تحديثات سياسية واعتقالات وأحكام قضائية وجاهات عشائرية
محمد قبيلات
كاتب أردني
نيسان ـ نشر في 2023-08-11 الساعة 13:16
نيسان ـ محمد قبيلات
لم ينتبه الأردني، وهو يتخطى أعتاب المِؤَيِّةِ الثانية من عمر دولته الحديثة، إلى دخوله مرحلة جديدة لها استحقاقاتها ومتطلباتها، فحمل معه بعض عدده القديمة تحت مظلة تخوفاته من هذا المستقبل الذي دخله متشككا وقلقا من المتغيرات التي ألمت به وبمحيطه، فبرغم أنه أصرّ على التحديث السياسي إلّا أنه، من باب التحوط للمجهولات الكثيرة المحيطة بوجوده، قيّد مجالات الحرية بقوانين تراوح بين الفضفاضة والمتشددة، ليفسح المجال لمساومة الخصوم المحتملين، مع إبقاء الباب مواربا نوعا ما لإعطائهم فرصة للتراجع والتوبة.
فجاءت ديمقراطيته مسكونة بهواجس الخوف من الآخر على هذا الشكل، حينها كان أن أنشأ وشكّل خصومه وهندس خطوط سيرهم، وقونن ضعفهم، وكذا فعل بالنسبة للحلفاء، فمظلة التشكك تشملهم أيضا، لأنهم حلفاء برسم الانفضاض واللحاق بمصالحهم الآنية، أو المرحلية بلغة السياسة، في أي ضفة كانت، لذلك ظلّت كل هذه الأكوام من الأحزاب الوسطية والبَرامِجية قيد دائرة التدقيق والمراجعة والهندسة، خَوفًا من أن تغوي أحد الأحزاب قوته ويشبَّ عن طوق الطاعة.
ما تقدم قد يفسر جمع المتناقضات كلها في جدول الإجراءات الرسمية؛ تحديثات سياسية، اعتقالات، وأحكام قضائية ضد صحافيين وأصحاب رأي وجاهات عشائرية، فكلها تصرفات تقع ضمن دوائر الخوف من المجهول، مع العلم أن الخوف من المجهول ليس فقط هو الدافع وراء الأحكام القضائية المتشددة بحق الكاتب الساخر أحمد حسن الزعبي والصحافية هبة أبو طه، بل إنه الخوف من "غول الغوغاء" النائم، فإذا ما استفاق على حين غفلة فإنه سيقلب ظهر المجن، في مواجهة مفتوحة مع الحقائق الأردنية المحاصرة بالشك، ويقدم فوضاه على الحسابات كافة.
لذلك، وفي هذا الإطار تقريبا، توجهت جهة عاقلة إلى سعادة العين طلال صيتان الماضي، وطلبت منه أن يكون على رأس جاهة عشائرية لتطييب خواطر أبناء عشيرتين كبيرتين، الفريحات وربما العضايلة، لإصلاح الوضع الناجم عن تصريحات للصحافي متعدد المواقع والمواهب والإمكانات، الإعلامي المفكر المستشار، والداخل بحماسة على خط هندسة السياسة؛ عمر كُلّاب، بثتها قناة رؤية قبل أيام، ما نتج عنه توجيه الإنذار للسيد كُلّاب، من قبل عشيرة الفريحات، بضرورة اعتذاره خلال ثلاثة أيام. كل ذلك أجرِي، ويُجرى اليوم، مع وجود توقعات بأن تتجه بعض المستويات التنفيذية لكبح جماح المتحمسين للدفاع عن معدل قانون الجرائم الإلكترونية، كونه أصبح يحتل موضعا خلافيا في بعض المستويات التنفيذية، وحتى في مجلس الوزراء.
جاءت هذه الأحداث في الفترة التي أنجز فيها مجلس الأمة مُعدِل الجرائم الإلكترونية المثير للجدل، وربما تُعَجِّلُ هذه الأحداث من سرعة الإجراء الدستوري المَلِكي، وتوقيعه بأسرع ما يمكن، لينشر في الجريدة الرسمية ويصبح نافذًا، بعد تراجع احتمالات أطلقتها فعاليات سياسية وحزبية بأن الملك قد يكون له رأي آخر.
