اتصل بنا
 

ما البدائل أمام الأردن حال انقطاع الغاز الإسرائيلي؟

نيسان ـ نشر في 2023-12-16 الساعة 17:57

x
نيسان ـ خولة أبو قورة

ألقى العدوان الصهيوني على غزة والضفة الغربية منذ 7 تشرين الثاني الماضي وتداعياته ظلالاً كثيرة على مختلف العلاقات.
إذ غيّر مسارات وقناعات ومخططات وأجّل مشروعات ومخططات ليس بين الكيان الصهيوني والمقاومة في غزة والضفة والسلطة الفلسطينية فقط، وإنما على مختلف الأصعدة والمستويات عربيا وإقليميا ودوليا.
أردنياً؛ كان لتداعيات هذا العدوان تأثيرات كثيرة في العلاقة مع الكيان الصهيوني، وانزياحها باتجاه مزيد من التعقيد والتوتر الذي كان يتراكم طوال السنوات الأخيرة، لكنه تعاظم وتضاعف بسبب الصلف والتعنت والانتهاكات الصهيونية غير المحتملة أو مقبولة أردنياً على الصعيدين الرسمي والشعبي.
ولأنّ القضية الفلسطينية شأن أردنيّ محض، بحكم طبيعة العلاقة المتجذرة بين الشعبين، ولِحجم المسؤولية التي يتصدى لها الأردن حيال الدفاع عن الحقوق الفلسطينية، ومنها الولاية الدينية على المقدسات في القدس الشريف، ودعم صمود الشعب الفلسطيني، ولكون القضية تمسّ الأمن القومي الأردني، كان لا بد للمملكة أن تتصدى للمخططات الصهيونية وتواجه حكومة اليمين المتطرف وتقارعها في مختلف المحافل وبجميع الوسائل الممكنة.
وردّاً على التشدد الصهيوني، ومحاولاته النيل من الأردن لمواقفه الثابتة والمؤثرة، وتلويحاته بإمكان تهجير الفلسطينيين قسريا من الضفة الغربية إلى الأردن ومن غزة إلى مصر، التي أفشلتها عمّان والقاهرة بإصرار وصلابة، اتخذ الأردن الرسمي سلسلة خطوات متتالية ومدروسة ومحسوبة، كان منها سحب السفير الأردني من تل أبيب وإبلاغ الكيان بعدم ترحيب المملكة بعودة سفيره وطاقم السفارة إلى عمّان.
وكذلك أوقفت الحكومة السير في إجراءات توقيع اتفاقية الطاقة مقابل المياه مع الكيان. وأحالت، بتوجيهات عليا، معاهدة السلام مع الكيان وسائر الاتفاقيات المرتبطة بها إلى مجلس الأمة لمراجعتها.
هذه الخطوة، التي لها ارتدادات وتداعيات وتأثيرات ليس فقط محليا، وإنما في إحراج حكومة الكيان أمام العالم وأمام المجتمع الإسرائيلي نفسه، فتحت الباب على واحدة من أكثر الاتفاقيات المثيرة للجدل في الشارع الأردني، وهي اتفاقية استيراد الغاز من الكيان، وصارت مثار بحث، ليس فقط داخل الحكومة أو في مجلس الأمة، وإنما حتى في الجلسات الاجتماعية في المجتمع الأردني.
وعظّم من إثارة هذه القضية، تساؤلات تحتاج التفاتاً، حيال إمكان أو احتمال أن يقطع الكيان الصهيوني الغاز عن الأردن بأي صورة من الصور، أو أن يضطر الأردن بنفسه إلى وقف الاستيراد إذا ما تمادى الكيان في غيّه وفي ارتكاب المزيد من جرائم الحرب والإبادة بحق الأخوة الفلسطينيين في غزة وفي الضفة الغربية أو بالتمادي في الاعتداءات على المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية. أو حتى إذا ما ضُرب حقلا الغاز (ليفاثيان وتامار) اللذان يتم توريد الغاز منهما إلى الأردن.
