استعلاء تشريعي و'هجمة قوانين' في الأردن دون 'شروحات أو حوارات'
بسام بدارين
كاتب اردني
نيسان ـ نشر في 2023-08-23 الساعة 06:46
نيسان ـ لا أساس للمنطق الرسمي الأردني الذي يفترض بأن العبور بتشريعات متشددة مرحلياً تغلظ حصراً العقوبات المالية على المواطنين أو تثير تساؤلات سياسية الطابع في بعضها قدر من المبالغة، هو أمر ممكن وببساطة وبدون كلف أو فواتير تنعكس سلباً على مساري التحديث والتمكين.
ما يرصده المراقبون في عمان هذه الأيام بعد “هجمة تشريعات” مثيرة للجدل مررها مجلس النواب في زحام دورة صيفية استثنائية، منطق يتحدث عن “لزوم ما يلزم” وتحقيق تعديلات تشريعية تثير الضجيج بكل الأحوال ولا بد منها، وبصرف النظر عن الانعكاسات الاجتماعية أو المعيشية أو حتى السياسية.
اجتهدت الحكومة بحماسة في هذا الاتجاه، وحصلت على مساحة واسعة من الهامش المرجعي، فيما قفز بالمظلة عليها وعبرها قانون جديد للجرائم الإلكترونية في وقت احتاج فيه الجميع للتثقيف المروري على الأقل لشرح مسوغات ومبررات تعديلات قانون السير الجديد.
في الأثناء جاء تصدر الملاحظين السياسيين، وتوسعت دوائر الارتياب عند معالجة قانون جديد للملكية العقارية، وزاد الارتياب بعدما رفض النواب اقتراحاً لزميلهم أحمد قطاونة باستثناء الكيان الإسرائيلي من “التحفيزات الاستثمارية” في مجالات العقارات.
ملف العقارات أصبح شائكاً أكثر في الأردن عشية تحضيرات ملف برامج جذب الاستثمار. وعلى الرغم من أن اتهامات بعض بيانات أحزاب المعارضة بالخصوص لا أدلة ولا براهين عليها، فإن اجتهاد النواب بالتصويت ضد خيار استثناء إسرائيل من نطاق الاستثمار العقاري مستقبلاً أسس لمنطقة ارتياب سياسي.
وهنا برز أن خطوات التشريع المثيرة للجدل حصلت بالتتابع وفي سقف زمني محشور، الأمر الذي يوحي سياسياً بأن الحكومة مستعجلة وكأنها تسابق الزمن في معالجة تشريعات اجتماعية الطابع وتمس قدراً كبيراً من الأهمية، وكانت تتطلب قدراً من الحوار والتمرير بدلاً من صفة الاستعجال وأحياناً التمرير بنفس استعلائي، خصوصاً من جهة بعض النواب وأحياناً الوزراء.
عملياً، يمكن القول وكما يقدر الحقوقي عاصم العمري، بأن تلك الهجمة التشريعية التي تضمنت غياباً للشروحات وندرة في الحوار مع الخبراء هي عبارة عن تفصيل أو خطوات باتجاه التأسيس لأزمات مجتمعية، خصوصاً من الصنف الذي كان يمكن الاستغناء عنه، مع أن تلك التشريعات لم تدرس بالعناية الكافية.
وقد يكون تأثيرها في سياق التداعيات كبيراً وسلبياً على مسارات التحديث السياسي وعلى مسارات التمكين الاقتصادي، وأيضاً على ما تعلم الدولة جيداً بأنه مراجعات تجري مع منظمات المجتمع الدولي بكل أصنافها.
بكل حال، تلك الهجمة التشريعية فيما يبدو حاولت الحكومة عبرها إنجاز المطلوب منها على الرغم من عدم شعبوية أو شعبية تلك الاتجاهات التشريعية وبسرعة.
وهي إشارة يعتقد المراقبون أنها قد تسمح لاحقاً، خصوصاً بعد الاستعجال بتمرير هذه التشريعات خلال دورة استثنائية للبرلمان، بطرح سيناريو رحيل الحكومة، خاصة إذا ما كانت النية تتجه فعلاً لعقد الانتخابات النيابية المقبلة في وقتها الدستوري المحدد بدءاً من تموز المقبل. تشريعياً، قطعت حكومة الرئيس الدكتور بشر الخصاونة خطوات “جريئة للغاية” وغير شعبية بقيت حكومات الماضي تتجنبها، وقد يعني ذلك المصادقة على تلك الرواية التي تتبناها بعض أروقة الحكومة نفسها من أن الوزارة الحالية “أنهت جدول أعمالها” الذي كلفت به منذ فترة، والتشريعات الأخيرة فائض عن التكليف القديم.