السؤال الأكثر وجاهة وانتشارا في البيئة السياسية الأردنية اليوم، يدور حول الحكمة من تقييد الحريات بتغليظ العقوبات المفروضة على أصحاب الرأي الآخر، كما أن هناك تساؤلات تطرح هنا وهناك عن إمكان وجود علاقة لهذه الاجراءات بتراجعات سياسية كبيرة متوقعة، في الموقف الرسمي إزاء مسار القضية الفلسطينية، بما هي عليه الآن من افتراق وانسداد طرق، وفرضيات خلافة عباس أو حتى انهيار السلطة الفلسطينية، ما علاقة هذا الموضوع بقصتنا الرئيسية؟ أن تلك التراجعات المفترضة قد تواجه معارضة شعبية شديدة، ما سيتطلب تشديد القبضة الأمنية، فلا بد حيال ذلك من بعض الاعدادات التشريعية.
طبعا هذه الفرضية لا تلغي فرضيات أخرى تتعلق باحتمالية اضطرار الحكومة إلى تنفيذ اجراءات اقتصادية ومالية قاسية، تمس بشكل مباشر حياة قطاعات واسعة من المواطنين، ما قد يعيد العلاقة الرسمية والشعبية إلى أكثر من عشر سنوات للوراء، حين كانت أجواء المنطقة ملبدة بغيوم الربيع العربي.
في البدايات تكون الأمور سهلة في العادة، لأن هناك الكثير من الخيارات، لكن دائرتها تبدأ تضيق وتضيق، حتى يصل صاحب القرار إلى مرحلة تنعدم أمامه نعمة تعدد الخيارات، وتصبح أدراج طاولة قراراته فارغة إلّا من إجراءات إلزامية محددة فقط، ولا مفر من اتخاذها، هذا ما وصل إليه الأردني اليوم، برغم أن طريق الإجابة على أسئلته الكبرى ما زال طويلًا أمامه.
لم ينتبه الأردني، وهو يتخطى أعتاب المِؤَيِّةِ الثانية من عمر دولته الحديثة، إلى دخوله مرحلة جديدة لها استحقاقاتها ومتطلباتها، فحمل معه بعض عدده القديمة تحت مظلة تخوفاته من هذا المستقبل الذي دخله متشككا وقلقا من المتغيرات التي ألمت به وبمحيطه، فبرغم أنه أصرّ على التحديث السياسي إلّا أنه، من باب التحوط للمجهولات الكثيرة المحيطة بوجوده، قيّد مجالات الحرية بقوانين تراوح بين الفضفاضة والمتشددة، ليفسح المجال لمساومة الخصوم المحتملين، مع إبقاء الباب مواربا نوعا ما لإعطائهم فرصة للتراجع والتوبة.
فجاءت ديمقراطيته مسكونة بهواجس الخوف من الآخر على هذا الشكل، حينها كان أن أنشأ وشكّل خصومه وهندس خطوط سيرهم، وقونن ضعفهم، وكذا فعل بالنسبة للحلفاء، فمظلة التشكك تشملهم أيضا، لأنهم حلفاء برسم الانفضاض واللحاق بمصالحهم الآنية، أو المرحلية بلغة السياسة، في أي ضفة كانت، لذلك ظلّت كل هذه الأكوام من الأحزاب الوسطية والبَرامِجية قيد دائرة التدقيق والمراجعة والهندسة، خَوفًا من أن تغوي أحد الأحزاب قوته ويشبَّ عن طوق الطاعة.
