بريغوجين وليس جيفارا... مات
وائل قنديل
كاتب مصري
نيسان ـ نشر في 2023-08-25 الساعة 09:15
نيسان ـ إذن، جاءت النهاية مغايرةً لما انتهت به الرواية الشهيرة: الوحش (بريغوجين) مات على يدّ صانعه (بوتين)، قبل أن يخرج ذلك الكائن المخيف عن السيطرة ويلتهم الرجل الذي اخترعه.
في الرواية الشهيرة للكاتبة الانجليزية ماري شيلي، مات المخترع فرانكشتاين وبقي الوحش الذي استحضره في معمل تجاربه على قيد الحياة. لكن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تمكّن من اصطياد كائن فاغنر المخيف، بعد أن حاول الأخير التمرّد عليه قبل بضعة أشهر.
قاتل صنع أداة للقتل وأطلقها على خصومه، غير أنّ هذه الآلة قرّرت أن تشتغل لحسابها الخاص، وحاولت التخلّص من المخترع الشرير. إذن، هي مقتلةٌ بين مجموعة من القتلة، الجاني والمجني عليه هنا، هما سواء في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. ومن ثمّ يصبح شاذًا وغريبًا أن يبتهج أحدٌ لنجاح بوتين أو يأسى على سقوط زعيم عصابات "فاغنر"، كما أنّها تبقى مثيرةً للدهشة التعليقات الآتية من واشنطن وعواصم أوروبية على مقتل قائد مرتزقة "فاغنر"، والتي تذكّر بتاريخ التخلّص من المعارضين والمنتقدين والمعارضين، على نحو ما تذهب واشنطن، إذ تشير إلى مسؤولية الرئيس الروسي عن تصفية زعيم عصابته، وكأنّنا بصدد عملية تصفية سياسية لقائد جماهيري معارض.
ليس زعيم "فاغنر" تشي جيفارا، الطبيب المثقف المتمرّد العالمي العظيم المنحاز لحركات النضال والكفاح ضد الهيمنة الامبريالية في عواصم عديدة، والذي جرت عملية قتله بتخطيط المخابرات المركزية الأميركية التي لاحقته في كلّ مكانٍ ذهب إليه منذ غادر كوبا عام 1965 بعد إشعال الثورة حاملًا شعلة الثورة الشعبية إلى الخارج، في الكونغو/ كينشاسا ثمّ في بوليفيا، حيث ألقت قوات بوليفيا المدعومة من وكالة المخابرات المركزية القبض عليه وأعدمته في 1967.
تبدو واشنطن، مع الإعلان عن مقتل بريغوجين، وكأنها تتهم بوتين بجريمة، هي ذاتها ارتكبت أبشع منها مع مناضلين وزعماء وطنيين، لا زعماء عصابات أو مليشيات مرتزقة، هو ما ردّ عليه بوتين بالإعراب عن مواساته لأسرة القاتل الذي صنعه، واستخدمه في تنفيذ جرائم حرب ضدّ شعوب حرّة في سورية وليبيا ودول أخرى من القارّة الأفريقية، وكذا في غزوه الأراضي الأوكرانية، حتى ارتكب كائن فرانكنشتاين الروسي الخطأ القاتل بمحاولة التمرّد على المخترع وتهديده في مقرّ حكمه.
في ذلك الوقت، حضر اللامعقول أيضًا، حين اعتبر بعضُهم فورة التمرّد الخاطفة، والتي لم تستمر أكثر من يوم واحد، ثورًة جديدة، قائدها زعيم العصابة المحترف، أو انقلابًا آخر يُضاف إلى أرشيفٍ ضخم من انقلابات روسيا، ليتم استحضار هتلر وستالين ولينين وغورباتشوف من التاريخ، لكي يقولوا كلمتهم في التغيير الروسي الجديد الذي صنعه زعيم عصابة مسلّحة لها سجل طويل من الجرائم في مناطق عديدة، وخصوصًا في المنطقة العربية، وخصوصًا في سورية وليبيا.
بلغ الجنون وقتها أن بعضهم لم يتمالك نفسه، مدفوعًا بالرغبة المحمومة في إظهار الفراسة، وهو يتكلم عن زعيم "فاغنر"، مجرم الحرب بريغوجين، بوصفه أيقونة كفاح ضد المجرم الأكبر فلاديمير بوتين، ويبتهل إلى الله أن ينصر الأول على الثاني.
