اتصل بنا
 

متطلبات الجامعة من يعلق الجرس

أكاديمي أردني

نيسان ـ نشر في 2023-08-14 الساعة 02:39

نيسان ـ تمثل الجامعة المحطة المعرفية المفصلية في حياة الطلبة الذين يشرعون في دراسة تخصصاتهم وفقا لمعدلاتهم ورغباتهم وحاجة السوق.
في الجامعة لا يقتصر التعليم والتعلّم على ما يقع في حقل التخصص الدقيق الذي يبني الطلبة معارفهم فيه ويظهرون قدراتهم العلمية والعملية، بل ان صقل شخصية الطلبة وفتح الآفاق أمام مواهبهم وابداعاتهم ومهاراتهم يكون في ما تطرحه الجامعات في متطلباتها الإجبارية والاختيارية من مواد تجمع بين تاريخ الوطن ونشأته ومراحل تطوره وطبيعة نظامه وميزات هذا النظام، وآلية صنع القرار فيه وسياساته الداخلية والخارجية وعلاقاته بمحيطه الإقليمي والدولي ونظامه التعليمي وطبيعة اقتصاده وميزاته ومحدداته، ودور مؤسساته الأمنية في درء الأخطار والعاديات عنه، وصورة الإسلام الناصعة الهادفة المستندة إلى الرحمة والإنسانية الواسعة دون قيد أو شرط، مواد ترى في العمل التطوعي وسيلة لتعزيز الإنتماء إلى ثرى الوطن بصدق وعزيمة ووعي وبصيرة من خلال أنشطة حقيقية تسهم في خدمة المواطن في مناطق المملكة من شمالها إلى جنوبها وتوصل رسالة الجامعات إلى المجتمع بفاعلية، ترسّخ قِيم المواطنة وتترجمها إلى عمل دؤوب يُفّرغ طاقات الطلبة خارج قاعات المحاضرات يعرفون مناطق وطنهم عن قرب يتلمسون حاجات القرى والبوادي والأرياف ويقدّمون مبادرات تُحدث اثرا لا ينتهي بانتهاء الصورة التي يتم التقاطها لتوثيق النشاط فتغدو الصورة غايةً.
متطلبات الجامعة بشقيها الإجباري والاختياري وُجدت لتمنح الطلبة معرفة نظرية وعملية يحتاجها طالب الطب والهندسة والحاسوب وإدارة الأعمال والتخصصات التعليمية وكل تخصصات الجامعة وتكون له معينا في مسارات الحياة بدءا من معلوماته عن تاريخ وطنه وصولا إلى مهارات الإتصال والتواصل هذه المواد غايتها مكمّلة لما يدرسه الطلبة في تخصصاتهم تُشرّع أمامهم النوافذ للجانب الآخر من المعرفة بشقيها التطبيقي والإنساني، فما قيمة طبيب أو مهندس أو محامي أو مترجم أو لاعب رياضي لا يعرف حدود وطنه أو ثقافته أو أبرز شعرائه، لا يعرف كيف يتعامل مع الاخر وفق حالته النفسية أو تكوينه الثقافي.
الإبداع في التخصص شيء مقدّر ومحبب لكنه لا يكتمل بلا بدون المعارف التي تزوده بها متطلبات الجامعة التي بدأ العبث بها وتقزيم دورها من خلال تحويلها إلى مواد تدرس ( On Line)، وحشوها بالطلبة بحيث يفوق عدد الطلبة في الشعبة الواحدة في بعض الجامعات (١٢٠)طالب وطالبة، وفي جامعات أخرى وصل العدد إلى ال(٥٠٠) طالب وطالبة، فكيف لهذا العدد من الطلبة أن ينظر إلى هذه المواد بعين المهتم المدرك لحقيقة غايتها ودورها، ثم جاء العبث الثاني بأن سُحبت هذه المواد من أقسامها التي تنتمي إليها وكانت موطنة فيها ليتم استحداث مكاتب ووحدات بأسماء جديدة مثل ( مكتب متطلبات الجامعة، وحدة متطلبات الجامعة، وحدة المواد المساندة) والغاية الرئيسة كانت هي التقليل من أعضاء هيئة التدريس وعدم تعيين أساتذة يقوموا بتدريسها فعند زرعها في هذه المكاتب والوحدات يتم إعطاء تدريسها إلى محاضرين غير متفرغين من تخصصات مختلفة وبعضهم لاعلاقة له بالمواد التي يدرسها، بل ان بعض المتطلبات أصبحت لاتُدرّس وإنما يُكتفى بعقد الإمتحانات لمنتصف الفصل والنهائي لها ، بحجة ضبط النفقات، وهنا يتوجب السؤال كيف يتم مساواة رسم المواد التي تُطرح للطلبة بهذا الشكل مع المواد الأخرى ذات الطابع الوجاهي ؟ أليس من حق الطالب الذي يدفع رسم مادة أن يجد قاعة تدريسية ومحاضر يدرس المادة؟
لا ألوم الطلبة الذين ينظرون إلى متطلبات الجامعة بتندر وعدم اكتراث وأنها وسيلة لرفع المعدل لا أكثر، فقد دفعهم إلى ذلك بعض كل من ساهم في اضعاف وتهميش دور المتطلبات التي لو فُعّلت لعالجت الكثير من الاختلالات داخل الحرم الجامعي وخارجه.
متطلبات الجامعة تعاني اليوم من ضياع دورها بعد أن اقتلعت من أقسامها، فلا يُعقل ونحن نسعى إلى بلوغ التصنيفات العالمية أن تكون المتطلبات الجامعية لا ترتبط بأقسام وكأنها وُجدت بالصدفة، لنعيد المتطلبات إلى أقسامها أو نجعلها مرتبطة بأقسام كل وفق محتواه المعرفي وخطته الدراسية ونجعل التعليم فيها وجاهيا ضمن حدّ معقول من الأعداد للطلبة فأي تصنيف يقبل أن يكون عدد الطلبة في الشعبة بالمئات؟ ولنجعل القائمين على إدارتها وتأليف منهاجها ومحتواها أصحاب اختصاص معرفي إذا أردنا لها أن تكون مواد ذات قيمة معرفية، لا أن تكون جوائز ترضية تدريسية وإدارية.

نيسان ـ نشر في 2023-08-14 الساعة 02:39


رأي: د. عبد الهادي أبوقاعود أكاديمي أردني

الكلمات الأكثر بحثاً