لماذا قد تسقط أميركا الطائرة الروسية؟
أحمد نصار
كاتب وروائي ومحلل سياسي مصري
نيسان ـ نشر في 2015-11-02 الساعة 22:45
أن تسقط طائرة مدنية روسية بعد 23 دقيقة فقط من إقلاعها؛ فوق شبه جزيرة سيناء، التي تشهد ساحة حرب حقيقية بين الجيش ومسلحين، واستخدمت فيها كل الأسلحة تقريبا، فهذا يجعل أول فرضية تتداعى إلى الأذهان هو أنها أسقطت بشكل متعمد.
عند الكثيرين؛ لا مكان للصدفة هنا بشكل قاطع، ورغم ذلك فقد تلقى المراقبون هذا الاحتمال بحذر؛ فولاية سيناء - التي بايعت تنظيم الدولة في وقت سابق - لاتملك فيما هو معلن حتى الآن صواريخ مضادة للطائرات يمكنها إسقاط طائرة مدنية على ارتفاع 31 ألف قدم! وإلا لكان من باب أولى استهداف طائرات الجيش التي تستهدفهم من ناحية، وتحلق على أجواء منخفظة كثيرا من جهة أخرى.
بلغة الرياضيات نحن إذن أمام أحد احتمالان؛ إما أن تكون الطائرة سقطت نتيجة عطل فني، أو أن تكون قد سقطت نتيجة عمل عدائي. التصريحات الأولية من الحكومتين الروسية والمصرية استبعدت أن تكون الطائرة سقطت نتيجة عمل إرهابي، رغم تبني تنظيم ولاية سيناء للحادث! والهدف طبعا مفهوم، فسقوط الطائرة بعمل إرهابي ضربة للاقتصاد المصري المنهار وللسياحة فيه، وصفعة على وجه روسيا وبوتين شخصيا!
لاحقا وبعد فحص الصندوق الأسود فيما يبدو، صرحت الشركة المالكة للطائرة الروسية أنه يستحيل أن تكون الطائرة "انشطرت" لخلل فني أو خطأ بشري! فأي خلل فني يشطر الطائرة إلى نصفين، ويجعل ذنب الطائرة (الذيل) يسقط أولا قبل جسد الطائرة المنشطر؟؟ واي خلل فني يجعل الطائرة تسقط بعد 23 دقيقة فقط من إقلاعها؟؟ غالبا الأعطال الفنية لا تحدث في الدقائق الأولى للإقلاع!
من جهته فقد عاد الكرملين ليصرح أنه لا يستبعد أية فرضية في سقوط الطائرة الروسية بسيناء بما فيها العمل الإرهابي، بعد استبعاد السلطات الروسية هذا الخيار أمس!
*
لو تعمقنا قليلا في السيناريو الثاني، وهو العمل الإرهابي، فإنه برأيي لا توجد دولة في العالم يمكنها أن تسقط طائرة مدنية روسية على ارتفاع 31 ألف قدم عن عمد بتقنية لا تستطيع روسيا اكتشافها، إلا الولايات المتحدة الأميركية.
ولعل أميركا أرادت بذلك أن ترد على الصفعة الروسية في أغسطس 2014، حين سقطت طائرة شحن أوكرانية من طراز "أنتونوف 12" تابعة لشركة الطيران الأوكرانية "أوكراين آر أليانس" فوق الجزائر بعد ثلاث دقائق فقط من إقلاعها لأسباب مجهولة! أشارت أصابع الاتهام وقتها لموسكو لكن دونما دليل. الآن يتم رد الصفعة الروسية في الجزائر، بصفعة أميركية فوق سيناء!
والطبع فقد تبنى الحادث تنظيم ولاية سيناء أو false flagged terrorist "إرهابيين معروفين مخترعين"، كما تقتضي إستراتيجية التوتر التي سبق وأن اتبعتها أميركا في إيطاليا ضد الشيوعيين في السبعينات. معروفون لأن الجميع يعرفهم، ومخترعين لأنهم يكونون مجرد ستار لأهداف أكبر بعلمهم أو بدون علمهم.
الهدف الثاني الذي قد تجنيه الولايات المتحدة من إسقاط الطائرة الروسية هو محاولة قطع طريق الرجعة على بوتين في المستنقع الذي ولج إليه في سوريا.
فمع تبني تنظيم إرهابي للحادث، وإعلان أن هذه العملية تأتي ردا على التدخل الروسي في سوريا، فإن بوتين يكون مطالبا بالرد والثأر، وربما عدم الاكتفاء بالضربات الجوية فقط، والتفكير في إرسال قوات برية على الأرض في سوريا.
كانت العلاقات قد توترت كثيرا بين روسيا والغرب عقب احتلال موسكو لشبه جزيرة القرم، وطالب الأوربيون حليفتهم واشنطن بالرد، بعد أن صار الجيش الروسي يهدد قواعد حلف النيتو في البلقان وأوربا الشرقية كلها!! لم ترد واشطن وقتها، واكتفت بفرض عقوبات اقتصادية على موسكو. إلا أن واشنطن ربما ترى في الحرب الدائرة في سوريا فرصة لرد الصفعة إلى موسكو.
بالأمس القريب شيعت روسيا جثمان أول قتلاها من الجنود المشاركين في الحرب في روسيا، والآن تسقط طائرة مدنية يتبنى تنظيم إرهابي إسقاطها.. لقد صار بوتين مثل لاعب القمار، لا يستطيع أن يعود للبيت قبل أن يعةض خسارته، لكنه لا يعوضها أبدا، وسينتهي به الأمر بخسارة كل ما لديه من نقود!
كلمتي