سرد ٌ يشبه الحكايات ! بقلم / ماجد شاهين
نيسان ـ نشر في 2015-11-04 الساعة 19:36
( 1 ) شارع !
الرجل ، الذي يقود " عربة ً / مركبة " باذخة فارهة ، والذي قلّل من سرعة المركبة و توقّف لكي يمنحني فرصة عبور الشارع ، شكرته باستهجان حين لمحت فتية ً في المركبة يتضاحكون !
الرجل إيّاه ، السائق الغامض ، لم يكن يعتني بالرفق بمن هم مثلي أو يعتني باحترام حقوق المارّين في الشارع ، بل كان يريد الامتثال لرغبات الأطفال المتضاحكين في المركبة والذين لمحوني من بعيد و أرادوا أن يستمتعوا بشكلي الذي لم يعتادوا رؤيته أو بثيابي التي لا يرونها إلاّ في البرامج التلفزيونيّة التي تتحدث عن القهر ، هذا إن هم شاهدوا مثلها .
...
كنت ُ أحسن ُ الظنّ بالسائق والمركبة ، لكن أصوات الأولاد والبنات التي علت متضاحكة و منادية بأسماء عجيبة من وراء الزجاح ، جعلتني أحترم الشارع أكثر من المركبات الفارهة كلّها !
( 2 ) صفعة !
كان يَعُد ّ مع كلّ صفعة .. و حين اقترب العد ّ من الصفعة الأخيرة ، تعب الجلاّد وارتخى جسده و مال إلى الأرض كمن خارت قواه !
.. الفتى الذي ينتظر الصفعة الأخيرة تحامل على وجعه و نهض إلى جوار قريب ٍ و قطف وردة ، وجاء يناولها إلى الجلاّد لكي ينهض ويصحو من تعبه !
.. الفتى أراد أن ينتعش الجلاّد قليلاً و يكمل الصفعة الأخيرة لكي يكتمل الذنب .
...
الفتى أراد للجلاّد أن يستعيد عافيته و يشعل جسد الفتى تبريحاً و ألما ً ، والفتى هنا كان يريد للعتمة أن تأكل روح الجلاد .. الفتى كانت تنقصه صفعة واحدة لكي يذهب الجلاد إلى الجحيم .
...
الفتى كان يرى أنه لا ينبغي ردّ الصفعة إلى الجلاّد ، بل ينبغي أن نتركه تقرص الأشواك روحه .
( 3 ) حجر !
المزق ُ ظاهر في الوجه والحجر كشطت جزءاً من جلد الوجه قريباً من الأنف ، و جُـدِع َ جزء من المنخر الأيمن من الأنف ، ولا زالت آثار الحكاية واضحة !
.. الرجل ، ربّما يكون أزعجه صوت العصفور في أعلى الشجرة المجاورة لبيته أو أنه حاول أن يتمرّن ويتسلّى بصيد ٍ يعنقد أنه سانحاً !
.. العصفور يتراقص مثل عادته و يزقزق .
.. الرجل المتجهم حمل حجراً غليظة و طوح بها في الأعلى ليُـسقِط العصفور ويتخلّص من صوته أو لكي يراه طريحَ التراب .
..
بـــ ِ خفّة و رشاقة الطائر و بزقزقة تليق ، أفلت العصفور من ضربة الحجر و نجا من مكيدة الرجل و طار إلى غصن ٍ آخر .
..
الرجل ظلّ يرفع وجهه وينظر إلى العصفور مؤملاً أن يرى شكل سقوطه .
..
ظنّ الرجل أن الحجر أصابت العصفور .
..
العصفور في الجوار على غصن طريّ ينتشي بإفلاته من سطوة الحجر ، و الرجل تصدمه ضربة الحجر المرتد إلى وجهه ، يُنزف منه دم ٌ و يتضرر الأنف والوجه و يسقط الحجر إلى الأرض .