وبدأ الكثيرون في التحذير من مجمل هذه الاحتمالات، والدعوة إلى البحث عن بدائل لمواجهة الوضع في حال حدث الانقطاع لأي سبب. ولم يقصر الحديث عن هذه الاحتمالات على الشارع، وإنما جاوزه إلى مختلف مراكز صناعة القرار، باعتبار أمن التزود بالطاقة مسألة مرتبطة بالأمن القومي الأردني..
ويؤكد خبراء في مجال الطاقة أن الأردن اليوم أفضل مما كان عليه سابقاً في مجال الطاقة وأنه لابد من الاعتماد على الذات فيما يتعلق بمصادر الطاقة من خلال محطة الصخر الزيتي ومصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والشمسية لتوليد الكهرباء.
خلفية تاريخية
بدأ طرح فكرة استيراد الغاز من الكيان الصهيوني عام 2011 من واشنطن، وروجت لها وسوقتها وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، وحمل الملف من بعدها خلَفُها جون كيري في 2014 الذي عمل لتحقيق الاتفاق من منطلق ترسيخ محور الاعتدال في الشرق الأوسط – بين الدول العربية المعتدلة وإسرائيل. وخلال المباحثات التقى مع ممثلي الوفود وشجعها على التوصل لاتفاق. وكان الدعم الأميركي ملموساً طوال الطريق، حيث نظروا إلى الاتفاق على أنه خطوة استراتيجية وعنصر استقرار.
وحتى يتم تجاوز المعارضة الشعبية والحزبية والنيابية الأردنية لهذا المشروع، جرى اقتراح أن تتولى شركة "نوبل إنيرجي" الأميركية توقيع الاتفاقية نيابة عن تجمع شركات حقل ليفاثيان، مع شركة الكهرباء الوطنية الأردنية المملكوكة بالكامل للحكومة.
ففي تجمع شركات حقل ليفاثيان، تملك الشركات الإسرائيلية 61٪ من حقل ليفايثان، والشركات الإسرائيلية هي: شركة أفنير للنفط والغاز التي تملك 23٪، وشركة ديليك التي تملك 23٪، وشركة راشيو للاستكشاف النفطي التي تملك 15٪. أما الـ39٪ الباقية فتملكها شركة نوبل إنيرجي الأميركية.
في 2014، ساعدت نوبل إنيرجي بكسر جمود الاتفاقية بتوقيع اتفاقيتين منفصلتين مع شركات أملاح أردنية مثل شركة البوتاس والبرومين بمقدار 500 مليون دولار من الغاز على مدار 15 عاما من حقل تامار في البحر المتوسط قبالة سواحل غزة.
آنذاك، وحسب توصيات لجنة حكومية ترأسها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإن عوائد تصدير الغاز إلى الأردن ومصر ستساعد إسرائيل على الاستثمار في "مشاريع استراتيجية وطنية، في قطاع التعليم والأمن".
فمن إجمالي الـ15 مليار دولار سيذهب 56% نحو (8.4 مليار دولار) إلى الكيان الصهيوني على صورة عوائد حقوق ملكية وضرائب مفروضة على عوائد الأرباح الطارئة وضرائب شركات، وبواقع 559 مليون دولار سنوياً.
أما بقية الـ15 مليار دولار فتوزع كما يلي: 9 مليارات دولار أرباح الشركات المالكة لحقوق استخراج الغاز من حقل ليفاياثان، منها 2.93 مليار دولار لشركات إسرائيلية هي ديليك وآفنير وراشيو التي تملك 61% من حقوق الاستخراج، و1.93 مليار دولار لشركة نوبل إنيرجي الأميركية التي تملك 39% من حقوق الاستخراج. و1.7 مليار دولار تغطي تكالف الحفر والاستخراج والإدارة.
ووقعت الاتفاقية عام 2016 مع شركة نوبل إنيرجي، التي خلفتها لاحقا شركة شيفرون، وبدأ الاستيراد الفعلي في كانون الثاني من عام 2020

أرقام رسمية
وفق تقرير لوزارة الطاقة والثروة المعدنية في آب الماضي، بلغت الطاقة المولدة من الاستطاعة الكلية المركبة لمشاريع الطاقة المتجددة نحو 5ر5 تيراواط/ ساعة في نهاية عام 2021 في نسبة الاستطاعة المركبة لمصادر الطاقة المتجددة بدون احتساب الطاقة الهيدرومائية.
