اتصل بنا
 

حماقة بريغوجين

من مواليد عمان – الأردن عام 1963 يعمل مديراً لتحرير دائرة الترجمة في صحيفة الغد اليومية الأردنية. حصل على درجة البكالوريوس في اللغة والأدب الإنجليزيين من الجامعة الأردنية، ودرجة الدبلوم العالي في الأدب الإنجليزي والمقارن. عمل في مجالات التصميم الغرافيكي والخط العربي، ومحاضراً في الجامعة الأردنية، ومستشاراً لتحرير المجلة الثقافية في الجامعة الأردنية، ومحكماً ومستشاراً لشؤون الترجمة للعديد من دور النشر ومراكز الدراسات والمؤسسات. ويشارك في هيئة تحرير مجلة "روزنا" التي يصدرها اتحاد المرأة الأردنية.

نيسان ـ نشر في 2023-08-29 الساعة 07:06

حماقة بريغوجين ـ بقلم: علاء أبو
نيسان ـ ‏سيمور هيرش‏* - (مدونة سيمور هيرش) 29/6/2022
‏عاشت إدارة بايدن بضعة أيام مجيدة في أواخر حزيران (يونيو). في هذه الأيام، انزلقت أخبار الكارثة المستمرة في أوكرانيا من العناوين الرئيسة لتحل محلها أخبار "الثورة"، كما وصفها عنوان لصحيفة "نيويورك تايمز"‏‏، التي أطلقها‏‏ يفغيني بريغوزين، رئيس مجموعة "فاغنر" للمرتزقة.
وهكذا، تحول موضع التركيز من الهجوم المضاد الفاشل الذي تشنه أوكرانيا إلى التهديد الذي شكله بريغوجين لسيطرة بوتين. وقال أحد العناوين الرئيسة في ‏‏صحيفة "التايمز"‏‏:‏‏ "‏‏الثورة تثير سؤالاً ملحًا: هل يمكن أن يفقد بوتين السلطة"؟‏‏ ‏وقدّم كاتب العمود ‏‏في صحيفة "الواشنطن بوست"، ‏‏ديفيد إغناتيوس، التقييم التالي: "لقد ‏‏نظر بوتين إلى الهاوية يوم السبت -ورمش‏‏".‏
كما ظهر ‏‏وزير الخارجية الأميركية، أنتوني بلينكن -المتحدث المتحمس باسم معسكر الحرب، الذي كان قد تحدث قبل ‏‏أسابيع‏‏ بفخر عن التزامه بعدم السعي إلى تحقيق وقف لإطلاق النار في أوكرانيا- في برنامج "واجه الصحافة" ‏على شبكة (سي. بي. إس) ليبيع ‏‏نسخته الخاصة من الواقع. وقال بلينكن: "قبل ستة عشر شهرًا، كانت القوات الروسية... تعتقد أنها ستمحو أوكرانيا من الخريطة كدولة مستقلة. والآن، خلال عطلة نهاية الأسبوع، أصبح عليهم الدفاع عن موسكو، عاصمة روسيا، ضد المرتزقة الذين هم من صنع بوتين نفسه. كان هذا تحديًا مباشرًا لسلطة بوتين. إنه يظهر شقوقًا حقيقية". ‏
وذهب بلينكن، الذي لم يواجه أي اعتراض من محاورتِه، مارغريت برينان، لأنه كان يعلم أنه لن يفعل- لماذا كان ليظهر في البرنامج بخلاف ذلك؟- إلى اقتراح أن انشقاق زعيم فاغنر المجنون سيكون نعمة للقوات الأوكرانية، التي كانت المذبحة التي تتعرض لها على يد القوات الروسية جارية أثناء حديثه. وقال: "إلى الحد الذي يمثل فيه ذلك إلهاءً حقيقيًا لبوتين، وللسلطات الروسية، الذين يتعين عليهم الالتفات إليه– نوع من النظر إلى ما يحدث خلفهم- بينما يحاولون التعامل مع الهجوم المضاد في أوكرانيا، أعتقد أن هذا يخلق فرصًا أكبر للأوكرانيين لكي يبلوا حسنًا على الأرض".‏
عند تلك النقطة، هل كان بلينكن يتحدث نيابة عن جو بايدن؟ هل يجب أن نفهم أن هذا هو ما يعتقده الرجل في موضع المسؤولية؟‏
‏لقد أصبحنا نعرف الآن أن ثورة بريغوجين المضطربة عضويًا انتهت في غضون يوم واحد، وفرّ الرجل إلى بيلاروسيا مع ضمان بعدم تعرضه للملاحقة القضائية، واختلط جيشه من المرتزقة بالجيش الروسي. لم تكن هناك مسيرة عسكرية إلى موسكو، ولم يكن هناك تهديد يُعتد به لحكم بوتين.‏
