اتصل بنا
 

في الأردن... قانون جديد للجرائم الإلكترونية يقود الإخوان المسلمون معارضته

كاتب وخبير أمني

نيسان ـ نشر في 2023-08-15 الساعة 14:02

نيسان ـ خلافاً لرهانات، ترددت في أوساط ونخب أردنية خلال الأسابيع الماضية بإمكانية ردّ قانون الجرائم الإلكترونية الجديد في الأردن، في مرحلته الدستورية الثالثة "مصادقة الملك"، فقد حسم صدور الإرادة الملكية بالتصديق على القانون، ضمن (6) قوانين جديدة، من بينها أيضاً قانون السير الجديد، مرحلة من الجدل شهدها الشارع الأردني خلال الأسابيع الماضية، بين معارضين ومؤيدين لما تضمنه قانون الجرائم الإلكترونية من عقوبات وصفت بأنّها "مغلظة" للمخالفين لمواده التي وصفت من قبل المؤيدين بأنّها تستجيب لتطورات وتحولات شهدها استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وبتجاوزات على حريات الأفراد وخصوصياتهم، فيما يرى المعارضون أنّ ما تضمنه القانون من "مصطلحات" فضفاضة تحتمل تأويلات ستحدّ من حرية التعبير، وستجعل أيّ خطاب سياسي ناقد عرضة للعقوبات التي تضمنتها مواد القانون، والتي تراوحت بين الغرامات المالية والسجن لمدد مختلفة.
شهد الأردن الأسابيع الماضية حراكا حول القانون، تراوح بين حملات إلكترونية مكثفة واعتصامات أمام البرلمان الأردني، قادتها بشكل واضح جماعة الإخوان المسلمين، عبر ذراعها المرخص قانوناً (حزب جبهة العمل الإسلامي)، وانخراط خليط من رموز يسارية وأخرى قومية
المعارضون للقانون الجديد شنوا حملات مكثفة ضد إقراره، منذ تحويله من الحكومة إلى مجلس النواب، لكنّ مجلس النواب صوّت بتمرير القانون بمواده الخلافية، وأظهر مجلس الأعيان المعروف بـ "مجلس الملك" موقفاً أقلّ حدة، بإجراء تعديلات تضمنت عدم الجمع بين عقوبة الغرامة المالية مع السجن، وتخفيض الغرامات ومدة الحبس إلى النصف، وهو ما أوجد مساحة للقضاء في إصدار الأحكام بين الغرامات والحبس، وبالتزامن أصدرت منظمات حقوقية دولية بيانات وتصريحات تحذّر من إقرار القانون، لما يترتب عليه من تداعيات ستطال حرية التعبير، وقد تركزت الانتقادات على مواد القانون بجملة عناوين؛ أبرزها: ضبابية المصطلحات الخاصة باغتيال الشخصية والشتم والتحقير، وخطاب الكراهية وازدراء الأديان، وتمكين النيابة العامة من إقامة دعاوى على المخالفين بوصفها طرفاً مشتكياً، بالإضافة إلى تغليظ العقوبات، وتخفيض مستوى الحريات العامة بما فيها حرية التعبير، علاوة على أنّ مضامين القانون تتعارض مع سياقات الانفتاح التي تشهدها المملكة بالإصلاح السياسي وانطلاق تجربة حزبية جديدة تمهيداً للانتخابات النيابية القادمة عام 2024.
الجدالات التي دارت حول القانون أظهرت توافقات بين المؤيدين والمعارضين حول الأسباب الموجبة لمعالجة حالة الانفلات التي تشهدها مواقع التواصل الاجتماعي، غير أنّ معارضين يرون أنّ الحكومة استثمرت ذلك باتجاه تغليظ العقوبات، وترى أنّها لن تتوقف عند ضبط "انفلاتات فردية" تؤثر في السلم الأهلي والاجتماعي، بل ستطال قادة الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، في حال ممارسة أيّ نقد، حيث سيخضع هذا النقد لتأويلات أحادية للمصطلحات التي اشتملها القانون، ومع ذلك تبقى مقاربات المعارضة للقانون قابلة للنقاش، بما فيها التأثير بالحريات العامة، لناحية ضبط مفاهيم النقد وممارسته في الحياة العامة، دون اغتيال الشخصية، والتركيز على القول بدلاً من القائل، لا سيّما أنّ مفهوم الحرية ما زال مفهوماً غامضاً.
وبمعزل عن الحراك الذي شهدته الأسابيع الماضية حول القانون، والذي تراوح بين حملات إلكترونية مكثفة واعتصامات أمام البرلمان الأردني، قادتها بشكل واضح جماعة الإخوان المسلمين، عبر ذراعها المرخص قانوناً (حزب جبهة العمل الإسلامي)، وانخراط خليط من رموز يسارية وأخرى قومية، ومستقلة من رجالات دولة سابقين وغاضبين لأسباب مختلفة في تحركها، فإنّ المؤكد أنّ الأردن أمام مرحلة جديدة فيما يتعلق بالحريات، لا سيّما أنّه سيتم العمل بمواد القانون بعد شهر من تاريخ صدوره بالجريدة الرسمية.
المصادقة الملكية على قانون الجرائم الإلكترونية، تؤشر إلى أنّنا أمام مشهد جديد، يُرجّح أنّه سيحدّ من الانفلات المجتمعي، ويؤسس لسلوكيات جديدة، عنوانها أنّ الحرية ليست مطلقة في أيّ مجتمع، فلا حرية بدون قوانين تحميها
وعند البدء بتطبيق مواد القانون، فإنّ سيناريوهات مشهد الحريات العامة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تتعدد، بعيداً عن تقديرات وعناوين "تكميم الأفواه وقمع الحريات"، ويرجح أن تنفتح على احتمالات كثيرة من بينها: ازدياد نشاط المعارضين في الخارج الذين يمثلهم رواد ما يعرف بـ "البث المباشر"، من خلال حصد مزيد من المشاهدات، دون التعليق عليها، والتوسع داخلياً في استخدام مستويات من اللغة الرمزية، مع الإبقاء على الدلالات المقصودة، وبما يضمن وصول المعنى، ولا يستبعد أن نشهد المزيد من ضبط اللغة السياسية النقدية في الممارسة بالنسبة إلى النخب، والتقليل من ألفاظ التخوين واغتيال الشخصية والتركيز على القول لا على القائل، وبما يفضي لممارسة سياسية تتضمن ترشيداً للخطاب، وخلافاً لما يتم الترويج له بإمكانية انشغال القضاء في قضايا الجرائم الإلكترونية، فإنّ العقوبات التي تضمنها القانون، خاصة الغرامات المالية، ربما تقلل من حجم القضايا التي يتعامل معها القضاء في هذا الحقل.
المصادقة الملكية على قانون الجرائم الإلكترونية، بالتزامن مع قانون السير الجديد، تؤشر إلى أنّنا أمام مشهد جديد، يُرجّح أنّه سيحدّ من الانفلات المجتمعي، ويؤسس لسلوكيات جديدة، عنوانها أنّ الحرية ليست مطلقة في أيّ مجتمع، فلا حرية بدون قوانين تحميها.
حفريات

نيسان ـ نشر في 2023-08-15 الساعة 14:02


رأي: عمر الرداد كاتب وخبير أمني

الكلمات الأكثر بحثاً