وعلى هذا المنوال، يمكن اعتبار الاجتهادات التشريعية وكأنها سباق عكس عقارب الساعة التي قررتها السلطات الأردنية ضمن الرؤية التحديثية والتمكينية وتحت ستار ترديد اليقين حول الإرادة السياسية في الإصلاح الاقتصادي والسياسي والإداري.
وهي عناوين قال السياسي مروان الفاعوري، أمام “القدس العربي” إنها لفتت الأنظار وجذبت انتباه المواطنين ورفعت من سقف التوقعات والتمنيات قبل ظهور حالة تشريعية أقرب إلى صفة الهجمة المعاكسة أو التي تؤسس عملياً لانطباعات معاكسة لاتجاهات التحديث والحوارات والمناخ الوطني العام.
الفاعوري يضم صوته إلى العمري وآخرين في التحذير من تداعيات وكلفة التأزيم الاجتماعي، ليس بسبب التشريعات فقط ولكن بسبب منح بعضها صفة الاستعجال في وقت أزمة معيشية اقتصادية خانقة تطال المواطنين، محاولاً التذكير بأن مناخ الأزمات الاقتصادية في البلاد كان يرتبط بخطوات انفتاح ومناخ حريات.
وما يحصل اليوم هو معادلة تكبت الحريات أكثر وتقلص من حضورها وستنعكس سلباً أيضاً على اتجاهات التحديث والتمكين اللاحقة في ظل أزمة معيشية من الواضح أن إنكارها لا ينطوي على حكمة من أي نوع.الحماسة التشريعية لها ما لها وعليها ما عليها.
ومع أن بعض التشريعات التي طرحت مؤخراً أو حشرت في زوايا ضيقة ضمن دورة استثنائية صيفية طارئة إيجابية وتعالج قضايا محورية وأساسية تحتاج للتطوير، فإن الصياغات وتصرفات مجلس النواب وعدم قيام لجنته القانونية بتنفيذ حوارات حقيقية مع الخبراء أو أطراف المجتمع في نقاشات قوانين اجتماعية بطابعها، كان من الملاحظات السلبية التي تنتج أكثر الإيحاءات بأن فرص التحديث والتمكين أصبحت ضيقة أكثر وفردية إلى حد بعيد. القدس العربي
ما يرصده المراقبون في عمان هذه الأيام بعد “هجمة تشريعات” مثيرة للجدل مررها مجلس النواب في زحام دورة صيفية استثنائية، منطق يتحدث عن “لزوم ما يلزم” وتحقيق تعديلات تشريعية تثير الضجيج بكل الأحوال ولا بد منها، وبصرف النظر عن الانعكاسات الاجتماعية أو المعيشية أو حتى السياسية.
اجتهدت الحكومة بحماسة في هذا الاتجاه، وحصلت على مساحة واسعة من الهامش المرجعي، فيما قفز بالمظلة عليها وعبرها قانون جديد للجرائم الإلكترونية في وقت احتاج فيه الجميع للتثقيف المروري على الأقل لشرح مسوغات ومبررات تعديلات قانون السير الجديد.
في الأثناء جاء تصدر الملاحظين السياسيين، وتوسعت دوائر الارتياب عند معالجة قانون جديد للملكية العقارية، وزاد الارتياب بعدما رفض النواب اقتراحاً لزميلهم أحمد قطاونة باستثناء الكيان الإسرائيلي من “التحفيزات الاستثمارية” في مجالات العقارات.
ملف العقارات أصبح شائكاً أكثر في الأردن عشية تحضيرات ملف برامج جذب الاستثمار. وعلى الرغم من أن اتهامات بعض بيانات أحزاب المعارضة بالخصوص لا أدلة ولا براهين عليها، فإن اجتهاد النواب بالتصويت ضد خيار استثناء إسرائيل من نطاق الاستثمار العقاري مستقبلاً أسس لمنطقة ارتياب سياسي.
وهنا برز أن خطوات التشريع المثيرة للجدل حصلت بالتتابع وفي سقف زمني محشور، الأمر الذي يوحي سياسياً بأن الحكومة مستعجلة وكأنها تسابق الزمن في معالجة تشريعات اجتماعية الطابع وتمس قدراً كبيراً من الأهمية، وكانت تتطلب قدراً من الحوار والتمرير بدلاً من صفة الاستعجال وأحياناً التمرير بنفس استعلائي، خصوصاً من جهة بعض النواب وأحياناً الوزراء.
