اتصل بنا
 

صيتة الحنيطي الحديد .. فارسة أفنت عمرها بالعطاء والإنسانية ودعم المرأة

نيسان ـ نشر في 2023-09-24 الساعة 19:41

x
نيسان ـ فاطمة العفيشات
ولدت الطفلة صيتة في بيت شعر على أحد سفوح العاصمة عمان، عام ١٩٣٣، لأبيها الشيخ إبراهيم الحنيطي، فكان لابنتهما البكر من اسمها طيب أثر وصيت صار عاليا بالخير والعطاء، متأثرة بمجالس والدها ومسيرة والدتها التي برزت رائدة في العمل التطوعي.
انتقلت الطفلة مع والديها من بيت الشعر في أبو علندا إلى عمان، حيث الدوار الأول، ليتسنى للأبناء التعلم والالتحاق بالمدارس، فهي الأخت الكبرى لـ4 أشقاء وشقيقة.
كبرت صيتة على أنها "أعطية" الشيخ الحنيطي لنجل الشيخ منور الحديد، لكن فضولاً كان يدفعها لرؤية وجه زوجها المستقبلي الذي بقي اسماً يتردد على مسامعها إلى أن شاءت الظروف وقادته إلى منزل والدها حيث اجتماع هام للعائلة آنذاك. تقول ذات لقاء: "كان نفسي أشوف وجهه ويوم اجتمعوا للعائلة شفته وصار في مشاعر وحب بيننا رغم إني مسمية إله".
تأثرت صيتة الابنة بجدتها الكردية والتي رغم عدم تعلمها في الكُتّاب إلا أن أنها امتلكت ما يكفي من فطنة العرب، وحكمتهم لتشجع فتيات القرية على التعلم وتفتتح مكتبة خاصة بالتعليم، وهو ما ورثته عنها ابنتها -زوجة الشيخ إبراهيم الحنيطي- التي كانت تتلقى تعليمها برفقة 47 طالباً.
قبل أن تتم الـ18 من عمرها تزوجت صيتة الشابة بالشاب العسكري أحمد ابن الشيخ منور الحديد، لتنتقل معه وولداها وابنتها إلى الضفة الغربية حيث كان الضابط أحمد قائدا في الضفة الغربية.
ولعل سكناها في فلسطين لفترة من الزمن كان سبباً ليشعل شرارة اهتمامها وحبها للقطبة الفلسطينية، فعادت الشيخة صيتة وزوجها إلى الأردن، لكن أبناءها عيسى وإبراهيم بقيا يتعلمان في مدارس فلسطين، ثم غابا في زحمة الداخل الفلسطيني لنحو 3 أشهر، قبل أن يعودا أخيراً برفقة الصليب الأحمر.
أنجبت الشيخة صيتة 6 صبايا و3 أبناء، جميعهم كان لهم الحظ الوافر بتلقي التعليم وحجز مقاعد مهمة في مختلف المجالات.
كان رئيس الوزراء الأسبق الشهيد وصفي التل صديقاً مقرباً للشيخ إبراهيم. سأله في إحدى المرات عن إذا ما كانت ابنته ماتزال تطرز الأثواب، لتدفعه الإجابة إلى أن يطلب من صيتة الشابة إقامة متحف لإحياء تراث الضفتين ، والذي بوشر العمل به في العام 1967 ويضم كافة مناطق المملكة.
بدأت الحنيطي بجمع الأثواب والعُرج من محافظات المملكة لإقامة متحف لتراث الضفتين والذي تقرر أن يكون في المدرج الروماني، تقول في لقاء لها: " أنا لست هاوية فقط بل عاشقة لهذا الفن وقد جمعنا من كل محافظة ثوبها وما تشتهر به والتي تضم تراثي الأردن وفلسطين بالإضافة إلى العرج والقراميد، بعد 7 أشهر من عملية الجمع تلك قررنا إقامة المتحف في المدرج الروماني"
قبل أن يتم افتتاح المتحف استشهد وصفي التل ، إلا أن الشيخة صيتة ومن معها عزموا على إتمام رغبة الراحل وإنجاحه، لكنه لم يلبث طويلاً بسبب بعض الأحداث التي مرت بها البلاد آنذاك.
آمنت الشيخة صيتة الحنيطي الحديد بقدرة المرأة الأردنية على الإبداع، فأسست جمعية انعاش الريف، وجمعية أسرة الجندي، كما أسست جمعية تنمية وتأهيل المرأة الريفية وذلك في العام 1990.
لم تكن الشيخة صيتة سياسية لكنها كانت تعلم ما يدار في الصالونات السياسية، ولم تحظ بمنصب حكومي لكنها حظيت بقلوب الناس ومحبتهم، ما جعل من مجلسها وخيمتها مقصداً لعدد من سفراء الدول.
الشيخة صيتة شبّت على العمل التطوعي، فوالدتها كانت إحدى أعضاء جمعية الهلال الأحمر، وكانت تعرف مدى معاناة الأسر في المناطق البعيدة والنائية، وهو ما دفعها لتمنح اهتمامها ورعايتها لتلك الفئة في حملات الشتاء وحملات الأعياد والمناسبات، كما ساهمت بتعليم أكثرمن ألفي طالب على نفقتها الخاصة.
لم يقف حب الشيخة صيتة للمطرزات عند الطفولة أو عند حلم وصفي، بل امتد لإقامة عروض للزي الأردني وتراث الضفتين محلياً على مستوى المحافظات ودولياً ، في ألمانيا وروسيا وتركيا والصين واليابان وعدد من الدول.
كان للشيخة دور بارز في تشغيل النساء الأردنيات من شمال المملكة وحتى جنوبها، كما كانت لها بصمة واضحة في مشروع جر المياه الزراعي لتشجيع النساء على استغلال المساحات في منزلهن وزراعة مختلف النباتات والاستفادة منزلياً واقتصادياً.
لعبت الحنيطي دوراً مهماً أيضاً في تشجيع المرأة ودعمها في المشاريع الإنتاجية التي تنوعت لتشمل مشروع الحفاظ على التراث الشعبي، ومشروع الدواجن البياض، ومشروع الماعز الشامي، فضلاً عن مشروع تعزيز الإنتاجية ومكافحة التصحر، ومشروع المطابخ الإنتاجية، ومشروع حفظ الأغذية بالتجفيف وصناعة المربيات والمخللات، ومشروع التدريب على الكمبيوتر، ومشروع تعزيز دور المرأة الريفية في النظام البرلماني الأردني.
وحفاظاً على التراث وسعياً لنشره وإيصاله للعالم، أعدت الشيخة صيتة مجلداً بعنوان "الاردن اولا" ، كما أعدت كتاباً اخر بعنوان "ايام زمان ـ الحياة الشعبية في مدينة عمان وضواحيها" ، وكتابها "الازياء الشعبية الأردنية: تاريخ وحضارة عبر العصور".
أفنت الشيخة صيتة حياتها بالعطاء والإنسانية ودعم المرأة والأسرة الأردنية، فرغم تقدمها بالعمر ظلت مقبلة لا مدبرة إلى أن توفيت الفارسة بهدوء ظهر الثلاثاء الثاني عشر من سبتمبر/أيلول من العام 2023 في عمان.

نيسان ـ نشر في 2023-09-24 الساعة 19:41

الكلمات الأكثر بحثاً