وتوزعت الاستطاعة بواقع 1498 ميجاواط من المشاريع التجارية بموجب اتفاقيات شراء الطاقة بنسبة 59 بالمئة من إجمالي الاستطاعة المركبة و1027 ميجاواط من مشاريع أنظمة الطاقة المتجددة المملوكة من قبل المشتركين لتغطية استهلاكاتهم باستخدام عدادات صافي القياس والنقل بالعبور وهي تمثل 41 بالمئة من إجمالي الاستطاعة المركبة.
ووفق تصريح سابق لوزير الطاقة الدكتور صالح الخرابشة، فإن الاستطاعة الكلية المركبة لمشاريع توليد الطاقة الكهربائية من مصادر الطاقة المتجددة بلغت بنهاية تموز 2526 ميجاواط، ساهمت بنسبة 29 بالمئة من الطاقة الكهربائية المولدة منذ بداية عام 2022 مقارنة مع 26 بالمئة خلال عام 2021.
ويبلغ عدد شركات طاقة الرياح سبع شركات و22 شركة طاقة شمسية.
ويشير تقرير الوزارة لعام 2021 إلى أن الاستطاعة الكلية المركبة لمشاريع توليد الطاقة الكهربائية من مصادر الطاقة المتجددة بلغت 2445.7 ميجاواط تشمل: 1498.1 ميجاواط من المشاريع التي يتم بيع الطاقة الكهربائية المولدة منها إلى شركات الكهرباء، و 947.6 ميجاواط من مشاريع أنظمة الطاقة المتجددة المملوكة من قبل المشتركين لتغطية استهلاكاتهم باستخدام عدادات صافي القياس والنقل بالعبور.
ويوضح المدير العام السابق لشركة الكهرباء الوطنية المهندس عبدالفتاح الدرادكة أن النظام الكهربائي الأردني يعتمد بنسبة لا تقل عن 80% على الغاز مصدراً لتوليد الكهرباء، ويتوقع أن تزداد هذه النسبة في الظروف الجوية الحالية بسبب ارتفاع الأحمال وانخفاض التوليد من الطاقة بسبب انخفاض الأيام المشمسة.
ويرى الدرادكة أن توفير البدائل لمصادر الغاز والمصادر الأخرى للوقود أصبح من الأهمية بمكان لمواجهة الظروف الحالية "علما أن الوضع الراهن مطمئن" على ضوء توفر البدائل التي لم تكن موجودة قبل انقطاع الغاز المصري سنة 2011
ويؤشر هنا إلى ميناء الغاز المسال ووجود الباخرة العائمة التي يفترض أن توفر كمية من احتياطي الغاز تكفي المملكة لعشرة أيام على الأقل في حال انقطاع الغاز من مصادره الحالية وكذلك وجود محطة العطارات التي توفر نحو 16% من الطاقة الكهربائية ذات الوقود المحلي وهو الصخر الزيتي.
ويقترح على شركة الكهرباء الوطنية أن تعتمد خطة طوارىء لتوفير الغاز من "السوق الآني" خلال فترة استغلال احتياطي الغاز السائل في السفينة العائمة وإذا لم يكن هناك احتياطي غاز فيها، فيجب العمل سريعا على شراء شحنة غاز من السوق الآني.
ويدعو الدرادكة كذلك للتأكد من جهوزية محطة العطارات وإجراء الصيانات الوقائية لضمان عدم حدوث أي عطل في الظروف الطارئة، والتأكد من توافر الاحتياطي الاستراتيجي من الوقود الثقيل في خزانات العقبة ومحطات التوليد.
الغاز المصري
وكبديل آخر يحض الدرادكة على ضرورة التواصل مع المصريين للتأكد من جهوزيتهم لتزويد المملكة بكميات من الغاز في حال انقطاعه من الجهات الأخرى.
ويلفت إلى أن هناك كميات تعويضية بالأسعار القديمة مجدولة لفترة طويلة، "يمكن إعادة جدولتها لمواجهة النقص إن حصل"، بالإضافة لكميات متفق على سعرها.