إنني أشفق على كتّاب الأعمدة في واشنطن ومراسلي الأمن القومي الذين يبدو أنهم يعتمدون بشكل كبير في المعلومات الأساسية الرسمية على بيانات مسؤولي البيت الأبيض ووزارة الخارجية. بالنظر إلى النتائج المنشورة لمثل هذه الإحاطات، يبدو هؤلاء المسؤولون غير قادرين على النظر في واقع الأسابيع القليلة الماضية، أو الكارثة الكاملة التي حلت بالهجوم المضاد الذي شنته المؤسسة العسكرية الأوكرانية.‏
‏فيما يلي نظرة على ما يحدث هناك بالفعل، قدمها لي مصدر مطلع من مجتمع الاستخبارات الأميركي:‏
"أعتقد أنني قد أبدد بهذا بعض الدخان. أولاً، والأهم من كل شيء، أصبح بوتين الآن في موقف أقوى بكثير. لقد أدركنا في وقت مبكر، هو كانون الثاني (يناير) من العام 2023، أن المواجهة بين الجنرالات، مدعومين من بوتين من جهة، وبريغو، مدعوماً من القوميين المتطرفين من جهة أخرى، هي شيء لا مفر منه. إنه نفس الصراع القديم بين مقاتلي الحرب "الخاصين" وجيش نظامي كبير، بطيء وأخرق، ويفتقر إلى الخيال. دائمًا ما يفوز الجيش لأنه يمتلك الأصول التي تجعل النصر، سواء كان الهجومي أو الدفاعي، ممكنًا. والأهم من ذلك، أن الجيوش تتحكم في الخدمات اللوجستية. وترى القوات الخاصة نفسها على أنها الأصل الهجومي الرئيسي. وعندما تكون الاستراتيجية الشاملة هجومية، يتسامح الجيش الكبير مع غطرستهم والضرب على صدورهم على الملأ، لأن القوات الخاصة تكون على استعداد لتحمل مخاطر عالية ودفع ثمن باهظ. ويتطلب الهجوم الناجح نفقات كبيرة من الرجال والمعدات. في حين أن الدفاع الناجح، من ناحية أخرى، يتطلب المزاوجة بين هذه الأصول.‏
‏"كان أعضاء فاغنر رأس الحربة في الهجوم الروسي الأصلي على أوكرانيا. كانوا "الرجال الخضر الصغار". وعندما تحول الهجوم إلى واحد شامل يقوم بتنفيذه الجيش النظامي، واصلت "فاغنر" المساعدة، ولكن كان عليها أن تأخذ -على مضض- مقعدًا خلفيًا في فترة عدم الاستقرار وإعادة التكيف التي تلت ذلك. وأخذ بريغو، الذي لم يكن رجلًا خجولًا بعد كل شيء، زمام المبادرة لزيادة قواته وتحقيق الاستقرار في قطاعه.‏
‏"رحب الجيش النظامي (الروسي) بالمساعدة. استأثر بريغو و"فاغنر"، كما هي عادة القوات الخاصة، بالأضواء وأخذوا الفضل في إيقاف الأوكرانيين المكروهين. والصحافة ابتلعت ذلك. وفي الوقت نفسه، غير الجيش الكبير وبوتين ببطء استراتيجيتهما من الغزو الهجومي لأوكرانيا الكبرى إلى الدفاع عما كان لديهم بالفعل. ورفض بريغو قبول التغيير واستمر في الهجوم ضد باخموت. وهنا تكمن المشكلة. بدلاً من خلق أزمة عامة ومحاكمة الأحمق [بريغوجين] عسكريًا، حجبت موسكو الموارد، ببساطة، وتركت بريغو يستخدم قوته البشرية واحتياطياته من القوة النارية، مما أدى إلى إضعاف موقفه. إنه، بعد كل شيء، وبغض النظر عن مدى دهائه المالي، مالك عربة نقانق سابق من دون إنجازات سياسية أو عسكرية. ‏
‏"إن ما لم نسمعه أبدًا هو أنه كان قد تم قبل ثلاثة أشهُر إخراج "فاغنر" من جبهة باخموت وإرسالهم إلى ثكنة مهجورة شمال "روستوف أون دون" (في جنوب روسيا) من أجل التسريح. وتمت إعادة توزيع المعدات الثقيلة في أغلبها، وتخفيض عديد القوة إلى حوالي 8.000، غادر 2.000 منهم إلى روستوف ترافقهم الشرطة المحلية.‏
‏"لقد دعم بوتين بالكامل الجيش، الذي ترك بريغو يخدع نفسه ويختفي الآن في عار. كل ذلك من دون سكب العرق عسكريًا أو دفع بوتين إلى مواجهة سياسية مع الأصوليين الروس، الذين كانوا من المعجبين المتحمسين ببريغو. دهاء كبير".‏