أخشى أن يذرف هؤلاء الدموع على القاتل المحترف، ويغنون له "بريغوجين مات"العربي الجديد
في الرواية الشهيرة للكاتبة الانجليزية ماري شيلي، مات المخترع فرانكشتاين وبقي الوحش الذي استحضره في معمل تجاربه على قيد الحياة. لكن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تمكّن من اصطياد كائن فاغنر المخيف، بعد أن حاول الأخير التمرّد عليه قبل بضعة أشهر.
قاتل صنع أداة للقتل وأطلقها على خصومه، غير أنّ هذه الآلة قرّرت أن تشتغل لحسابها الخاص، وحاولت التخلّص من المخترع الشرير. إذن، هي مقتلةٌ بين مجموعة من القتلة، الجاني والمجني عليه هنا، هما سواء في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. ومن ثمّ يصبح شاذًا وغريبًا أن يبتهج أحدٌ لنجاح بوتين أو يأسى على سقوط زعيم عصابات "فاغنر"، كما أنّها تبقى مثيرةً للدهشة التعليقات الآتية من واشنطن وعواصم أوروبية على مقتل قائد مرتزقة "فاغنر"، والتي تذكّر بتاريخ التخلّص من المعارضين والمنتقدين والمعارضين، على نحو ما تذهب واشنطن، إذ تشير إلى مسؤولية الرئيس الروسي عن تصفية زعيم عصابته، وكأنّنا بصدد عملية تصفية سياسية لقائد جماهيري معارض.
ليس زعيم "فاغنر" تشي جيفارا، الطبيب المثقف المتمرّد العالمي العظيم المنحاز لحركات النضال والكفاح ضد الهيمنة الامبريالية في عواصم عديدة، والذي جرت عملية قتله بتخطيط المخابرات المركزية الأميركية التي لاحقته في كلّ مكانٍ ذهب إليه منذ غادر كوبا عام 1965 بعد إشعال الثورة حاملًا شعلة الثورة الشعبية إلى الخارج، في الكونغو/ كينشاسا ثمّ في بوليفيا، حيث ألقت قوات بوليفيا المدعومة من وكالة المخابرات المركزية القبض عليه وأعدمته في 1967.
تبدو واشنطن، مع الإعلان عن مقتل بريغوجين، وكأنها تتهم بوتين بجريمة، هي ذاتها ارتكبت أبشع منها مع مناضلين وزعماء وطنيين، لا زعماء عصابات أو مليشيات مرتزقة، هو ما ردّ عليه بوتين بالإعراب عن مواساته لأسرة القاتل الذي صنعه، واستخدمه في تنفيذ جرائم حرب ضدّ شعوب حرّة في سورية وليبيا ودول أخرى من القارّة الأفريقية، وكذا في غزوه الأراضي الأوكرانية، حتى ارتكب كائن فرانكنشتاين الروسي الخطأ القاتل بمحاولة التمرّد على المخترع وتهديده في مقرّ حكمه.
في ذلك الوقت، حضر اللامعقول أيضًا، حين اعتبر بعضُهم فورة التمرّد الخاطفة، والتي لم تستمر أكثر من يوم واحد، ثورًة جديدة، قائدها زعيم العصابة المحترف، أو انقلابًا آخر يُضاف إلى أرشيفٍ ضخم من انقلابات روسيا، ليتم استحضار هتلر وستالين ولينين وغورباتشوف من التاريخ، لكي يقولوا كلمتهم في التغيير الروسي الجديد الذي صنعه زعيم عصابة مسلّحة لها سجل طويل من الجرائم في مناطق عديدة، وخصوصًا في المنطقة العربية، وخصوصًا في سورية وليبيا.
بلغ الجنون وقتها أن بعضهم لم يتمالك نفسه، مدفوعًا بالرغبة المحمومة في إظهار الفراسة، وهو يتكلم عن زعيم "فاغنر"، مجرم الحرب بريغوجين، بوصفه أيقونة كفاح ضد المجرم الأكبر فلاديمير بوتين، ويبتهل إلى الله أن ينصر الأول على الثاني.
أخشى أن يذرف هؤلاء الدموع على القاتل المحترف، ويغنون له "بريغوجين مات"العربي الجديد
نيسان ـ نشر في 2023-08-25 الساعة 09:15
رأي: وائل قنديل كاتب مصري