ويعتقد كذلك أنه يمكن تفعيل ملحق الاتفاقيات الخاصة بذلك مع الجانب المصري، ومما يدعم ذلك اعتدال الطقس واعتدال الأحمال، ما يقلل من الطلب على الغاز المرتفع صيفا في مصر، ويعزز من إمكانية سد النقص في الأردن إن حصل.
ويتفق المدير السابق لشركة الكهرباء الوطنية أحمد الحياصات مع الدرادكة في أنه حال انقطاع الغاز من الكيان الصهيوني فإن أول خطوة يجب اتخاذها هو التفاهم مع مصر لزيادة الكمية التي تزودنا بها.
أما الحل الثاني برأيه، فهو شراء الغاز المسال الذي ينقل ببواخر عن طريق ميناء العقبة، ولكن المشكلة تكمن في أن سعره أعلى من الغاز الطبيعي وبالتالي يمكن أن يرفع من الكلفة.
الحل الأخير، وهو الأسوأ وفق تعبير الحياصات، "أننا سنضطر إلى توليد الكهرباء عن طريق المشتقات النفطية، وهو مكلف جداً".
ويقول إنه يُفترض على المدى البعيد أن نفكر أكثر في مصادر الطاقة ونطور مشروع الصخر الزيتي عن طريق بناء مرحلة أخرى وزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة في الوقت ذاته.
بدوره، يقول المدير السابق لسلطة المصادر الطبيعية الدكتور ماهر حجازين إن البدائل الأساسية الموجودة في الأردن هي الغاز المسال في العقبة وهو البديل السريع ويكفي الأردن لمدة عشرة أيام.
وبدلا من استعمال الديزل "المكلف جدا" لتوليد الكهرباء، الذي من شأنه أن "يسبب خسائر كبيرة للشركة"، يرى حجازين أن استيراد الغاز المسال هو الحل الأقل كلفة، عن طريق االشحن بالسفن، وهناك عدة دول يمكن الاستيراد منها إضافة الى السوق الدولي.
لكن، على المدى الأبعد، يدعو حجازين إلى "الاعتماد على الذات". وينبه إلى أن لدينا حاليا محطة صخر زيتي عاملة لتوليد الكهرباء، تولد 470 ميجاواط عن طريق الزيتي الذي هو من تراب هذا الوطن وهو البديل المطروح، بالإضافة إلى التوسع في إنتاج الطاقة المتجددة كالشمسية والرياح.
كلفة شراء الغاز
ويقول خبير الطاقة عامر الشوبكي إن لدينا ثلاث كُلف من عقود الطاقة، وهم شركات توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة وعقود شراء الصخر الزيتي من محطة العطارات. وأيضا شراء الغاز من العدو الصهيوني التي لوحدها تراوح من 600 إلى 650 مليون دولار سنويا، ويأتينا من شبكة الغاز الموجودة في إسرائيل، وتعاقد الأردن مباشرة مع مشغلي حقل ليفاثيان الذي استمر في تزويد المملكة، ووفقا للحديث الرسمي لم ينقطع خلال فترة العدوان على غزة.
لكن، خلال العدوان توقف حقل تامار وهو أنبوب قديم (2018) مربوط بشركة البوتاس جنوب البحر الميت وعند توقف الحقل توقف الغاز عن شركة البوتاس.
ويعتقد الشوبكي أن قطع الغاز من جانب العدو الإسرائيلي ضعيف جدا، لأن الاتفاق بين الأردن ومشغلي الحقل، (سابقا كانت "نوبل إنيرجي" والآن "شيفرون") ينص على أنه لا يجوز قطع الغاز عن الأردن حتى مع وجود ظروف قاهرة، إلا إذا انقطع الغاز عن الكيان الإسرائيلي. وتزود الشركة الأردن بـ 300 مليون قدم مكعب من الغاز.
أما إذا كان الانقطاع بقرار أردني "فيمكن"، مع "عدم إغفال الشرط الجزائي بالعقد الذي يبلغ ملياراً ونصف المليار دولار على الشركات المتعاقدة من الجانب الأردني".
