اتصل بنا
 

ما الذي حدث لـ'القاعدة'؟

من مواليد عمان – الأردن عام 1963 يعمل مديراً لتحرير دائرة الترجمة في صحيفة الغد اليومية الأردنية. حصل على درجة البكالوريوس في اللغة والأدب الإنجليزيين من الجامعة الأردنية، ودرجة الدبلوم العالي في الأدب الإنجليزي والمقارن. عمل في مجالات التصميم الغرافيكي والخط العربي، ومحاضراً في الجامعة الأردنية، ومستشاراً لتحرير المجلة الثقافية في الجامعة الأردنية، ومحكماً ومستشاراً لشؤون الترجمة للعديد من دور النشر ومراكز الدراسات والمؤسسات. ويشارك في هيئة تحرير مجلة "روزنا" التي يصدرها اتحاد المرأة الأردنية.

نيسان ـ نشر في 2023-08-04 الساعة 09:23

نيسان ـ فاقم مقتل الظواهري العديد من المشاكل بالنسبة للحركة الجهادية. ليس هناك خليفة واضح حتى الآن، لأن معظم أعضاء الجيل المؤسس ماتوا أو أنهم، مثل العَدل، معزولون عن بقية الحركة. وفي غياب قائد واضح، من الصعب على المنظمة الأساسية توجيه فروعها -أو حتى إلهام الجهاديين غير المنتسبين وتشجيعهم على مهاجمة الولايات المتحدة: سوف تجد هذه المدافع السائبة الإلهام في مكان آخر، أو أنها لن تجده في أي مكان على الإطلاق.
في 31 تموز (يوليو) 2022، قتلت غارة أميركية بطائرة من دون طيار زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، في دار ضيافة لطالبان في كابول. والآن، بعد مرور عام كامل، لم يعلن تنظيم القاعدة عن خليفة للظواهري بعد.
جعل ذلك من الصعب على المجموعة الأساسية الاستمرار في قيادة الحركة الجهادية العالمية -أو حتى البقاء لاعبًا مهمًا إقليميًا أو دوليًا. وفي الواقع، عانى تنظيم القاعدة، والمجموعة الأوسع من الجماعات التابعة له التي يدعي أنه يقودها، والحركة الجهادية ككل، من ضربات متكررة في السنوات الأخيرة -مما قلل من التهديد الذي تشكله على الولايات المتحدة وحلفائها.
بالنسبة لمنظمة أثارت الرعب ذات مرة في قلوب وعقول الملايين من الأميركيين بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، وأشعلت شرارة ما تسمى بالحرب العالمية على الإرهاب التي أعادت توجيه السياسة الخارجية الأميركية بشكل كبير على مدى عقدين من الزمن، فإن اختفاء القاعدة شبه الكامل من عناوين الأخبار اليومية ومحادثات السياسة الخارجية الأوسع في واشنطن هذه الأيام هو شيء غريب لا يُصدّق.
تشير نظرة سريعة على عدد الهجمات الجهادية القاتلة التي نُفذت في الولايات المتحدة منذ 11/9 إلى تراجع التنظيم في كل من القدرات والتأثير الأيديولوجي على حد سواء. ووفقًا لبيانات "مؤسسة أميركا الجديدة"، قتل الجهاديون 107 أميركيين على الأراضي الأميركية منذ 11/9، مقارنة بـ130 أميركيًا قتلوا على يد إرهابيين يمينيين. وكان آخر هجوم جهادي كبير قد وقع قبل أربع سنوات، عندما قتل متدرب سعودي في سلاح الجو، يعمل مع "تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية"، فرع الجماعة في اليمن، ثلاثة من جنود البحرية في قاعدة بينساكولا الجوية لقوات البحرية في العام 2019. وكان بينساكولا هو الهجوم الوحيد الذي وقع بعد 11/9 على الأراضي الأميركية، والذي نسقته جماعة جهادية في الخارج؛ أما الهجمات الأخرى فقد تورط فيها جهاديون استلهموا أفكارهم من تنظيم القاعدة، أو فرعه السابق الذي تحول إلى منافس، تنظيم "داعش"، ولكن لم يكن لديهم اتصال يذكر -أو لم يكن لديهم أي اتصال على الإطلاق- مع الجماعات نفسها.
