اتصل بنا
 

الجرائم الالكترونية....لماذا كل هذا الجدل ؟

نيسان ـ نشر في 2023-07-27 الساعة 09:02

نيسان ـ "رمانة ماهي برمانة....لكن قلوب مليانة"

لا اظن ان اردنيا عاقلا يمانع في أن يرى بلدنا محكومة بالقوانين .وان تصاغ قوانينها للحفاظ على الامن وحماية الحقوق وتحقيق العدالة . فسيادة القانون حلم من الأحلام التي تراود كل واحد منا ايا كان موقعه في البناء الاجتماعي ومهما كان دخله وتعليمه . المشكلة ان غالبية الناس يخشون ان تسهم ضبابية التعريفات والتداخل المحتمل بين ما يمكن ان يعتبر جريمة ومجموعة من الأعمال والمنتجات الفكرية والمواقف الواردة تحت باب التعبير عن الراي والواقعة تحت باب الحق في الاختلاف وابداء الراي ومخاطبة السلطات وممارسة الرقابة الشعبية التي هي سلطة للأمة كفلها الدستور .
الخوف من التحول من سيادة القانون الى حالة السيادة بالقانون هو ما يحرك الكثير من القوى والافراد للطالبة بسحب المشروع إساءة تطبيق القانون واحتمالية تفعيل بنوده لملاحقة من لديهم أراء ومواقف لا تعجب السلطة هي الدوافع الرئيسة التي حركت بعض الاحزاب والجمعيات والقوى الشعبية للاعتراض على بنود القانون.
ومما زاد من القلق لدى هذه الفئات إرسال مشروع القانون بصفة الاستعجال وبحثه بالتزامن مع تعديلات على قوانين التملك والحيازة والتصرف بالاراضي والعقارات وما يتضمنه القانون من توسيع صلاحيات الحكومة في التصرف بالاراضي ورفع المساحات المسموح ببيعها وتخصيصها للاجانب .
نعم ، لقد ترددت كثيرا في الكتابةحول ما جاء في مشروع قانون الجرائم الالكترونية وخشيت ان يساء فهم موقفي من قبل الاطراف المتحاورة ومع احتمالية ان يحدث ذلك اجد من واجبي محاولة توضيح الحالة التي يعايشها المجتمع الاردني وانقسام القوى الى مؤيدة للقانون ومعارضة له ..خصوصا بعد دخول الخارجية الامريكية على الخط وظهور تصريح او موقف يرى ان القانون بصيغته المعروضة لا ينسجم مع جهود الاصلاح ويؤثر على الاستثمار في قطاع التكنولوجيا ويخلق بيئة قد لا تشجع المستثمرين والمبادرين الجدد.
حالة الاختلاف والاستقطاب التي تتعمق كلما اقتربنا من مناقشة القانون والتصويت عليه تعكس تدني مستوى الثقة بالمجالس واللجان والأسباب التي وضعت كموجبات للقانون وتشي بوجود أهداف غير تلك التي ظهرت الأمر الذي يوسع دائرة الانقسام وينعكس سلبا على مسيرة الاصلاح التي كثفت الحكومة جهودها في الترويج لها.
في الشارع الاردني الذي يكتظ بالاحزاب الجديدة والوجوه التي يجري تهيئتها لتلعب أدوار مهمة في المراحل القادمة بات من الواضح أن لا أحد من السياسين الجدد معني بهذا النقاش فباستثناء عدد من الاحزاب اليمينية واليسارية العاملة لم يسمع الشارع الاردني باي مواقف او تصريحات واضحة تشرح مواقف الاحزاب المهيكلة حديثا وامناؤها العامين من ما يجري من نقاش على الساحة الداخلية.
الجدل الدائر على الساحة الاردنية يعكس حجم التباين والانقسام بين من يعملون في المؤسسات التنفيذية والتشريعية والافراد والجماعات المقربة من المؤسسات الامنية والرقابية وبقية القوى التي تطالب بالاصلاح والمشاركة والمزيد من الوضوح والمكاشفة والتفاعل حول ما يتخذ من قرارات وتشريعات تمس الهوية والمستقبل والموارد والاقتصاد ....في تقديري ان الانقسام سيستمر لاسباب يقع في مقدمتها التباين او الاختلاف في المنطلقات والاهداف والرؤى التي يستند اليها كل فريق .
فمن ناحية يرى من يشاركون في ادارة الشأن العام انهم يقومون بعمل خارق اسفر عن نجاحات مبهرة وان النقد او ابداء الراي من قبل الاحزاب والجماعات واصحاب الراي تجني مقصود و ترف يمارسه البعض كنوع من الفلسفة والاجتهاد والفذلكة التي تشوش على المساعي والبرامج والانجازات .
ويوصف المنتقدون بانهم شعبويون ومستوزرون يقومون بقصد او بغير قصد على خدمة اجندات او برامج ترمي الى تفشيل الجهود القائمة او الحد من نجاحاتها.
الجهات الرقابية لا تخفي تصنيفها لمن ينتقد من الكتاب واصحاب الراي والمفكرون ووضع كل منهم في واحدة من ثلاثة فئات هي :-
الأولى :- موالية ولها الحق ان تقول وتجول وتقفز من منبر الى اخر ويجري مشاركتها وتوجيهها واطلاعها بشكل دوري او كلما دعت الحاجة على ما يدور في مطابخ القرار.....
الثانية :- المعارضون او المناكفون ..مقابل الفئة الأولى تنظر المؤسسات ومن يديرونها الى الاشخاص الذين يبدون أراء مغايرة او مقترحات ووجهات نظر اخرى على انهم معارضين واقل انتماء وحبا للبلد فيصنف بعضهم على انه عدائي وحاقد ،وبعضهم سوداوي متشائم والبعض الاخر متعجرف وناكر للجميل والخيرات ويمنع هؤلاء من الظهور على المحطات الرسمية ويجري استبعادهم من اللجان والمجالس واحيانا الدعوات
الثالثة :- اما الفئة الثالثة فهي الفئة المحيرة التي لا يمكن الوثوق كليا بمواقفها او ادانتها فهم أشخاص تتبدل مواقفهم بتبدل الأحداث فتارة يمكن ان يقربوا واخرى يجري اهمالهم باعتبارهم غير مضمونين.
لهذه الاسباب يمكن تفسير الخوف من القانون الجديد للجرائم الالكترونية ورفض القوى الشعبية من اصحاب الراي باعتباره سلاحا جديدا في يد من يديرون الشأن العام يجري تفعيل بنوده وتكييفها لمعاقبة كل من ينتقد او يعترض او يبدي رايا لا يروق لمن في ايديهم السلطة .
الخطورة التي يحملها القانون وتوقيته انه يقدم لمجلس تأكلت شعبيته في وقت يشكو فيه الناس من تقلص مساحات الحرية والتعبير في مجتمع يعاني من مشكلات اقتصادية وادارية مزمنة وفي مرحلة تعد الدولة فيها المواطنين بعهد جديد من الحريات والمشاركة الواسعة والحكومات البرلمانية التي تتنافس برامجيا على المشاركة في الحكم.
اعلم علم التقين ان لا أحد سيكترث لما قيل او سيقال في هذا المجال وأعتقد أن السلطات قد تفاهمت على صيغة الإقرار المطلوبة لكنني عزمت على ان اقدم مطالعتي كمحاولة أكاديمية لفهم ما يدور

نيسان ـ نشر في 2023-07-27 الساعة 09:02


رأي: د. صبري الربيحات

الكلمات الأكثر بحثاً