إمكانية تصفية شركة الكهرباء
لكنه يشير إلى أنه يوجد بعض الحلول القانونية التي تمكننا من تخطي الأمر، إذ "نستطيع إلغاء الاتفاقية من خلال تصفية شركة الكهرباء الوطنية".
ويؤشر إلى الخسائر المتراكمة على الشركة البالفة نهاية السنة الماضية قرابة 5,3 مليار دينار وهي تزيد عن 75 بالمئة من رأس المال المدفوع..
ويلفت إلى أنه وفق قانون الشركات رقم 22 لعام 1975 إذا بلغت خسائر الشركة ثلاثة أرباع قيمة رأسمالها يجري تصفيتها.
وبالفعل رأس مال الشركة 230 مليونا وخسائرها 5,3 مليار، وحتى موجودات الشركة المتداولة مليار و800 مليون، أي والحديث للشوبكي، إذا أضفنا رأس المال على الموجودات تحققت شروط التصفية وعند تصفيتها تكون الاتفاقية منتهية، على ألّا تكون الحكومة قد كفلت الشرط الجزائي.
ما البدائل الممكنة؟
ويشير إلى أنه في حال الانقطاع المفاجئ فإن كل محطة من محطات الكهرباء تملك خزانات من الوقود تكفيها العمل 14 يوم، وفي هذه المدة يتسنى لنا استيراد شحنات غاز مسال عن طريق باخرة الغاز المسال في العقبة، "ولدينا خطط محكمة لأمن التزود بالطاقة يتجاوز أمن التزود بالطاقة في دول متقدمة دون مبالغة".
الخيار العربي
ويعتقد الشوبكي أن احتمالات التزود بالطاقة من الدول العربية واردة جدا، حتى نحن في السابق منذ عام 2014 إلى 2020 تعاقدنا مع شركة "شيل" لتوريد غاز من قطر، وكنا نحصل عليه بسعر تفضيلي.
أما مصر فهي تحتاج الغاز لأن لديها عجزا، وربما نحصل عليه منها بعد أشهر بعدما ترفع شركة "ايني" الإيطالية الإنتاج من حقل ظهر المصري، وعندها تصبح مصر قادرة على التصدير وقد نستطيع استيراده بأسعار أقل من السعر المبيع لنا من إسرائيل وذلك عبر أنابيب غاز طبيعي.
ويعتقد أنه يمكننا الحصول على الغاز بسعر تفضيلي من قطر أو الجزائر أو الإمارات وفق آلية تراعي الوضع الاقتصادي الصعب للأردن وارتفاع فاتورة الطاقة. وهذا وارد لأن "هذه الدول شقيقة وأعتقد أن لدينا أولوية في هذا الأمر" وإذا انقطع الغاز نستطيع الحصول على عقود فورية من هذه الدول القريبة.
أما العقود طويلة الأجل، فيقول إنها تحتاج وقتا لإبرامها؛ بمعنى أن السعر الثابت مربوط بسعر النفط وبالعادة يكون في الأسعار أو في العقود طويلة الأجل.
الموقف الأميركي
أما الولايات المتحدة، فهي كانت راعية لجميع الاتفاقيات بين الأردن وإسرائيل بدءاً من اتفاقية الغاز، وحتى اتفاقية الطاقة مقابل المياه التي أوقفنا توقيعها. وواشنطن كانت تضغط بقوة لتوقيعها.
وعليه؛ "لن يرضي هذا الولايات المتحدة"، وربما يؤثر على دعمها المالي للأردن، وربما يكون أخطر ما في الموضوع كونها تدعم الأردن بنحو مليار و450 مليون دولار سنويا. فهناك كلف سياسية كبيرة محتملة لهذا القرار.
البدائل المتاحة
أما الكلفة الاقتصادية فنحن بداية إذا استطعنا تحصيل سعر الغاز المسال عن طريق السفينة العائمة في العقبة، إذا ألغيت اتفاقية الغاز، بسعر يقارب ما كنا نحصل عليه من إسرائيل، فسيخفف هذا الكلفة.
