اتصل بنا
 

الغزو الروسي و«كذبة» تحجيم إسرائيل

كاتب اردني

نيسان ـ نشر في 2015-11-04 الساعة 02:52

نيسان ـ

يحلو لي احيانا ان اراقب بأسف تلك الاحتفالات المبالغ فيها بالوجود الروسي العسكري وتداعياته الاستراتيجية على المنطقة.
الأسف لا علاقة له حصريا بالتعقيدات التي سيضيفها وجود الروس عسكريا على مشهد معقد اصلا في سوريا.
ولا باقتراب وضع حد لشلال الدم الهادر الذي يطال الشعب السوري وينال من كرامة الامة والانسان مرة على يد النظام واذرعه الامنية والعسكرية تحت ستار الممانعة والمؤامرة، ومرة بأيدي الموتورين المتشددين الذين يريدون اقامة سلطان الله على الارض بسحق وحرق عباده وقطع رؤوسهم.
ومرة ثالثة بالمجتمع الدولي الخجول الذي تتحكم به مصالح القوى النافذة وليس معايير الانسان وحقه في الحياة.كل تلك اسباب بطبيعة الحال تدعو للأسف.
لكن الأسف الأكبر يولد من رحم تلك النظرية البائسة التي تفترض بان الغزو العسكري الروسي لسوريا سيضبط ايقاع اسرائيل تحديدا ويعيد التوازن إلى منطقة فقدته وينعش آمال التسوية السلمية.
سمعت سياسيين ومسؤولين ونشطاء تحديدا في جبهات اليسار يتحدثون بهذه اللغة وكأن الرئيس بوتين او ابو علي بوتين كما أسماه الشاعر الاردني عارف البطوش يتهيأ لتحرير المسجد الاقصى ولإنصاف الشعب الفلسطيني ولإقامة دولة فلسطين التي تآمر العرب قبل العالم عليها.
مرة اخرى مشاعر سطحية وساذجة تحاول الايحاء بان القضايا العربية الاساسية في المنطقة ستستفيد بمجرد عبور الجيش الاحمر الروسي في الارجاء.
السذاجة نفسها تفترض بان بوتين وحده القادر اليوم على اعادة ترسيم هذيان المجتمع الاسرائيلي وانصاف الشعب الفلسطيني والمساهمة في تقديم ولو بقايا للكرامة العربية المهدورة.
سمعت تحليلات من كل صنف في هذا الاتجاه تحاول اعادتنا إلى سجل نظيف مفترض لروسيا في دعم الشعب الفلسطيني والى تبعية اسرائيل للولايات المتحدة الأمريكية والى دور موسكو في تعليم وتثقيف الفلسطينيين عندما حاربهم العالم.
الهدف من هذه التأويلات التي أعتقد انها لم تخطر في بال الكرملين اصلا هو التهليل للبسطار الروسي والايحاء بان اسرائيل قلقة جدا وبأن الوجود العسكري في سوريا سيعيد الامور إلى نصابها خصوصا في القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
يسقط اصحاب هذا الاجتهاد قصدا او جهلا اعتبارات المصالح واولويات نقل الغاز ومعركة الطاقة عند القيادة الروسية.
ويسقط هؤلاء من حساباتهم ان ابو علي بوتين التقى نتنياهو قبل الجميع واستأذنه.
وان موسكو وقعت اتفاقية لتنسيق العمليات العسكرية لإسرائيل.
الاهم يسقط المجدفون في هذا التيار قناعة الجميع بان الوجود العسكري الروسي لم يكن بامكانه الولادة في المنطقة لولا الغطاء الأمريكي وهو بالنتيجة غطاء اسرائيلي ويخدم وظيفة اسرائيل التاريخية التي نعرفها جميعا.
أثق بنظرية العالم والبروفيسور الدكتور امين محمود حول نجاح اسرائيل او الذهنية الصهيونية في تحويل الجميع في المنطقة إلى قرود وسعادين يرقصون ويصفقون او يعترضون بحركات بهلوانية على مسارات غير مؤثرة وبصورة عشوائية تكرس موازين القوى وحقائق الضعف العربي.
وأرى ان مفكرا سياسيا من وزن عدنان ابو عودة خبير الاسرائيليات يعرف ما الذي يتحدث عنه عندما يؤشر على عدم وجود خبرات حقيقية في العقلية الصهيونية وترتيباتها وبالتالي من الصعب توقع تحجيم إسرائيل عبر الدبابة الروسية.
يلفت الدكتور محمود النظر إلى سقم وبؤس السيناريو الذي يفترض بان روسيا كان بامكانها التواجد عسكريا في خاصرة المنطقة العربية بدون ترتيب أمريكي او بان اسرائيل يمكنها ان تشعر فعلا بالقلق لان موازين واتجاهات البوصلة الاقليمية اختلفت لغير صالحها بعد البسطار الروسي.
لا يمكن قراءة مثل هذه السيناريوهات والفرضيات إلا بعين متأسفة وحزينة فالكثير من المؤشرات تفيد بان الادارة الأمريكية تترك المنطقة عسكريا وليس استراتيجيا ولأسباب تخصها وبأنها منحت ابو علي بوتين عطاء التلزيم لمقاولة تمديد الصراع العسكري في سوريا.
وأثق بالاجتهاد الذي يفترض بان اسرائيل شريكة استراتيجية لبوتين في تفصيلات المشهد وبأن استحكام القوى العسكرية الروسية في بلد مثل سوريا سينتهي بالضرورة بتدشين مفاوضات السلام والتسوية على الجبهة السورية الاسرائيلية تحديدا ضمن نطاق المقايضات بين موسكو وتل ابيب وواشنطن.
عملية السلام هذه عندما تصل لسفوح جبال هضبة السلام تحت الايقاع الروسي لن تكون تلك التي كان يتحدث عنها الراحل حافظ الاسد.
ولن تكون تلك التي تنطلق من نظريات الممانعة والمقاومة بل ستكون على الارجح عملية سياسية تتقاسم فيها اسرائيل وموسكو النفوذ ووفقا للبوصلة الاسرائيلية تحديدا وعلى حساب الشعبين الفلسطيني والاردني وبطريقة تنتهي بتسوية القضية الفلسطينية وفقا للمعيار الصهيوني اي بدون دولة او حق تقرير المصير او حتى عودة او تعويض.
على هذا الاساس ثمة ما يوحي بان الهدف النهائي بعد تقاسم النفوذ سيدفع ثمنه بصورة تاريخية الشعب الفلسطيني اكثر ودون غيره بعدما دفع الشعب السوري ثمنا بالغا من الدم والانهيار حفاظا على مصالح طغمة حاكمة في دمشق نهبت البلاد وسرقت العباد.
لذلك لا ارى سببا لاحتفال اليسار العربي بالغزو الروسي العسكري لسوريا فقد رأينا نتنياهو وهو يصافح بوتين جالسا.
ولا ارى سببا لاحتفال معسكر الاعتدال في النظام العربي الرسمي بكذبة اعادة التوازن لعملية السلام والتخفيف من السلبية الأمريكية عبر توفير فرصة الضغط على اسرائيل بواسطة الثقل الروسي فالأمريكيون لم يعودوا طرفا يحمل مصداقية في ادارة عملية السلام والفرصة متاحة اليوم للجلوس مجددا ولعدة سنوات في كرسي وهم السلام لكن تحت الايقاع الروسي هذه المرة ومن بوابة المشهد السوري.

القدس العربي

نيسان ـ نشر في 2015-11-04 الساعة 02:52

الكلمات الأكثر بحثاً