لم توجه المنظمة الأساسية التي قادها الظواهري هجومًا واحدًا إلى الولايات المتحدة منذ 11/9. وبعد سلسلة من الهجمات الدموية في أوروبا، لم تشن هجومًا هناك منذ هجمات لندن في العام 2005 -قبل 20 عامًا تقريبًا. وفي أوروبا، حققت الجماعات التابعة مثل "تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية" نجاحًا أكبر، مثل الهجوم الذي شنته الجماعة في العام 2015 على رسامي الكاريكاتير في مجلة "شارلي إبدو"، لكن عملياتها انخفضت أيضًا في السنوات الأخيرة. وقد نفذ تنظيم "داعش" هجمات أكثر من الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة، بما في ذلك عمليات إطلاق نار مدمرة وتفجيرات انتحارية في باريس وبروكسل في العامين 2015 و2016 على التوالي، لكنّ ثمة نمطًا من التراجع أصبح واضحًا في أوروبا.
عانت الجماعات التابعة لـ"القاعدة"، التي كانت قوية ذات يوم مثل "تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية"، فضلاً عن الجماعات المرتبطة بالتنظيم في الفلبين وسورية وبلدان أخرى، من العديد من الخسائر في القيادة، ومن الانقسامات الداخلية وغيرها من المشاكل المنهكة، مما جعل من الصعب عليها شن هجمات خارجية. ويبقى قياس حجم الدعم الإجمالي لهذه المجموعات صعبًا، لكن المقاتلين الأجانب لم يعودوا يتدفقون إلى أماكن مثل أفغانستان والعراق وسورية، حيث كان تنظيما "داعش" و"القاعدة" في صعود ذات يوم، وأصبحا الآن أضعف بكثير. ولكن، حتى نكون واضحين، ليست الصورة كلها قاتمة بالنسبة للجهاديين -في أفريقيا، تظهر منظمات جهادية جديدة باستمرار، وتزدهر جماعات قوية مثل "حركة الشباب" في الصومال -لكن التراجع يظل واضحًا في معظم أنحاء العالم.
يرجع جزء من هذا الضعف إلى الحرب الأهلية التي اندلعت في العام 2013 داخل الحركة الجهادية بين تنظيم القاعدة وفرعه الناشئ، "داعش". وفي العديد من البلدان الإسلامية، وأبرزها أفغانستان وأجزاء من الساحل وسورية، شن تنظيم القاعدة وحلفاؤه حربًا مباشِرة ضد تنظيم "داعش" المنافس وما تسمى بـ"الولايات" التابعة له. واليوم في أفغانستان، يخوض حلفاء القاعدة -طالبان- معركة دموية مع وكيل "داعش" في البلد. وإضافة إلى التأثير الملموس الذي أحدثه عدد القتلى على قدرات جميع المعنيين، أدى هذا الاقتتال الداخلي أيضًا إلى حتّ مصداقية كلتا الحركتين: ثمة قلة من المحاربين المقدسين المحتملين المتحمسين والمثاليين الذين يتوقون إلى الانخراط في قتل محاربين مقدسين آخرين.
كما أن الحركة مجزأة وأصبحت محلية إلى حد كبير. والآن، تركز معظم الجماعات التابعة لها -من مالي إلى نيجيريا إلى أفغانستان- بشكل حصري تقريبًا على الحروب الأهلية المحلية أو على التمرد الذي تقاتل فيه. وأنت لا تريد بالتأكيد أن تكون مبشرًا أو سائحًا غربيًا يتعثرون بك في طريقهم، لكن هذا التحول في التركيز يقلِّل من فرص وقوع هجوم إرهابي دولي. ومن المحتمل أن تتمكن بعض الجماعات الجهادية، مثل تلك الموجودة في غرب أفريقيا، من توجيه ضربة إرهابية إلى الغرب إذا بذلت الجهد -لكنها تضع تركيزها على مكان آخر فحسب. وتتوجه وحشية عناصر هذه الجماعات الآن نحو بلدانهم وإلى جيرانهم، حيث يموت الآلاف من الناس -الكثير منهم مسلمون هم أنفسهم- بسبب الهجمات الإرهابية والحروب الأهلية التي تشارك فيها الجماعات الجهادية.