ويوضح الشوبكي أن سعر الغاز المسال عالميا الآن قرابة 18 دولار (إل أم أم بي تي مليون وحدة حرارية بريطانية) وكنا نتحصل عليه من إسرائيل بقرابة ثمانية دولارات، يضاف عليه 1,5 دولار أجور النقل في الأنابيب. والغاز من الجانب الإسرائيلي يبلغ تقريبا نصف السعر العالمي.
فبالتالي؛ هنالك كلفة اقتصادية إن لم نستطع تحصيل الغاز بسعر تفضيلي. قد تصل إلى 500 مليون دولار سنويا إضافية على السعر الحالي.
حقل الريشة
وعن البدائل الأخرى؛ يشدد الشوبكي على أن نسعى إلى بدائل أخرى، ومنها زيادة إنتاج حقل الريشة قدر الإمكان، وطبعا هذا خيار مبدأي، إذ نرى أن الإنتاج في حقل الريشة لم يتجاوز الـ17 مليون متر مكعب منذ فترة رغم الإعلان أن قدرته الإنتاجية 35 مليون متر مكعب.
كما يحتاج إلى بنية تحتية وأنابيب لتوصيل حقل الريشة البعيد شرقا إلى أنبوب خط الغاز العربي الذي يوصل الغاز إلى محطات توليد الكهرباء.
البديل الاستراتيجي
البديل الآخر، ويعتقد الشوبكي بأنه البديل الاستراتيجي، هو التوسع في استغلال الصخر الزيتي لتوليد الكهرباء، خصوصا وأنه أصبحت لدينا البنية التحتية؛ فمثلا: في مشروع عطارات أم الغدران يمكن إضافة بويلرات ومضاعفة الإنتاج وتوفير العملة الصعبة، وأيضا كأمن تزود بالطاقة محليا بشكل أفضل. ويعتقد بأنه عند إضافة بويلرات سيكون بسعر أقل من سعر الغاز وسعر توليد بالكهرباء.
ويشير إلى أن الكلف والجدوى الاقتصادية للمشروع ستكون متوافرة ونستطيع تغطية كلفة البويلرات المضافة خلال سنتين إلى ثلاث.
بمعنى، بتقدير الشوبكي، نستطيع الاكتفاء كاملا من الصخر الزيتي المتواجد عندنا في الأردن في أكثر من منطقة؛ في السلطاني وعطارات أم الغدران واللجون في الكرك. والأردن فيه احتياطي يقارب 70 مليار طن من الصخر الزيتي تكفينا قرابة الـ200 سنة بدون الحاجة إلى مصدر آخر لتوليد الكهرباء.
وينبه الشوبكي كذلك إلى أهمية التوسع أيضا في الطاقة المتجددة التي تحتاج تطوير الشبكة وتحديثها. ويؤكد ضرورة فتح المجال على مصراعيه للمنازل والشركات والمصانع لتركيب الطاقة المتجددة بدون ضوابط في المرحلة الحالية لتجنب أو تقليل أي خسائر قد تلحق في الأردن إذا ما قُطع الغاز بشكل كلي بين "الاحتلال" والأردن.
وهو يدعو إلى ضرورة مراجعة الضوابط على تركيب الطاقة المتجددة للقطاعات الاقتصادية والمصانع وغيرها (أكثر من واحد ميجا) وأيضا المنازل والمنشآت الصغيرة تحتاج إلى موافقة شركات توزيع الكهرباء التي قد تكون صعبة في الكثير من الحالات .
بدون الغاز الوضع مريح
من جانبه، يقول خبير الطاقة هاشم عقل إنه يوجد لدينا استطاعة كهربائية 6500 ميجاواط ويبلغ استهلاكنا تقريبا 3500 ميجاواط.
فبالتالي؛ لدينا استطاعة كهربائية بدون أن نستخدم الغاز، وهذا يعني أننا مرتاحون لأن 30% من الطاقة الكهربائية لدينا مولدة من الطاقة المتجددة من الشمس والرياح.
ويلفت إلى أنّ لدينا مشروع بينونة للطاقة المتجددة في منطقة الموقر شرق عمان ومشروع للطاقة المتجددة أيضا في منطقة الديسي الذي يعطينا 15% من حاجتنا من الكهرباء، ومجموع المشروعين نصل إلى 45% أي أن النقص يعادل خمسة بالمئة من الطاقة حتى نولد حاجتنا الفعلية التي يمكن الحصول عليها من زيت الوقود الثقيل أو من الديزل المنتج من مصفاة البترول، خصوصا وأن أسعار الديزل حاليا جيدة.