ثمة فجوة هائلة بين الطريقة التي يقيّم بها المحترفون في مجتمع الاستخبارات الأميركية الوضع، وما يعرضه البيت الأبيض وصحافة واشنطن الكسولة للجمهور من خلال إعادة إنتاج تصريحات بلينكن وأتباعه الصقريين من دون تمحيص.‏
تشير إحصائيات ساحة المعركة الحالية التي تمت مشاركتها معي إلى أن السياسة الخارجية الشاملة لإدارة بايدن قد تكون في خطر في أوكرانيا. كما أنها تثير تساؤلات حول تورط حلف الناتو، الذي يزود القوات الأوكرانية بالتدريب والأسلحة من أجل هجومها المضاد الحالي المتعثر. وقد علمتُ أنه في الأسبوعين الأولين من العملية، استولى الجيش الأوكراني على 44 ميلاً مربعا فقط من الأراضي التي كان يسيطر عليها الجيش الروسي سابقًا، ومعظمها أرض مفتوحة. وفي المقابل، تسيطر روسيا الآن على 40 ألف ميل مربع من الأراضي الأوكرانية. وقيل لي أنه في الأيام العشرة الماضية لم تشق القوات الأوكرانية طريقها عبر الدفاعات الروسية بأي طريقة مهمة. وقد استعادت ميلين مربعين آخرين فقط من الأراضي التي استولت عليها روسيا. وبهذه الوتيرة، كما قال أحد المسؤولين المطلعين، سوف يستغرق الأمر جيش زيلينسكي 117 عامًا لتخليص البلاد من الاحتلال الروسي.‏
يبدو أن الصحافة في واشنطن بدأت تستوعب في الأيام الأخيرة ببطء فداحة الكارثة، ولكن لا يوجد دليل ظاهر على أن الرئيس بايدن وكبار مساعديه في البيت الأبيض ومساعدي وزارة الخارجية يفهمون الوضع.‏
‏‏يمتلك بوتين الآن في قبضته سيطرة كاملة، أو قريباً منها، على الأقاليم الأوكرانية الأربعة –دونيتسك، وخيرسون، ولوبانسك وزابوريزهيا- التي ضمها علنًا في 30 أيلول (سبتمبر) 2022 بعد سبعة أشهر من بدء الحرب. وستكون الخطوة التالية، على افتراض عدم حدوث معجزة في ساحة المعركة، متروكة لبوتين. يمكنه ببساطة التوقف حيث هو، ومعرفة ما إذا كان البيت الأبيض سيقبل الواقع العسكري وما إذا كان سيتم السعي إلى وقف لإطلاق النار، مع بدء محادثات نهاية الحرب الرسمية. وستكون هناك انتخابات رئاسية في نيسان (أبريل) المقبل في أوكرانيا، وقد يبقى الزعيم الروسي ساكنًا وينتظر ذلك- إذا حدث. وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إنها لن تكون هناك انتخابات بينما تخضع البلاد للأحكام العرفية.‏
تبدو ‏مشاكل بايدن السياسية، فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية للعام المقبل، حادة- وواضحة. في 20 حزيران (يونيو)، نشرت ‏‏صحيفة "الواشنطن بوست"‏‏ مقالاً يستند إلى استطلاع أجرته مؤسسة "غالوب" تحت عنوان "لا ينبغي أن يكون بايدن غير محبوب مثل ترامب -لكنه كذلك". وقال المقال المصاحب للاستطلاع الذي كتبه بيري بيكون الابن، إن بايدن يتمتع "بدعم كامل تقريبًا داخل حزبه، وبلا شيء تقريبًا من حزب المعارضة، وبأرقام رهيبة بين المستقلين". وكتب بيكون أن بايدن، مثل الرؤساء الديمقراطيين السابقين، يكافح "للتواصل مع الناخبين الأصغر سنًا والأقل تفاعلاً". ولم يكن لدى بيكون ما يقوله عن دعم بايدن لحرب أوكرانيا لأن الاستطلاع لم يطرح على ما يبدو أي أسئلة حول السياسة الخارجية للإدارة. ‏
