على فوّهة 'الانفجار القادم'
نيسان ـ نشر في 2023-12-31 الساعة 11:15
نيسان ـ لن تقف امتدادات زلزال "طوفان الأقصى" وما بعده عند حدود المعركة العسكرية في قطاع غزّة، وحرب الإبادة العنصرية الإسرائيلية، ولا حتى أمام امتدادات الصراع الثانوية، وربما الرئيسية، لأنّ العالم العربي بمجمله مرشّح بعد هذه الحرب أن يشهد نتائج كبيرة على صعيد المعادلات الداخلية، وفي علاقاته الخارجية!
من المعروف أنّ الدول والمجتمعات العربية، في الأغلب الأعم، تعاني اليوم من ظروف داخلية صعبة، في مقدّمتها أزمة الشرعية السياسية والفجوة بين الأنظمة والشارع، خصوصا جيل الشباب المحبَط، وهي أزمة تستعر مع لهيب المشكلات الاقتصادية التي تسكن في هذه المجتمعات، مع ارتفاعات قياسية في معدلات البطالة والفجوة الطبقية والشعور بالفساد السياسي وعدم الرضى المجمل عن الأوضاع العامة، فيما يأتي "طوفان الأقصى" ليجذّر هذه الأزمات الداخلية، بعد الأداء المخيّب والمهزوز والضعيف لهذه النظم والحكومات، والشعور لدى الشارع العربي بخذلان المواطنة، وبعدم فعالية السياسات العربية التي طالما كانت توظّف القضية الفلسطينية والعدو الخارجي لتخفيف الاستحقاقات الداخلية، وإذا بها اليوم مكشوفة تماماً أمام الأزمات الداخلية وحالة الضعف الكبيرة الموجودة.
ماذا تبقّى للأنظمة لتقدّمه للشعوب العربية من حجج ودعاوى في الظروف الراهنة؟ ماذا تبقّى من شرعية سياسية لتتمسّك بها غير التخويف والقمع، وهذه شرعية سطحية هشّة، سرعان ما تتفكّك أمام أي احتجاجاتٍ كبيرة، خاصة مع غياب الرسالة السياسية القادرة على أن تعيد إنتاج أي موقف شعبي مؤيد.
يضاف إلى تلك الأزمة حالة إعادة التموضع لدى غالبية الحركات الإسلامية التي خرجت بخسائر كبيرة، أمنياً وشعبياً وداخلياً، منذ الربيع العربي، فهي اليوم في مرحلة جديدة، خاصة بعدما وقعت الإدارة الأميركية في فخّ الدعاية الصهيونية بدعشنة حركة حماس التي تتمتّع بشعبية كبيرة في الشارع العربي، ولديها شبكة كبيرة من العلاقات الأيديولوجية والتنظيمية مع الحركات الإسلامية، وجمهور العالم الإسلامي عموماً، ما سيولّد سردية جديدة لدى هذه الحركات وجماهيرها في تدشين مرحلة جديدة تقوم على الجمع بين السياسات الأميركية الموالية لإسرائيل من جهة والضعف أو التواطؤ الرسمي العربي من جهة ثانية، ويتزاوج ذلك مع حالة الغضب الشعبي، ومثل هذا "المركّب" من المتغيّرات المتظاهرة معاً سيؤدّي إلى إنتاج صراع شديد أكثر شراسة من المراحل السابقة.
بالضرورة، ليس هذا ما نأمله، على النقيض من ذلك، مصلحة المجتمعات والأنظمة العربية جميعاً مراجعة "العقد الاجتماعي" القائم الحالي المختلّ، والقيام بمصالحاتٍ وطنية عميقة، وتدشين مشروعاتٍ قابلة للتعامل مع التحدّيات والاستحقاقات ومصادر التهديد المستقبلية، لكن المؤشّرات لا تشي بذلك ألبتّة، بل هنالك حالة من التحفّز والصدع الداخلي في مجتمعاتٍ كثيرة، وبطء (وربما عجز) في التعلم لدى هذه الأنظمة في فهم حركة التاريخ والجماهير، ولعلّ هذه من نقاط الضعف الرئيسية في هذه الأنظمة، إذا استحضرنا نموذج العالم الأميركي كارل دويتش ونموذج الاتصال في تحليل النظم والسياسات، فإنّ حجم المدخلات والمتغيرات أكبر من طاقة هذه النظم وقدراتها على التعامل معه، ما يؤدي إلى حالة من العجز وربما الشلل (Lag)، في التعامل مع القادم من الأيام، إذ أنّ النظرية السائدة لدى هذه الأنظمة أنّ "الربيع العربي" كان بمثابة "غمامة صيف" عابرة، وليس موجة أولى من موجات طوفان كبير.
