هل كانت مخلوقات ستيفنسون الليلية تملي عليه رواياته؟
نيسان ـ نشر في 2023-09-11 الساعة 15:50
نيسان ـ دعم من زمن العقلانية الأوروبية لشياطين الشعراء العرب الذين تألقوا في الجاهلية.
نعرف طبعاً أن ثمة مصطلحاً ينتمي إلى تاريخ الشعر الجاهلي هو "عبقري" الذي يأتي من القول إن لكل شاعر عربي كبير جنيّه (عبقر) الذي يملي عليه أشعاره سواء وهو نائم أو في أحلام يقظته، بمعنى أن الإبداع الحقيقي إنما هو من فعل الجن وليس الشاعر سوى وسيط يتولى تدوينه ونشره. وطبعاً من حقنا أن نصدق هذا أو لا نصدقه، لكننا نعرف أن العصور الحديثة قد ركنته في سلة الحكايات الخرافية ولا تعود إلى ذكره إلا على سبيل التفكه أو المبالغة. ومن هنا لم يكن ليخطر في بالنا أنه يمكن أن يكون ثمة في أوروبا "العقلانية"، كاتب له مكانة روبرت لويس ستيفنسون (1850 – 1894) يمكنه أن يستعيد تلك الخرافة نفسها لينسب أدبه إلى فعل الجن. كنا نستبعد ذلك حتى وإن كنا نعرف أن ستيفنسون كتب عدداً كبيراً من أعماله مستوحياً حكايات "ألف ليلة وليلة" المليئة من ناحيتها وإلى حد التخمة، بالجن وحكاياتهم، وإن كنا نعرف أيضاً أنه هو صاحب الرواية "الشيطانية" الأكبر في تاريخ الأدب العالمي، "دكتور جيكل ومستر هايد" بين نصوص غرائبية أخرى. كنا نعتقد أن الرجل "أعقل" من أن يتبنى تأكيدات من هذا النوع، وإنه لئن جعل للشياطين حضوراً في رواياته فإن ذلك لم يكن في نهاية المطاف سوى جزء ضروري من أسلوبه الحكائي – الكتابي لا أكثر، ولكن فجأة نكتشف نصاً لستيفنسون كان شبه مجهول لدى الجمهور العريض، عنوانه "فصل حول الأحلام" يغوص في تلك المسألة بشكل غير متوقع، ولكن - وهذا هو الأغرب في الأمر - من خلال الأحلام و"علاقة الشياطين بها" وليس من منطلق الحكايات فقط بل من منطلق يبدو أقرب ما يكون إلى الصيغة العلمية فيتبنى الكاتب، وبواسطة الراوي كل ما يبدو في النص تخريفاً خيالياً.
زيارات الكائنات الليلية
ولكن لماذا الأحلام؟ ربما ومن ناحية مبدئية، لأن حضور الجن في إملاء النصوص الإبداعية على أصحابها غالباً ما يتم في هدأة الليل. فإن جرى خلال اليقظة سينسب إلى ما يسمى "أحلام اليقظة" التي هي أحلام بعد كل شيء، بمعنى أنها فالتة من رقابة العقل الواعي لصاحب العلاقة. مهما يكن فإن ستيفنسون، ولسبب ما ربما يتعلق بحفاظه على عقلانية محددة، يصل إلى موضوعه في ذلك النص من خلال حكاية شاب يعيش حياة مزدوجة: نهارية من ناحية، وليلية من ناحية أخرى. وهذا الشاب، بحسب الكاتب طبعاً، "لديه كل ما يدفعه إلى الاعتقاد أن الحياة الأولى، النهارية، هي حياته الحقيقية، لكنه في المقابل لا يملك أي دليل قاطع يجعله يرى أن الحياة الأخرى، الليلية، التي يعيشها، يمكن ألا تكون حقيقية". كل ما في الأمر أن هذا الشاب الذي لا يزال طالباً يعيش في إدنبره الاسكتلندية، موطن ستيفنسون نفسه، كان من عادته قبل أن ينام كل ليلة أن يروي حكايات متنوعة، لكنه ذات يوم يدرك أن في مقدوره أن يدون على الورق تلك الحكايات ومن ثم يبيعها للصحف وللناشرين مقابل مبالغ من المال قد تكون ضحلة لكنها تساعده على العيش. كل هذا طبيعي ومنطقي حتى الآن. غير أن نص ستيفنسون سرعان ما يكشف لنا "سر" ذلك الشاب، إن لديه في الليل وحين يسلم أمره للنوم بالتالي لعالم الأحلام، مساعدين من الجن قصار القامة يطلق عليهم اسم "بروني" هم الذين يعينونه في عمله الإبداعي.