إضافة إلى ذلك، كان لحملة مكافحة الإرهاب المستمرة ضد تنظيم القاعدة وفروعه، وكذلك ضد تنظيم "داعش" وأجزاء أخرى من الحركة، أثرها هي الأخرى. فقد دمرت ضربات الطائرات الأميركية من دون طيار بلا هوادة صفوف كبار نواة تنظيم القاعدة، والقادة التابعين له، وشخصيات جهادية أخرى، حتى عندما كانوا يحاولون الاختباء في المناطق النائية من باكستان والصومال واليمن. واليوم، أصبح لدى نواة تنظيم القاعدة الأساسية "أقل بكثير" من 200 مقاتل، وفقًا لوكالة استخبارات الدفاع.
كما أثبتت الحملة المناهضة لتنظيم "داعش" فعاليتها العالية أيضًا. في ذروة خلافته المزعومة في العامين 2014 و2015، حكم التنظيم ملايين الأشخاص وسيطر على أراض في العراق وسورية بمساحة تعادل بريطانيا العظمى. ولكن بحلول العام 2019، دفع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة هذه الخلافة تحت الأرض. وما يزال التنظيم يشن هجمات في العراق وسورية ولديه آلاف المقاتلين هناك، لكنه يركز على ما يبدو، مثل الكثير من الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة، على الحروب الأهلية التي يخوضها وليس على الإرهاب الدولي.
كما أدى التدريب والمساعدات الأميركية المقدمة للجيوش وقوات الأمن الأجنبية إلى جعلها أكثر قدرة واستعدادًا لاستهداف الجماعات الجهادية المحلية، في حين تقوم حملة استخباراتية عالمية مستمرة بتعطيل الخلايا الجهادية في جميع أنحاء العالم. وبسبب هذه المطاردة المستمرة، أصبح من الخطر على القادة الجهاديين التواصل، ومن الصعب عليهم توجيه الجماعات التابعة والعملاء الناشطين، وهو ما يزيد من لامركزية الحركة. ومع ضعف هذه الجماعات، أصبحت تواجه أوقاتًا صعبة في التغلب على الضوابط الأكثر صرامة في الفحص لدى السفر وفي المطارات، في حين أن جهود مكتب التحقيقات الفيدرالي الأكثر حزمًا تجعل من المرجح اكتشاف أي مؤامرات ربما تُحاك داخل الولايات المتحدة.
بالعديد من التنويعات، بدأت هذه الحملة الواسعة لمكافحة الإرهاب في عهد الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش بعد 11/9 واستمرت مع إدارات باراك أوباما ودونالد ترامب، والآن جو بايدن، مما يشير إلى أن لديها قوة بقاء كبيرة بغض النظر عن الحزب الموجود في البيت الأبيض.
وقد يفسر ذلك أيضًا جزءًا من سبب عدم تسمية القاعدة زعيمًا جديدًا. يختبئ بعض كبار نشطاء القاعدة في إيران، بمن فيهم سيف العدل الذي يقول البعض إنه الزعيم الفعلي لتنظيم القاعدة. ولا تتعاون طهران مع المخابرات الأميركية، كما أن إيران منطقة محظورة على الجيش الأميركي، حيث سيُنظر إلى أي ضربة تُنفذ هناك على أنها عمل من أعمال الحرب. وهذا يجعل من الصعب استهداف الناشطين هناك. (على الرغم من أن إسرائيل تمكنت من قتل شخصية بارزة في تنظيم القاعدة في إيران).
ومع ذلك، تضع الحكومة الإيرانية أيضًا قيودًا على شخصيات القاعدة الموجودة في البلاد، حيث لا تحتاج طهران إلى سبب آخر يدفع الولايات المتحدة وحلفائها إلى معاقبتها. وإضافة إلى ذلك، في عالم السياسة الجهادية الطائفي للغاية، يشكل تحالف القاعدة الهادئ مع إيران موضعًا للنقد من تنظيم "داعش" وغيره من الجهاديين. إن كون زعيمك بحكم الأمر الواقع سجينًا، أو على الأقل مكمم الفم، في بلد يعتبره العديد من الجهاديين أسوأ من الولايات المتحدة نفسها، ليس وسيلة مناسبة لكسب أتباع جدد.