وينبه عقل إلى أن الاستثمارات في الطاقة تزيد يوميا ومن المتوقع أن نصل 50% من حاجتنا للطاقة الكهربائية تأتينا من الطاقة المتجددةعام 2030، لكنه يتوقع أن نصل هذه النسبة قبل ذلك.
ويتفق عقل مع سائر الخبراء في مسألة استثمار الصخر الزيتي من العطارات. ويقول إن المرحلة الأولى تنتج 15% ومع تكثيف الإنتاج في المرحلة الثانية ستصل تقريبا 40%، "فمشروع العطارات وُجِد لنستغني عن استيراد أي نوع من أنواع الطاقة".
ويؤكد أنه في حال انقطع الغاز "نحن في أمان وليس لدينا أي مشكلة، لأن لدينا مصادر داخلية لم تكن موجودة سابقا" كما يوجد لدينا مصادر خارجية مأمونة وبأسعار تفضيلية.
ويفصّل بالقول: لدينا سفينة في العقبة فيها 710 ملايين متر مكعب من الغاز المسال تكفينا 14يوم، كما يمكن أن تزودنا الجزائر وقطر والإمارات وسلطنة عُمان بالغاز. علما أنه يكلفنا أكثر، لكن هذه الجهات هي "مصادر مأمونة" ولديهم كميات كبيرة ولا يوجد خوف من نقص التزود بالطاقة لتوليد الكهرباء.
أما عن الغاز المستورد من جانب الكيان الصهيوني، فيقول عقل إنه إذا كان انقطاع التزويد بالغاز من طرف شركة شيفرون الأميركية التي وقعت معها الشركة الأردنية الاتفاقية لأي سبب من الأسباب فإنهم ملزمون بأن يزودونا بالغاز من أي مصدر مهما كان السعر.
واذا ألغت الشركة الأردنية، وهي قطاع خاص، فيترتب عليها تنفيذ شرط جزائي مليار ونصف المليار دولار. وبينما يقول عقل إن الحكومة نهائيا ليست طرفا في الاتفاقية، إلا أن نصوص الاتفاقية تشير إلى أن الحكومتين الأردنية والأميركية تكفلان شركة الكهرباء الوطنية الأردنية.
وفيما يبين عقل أن قرار المقاطعة سيكون مكلفا، إلا أنه يستدرك بالقول إنه "ليس كما كان سابقا؛ لأننا لن نحرق كمية كبيرة من زيت الوقود الثقيل كما كنا نعتمد عليه لإنتاج الطاقة سابقا بنسبة 100%، فاليوم يوجد مصادر طاقة بديلة ونحتاج كمية محدودة فقط من زيت الوقود الثقيل.
ويعرض عقل لكلفة توليد الكهرباء: "يكلفنا كل كيلوواط 105 فلسات أما بالنسبة لحجم الاستطاعة الكهربائية فلدينا القدرة على إنتاج 6500 ميجاواط لكننا ننتج 4200 ونستهلك 3500 وأيام الحر والبرد الشديدين يصل الاستهلاك إلى 4000 ميجاواط.
الحراك النيابي
يقول النائب صالح العرموطي بأن الاتفاقية وقعت في 26 -9-2016 بدون أن تمر على مجلس النواب. والأصل، بموجب المادة (37) من الدستور أن أي معاهدة أو اتفاقية من شأنها المساس بخزينة الدولة أو حقوق المواطنين العامة والخاصة لا تنفذ إلا بموافقة مجلس الأمة، لكنه تم توقيع الاتفاقية مع شركة الكهرباء الوطنية وهي شركة مملوكة بالكامل للحكومة وبقرار من مجلس الوزراء.
ويشير العرموطي إلى أن مجلس النواب ناقش الاتفاقية تحت القبة واتخذ قرارا حينها بعدم استيراد الغاز "الفلسطينيالمسروق" من قبل العدو الصهيوني.