في تفاصيل التفاصيل
هم من الجن في الحقيقة ولديهم كما يخبرنا ستيفنسون، لا الكاتب الشاب نفسه، من القدرة والموهبة ما يمكنهم من إمداد الطالب الشاب بحبكات لحكايات لا تنتهي، يوردونها له في تفاصيل التفاصيل، بشكل يصفه ستيفنسون بأنه أشبه ما يكون بالحكايات التي ترويها شهرزاد لملكها شهريار ليلة بعد ليلة في "الليالي العربية". ولنذكر هنا بأن ستيفنسون لا يكشف هذا الأمر على سبيل الإبداع من خلال ما يورده كاتبه الاسكتلندي الشاب في ديباجة نصوصه، بل يخبرنا به في سياق حديثه البادي الجدية عن حكاية ذلك الشاب كجزء من نص "علمي"، نص عن "الأحلام ودورها في الإبداع". ومهما يكن من أمر هنا نعرف أن ستيفنسون تحدث كثيراً حين صدرت روايته الكبرى "دكتور جيكل ومستر هايد" عن كم أنه هو نفسه "مدين في كتابتها لتلك المخلوقات القصيرة القامة التي تزوره ليلاً لتساعده على عمله". وبشكل عام يمكن لمن ينكب على قراءة نصوص ستيفنسون المختلفة أن يدرك الأهمية التي يعزوها هذا الكاتب المبدع للأحلام في كتابته. ونحن حين نذكر الأحلام في سياق الكتابة عن ستيفنسون نجد أنفسنا بالضرورة أمام "الجن" الذي يسهب في الحديث عنه في نصوص الكتاب الذي يضم "فصل عن الأحلام". ومن ضمن تلك النصوص رواية "أولالا الجبال" التي أخرجتها الكاتبة الفرنسية ليندا لي مرة من سباتها وتحديداً لمناسبة استعادتها نص "فصل عن الأحلام"، لتذكر كم أنها تدين بدورها لتلك "الحياة الليلية الغامضة" التي يعيشها كثر من المبدعين على أية حال وتكون خير معين لهم في إبداعهم، سواء تم من طريق الجن أو من أي طريق آخر.
إجراءات للحفاظ على الحب المنقذ
وتخبرنا الكاتبة الفرنسية المعاصرة هنا أن رواية ستيفنسون هذه تهتم بحكاية "عائلة عميقة الجذور رفيعتها، لكنها تعيش الآن أوضاعاً مادية بائسة" ومن هذه العائلة "شابة حسناء لا تملك قوت يومها ولا تتمتع بأية مكانة اجتماعية كان يمكن أن يوفرها لها أصلها النبيل" ولكن ليس في العالم الغارق في ماديته الذي تعيش فيه. غير أن الراوي يخبرنا هنا أنه كان لا بد لتلك الأميرة أن تجد الترياق أخيراً إنما في الغرام الذي تلتقيه في بيت تملأه كل ضروب الجنون وتحيط به أمور غريبة تدعو إلى القلق، وفي لحظة من الزمن كان فيها الراوي يتوقع للأميرة نفسها "أن تغرق بدورها في ذلك اليأس الذي كاد يفضي بها هي الأخرى إلى الجنون"، ولكن ما الدور الذي قد يمكن للمخلوقات الليلية القصيرة أن تلعبه هنا؟ ببساطة هي التي تقود خطوات الأميرة نحو ذلك البيت في وقت كان لا يجرؤ أحد على الدنو منه، لأن كل ما فيه يبعث على القلق والجنون بل يعد بالموت. ومن هنا ما يوحي به إلينا الراوي من أن كل تلك المشاعر المحيطة بالبيت إنما كانت أداة الجن في مسعاهم لمنع أحد سوى الأميرة من الوصول قبلها إلى المكان الذي كان محفوظاً لها. ولعل اللافت في أمر هذه الحكاية التي ترجمها إلى الفرنسية بحماس شديد وإيمان عميق بما تقول، الكاتب ألفريد جاري الذي اشتهر بمسرحيته المؤسسة للمسرح السوريالي "أوبو ملكاً"، وادعى دائماً أن كائنات ليلية كانت هي التي أملتها عليه. ومن هنا لم يكن مستغرباً منه أن يترجم هذه الرواية لستيفنسون لتصدر في كتاب واحد يضم أيضاً "فصل عن الأحلام" التي تحدثنا عنها أول هذا الكلام، كما تضم بين نصوص عدة أخرى مقدمات رواية بوليسية لم ينجزها روبرت لويس ستيفنسون أبداً، تدور أحداثها، وجريمتها الأساسية بالتالي، في عالم الجن وتحديداً الحاملين هنا اسم "براوني"، كما حال الجن الذين كانوا يزورون الكاتب الشاب الذي تروى لنا حكايته في "فصل عن الأحلام". والحقيقة أن كل هذه النصوص والتي من المستحيل أن يطالعنا فيها أي أثر لروح ساخرة أو حتى متفكهة بلطف يشبه ما قد نجده في نصوص لستيفنسون أقل جدية بكثير مثل رواياته الأشهر "جزيرة الكنز" و"في بحار الجنوب" و"الصندوق المزيف" وغيرها، إنما كتبت كنوع من "التأكيد العلمي" من قبل هذا الكاتب حول دور المخلوقات الليلية - والتي لا شك أن فرويد لن يفوته لاحقاً أن يعتبرها من ناحيته تعبيراً عن الوعي الباطن، لا أكثر ولا أقل - في عملية الخلق مما يضفي صدقية ولو متأخرة مئات السنين على جذور تلك "العبقرية" التي كان الشعراء وغير الشعراء العرب ينسبون إليها إبداعاتهم فلا ينظر إليها العقلانيون إلا على أنها نوع من "التخريف اللطيف".
نعرف طبعاً أن ثمة مصطلحاً ينتمي إلى تاريخ الشعر الجاهلي هو "عبقري" الذي يأتي من القول إن لكل شاعر عربي كبير جنيّه (عبقر) الذي يملي عليه أشعاره سواء وهو نائم أو في أحلام يقظته، بمعنى أن الإبداع الحقيقي إنما هو من فعل الجن وليس الشاعر سوى وسيط يتولى تدوينه ونشره. وطبعاً من حقنا أن نصدق هذا أو لا نصدقه، لكننا نعرف أن العصور الحديثة قد ركنته في سلة الحكايات الخرافية ولا تعود إلى ذكره إلا على سبيل التفكه أو المبالغة. ومن هنا لم يكن ليخطر في بالنا أنه يمكن أن يكون ثمة في أوروبا "العقلانية"، كاتب له مكانة روبرت لويس ستيفنسون (1850 – 1894) يمكنه أن يستعيد تلك الخرافة نفسها لينسب أدبه إلى فعل الجن. كنا نستبعد ذلك حتى وإن كنا نعرف أن ستيفنسون كتب عدداً كبيراً من أعماله مستوحياً حكايات "ألف ليلة وليلة" المليئة من ناحيتها وإلى حد التخمة، بالجن وحكاياتهم، وإن كنا نعرف أيضاً أنه هو صاحب الرواية "الشيطانية" الأكبر في تاريخ الأدب العالمي، "دكتور جيكل ومستر هايد" بين نصوص غرائبية أخرى. كنا نعتقد أن الرجل "أعقل" من أن يتبنى تأكيدات من هذا النوع، وإنه لئن جعل للشياطين حضوراً في رواياته فإن ذلك لم يكن في نهاية المطاف سوى جزء ضروري من أسلوبه الحكائي – الكتابي لا أكثر، ولكن فجأة نكتشف نصاً لستيفنسون كان شبه مجهول لدى الجمهور العريض، عنوانه "فصل حول الأحلام" يغوص في تلك المسألة بشكل غير متوقع، ولكن - وهذا هو الأغرب في الأمر - من خلال الأحلام و"علاقة الشياطين بها" وليس من منطلق الحكايات فقط بل من منطلق يبدو أقرب ما يكون إلى الصيغة العلمية فيتبنى الكاتب، وبواسطة الراوي كل ما يبدو في النص تخريفاً خيالياً.