عملياً، يمكن القول وكما يقدر الحقوقي عاصم العمري، بأن تلك الهجمة التشريعية التي تضمنت غياباً للشروحات وندرة في الحوار مع الخبراء هي عبارة عن تفصيل أو خطوات باتجاه التأسيس لأزمات مجتمعية، خصوصاً من الصنف الذي كان يمكن الاستغناء عنه، مع أن تلك التشريعات لم تدرس بالعناية الكافية.
وقد يكون تأثيرها في سياق التداعيات كبيراً وسلبياً على مسارات التحديث السياسي وعلى مسارات التمكين الاقتصادي، وأيضاً على ما تعلم الدولة جيداً بأنه مراجعات تجري مع منظمات المجتمع الدولي بكل أصنافها.
بكل حال، تلك الهجمة التشريعية فيما يبدو حاولت الحكومة عبرها إنجاز المطلوب منها على الرغم من عدم شعبوية أو شعبية تلك الاتجاهات التشريعية وبسرعة.
وهي إشارة يعتقد المراقبون أنها قد تسمح لاحقاً، خصوصاً بعد الاستعجال بتمرير هذه التشريعات خلال دورة استثنائية للبرلمان، بطرح سيناريو رحيل الحكومة، خاصة إذا ما كانت النية تتجه فعلاً لعقد الانتخابات النيابية المقبلة في وقتها الدستوري المحدد بدءاً من تموز المقبل. تشريعياً، قطعت حكومة الرئيس الدكتور بشر الخصاونة خطوات “جريئة للغاية” وغير شعبية بقيت حكومات الماضي تتجنبها، وقد يعني ذلك المصادقة على تلك الرواية التي تتبناها بعض أروقة الحكومة نفسها من أن الوزارة الحالية “أنهت جدول أعمالها” الذي كلفت به منذ فترة، والتشريعات الأخيرة فائض عن التكليف القديم.
وعلى هذا المنوال، يمكن اعتبار الاجتهادات التشريعية وكأنها سباق عكس عقارب الساعة التي قررتها السلطات الأردنية ضمن الرؤية التحديثية والتمكينية وتحت ستار ترديد اليقين حول الإرادة السياسية في الإصلاح الاقتصادي والسياسي والإداري.
وهي عناوين قال السياسي مروان الفاعوري، أمام “القدس العربي” إنها لفتت الأنظار وجذبت انتباه المواطنين ورفعت من سقف التوقعات والتمنيات قبل ظهور حالة تشريعية أقرب إلى صفة الهجمة المعاكسة أو التي تؤسس عملياً لانطباعات معاكسة لاتجاهات التحديث والحوارات والمناخ الوطني العام.
الفاعوري يضم صوته إلى العمري وآخرين في التحذير من تداعيات وكلفة التأزيم الاجتماعي، ليس بسبب التشريعات فقط ولكن بسبب منح بعضها صفة الاستعجال في وقت أزمة معيشية اقتصادية خانقة تطال المواطنين، محاولاً التذكير بأن مناخ الأزمات الاقتصادية في البلاد كان يرتبط بخطوات انفتاح ومناخ حريات.
وما يحصل اليوم هو معادلة تكبت الحريات أكثر وتقلص من حضورها وستنعكس سلباً أيضاً على اتجاهات التحديث والتمكين اللاحقة في ظل أزمة معيشية من الواضح أن إنكارها لا ينطوي على حكمة من أي نوع.الحماسة التشريعية لها ما لها وعليها ما عليها.
ومع أن بعض التشريعات التي طرحت مؤخراً أو حشرت في زوايا ضيقة ضمن دورة استثنائية صيفية طارئة إيجابية وتعالج قضايا محورية وأساسية تحتاج للتطوير، فإن الصياغات وتصرفات مجلس النواب وعدم قيام لجنته القانونية بتنفيذ حوارات حقيقية مع الخبراء أو أطراف المجتمع في نقاشات قوانين اجتماعية بطابعها، كان من الملاحظات السلبية التي تنتج أكثر الإيحاءات بأن فرص التحديث والتمكين أصبحت ضيقة أكثر وفردية إلى حد بعيد. القدس العربي
نيسان ـ نشر في 2023-08-23 الساعة 06:46
رأي: بسام بدارين كاتب اردني