سكجها عن ليلى: يَبُس الشجر وضاع الثمر بعدك
نيسان ـ نشر في 2023-09-21 الساعة 21:45
نيسان ـ أكذب، لو قُلت إنّني لم أبك ملايين المرّات، خلال سنة مرّت، وحين كنتُ أهرب من البكاء إلى اقتناص لحظة فرح، فوجهك يا حبيبتي كان هناك في حنين الذكرى، وَجَعَ ذكريات، ليضع على وجهي ابتسامات حلوة مؤقتة، وجُرحاً في روحي، يستنفرها إلى ذلك النحيب من الدمع الأبدي.
لستُ أتقن شيئاً، في الدنيا، سوى الكتابة، وتلك موهبة لم تأتني من السماء صُدفة صاعقة، ولكنّها كانت من تصادف، وتصادم، غيمتين حبيبتين، فأتت بمطر غزير لذيذ، هو هِبة منكما: ليلى وابراهيم، فبين أقدامكما تعلّمت المشي، ومن أنحاء البيت الحميم سمعت أوّل موسيقى، ومن جدار حمل درفات خشبية تناولت أوّل كتاب، ومع كلّ صحيفة كنتِ يا حبيبتي تقرأنيها فجراً، وقد أتى بها أبي قبل قليل ورائحة الحبر والعرق المعتّق فيها، كُنت معك، أتعلّم.
لو كان لي يا حبيبتي أن أوقف ساعة الزمن هناك لقتلتها، ولو كان لعقلي أن يتذكّر شيئاً واحداً منها لقلتُ له: توقّف هنا، فأنا هو ذلك الذي يشهد أجمل الحبّ، وأحلى العُمر، ولستُ أريد ما سيأتي منه، في مرّه وحلوه.
كُنتُ سعيداً، وكان الجيران من الأطفال، في القُدس، يتحلّقون في بيتنا حول شاشة غريبة جاء بها أبي، تأتي ببثها من مصر وسوريا، باغان ومسلسلات وأفلام كرتون، ومع الدهشة في وجوه الجميع، كنتِ، يا أمّي، تُقدّمين الضيافة المعتبرة من حلويات ومكسّرات، وكان ذلك أوّل تلفزيون يدخل الحيّ، وبرج التقاط اشارته الحديدي الجميل، كاد يصل من سطح البيت في وادي الجوز إلى السماء!
حين كُسر أصبعي أخذتني يداك يا أمّي ليلى، مُهرولة من باب العامود إلى داخل السور القُدسي المعتّق، لنجد أبي وقد سبقنا إلى هناك، عند “الهوس بيس”، العيادة التاريخية لأهل القُدس، وحين وقعتُ من دراجة فسال دمي على الأرض، وتهشمت العظام حول ركبتي، كُنتِ ترافقين من حملني والدمعات تكاد تقفز من عينيك، وسلّم الله الأمر، ولمّا غادرنا القُدس إلى عمّان خفتِ عليّ أن أرافق سائق الحافلة، بكلّ حوائج البيت، ولكنّك انصعت إلى قول أبي: لا تخافي، فقد صار رجلاً، ولم أبلغ من العمر حينها الحادية عشرة، ولكنّكم سبقتموني إلى عمّان، وكانت حضنتك الأغلى تنتظرني هناك.
أمّي، حبيبتي الأغلى…
كتبت عن أغلب الراحلين الأحباء، ولكنّني لم أكتب عنك مع رحيلك. ليس لأنّني لم أرد، ولكنّ القلم كان يظلّ يقول لي: كيف لك أن تملك قلباً يعتبر أنّ ليلى رحلت؟ وها أنت تحاول تسطّير الحروف، وكأنّ حبيبتك غابت، وهي معك؟
حين كُنت أغيب عنها، في سنواتها الأخيرة، فأوّل سؤال منها، مع أوّل إتّصال، كان: هل رويتَ شجر الليمون والبرتقال؟ وكنتُ الأحرص على تلك الأشجار لأنّني أعرف كم كانت غالية عليها، لأنّها ابنة يافا، ولا شيئ من الثمر يضاهي البرتقال والليمون.
