اتصل بنا
 

بلفور .. اما انا فحبيبتي لم تمت

كاتب وصحافي أردني

نيسان ـ نشر في 2015-11-02 الساعة 21:16

نيسان ـ

في ذات "خريف" من "ربيع" العمر كان تساقط أوراق الشجر ينبيء بشتاء يدق أبواب مدرستنا .. وكان اختلاس نظرة من نافذة الغرفة الصفية الى تلك الاشجار فسحتنا بانتظار استاذنا القادم.

في ذلك اليوم دخل معلمنا الصف باكرا، وعلى غير العادة كانت ابتسامته التي ترطب عقولنا لامتصاص جفاف مادته "التاريخ" الغائب الابرز..

اجتهدت وزملائي في استحضار تلك البشاشة التي زاد غيابها من كآبة الوجوه الناظرة للاوراق المتساقطه، الا ان تلك المحاولات بائت بالفشل دون ان نعرف السبب..

حاولت ان اكسر الصمت الذي اطبق على غير عادة على حصتنا التي احببنا معلمها اكثر من حبنا لها .. مازحت معلمي مستندا الى زمالته لوالدي في ذات المدرسة..قائلا "يبدو الجو كئيبا اليوم استاذ"..نظر لي وخصني بابتسامة ملأت الصف استبشارا بانفكاك عقدة حاجبي حبيبنا.

سرعان ما تجاوزنا الصدمة الاولى لمزاج استاذنا، الا ان الصدمة الثانية اعادتنا خطوة الى الخلف، فموضوع الدرس لم يكن ذاته الذي حضرنا انفسنا له لنتنافس على رضى معلمنا، كان موضوعا استثنائيا فرض نفسه على مزاج معلمنا المتكدر..

سألنا معلمنا بعد ان وضع الكتاب جانبا، هل تعرفون من هو بلفور؟.. فتجرأ احدهم "لم نتشرف بمعرفته استاذ"، فرد معلمنا "هو شرف لك"..فزادت لهفتنا بمعرفة من يكون..سالناه ان كان قاطع طريق او سارق او او..فأجاب هو مزيج من جميع ماذكر.. انه من "اعطى ما لايملك لمن لايستحق" وهنا بدأ الدرس، وانتقلت عقدة معلمنا الى وجوهنا.

اذكر ان استاذنا استغل فترة الاستراحة التي تعقب انتهاء الدرس لاشباع انصاتنا قبل ان يطرق معلم اخر باب الصف ليستأذن معلمنا بانتهاء وقته..فودعنا معلمنا بسؤال ان كنا قد فهمنا الدرس.

انتهت الحصة لكن الدرس بالنسبة لنا قد بدأ، فقد ترك استاذنا عقولنا كتبا مفتوحة على مصراعيها، تقلب اوراقها دوامات، كيف؟ ولماذا؟..اسئلة حملناها معنا الى اهلنا، وبدأنا نتقمص دور المعلم..فنجيب على اسئلة ونتسائل عن اجابات اخرى.

المقبور بلفور..ما زالت العديد من التساؤلات التي عصف بها معلمنا عقولنا تدور مع مرور الذكرى 98 لوعدك المشؤوم، لكن اود ان اعلمك بان الوطن القومي الذي وعدت به اسيادك ولم تهنأ برؤيته، لم يهنأوا به ايضا، فوطنهم الذي حلموا به، حاصروا به خوفهم خلف جدر وحصن واسلاك شائكة ومتاريس، لكن لاتقلق فقد خرجنا لهم من تحت الارض.

يا صاحب الوعد..أعدك ان حصارهم لانفسهم لن يطول اكثر مما اطال الله به عمرك الذي افنيت.

ياصاحب الرمة..دود الارض لايزال يخجل من ملامسة اجساد شهدائنا ولاتزال دمائهم تنقل جيناتهم الوراثية الى ابنائهم واحفادهم.

ابشرك.. لايزال ذكرك حاضرا الى يومنا هذا..رغم ان الله قطع نسلك..لان مثلك يجب ان لايتكاثر.

لو تعلم اي خدمة اسديتها لشعبنا للصعود الى ذروة سنام "الاسلام" والظفر بالنصر احيانا وبالشهادة احيانا اخرى.

ارجو ان تكون قد فهمت قصدي..لكنني اشك في فهم من هم في غباء الركض وراء وعدك.

اسمح لي ان اتدخل في خصوصيتك..اذا كانت حبيبتك قد ماتت ولم تتزوج حزنا عليها..فان حبيبتي لم تمت لا بل ولا زالت تنجب الشهداء..وتلفظ من أرضها أمثالك.

نيسان ـ نشر في 2015-11-02 الساعة 21:16

الكلمات الأكثر بحثاً