هل يعلم الرئيس؟
فهمي هويدي
كاتب عربي
نيسان ـ نشر في 2015-11-04 الساعة 02:57
عتاب الرئيس السيسي على بعض الإعلاميين ينبغي أن يوضع في إطاره الصحيح. ذلك أنه مجرد «لفت نظر» فيه من المصارحة التي عبر فيها الرئيس عن بعض ما في نفسه. أتحدث عن كلمة الرئيس التي ألقاها يوم الأحد الماضي الأول من نوفمبر في الندوة التثقيفية التي نظمتها القوات المسلحة وانتقد فيها ما ورد على لسان أحد مقدمي البرامج التليفزيونية حين ذكر أن الرئيس يجلس مع ممثلي شركة سيمنز تاركا أزمة الاسكندرية. (يقصد غرق المدينة بسبب الأمطار).
وقال الرئيس إن ذلك أمرا غير لائق واعتبره من قبيل الهدم، مشيرا إلى أن بعض الإعلاميين «لا فاهمين ولا عارفين». ثم تساءل هل تعذبونني لأنني أقف في هذا المكان (يقصد أنه تقلد منصبه)، وختم حديثه في هذه النقطة بقوله إنه سوف يشكو إلى الشعب.
لفت النظر الذى سجله الرئيس صدر بعبارات مهذبة. إلا أن شَدَة الأُذن فيه واضحة، والرسالة كانت بليغة. وهى تغني عن حكاية الشكوى للشعب التي لوح بها. وبدت محيرة وغير مفهومة، على الأقل لأن «العنوان» الذى ستوجه إليه الشكوى غير معلوم.
عندي أكثر من ملاحظة على الواقعة التي أشار إليها الرئيس. الأولى أنها بسيطة للغاية ولا تكاد تذكر بمعايير النقد الموضوعي والجاد. الثانية أنها صادرة من قلب إعلام الرئيس، الأمر الذي تستبعد في ظله مظنة الإساءة أو الرغبة في الهدم.
الأمر الثالث أن غضب الرئيس من التعليق يعبر عن إفراط في الحساسية يبعث على القلق. لأنه من حق أي أحد في هذه الحالة أن يقول بأن الرئيس إذا ضاق صدره بملاحظة عابرة وبسيطة صدرت عن أحد مؤيديه. فماذا يكون رد فعله على انتقادات المستقلين أو المعارضين. الأمر الرابع أن هذا الذى قيل عن الرئيس والذى لا يعد إساءة بأي حال يقال أضعافه وأسوأ منه وأخطر بكثير بحق العديد من الوطنيين المستقلين الذين أيدوه وكانوا ضمن تحالف ٣٠ يونيو، لكن جريمتهم الوحيدة أن لهم آراء أخرى في تحقيق المصلحة الوطنية. وللأسف فإن الذين يطلقون حملات التجريح والتخوين ينتمون إلى معسكر موالاة الرئيس والدفاع عنه. فضلا عن أن هناك أجهزة رسمية تسرب التسجيلات التي تبث لتشويه هؤلاء واغتيالهم معنويا.
هذا الذى ذكرته مجرد عناوين لملاحظات تحتمل كلاما كثيرا. لكن ما أود التوقف عنده هذه المرة مناسبة الحديث عن الواقعة التي استفزت الرئيس وأثارت غضبه هو نوعية المعلومات التي تقدم إليه بخصوص الشأن العام. ذلك أنني أعرف أنه يدقق كثيرا في التفاصيل، الأمر الذي يستغرق منه وقتا طويلا. لذلك استبعدت أن يكون قد تابع بنفسه البرنامج التليفزيوني الذي وردت فيه الملاحظة التي انتقدها. ورجحت أن تكون المعلومة قدمت إليه ضمن التقارير التي يطالعها كل صباح. وهو استنتاج دفعني إلى التساؤل عن طبيعة المعلومات التي تورد في سياستها مثل تلك الملاحظة التي تصورت أنها مما لا ينبغي أن يوضع أصلا في أي تقرير معلوماتي نظرا لبساطتها ومحدوديتها.
إن الصحف القومية والمستقلة ومواقع التواصل الاجتماعي تنشر العديد من الأخبار والمعلومات التي ينبغي أن يحاط الرئيس علما بها. وهى المعلومات التي يعد إخفاؤها عن الرئيس خطأ جسيما، كما أن إحاطة الرئيس علما بها وسكوته عليها يعد أمرا مثيرا للدهشة والتساؤل. سأضرب لذلك مثلا طازجا من وحى عنوان الندوة التثقيفية التي شهدها الرئيس وتكلم فيها. فعنوان الندوة كان «أكتوبر الإرادة والتحدي»، باعتبار أن المناسبة كانت حلول الذكرى الثانية والأربعين لانتصارات أكتوبر.
إذ شاءت المقادير أن يتزامن ذلك مع إصدار مركز «النديم» لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب تقريرا كان عنوانه «حصاد أكتوبر». ومما ذكره التقرير أن المشاهد التالية وقعت خلال الشهر ذاته، إذ وقعت ٩ حالات وفاة ٣ منها بسبب التعذيب و٤ بسبب الإهمال الطبي. كما حدثت ٢٧ حالة تصفية إضافة إلى ٥٨ حالة تعذيب و٤ حالات تعذيب جماعي في وادي النطرون وسجن الأبعادية وأسيوط ومنيا القمح ــ إضافة إلى ٢٢ حالة حرمان من الرعاية الطبية و٩٢ حالة اختفاء قسري و٤٣ حالة ظهور بعد الاختفاء الكسري ــ كذلك وقعت ١٠ حالات عنف للشرطة ضد المواطنين خارج أماكن الاحتجاز و٤ حالات تكدير جماعي.
هذه المعلومات أتصور أن يحاط الرئيس علما بها، على الأقل لكي يأمر بالتحقق من مدى صحتها. في نفس الوقت تمنيت أن يحاط الرئيس علما بأمور أخرى حدثت في شهر أكتوبر منها بكاء إسراء الطويل حين تجدد حبسها بعدما أمضت أكثر من خمسة أشهر في السجن وهي مصابة بعاهة في ساقها. منها أيضا خبر لجوء السيدة مها مكاوي إلى الإضراب عن الطعام لكي تعرف مصير زوجها المحامى أشرف شحاتة الذي اعتقل منذ ٢٢ شهرا ولا تعرف أين يوجد ولا ما هي تهمته. والحالتان بمثابة أجراس تنبه إلى أن ثمة ظلما واقعا له ضحاياه الكثيرون الذين لا يغفر لأحد السكوت على مظلوميتهم.
إن السؤال الذي لا أعرف له إجابة هو: هل أحيط الرئيس علما بمثل هذه الأخبار أيضا أم لا؟
الشروق المصرية