اتصل بنا
 

رسالة من البابا الى الحكام

أديب وكاتب من كردستان العراق

نيسان ـ نشر في 2015-11-02 الساعة 21:20

نيسان ـ

في سابقة هي الاولى من نوعها في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية منذ ما يقارب 600 سنة تقريبا، استقال البابا بنديكت السادس عشر في (28 فبراير 2013( ، من منصبه البابوي، ولا اريد الخوض في مسببات الاستقالة كمضمون حدثي ديني، او كل ما يتعلق بجواز الاستقالة او عدم جوازها كتشريع مسيحي كاثوليكي، لأن حسب ما تذكر المصادر التاريخية بان هذه الاستقالة الخامسة التي تحدث خلال الالف عام الاخيرة من تاريخ الكنيسة، وبلاشك ان لكل استقالة معطياتها واسبابها التي تجعلها بنظر المؤمنين بها مقبولة او مرفوضة وهذا شأن ديني انا بعيد عنه فيما اريد ان اتحدث عنه.

ما يجعلني اثير موضوع الاستقالة هي عدة امور لعل ابرزها هو اني اردت ان اجاري النسق الحدثي العالمي بالاخص فيما يتعلق بالسطلة والسيادة واضع ممرات لااعتبرها معايير للمتمسكين بالكرسي.

في البدء ان القرار لم يأت اعتباطياً انما جاء خلال جلسة استثنائية للكرادلة على هامش اجتماع للمجلس البابوي، مرجعًا ذلك إلى أن صحته وسنه لم يعودا ملائمين لقيادة الكنيسة.

وثانياً ما قاله البابا: "بعد أن فحصت ضميري أمام الله تيقنت بأن قوتي وتقدمي في السن أصبحا غير ملائمين لممارسة منصب الوزارة البطرسية، كما أن عالم اليوم يخضع لتغيرات سريعة، وتحركه مسائل لها أهمية كبيرة لحياة الإيمان، لهذا أُعلن تنازلي عن منصب أسقف روما..."."

اذا ما يهمنا في امر الاستقالة باكلمها هنا هو النقطتين التي اخذتهما من كل ما قيل ويقال وسيظل يقال عن تلك الاستقالة حيث وجدنا بان الامر وظف وسُيس حسب الانتماءات الدينية والعرقية والى غير ذلك.

الامر الاول هو مسألة الرأي والتشاور قبل اتخاذ القرار وهذا الامر هو دليل واضح على الفكر السامي والتقدم الديمقراطي داخل مؤسسة دينية فعالة، والسؤال اين هو الفكر السامي والديمقراطية هذه داخل مؤسسات دولنا، واين هو هذا الفكر في عقول حكامنا، فاذا قمنا بمقارنة بسيطة بين السلطة التي يمتلكها البابا واي حاكم او رئيس سيبدو الامر مجحفاً بحق البابوية نفسها لان لامقارنة فاذا كان الرئيس الحاكم يملك مصادر وممتلكات وسيادة دولة محددة فان سيادة واملاك البابوية تصل الى اضعاف اضعاف ما يمتلكه اي رئيس، اذا لماذا البابا يستطيع ان يقدم استقالته والحاكم يتمسك بكرسيه بل يقتل ابناء شعبه من اطفال ونساء وشيوخ وشباب ورجال للبقاء على كرسيه،، حتى يصل به الامر ان يدمر بلده باكلمه ولايتنازل عن كرسيه.

واذا ما قيل بان الامر يفرق فتلك مؤسسة دينية وهذه مؤسسة سلطوية اي الفرق بين السلطة الزمنية الروحية والسلطة الدنيوية، التشريعية والتنفيذية، سنضطر الى القول لماذا عندما تحدث مجرزة او حرب او حصار على دولة من دولنا سنقول بانها حرب صليبية مؤامرة من الفاتيكان والى غير ذلك من هذه المصطلحات، ولكن في مسألة المقارنة نقول بان الامر لايتشابه فالبابا مؤسسة دينية والرئيس الحاكم مؤسسة سلطوية سيادية...؟

هناك امر اخر اردت ان استشهد به في هذه المسألة وهي مقولة البابا وتوضيحه لاسباب استقالته حسبما هو يقول وليس حسبما الاراء والاتجاهات الفكرية والدينية حللت وقررت بدلاً عنه، فالله ، والسن، والصحة، والتغيرات، هي كانت الدوافع الظاهرة التي اعلنها البابا كسبب لاستقالته، لذا دعنا لانتمادى في الاسباب الاخرى اعرف بان هناك من سيقول بانها كلها مترابطة، نعلم ذلك لكنها ايضاً ليست وجهة نظر صاحب الشأن وهو البابا نفسه انما هي تبعيات وتحليلات شخصية يراها البعض صائباً ويراها اخرون خاطئة، انما ما يقوله البابا كمصدر تشريعي كاثوليكي عن نفسه هو في نظر المؤمنين به صائب لأنها المرجعية الدينية والفكرية لديهم، ولهذا مرجعية كهذه يمكنها ان تتنازل عن كرسي يكون تحت تصرفه املاك لاتقدر ولاتحصى باعتبار ان الفاتيكان أساسا تعيش من ثروات الكنيسة (ممتلكات، استثمارات متنوعة) ومن تبرعات الكاثوليك عبر العالم، و تمتلك الدولة تنظيما بريديا، محطة إذاعة، ودار نشر ويقع الفاتيكان في منطقة اليورو كما يستقبل الفاتيكان آلافا من الكاثوليك ويتربع على ثروة ضخمة من المباني التاريخية (كنيسة سانت بيير، معبد سيكستين) ومجموعات فنية (مكتبات، متاحف الفاتيكان)، فضلا ً عن ان بامكانه الان اعلان حرب عالمية ثالثة او بامكانه الان فعل ما قد لايستطيع اية دولة اخرى ان تفعله امر ليس بسطحي وهين، انه امر جذري منغرس في عقليتهم وفكرهم وعقيدتهم، اي انها تفوق قدرة الحكام والرؤساء الذين يدفنون الابرياء من اجل التمسك بكراسيهم الاف المرات، فحكامنا يولدون على الكراسي ويدفنون عليها وفيها وكأنهم منها اتوا واليها يرجعون وليسوا من التراب والى التراب، ولست ابالغ اذا ما قلت بأن اغلب الذين قتلوا ويقتلون ابناء شعوبهم يشملهم مسألة الضمير، والسن، والصحة، والتغيرات، لأن الاشرعة والدساتير لاتعطي لاحد ولاية العمر كله في العصر الحديث.

ولهذا نقول ان ما نشاهده في الاونة بل على مر العصور واستثني قلة قليلة من الحكام من هذا التعميم من التمسك بالكرسي على حساب كل مبدأ وكل مقولة وكل فكر وكل عقيدة بل على حساب الانسانية نفسها امر مهين، مهين جدا للوجود الانساني ولايمكن بأي من الاحوال ان يتجاوز التاريخ عن هولاء، فان تتمسك بالكرسي وتقتل ابناء شعبك، تدمر بلدك، تشرد اهلك، امر لايمكن ان يغفل عنه الانسانية الحقة، وليست الانسانية المغلفة بعناوين المقالات والافكار التي تقال ولايعمل بها اطلاقاً.

نيسان ـ نشر في 2015-11-02 الساعة 21:20

الكلمات الأكثر بحثاً