‏يجب أن تكون الكارثة التي تلوح في الأفق في أوكرانيا، وآثارها السياسية، دعوة للاستيقاظ لأولئك الأعضاء الديمقراطيين في الكونغرس الذين يدعمون الرئيس، ولكنهم يختلفون مع استعداده لإلقاء عدة مليارات من الأموال الجيدة بعد السيئة في أوكرانيا، على أمل حدوث معجزة لن تصل. ويشكل الدعم الديمقراطي للحرب مثالاً آخر على فك ارتباط الحزب المتزايد بالطبقة العاملة. إنهم أولادهم هم الذين كانوا يخوضون حروب الماضي القريب والذين ربما يقاتلون في أي حرب مستقبلية. وقد ابتعد هؤلاء الناخبون بأعداد متزايدة بينما يقترب الديمقراطيون من الطبقات المثقفة وصاحبة المال.
‏إذا كان ثمة شك بشأن التحول الزلزالي المستمر في السياسة الحالية، فإنني أوصي بجرعة جيدة من توماس فرانك، المؤلف المشهور لكتاب العام 2004 الأكثر مبيعًا، ‏‏"ما الذي حدث في كانساس؟ كيف كسب المحافظون قلب أميركا‏"‏، وهو كتاب يشرح سبب ابتعاد ناخبي تلك الولاية عن الحزب الديمقراطي وتصويتهم ضد مصالحهم الاقتصادية. كما أعاد فرانك ذلك مرة أخرى في العام 2016 في كتابه "‏‏اسمع، أيها الليبرالي: أو ما الذي حدث لحزب الشعب"؟ ‏‏وفي ‏‏خاتمة الطبعة ذات الغلاف الورقي، صور كيف كررت هيلاري كلينتون والحزب الديمقراطي -مما أدى إلى تضخيمها- نفس الأخطاء التي ارتكبت في كانساس في طريقها إلى خسارة انتخابات ستكون مؤكدة لصالح دونالد ترامب. ‏
قد يكون من الحكمة أن يتحدث جو بايدن مباشرة عن الحرب ومشاكلها المختلفة التي تسببها لأميركا -وأن يشرح لماذا تبين أن ما يقدر بأكثر من 150 مليار دولار قدمتها إدارته حتى الآن كانت استثمارًا سيئًا للغاية.‏
*سيمور مايرون "ساي" هيرش Seymour Myron "Sy" Hersh: صحفي استقصائي وكاتب سياسي أميركي. حصل على التقدير في العام 1969 لفضحه مذبحة ماي لاي وكيف تم التستر عليها خلال حرب فيتنام، وحصل على "جائزة بوليتزر للتقارير الدولية" للعام 1970.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: PRIGOZHIN’S FOLLY: The Russian ‘revolt’ that wasn’t strengthens Putin’s hand
هامش المترجم:
‏"الرجال الخضر الصغار" Little green men: هم جنود ملثمون من ‏‏الاتحاد الروسي‏‏ ظهروا خلال ‏‏الحرب الروسية الأوكرانية‏‏ في العام 2014 يحملون أسلحة ومعدات، لكنهم يرتدون زي الجيش الأخضر غير المميز.‏ ظهر المصطلح لأول مرة أثناء احتلال الاتحاد الروسي لشبه جزيرة القرم، في الفترة من أواخر شباط (فبراير) إلى آذار (مارس) 2014، عندما احتلت هذه القوات وحاصرت مطار سيمفيروبول الدولي ومعظم القواعد العسكرية في ‏‏شبه جزيرة القرم‏‏، ‏‏والبرلمان في سيمفيروبول‏‏.‏‏ وتم استخدام المصطلح في بعض الأحيان للإشارة إلى القوات الروسية خلال ‏‏الحرب في دونباس‏‏. نفى الكرملين تورطه الرسمي أو وجود قواته في المنطقة‏‏، وكان "الرجال الخضر" يرتدون زيًا موحدًا لا يحمل علامات أو تنكروا في زي ‏‏انفصاليين موالين لروسيا‏‏.الغد

نيسان ـ نشر في 2023-08-29 الساعة 07:06


رأي: علاء أبو زينة من مواليد عمان – الأردن عام 1963 يعمل مديراً لتحرير دائرة الترجمة في صحيفة الغد اليومية الأردنية. حصل على درجة البكالوريوس في اللغة والأدب الإنجليزيين من الجامعة الأردنية، ودرجة الدبلوم العالي في الأدب الإنجليزي والمقارن. عمل في مجالات التصميم الغرافيكي والخط العربي، ومحاضراً في الجامعة الأردنية، ومستشاراً لتحرير المجلة الثقافية في الجامعة الأردنية، ومحكماً ومستشاراً لشؤون الترجمة للعديد من دور النشر ومراكز الدراسات والمؤسسات. ويشارك في هيئة تحرير مجلة "روزنا" التي يصدرها اتحاد المرأة الأردنية.

الكلمات الأكثر بحثاً