اتصل بنا
 

زعنفة اليسار والعودة إلى (النضال ) من مجلس الملك ..وما أنا بالمصدق فيك قولاً

كاتب أردني

نيسان ـ نشر في 2023-08-05 الساعة 16:39

زعنفة اليسار والعودة إلى (النضال )
نيسان ـ محمد قبيلات
ما رأيناه في مجلس الأعيان من تحورات اليسار الرسمي، خلال مناقشة قانون الجرائم الالكترونية، حالة تستحق التوقف والتأمل، ومراقبة الخطاب اليساري الجديد، وأوجاعه.
نعم إنها أوجاع حقيقية، محملة بالحنين الناجم عن الاغتراب، حيث بدأت رحلة هذا الرعيل من يمين اليسار لتنتهي بالتموضع مؤقتا في خان يسار اليمين، إلى حين أن يتم توجيهها إلى مواقع وظيفية جديدة، وما هذه العملية التي مرت بمنتهى السهولة، إلّا تعبير عن أزمة الطبقة المتوسطة، وللدقة أكثر، هي حالة من ذبذبات البرجوازية الصغيرة، المتنقلة لتحقيق مصالحها الضيقة، فهي تراوح بين التحالف مع الطبقات السائدة - ما دام شرط اعترافها بهم متحققا – أو التحالف مؤقتا مع المعذبين في الأرض، حتى يصل قطارهم إلى محطة آمنة، فيقفزون حينها باتجاهات مختلفة بحثا عن النجاة والخلاص الفردي.
جديد هذه القصة المكرورة تاريخيا، ما فعلته فلول هذه الطبقة في مجلس الأعيان، حيث مارس يساريون، من ذوي الياقات المنشاة المكوية، هُواياتهم القديمة بركوب أمواج المعارضة، فقدموا مرافعات اعتراضية على بعض بنود مشروع قانون الجرائم الإلكترونية، ونجحوا شكليا في مسعاهم، فأجروا بعض التعديلات الطفيفة المخففة للعقوبات، وفرحوا بذلك فرحا كبيرا، وقدموا أنفسهم ككتلة يسارية معارضة في مجلس الملك، غير مسبوقة على رأي بعضهم. وهنا لا بد من الانتباه إلى أن الجانب اللطيف في القصة؛ أنهم قدموا أنفسهم ككتلة " عينية" واحدة، برغم أنهم ظهروا كجمع بينما قلوبهم شتى.
أمام هذه المشاهد السوريالية، كأننا بلسان حال المواطن المتعايش مع شكه، الشقي بحسن ظنه، يقول: وما أنا بالمصدق فيك قولا، فهو يراقب كل هذه المخاضات المعادة للمرة الألف بالنتائج ذاتها، على أمل أن يلد الجبل غير الفأر، فيتابع بصبر كل هذه الجولات ويخزن تراكماته إلى حين فرج، فلم يعد أحد يصدق هذه السرديات المهترئة، التي تحاول أن تملأ الفراغ الناجم عن اختفاء الرؤى والمشروعات الحقيقية، لأنه من غير المعقول أن تبقى حالة التسيير الرسمي للأعمال مستمرة في انتظار حدوث المعجزة.
لا أحد ينكر أن هناك نيات وتوجهات لحدوث اختراق لهذه الحالة، لكن اللافت أنه ما أن نتقدم خطوة باتجاه الديمقراطية، حتى يهجم الحرس بتشكيلاته، القديمة والجديدة، بجملة من التشريعات والقوانين التي لا يمكن وصفها إلّا بالقيود على تلك الخطوة، فتعود الأوضاع إلى أسوأ مما كانت عليه، والأمثلة على ذلك كثيرة، لا حاجة هنا للتذكير بها.
في العودة إلى صلب الموضوع، مشكلة اليسار الوظيفي، أنه مستمر في دوره التوفيقي، فمثله مثل من شاخ وما زال يلطخ بمواد مكياجه الرخيصة وجهًا حفر فيه الدهر من أخاديد التشوه والندب الكثير، متناسيا أن المشكلة أعمق من أزمته، وأن ما أفسده الدهر بات أصعب من أن تصلحه زعنفة من المتعجرفين على تاريخهم "النضالي"، والمستعجلين على إثبات حسن ولائهم، تحت لافتة العودة إلى الرشد.

نيسان ـ نشر في 2023-08-05 الساعة 16:39

الكلمات الأكثر بحثاً