ما تقدم قد يفسر جمع المتناقضات كلها في جدول الإجراءات الرسمية؛ تحديثات سياسية، اعتقالات، وأحكام قضائية ضد صحافيين وأصحاب رأي وجاهات عشائرية، فكلها تصرفات تقع ضمن دوائر الخوف من المجهول، مع العلم أن الخوف من المجهول ليس فقط هو الدافع وراء الأحكام القضائية المتشددة بحق الكاتب الساخر أحمد حسن الزعبي والصحافية هبة أبو طه، بل إنه الخوف من "غول الغوغاء" النائم، فإذا ما استفاق على حين غفلة فإنه سيقلب ظهر المجن، في مواجهة مفتوحة مع الحقائق الأردنية المحاصرة بالشك، ويقدم فوضاه على الحسابات كافة.
لذلك، وفي هذا الإطار تقريبا، توجهت جهة عاقلة إلى سعادة العين طلال صيتان الماضي، وطلبت منه أن يكون على رأس جاهة عشائرية لتطييب خواطر أبناء عشيرتين كبيرتين، الفريحات وربما العضايلة، لإصلاح الوضع الناجم عن تصريحات للصحافي متعدد المواقع والمواهب والإمكانات، الإعلامي المفكر المستشار، والداخل بحماسة على خط هندسة السياسة؛ عمر كُلّاب، بثتها قناة رؤية قبل أيام، ما نتج عنه توجيه الإنذار للسيد كُلّاب، من قبل عشيرة الفريحات، بضرورة اعتذاره خلال ثلاثة أيام. كل ذلك أجرِي، ويُجرى اليوم، مع وجود توقعات بأن تتجه بعض المستويات التنفيذية لكبح جماح المتحمسين للدفاع عن معدل قانون الجرائم الإلكترونية، كونه أصبح يحتل موضعا خلافيا في بعض المستويات التنفيذية، وحتى في مجلس الوزراء.
جاءت هذه الأحداث في الفترة التي أنجز فيها مجلس الأمة مُعدِل الجرائم الإلكترونية المثير للجدل، وربما تُعَجِّلُ هذه الأحداث من سرعة الإجراء الدستوري المَلِكي، وتوقيعه بأسرع ما يمكن، لينشر في الجريدة الرسمية ويصبح نافذًا، بعد تراجع احتمالات أطلقتها فعاليات سياسية وحزبية بأن الملك قد يكون له رأي آخر.
السؤال الأكثر وجاهة وانتشارا في البيئة السياسية الأردنية اليوم، يدور حول الحكمة من تقييد الحريات بتغليظ العقوبات المفروضة على أصحاب الرأي الآخر، كما أن هناك تساؤلات تطرح هنا وهناك عن إمكان وجود علاقة لهذه الاجراءات بتراجعات سياسية كبيرة متوقعة، في الموقف الرسمي إزاء مسار القضية الفلسطينية، بما هي عليه الآن من افتراق وانسداد طرق، وفرضيات خلافة عباس أو حتى انهيار السلطة الفلسطينية، ما علاقة هذا الموضوع بقصتنا الرئيسية؟ أن تلك التراجعات المفترضة قد تواجه معارضة شعبية شديدة، ما سيتطلب تشديد القبضة الأمنية، فلا بد حيال ذلك من بعض الاعدادات التشريعية.
طبعا هذه الفرضية لا تلغي فرضيات أخرى تتعلق باحتمالية اضطرار الحكومة إلى تنفيذ اجراءات اقتصادية ومالية قاسية، تمس بشكل مباشر حياة قطاعات واسعة من المواطنين، ما قد يعيد العلاقة الرسمية والشعبية إلى أكثر من عشر سنوات للوراء، حين كانت أجواء المنطقة ملبدة بغيوم الربيع العربي.
في البدايات تكون الأمور سهلة في العادة، لأن هناك الكثير من الخيارات، لكن دائرتها تبدأ تضيق وتضيق، حتى يصل صاحب القرار إلى مرحلة تنعدم أمامه نعمة تعدد الخيارات، وتصبح أدراج طاولة قراراته فارغة إلّا من إجراءات إلزامية محددة فقط، ولا مفر من اتخاذها، هذا ما وصل إليه الأردني اليوم، برغم أن طريق الإجابة على أسئلته الكبرى ما زال طويلًا أمامه.