زيارات الكائنات الليلية
ولكن لماذا الأحلام؟ ربما ومن ناحية مبدئية، لأن حضور الجن في إملاء النصوص الإبداعية على أصحابها غالباً ما يتم في هدأة الليل. فإن جرى خلال اليقظة سينسب إلى ما يسمى "أحلام اليقظة" التي هي أحلام بعد كل شيء، بمعنى أنها فالتة من رقابة العقل الواعي لصاحب العلاقة. مهما يكن فإن ستيفنسون، ولسبب ما ربما يتعلق بحفاظه على عقلانية محددة، يصل إلى موضوعه في ذلك النص من خلال حكاية شاب يعيش حياة مزدوجة: نهارية من ناحية، وليلية من ناحية أخرى. وهذا الشاب، بحسب الكاتب طبعاً، "لديه كل ما يدفعه إلى الاعتقاد أن الحياة الأولى، النهارية، هي حياته الحقيقية، لكنه في المقابل لا يملك أي دليل قاطع يجعله يرى أن الحياة الأخرى، الليلية، التي يعيشها، يمكن ألا تكون حقيقية". كل ما في الأمر أن هذا الشاب الذي لا يزال طالباً يعيش في إدنبره الاسكتلندية، موطن ستيفنسون نفسه، كان من عادته قبل أن ينام كل ليلة أن يروي حكايات متنوعة، لكنه ذات يوم يدرك أن في مقدوره أن يدون على الورق تلك الحكايات ومن ثم يبيعها للصحف وللناشرين مقابل مبالغ من المال قد تكون ضحلة لكنها تساعده على العيش. كل هذا طبيعي ومنطقي حتى الآن. غير أن نص ستيفنسون سرعان ما يكشف لنا "سر" ذلك الشاب، إن لديه في الليل وحين يسلم أمره للنوم بالتالي لعالم الأحلام، مساعدين من الجن قصار القامة يطلق عليهم اسم "بروني" هم الذين يعينونه في عمله الإبداعي.
في تفاصيل التفاصيل
هم من الجن في الحقيقة ولديهم كما يخبرنا ستيفنسون، لا الكاتب الشاب نفسه، من القدرة والموهبة ما يمكنهم من إمداد الطالب الشاب بحبكات لحكايات لا تنتهي، يوردونها له في تفاصيل التفاصيل، بشكل يصفه ستيفنسون بأنه أشبه ما يكون بالحكايات التي ترويها شهرزاد لملكها شهريار ليلة بعد ليلة في "الليالي العربية". ولنذكر هنا بأن ستيفنسون لا يكشف هذا الأمر على سبيل الإبداع من خلال ما يورده كاتبه الاسكتلندي الشاب في ديباجة نصوصه، بل يخبرنا به في سياق حديثه البادي الجدية عن حكاية ذلك الشاب كجزء من نص "علمي"، نص عن "الأحلام ودورها في الإبداع". ومهما يكن من أمر هنا نعرف أن ستيفنسون تحدث كثيراً حين صدرت روايته الكبرى "دكتور جيكل ومستر هايد" عن كم أنه هو نفسه "مدين في كتابتها لتلك المخلوقات القصيرة القامة التي تزوره ليلاً لتساعده على عمله". وبشكل عام يمكن لمن ينكب على قراءة نصوص ستيفنسون المختلفة أن يدرك الأهمية التي يعزوها هذا الكاتب المبدع للأحلام في كتابته. ونحن حين نذكر الأحلام في سياق الكتابة عن ستيفنسون نجد أنفسنا بالضرورة أمام "الجن" الذي يسهب في الحديث عنه في نصوص الكتاب الذي يضم "فصل عن الأحلام". ومن ضمن تلك النصوص رواية "أولالا الجبال" التي أخرجتها الكاتبة الفرنسية ليندا لي مرة من سباتها وتحديداً لمناسبة استعادتها نص "فصل عن الأحلام"، لتذكر كم أنها تدين بدورها لتلك "الحياة الليلية الغامضة" التي يعيشها كثر من المبدعين على أية حال وتكون خير معين لهم في إبداعهم، سواء تم من طريق الجن أو من أي طريق آخر.
