومي بأن المسألة لم يتم تجاوزها بعد والأسئلة تتواصل وسط الانطباع بان إيقاف نمو مشروع العطارات لإنتاج الطاقة الكهربائية من الزيت الصخري كان أساسه تمرير صفقة الغاز مع إسرائيل.
لكن تمرير صفقة الغاز مع الإسرائيليين لم ينته بعلاقات دافئة بين الأردن والجانب الإسرائيلي بعدما قفز الائتلاف اليميني الحكومي المتشدد إلى الواجهة وبالتالي لم يساهم توريد ما قيمته 10 مليارات دولار من الغاز من الإسرائيليين إلى الأردن باستقرار حتى العلاقات الثنائية الأردنية الإسرائيلية.
بكل حال يفترض أن مشروع العطارات إذا ما كانت المعلومات دقيقة وتقبلت الحكومة اقتراح الإعلان بشفافية للرأي العام عما يحصل خلف ستائر التحكيم الدولي بشأن هذا المشروع قد تتقلص الإثارة والخسائر.
الولايات المتحدة بالتأكيد تدخلت لإحباط المشروع لصالح الغاز الإسرائيلي خلافا لضغوط سياسية وتصفية حسابات بين مراكز القوى الداخلية ولخسائر فادحة متوقعة بالطريق، فيما ظل الصيني صامتا حتى الآن يراقب المشهد. والتحكيم الدولي قد لا ينصف الأردن وهو كان قد اتجه إليه أصلا بقصد الإنصاف / القدس العربي
نيسان ـ نشر في 2023-07-23 الساعة 07:15
رأي: بسام بدارين كاتب اردني