سعى كل من أوباما وترامب وبايدن إلى الحد من الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط وأفغانستان، وكان الانسحاب من أفغانستان في العام 2021 هو المثال الأكثر دراماتيكية. وأدى هذا التحول إلى تقليل عدد الأهداف الأميركية القريبة وجعَل الولايات المتحدة، ببساطة، أقل أهمية للمنطقة (غالبًا على حساب النفوذ الأميركي والاستقرار الإقليمي)، مما يجعل من الصعب دفع الجماعات ذات التركيز المحلي إلى رؤية الولايات المتحدة كعدوها الرئيسي. وإضافة إلى ذلك، لا تتمتع الحروب الأهلية في مالي والصومال واليمن وأماكن أخرى بالقوة العاطفية بالنسبة للعديد من المسلمين كما كان حال العراق بعد العام 2003 أو سورية بعد العام 2011، مما يقلل من عدد الأجانب الذين يتطوعون للقتال في صفوف الجهاديين.
ما تزال أفغانستان تطرح نفسها كعلامة استفهام مهمة. يبدو أن طالبان تقدر الشرعية الدولية، لكن استضافتها للظواهري ورفضها العام النأي بنفسها عن تنظيم القاعدة يثيران التساؤلات حول ما إذا كانت الحركة ستسمح باستخدام أراضيها مرة أخرى لشن هجمات إرهابية دولية. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة كانت قادرة على قتل الظواهري في أفغانستان، إلا أن عدم التواجد على الأرض يجعل من الصعب جمع المعلومات الاستخباراتية، وتنفيذ الضربات، أو بخلاف ذلك إدامة الضغط على الجماعات المتشددة في المنطقة.
لقد فاقم مقتل الظواهري العديد من المشاكل بالنسبة للحركة الجهادية. الآن ليس هناك خليفة واضح، لأن معظم أعضاء الجيل المؤسس ماتوا أو أنهم، مثل العدل، معزولون عن بقية الحركة. ومع عدم وجود قائد واضح، من الصعب على المنظمة الأساسية توجيه فروعها -أو حتى تشجيع الجهاديين غير المنتسبين على مهاجمة الولايات المتحدة: سوف تجد هذه المدافع السائبة الإلهام في مكان آخر، أو أنها لن تجده في أي مكان على الإطلاق.
لكن الأهم من كل شيء هو أن الوقت لا يبدو في صالح تنظيم القاعدة. إن العالم الإرهابي تنافسي للغاية. ومع تباطؤ تنظيم القاعدة، تنشأ قضايا وجماعات جديدة لتنافس على المال والمجندين، في حين تستمر حملة مكافحة الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة في إضعاف صفوفها.
*دانيال بايمان Daniel Byman: زميل رفيع في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية وأستاذ في كلية الشؤون الدولية في جامعة جورج تاون. كتابه الأخير هو نشر الكراهية: الصعود العالمي للإرهاب العنصري الأبيض Spreading Hate: The Global Rise of White Supremacist Terrorism.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Whatever Happened to Al Qaeda

نيسان ـ نشر في 2023-08-04 الساعة 09:23


رأي: علاء أبو زينة من مواليد عمان – الأردن عام 1963 يعمل مديراً لتحرير دائرة الترجمة في صحيفة الغد اليومية الأردنية. حصل على درجة البكالوريوس في اللغة والأدب الإنجليزيين من الجامعة الأردنية، ودرجة الدبلوم العالي في الأدب الإنجليزي والمقارن. عمل في مجالات التصميم الغرافيكي والخط العربي، ومحاضراً في الجامعة الأردنية، ومستشاراً لتحرير المجلة الثقافية في الجامعة الأردنية، ومحكماً ومستشاراً لشؤون الترجمة للعديد من دور النشر ومراكز الدراسات والمؤسسات. ويشارك في هيئة تحرير مجلة "روزنا" التي يصدرها اتحاد المرأة الأردنية.

الكلمات الأكثر بحثاً