غير أن الحكومة حولتها إلى المحكمة الدستورية ووجهت السؤال بالطريقة التي تريدها فأجابت المحكمة الدستورية بأنه لا داعي لعرضه على مجلس الأمة "لأن الاتفاقية هي بين شركة مع شركة" فيما هي حكومة مع حكومة. وكان قرارنا مع ذلك رفض مجلس النواب مع أنه في الأصل يجب أن تستجيب الحكومة لرغبة مجلس النواب.
وعن مراجعة الاتفاقية حاليا، يقول إن المجلس قرر عرض جميع الاتفاقيات مع العدو الصهيوني سواء "اتفاقية وادي عربة" أو اتفاقية الغاز أو ما يسمى بالنوايا الحسنة "الماء مقابل الكهرباء" لمناقشتها من جديد، وتدرسها اللجنة القانونية حالياً بعناية .
موجبات إلغاء اتفاقية الغاز
ويوضح العرموطي إنه اطّلع على اتفاقية الغاز، ووجد ما لا يقل عن 15 نقطة توجِب إنهاء هذه الاتفاقية بدون أن تتكبد خزينة الدولة ولو فلسا واحدا، ومنها، على سبيل المثال، "القوة القاهرة" خصوصا وأن شركة الكهرباء الوطنية فيها خسارة لا يقل عن 75% من رأسمالها، وهو ما أشار إليه الشوبكي وفق قانون الشركات. ومنها قرار مجلس النواب برفض استيراد الغاز من العدو الصهيوني.
ويعتقد العرموطي أن هناك بدائل كثيرة جدا: باخرة الغاز المسال الموجودة في ميناء العقبة، ولدينا طاقة الرياح والطاقة الشمسية يمكن أن نستغلها ولا حاجة لنا أن يرتبط عصب هذا البلد مع الكيان الصهيوني، كما يمكننا التواصل مع دول شقيقة مثل قطر والجزائر المتوافر فيهما هذا الغاز.
ويؤكد أن هذا القرار سيادي؛ "هذا قرارنا نتخذه بدون تدخل أو ضغوطات من الولايات المتحدة الأميركية أو أي جهة".
ويتساءل العرموطي: لماذا مسموح للعدو الصهيوني أن يخرق ويوقف تنفيذ كل الاتفاقيات بينما نحن لا يسمح لنا؟.
ويؤشر إلى أن الاتفاقية "ليس لها أثر كبير علينا، بل ستعزز سيادة البلد، ووجوب البحث عن بدائل. ويشير إلى أن الحكومة "أخبرتنا خلال لقائنا بأنها تبحث عن بدائل اتفاقية الغاز أو غيره، كما أوقفت مشروع المياه مقابل الكهرباء وفق ما صرح وزير الخارجية والناطق باسم الحكومة" .
في المحصلة، وبغض النظر عما سيجري خلال الأيام المقبلة في مجلس النواب حيال هذه الاتفاقية وسائر الاتفاقيات المنبثقة عن معاهدة السلام والمعاهدة ذاتها، فإن ما طرحته هذه الأزمة التولدة عن العدوان الهمجي الصهيوني، وما رأيناه جميعا من تجاوزات الكيان وانتهاكاته، وبخاصة استخدام الحظر (حظر الماء والوقود وكل شيء) على قطاع غزة، يجعلنا، ويتطلب منا في الأردن أن نقف وقفة مراجعة جدية، وأن نسترجع مبدأ وشعار "الاعتماد على الذات".
أما ما يرتبط بالمسألة المادية والكلف الاقتصادية، فيحضرنا هنا تصريح سابق لوزير المياه والري حول الجدوى الاقتصادية لمشروع الناقل الوطني الجديد للمياه، حين قال: "لا يوجد شيء اسمه جدوى اقتصادية عندما يتعلق الأمر بمياه الشرب، هذه حاجة ضرورية وملحة ويجب علينا تحمل كلفتها".
والشيء بالشيء يقاس، خصوصا وأننا نتحدث عن أمن الطاقة الذي هو ركن أساس من الأمن القومي الأردني.

نيسان ـ نشر في 2023-12-16 الساعة 17:57

الكلمات الأكثر بحثاً