إجراءات للحفاظ على الحب المنقذ
وتخبرنا الكاتبة الفرنسية المعاصرة هنا أن رواية ستيفنسون هذه تهتم بحكاية "عائلة عميقة الجذور رفيعتها، لكنها تعيش الآن أوضاعاً مادية بائسة" ومن هذه العائلة "شابة حسناء لا تملك قوت يومها ولا تتمتع بأية مكانة اجتماعية كان يمكن أن يوفرها لها أصلها النبيل" ولكن ليس في العالم الغارق في ماديته الذي تعيش فيه. غير أن الراوي يخبرنا هنا أنه كان لا بد لتلك الأميرة أن تجد الترياق أخيراً إنما في الغرام الذي تلتقيه في بيت تملأه كل ضروب الجنون وتحيط به أمور غريبة تدعو إلى القلق، وفي لحظة من الزمن كان فيها الراوي يتوقع للأميرة نفسها "أن تغرق بدورها في ذلك اليأس الذي كاد يفضي بها هي الأخرى إلى الجنون"، ولكن ما الدور الذي قد يمكن للمخلوقات الليلية القصيرة أن تلعبه هنا؟ ببساطة هي التي تقود خطوات الأميرة نحو ذلك البيت في وقت كان لا يجرؤ أحد على الدنو منه، لأن كل ما فيه يبعث على القلق والجنون بل يعد بالموت. ومن هنا ما يوحي به إلينا الراوي من أن كل تلك المشاعر المحيطة بالبيت إنما كانت أداة الجن في مسعاهم لمنع أحد سوى الأميرة من الوصول قبلها إلى المكان الذي كان محفوظاً لها. ولعل اللافت في أمر هذه الحكاية التي ترجمها إلى الفرنسية بحماس شديد وإيمان عميق بما تقول، الكاتب ألفريد جاري الذي اشتهر بمسرحيته المؤسسة للمسرح السوريالي "أوبو ملكاً"، وادعى دائماً أن كائنات ليلية كانت هي التي أملتها عليه. ومن هنا لم يكن مستغرباً منه أن يترجم هذه الرواية لستيفنسون لتصدر في كتاب واحد يضم أيضاً "فصل عن الأحلام" التي تحدثنا عنها أول هذا الكلام، كما تضم بين نصوص عدة أخرى مقدمات رواية بوليسية لم ينجزها روبرت لويس ستيفنسون أبداً، تدور أحداثها، وجريمتها الأساسية بالتالي، في عالم الجن وتحديداً الحاملين هنا اسم "براوني"، كما حال الجن الذين كانوا يزورون الكاتب الشاب الذي تروى لنا حكايته في "فصل عن الأحلام". والحقيقة أن كل هذه النصوص والتي من المستحيل أن يطالعنا فيها أي أثر لروح ساخرة أو حتى متفكهة بلطف يشبه ما قد نجده في نصوص لستيفنسون أقل جدية بكثير مثل رواياته الأشهر "جزيرة الكنز" و"في بحار الجنوب" و"الصندوق المزيف" وغيرها، إنما كتبت كنوع من "التأكيد العلمي" من قبل هذا الكاتب حول دور المخلوقات الليلية - والتي لا شك أن فرويد لن يفوته لاحقاً أن يعتبرها من ناحيته تعبيراً عن الوعي الباطن، لا أكثر ولا أقل - في عملية الخلق مما يضفي صدقية ولو متأخرة مئات السنين على جذور تلك "العبقرية" التي كان الشعراء وغير الشعراء العرب ينسبون إليها إبداعاتهم فلا ينظر إليها العقلانيون إلا على أنها نوع من "التخريف اللطيف".