اتصل بنا
 

العلان يكتب عن أحذية الكلاب

نيسان ـ نشر في 2023-09-11 الساعة 17:25

x
نيسان ـ بقلم رفعت العلان
مات الاستاذ "ابراهيم" معلم التاريخ والجغرافية.
ترك الأسرة في حالة من العسر الشديد، بعد حالة سابقة من يسر جيد، في زمن تحول فيه إبراهيم الى تاجر، صاحب مصنع، مالكاً لأراض كثيرة، تمت سرقتها والاستيلاء عليها بعد وفاته بأيام.
لا أحد يعرف أن لهم أملاك.
ترملت "فاطمة " وبكت كثيراً، على ظهرها تسعة أرواح، أكبرهم تلميذ، أصغرهم طفلة تحبو.
أقاموا عزاءً بسيطاً، إنفض العزاء.
في صباح اليوم التالي، جاء عدد من العمال، شرطي، قرار محكمة حصل عليه أحد اللصوص الدائنين.
هدموا منزل الاسرة المكلومة.
قبل وفاته، خسر التجارة والمصنع، رهن الارض التي أقيم عليها المنزل والاراضي الاخرى، مقابل مئات الدنانير.
بلا سبب يذكر أو مبرر يمكن الاعتماد عليه، نجا أحد الجدران من الهدم، ونجت شجرة عنب وحيدة من القطع.
لملمت "فاطمة" دموعها، جمعت الواحاً من الصفيح والكرتون، بمساعدة شجرة العنب.
صار لهم مأوى.
دموع "فاطمة" منهمرة والاولاد واجمون.
حزمت "فاطمة" أمرها، بدأت عملا شاقا، إنتقلت الى عمل شاق، الى أن إستقرت في عمل شاق.
صار الخبز متوفراً، الخضار الى حد ما، اللحم متوفر عند القصابين.
وفرت عشرات الدنانير، أمسى بيتها بغرفتين.
بعد غروب أحد الأيام بدقائق، ركض أحد الاولاد منادياً: أمي، أمي، جاءنا ضيوف.
أصلحت "فاطمة" من شأن الغرفة، فرشت كل ما لديها.
رحبت بأشقاء وأبناء عمومة.
خلعوا أحذيتهم عند الباب، إنهمكت كبرى البنات في عمل الشاي.
حكى الرجال وحكت "فاطمة"، تذكروا أياماً مضت، تنحنح أكبرهم، سكت الجميع.
قال: يا أم يوسف، أنت شقيقتنا العزيزة وهؤلاء أبناء عمومتنا معنا، لا يمكننا أن نتخلى عنك.
أصاب "فاطمة" فرح لا مثيل له، من النوع الذي يضع المرء في حالة من الغبطة الشديدة، كادت أن تفقدها وعيها.
قالت: بارك الله بكم وبأولادكم وأعطاكم الصحة والعافية.
وزادت في الدعاء وأسرفت، تحشرجت الكلمات في وحلقها وخرجت متقطعة الى أن سالت دموعها.
أكمل الرجل: بيوتنا مفتوحة لك معززة مكرمة، والاولاد نعطيهم لأهلهم ليتكفلوا بهم.
أفاقت فاطمة من غبطتها، تخلخل دماغها كأن صاعقة سقطت دفعة واحدة على رأسها وروحها.
طأطأت رأسها ملجومة بصمت مطبق، فيما الدم يغلي في دماغها وعروقها، مسحت دموعها.
هبّت واقفة.
دوى صوتها مع شلال من الشتائم، ترافقها الأدعية المناقضة للأدعية السابقة.
تناولت أحذيتهم، وبما أعطيت من قوة، رمت بها خارج البيت. وصرخت بغضب:
إلحقوا أحذيتكم أيها الكلاب.

نيسان ـ نشر في 2023-09-11 الساعة 17:25

الكلمات الأكثر بحثاً