يا ليلى يا حبيبتي، يبس الشجر، وضاع الثمر بعدك، ولست أرثيك في ذكرى السنة، فأنا مؤمن بقضاء الله وقدره، يعترف بضعفه وقلّة حيلته، والعزاء أنّنا بإذن ربي سبحانه وتعالى سنتلاقى في يوم قريب أو بعيد، بمعية ابراهيم، والانقياء والأتقياء، والشهداء، والأنبياء، والصالحين الأوفياء، وللحديث بقية.
لستُ أتقن شيئاً، في الدنيا، سوى الكتابة، وتلك موهبة لم تأتني من السماء صُدفة صاعقة، ولكنّها كانت من تصادف، وتصادم، غيمتين حبيبتين، فأتت بمطر غزير لذيذ، هو هِبة منكما: ليلى وابراهيم، فبين أقدامكما تعلّمت المشي، ومن أنحاء البيت الحميم سمعت أوّل موسيقى، ومن جدار حمل درفات خشبية تناولت أوّل كتاب، ومع كلّ صحيفة كنتِ يا حبيبتي تقرأنيها فجراً، وقد أتى بها أبي قبل قليل ورائحة الحبر والعرق المعتّق فيها، كُنت معك، أتعلّم.
لو كان لي يا حبيبتي أن أوقف ساعة الزمن هناك لقتلتها، ولو كان لعقلي أن يتذكّر شيئاً واحداً منها لقلتُ له: توقّف هنا، فأنا هو ذلك الذي يشهد أجمل الحبّ، وأحلى العُمر، ولستُ أريد ما سيأتي منه، في مرّه وحلوه.
كُنتُ سعيداً، وكان الجيران من الأطفال، في القُدس، يتحلّقون في بيتنا حول شاشة غريبة جاء بها أبي، تأتي ببثها من مصر وسوريا، باغان ومسلسلات وأفلام كرتون، ومع الدهشة في وجوه الجميع، كنتِ، يا أمّي، تُقدّمين الضيافة المعتبرة من حلويات ومكسّرات، وكان ذلك أوّل تلفزيون يدخل الحيّ، وبرج التقاط اشارته الحديدي الجميل، كاد يصل من سطح البيت في وادي الجوز إلى السماء!
حين كُسر أصبعي أخذتني يداك يا أمّي ليلى، مُهرولة من باب العامود إلى داخل السور القُدسي المعتّق، لنجد أبي وقد سبقنا إلى هناك، عند “الهوس بيس”، العيادة التاريخية لأهل القُدس، وحين وقعتُ من دراجة فسال دمي على الأرض، وتهشمت العظام حول ركبتي، كُنتِ ترافقين من حملني والدمعات تكاد تقفز من عينيك، وسلّم الله الأمر، ولمّا غادرنا القُدس إلى عمّان خفتِ عليّ أن أرافق سائق الحافلة، بكلّ حوائج البيت، ولكنّك انصعت إلى قول أبي: لا تخافي، فقد صار رجلاً، ولم أبلغ من العمر حينها الحادية عشرة، ولكنّكم سبقتموني إلى عمّان، وكانت حضنتك الأغلى تنتظرني هناك.
أمّي، حبيبتي الأغلى…
كتبت عن أغلب الراحلين الأحباء، ولكنّني لم أكتب عنك مع رحيلك. ليس لأنّني لم أرد، ولكنّ القلم كان يظلّ يقول لي: كيف لك أن تملك قلباً يعتبر أنّ ليلى رحلت؟ وها أنت تحاول تسطّير الحروف، وكأنّ حبيبتك غابت، وهي معك؟
حين كُنت أغيب عنها، في سنواتها الأخيرة، فأوّل سؤال منها، مع أوّل إتّصال، كان: هل رويتَ شجر الليمون والبرتقال؟ وكنتُ الأحرص على تلك الأشجار لأنّني أعرف كم كانت غالية عليها، لأنّها ابنة يافا، ولا شيئ من الثمر يضاهي البرتقال والليمون.
يا ليلى يا حبيبتي، يبس الشجر، وضاع الثمر بعدك، ولست أرثيك في ذكرى السنة، فأنا مؤمن بقضاء الله وقدره، يعترف بضعفه وقلّة حيلته، والعزاء أنّنا بإذن ربي سبحانه وتعالى سنتلاقى في يوم قريب أو بعيد، بمعية ابراهيم، والانقياء والأتقياء، والشهداء، والأنبياء، والصالحين الأوفياء، وللحديث بقية.
نيسان ـ نشر في 2023-09-21 الساعة 21:45
رأي: باسم سكجها