.. والعصفور هناك حط ّ على غصن ٍ رقيق على الشجرة .
( 4 ) ركوة !
سعى أصدقاء ٌ ، تخلّصا ً من " أعباء " الارتباك اليوميّ و التوتّر ،إلى خروج من النمطيّة السائدة و الاتجاه إلى العراء ، هناك حيث الانكشاف ، قرّروا إعداد ما يلزم لصنع القهوة في مكان لم تلوّثه الفوضى ولم يربكه الضجيج .
.. اتفقوا أن يذهبوا في رحلة " ما بعد العصر " بمتاع قليل ، فاعدوا الركوة والفناجين و ما يلزم لإشعال النار و ما يلزم من ماء و ما تيسّر من فاكهة و حملوا أمتعتهم الخفيفة و ما يلزم لكي يفترشوا الأرض .. واستقلّوا مركبة لأحدهم وراحوا ياتجاه الهواء والفضاء المفتوح و أصوات الطيور والنباتات البريّة .
قرروا أن يشربوا قهوتهم في " الهواء الطلق " بعيداً عن اليوميّ والمكرور والعاديّ و بعيداً عن المقاعد الملتبسة في المقاهي أو البيوت .
حملوا الامتعة و ما يلزم في الرحلة .
اختاروا مكانا ً يبعد عن المدينة نحو ساعة من السفر في المركبة ، المساء يرخي بألوانه وظلاله و الشمس تغادر لكي ترتدي ثياب نومها و تتناول عشاءها و تنام .
.. حين اقتربوا من مكان يلائم ما يسعون إليه أو يشبهه ، ترجّلوا وافترشوا الأرض و وضعوا " حاجياتهم " في الجوار ، و أخذوا يستنشقون هواء ً طيّبا ً .
.. أحدهم الآن يشعل النار لكي يعمر المكان بالقهوة !
.. آخر يعدّ الركوة و يصب ّ الماء فيها و يضع قليلاً من السكّر ، بما يلائم الأذواق !
.. يضع الركوة فوق النار !
.. والرفاق يبتهجون بالليل والهواء والعتمة النبيلة المحيطة بالمكان !
..
وارتُبك صانع القهوة !
يبحث عن شيء مفقود ،
يبحث عن زوّادة الركوة ،
عن نسغ القهوة .. عن " البن ّ " !
نسوا " كيس البن " عند البائع !
..
هل تنفع القهوة بلا روحها ، هل تنفع القهوة بلا بُنـّها ؟
..
يحدث أن ننسى ،
لكن القهوة لا تنفع بالماء وحده !
( 5 ) و ينفع !
.. و ينفع ُ أن نجد َ لنا مَقعدين حول طاولة ٍ في درب ٍ هنا أو هناك ، ينفع ُ أن تكون الطاولة عند خائط ملابس أو راتق أردية يسعى الناس ُ إليه لكي يستر عورات القماش !
أو ، هكذا ، في الدرب تكون الطاولة ُ والمَقعدان و ولد قليل ٌ يبيع الميرميّة أو الزعتر الأخضر ، عند أوّل الدرب ، و بائع العصائر ينادي في الناس أن تعالوا إلى الفاكهة !
...
ينفع ُ أن تكون المواعيد في أوقاتها من دون أن يؤجّلها عطب ٌ في صوت الناي أو نقص ٌ في ماء البائع أو عفن أصاب ورق الزعتر فأطاح الرائحة .
...
ينفع ُ أن نملأ صحن النافذة بالماء ، و لا ننهر العصافير !
ينفع ُ أن لا نسرق أصابع العازف !
ينفع ُ أن نترك للشمس فرصتها كيما تخلع قميص نومها على مهلها وترتدي حلّة النهار !
ينفع ُ إن ْ أردنا الحياة : أن ْ لا تجف ّ ماء المرحبا بيننا و أن ْ لا نطفيء الضوء حول الفراشات .
...
ينفع ُ !