عملت دول عربية كثيرة بعد العام 2011 على تصنيف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، واليوم بعد "طوفان الأقصى" ستعيد هذه الحركات إنتاج رواية وخطاب وديناميكيات جديدة، وسيكون من السهولة ربط التصنيفات العربية بالسياسات الأميركية المغضوب عليها شعبياً، وبالعدوان الإسرائيلي، وستدفع المجتمعات العربية ثمناً كبيراً لحالة الضعف والهشاشة في الأنظمة والسياسات العربية!
ليست المسألة تخميناً ولا ضرباً بالمندل؛ انظروا حولنا كم دولة عربية تمرّ بمرحلة تفكك وانهيار سياسي وجغرافي وطائفي حولنا (العراق، سورية، لبنان، اليمن، السودان، الصومال، ليبيا)، وأخرى أمام مشكلات داخلية مستعصية سياسياً واقتصادياً، وأزمات متدحرجة. ... ما لم تكن هنالك نقطة تحول وتغيير في المسار والمقاربات الراهنة Paradigm Shifting فإنّ الانفجارات قادمة.
العربي الجديد
من المعروف أنّ الدول والمجتمعات العربية، في الأغلب الأعم، تعاني اليوم من ظروف داخلية صعبة، في مقدّمتها أزمة الشرعية السياسية والفجوة بين الأنظمة والشارع، خصوصا جيل الشباب المحبَط، وهي أزمة تستعر مع لهيب المشكلات الاقتصادية التي تسكن في هذه المجتمعات، مع ارتفاعات قياسية في معدلات البطالة والفجوة الطبقية والشعور بالفساد السياسي وعدم الرضى المجمل عن الأوضاع العامة، فيما يأتي "طوفان الأقصى" ليجذّر هذه الأزمات الداخلية، بعد الأداء المخيّب والمهزوز والضعيف لهذه النظم والحكومات، والشعور لدى الشارع العربي بخذلان المواطنة، وبعدم فعالية السياسات العربية التي طالما كانت توظّف القضية الفلسطينية والعدو الخارجي لتخفيف الاستحقاقات الداخلية، وإذا بها اليوم مكشوفة تماماً أمام الأزمات الداخلية وحالة الضعف الكبيرة الموجودة.
ماذا تبقّى للأنظمة لتقدّمه للشعوب العربية من حجج ودعاوى في الظروف الراهنة؟ ماذا تبقّى من شرعية سياسية لتتمسّك بها غير التخويف والقمع، وهذه شرعية سطحية هشّة، سرعان ما تتفكّك أمام أي احتجاجاتٍ كبيرة، خاصة مع غياب الرسالة السياسية القادرة على أن تعيد إنتاج أي موقف شعبي مؤيد.
يضاف إلى تلك الأزمة حالة إعادة التموضع لدى غالبية الحركات الإسلامية التي خرجت بخسائر كبيرة، أمنياً وشعبياً وداخلياً، منذ الربيع العربي، فهي اليوم في مرحلة جديدة، خاصة بعدما وقعت الإدارة الأميركية في فخّ الدعاية الصهيونية بدعشنة حركة حماس التي تتمتّع بشعبية كبيرة في الشارع العربي، ولديها شبكة كبيرة من العلاقات الأيديولوجية والتنظيمية مع الحركات الإسلامية، وجمهور العالم الإسلامي عموماً، ما سيولّد سردية جديدة لدى هذه الحركات وجماهيرها في تدشين مرحلة جديدة تقوم على الجمع بين السياسات الأميركية الموالية لإسرائيل من جهة والضعف أو التواطؤ الرسمي العربي من جهة ثانية، ويتزاوج ذلك مع حالة الغضب الشعبي، ومثل هذا "المركّب" من المتغيّرات المتظاهرة معاً سيؤدّي إلى إنتاج صراع شديد أكثر شراسة من المراحل السابقة.
بالضرورة، ليس هذا ما نأمله، على النقيض من ذلك، مصلحة المجتمعات والأنظمة العربية جميعاً مراجعة "العقد الاجتماعي" القائم الحالي المختلّ، والقيام بمصالحاتٍ وطنية عميقة، وتدشين مشروعاتٍ قابلة للتعامل مع التحدّيات والاستحقاقات ومصادر التهديد المستقبلية، لكن المؤشّرات لا تشي بذلك ألبتّة، بل هنالك حالة من التحفّز والصدع الداخلي في مجتمعاتٍ كثيرة، وبطء (وربما عجز) في التعلم لدى هذه الأنظمة في فهم حركة التاريخ والجماهير، ولعلّ هذه من نقاط الضعف الرئيسية في هذه الأنظمة، إذا استحضرنا نموذج العالم الأميركي كارل دويتش ونموذج الاتصال في تحليل النظم والسياسات، فإنّ حجم المدخلات والمتغيرات أكبر من طاقة هذه النظم وقدراتها على التعامل معه، ما يؤدي إلى حالة من العجز وربما الشلل (Lag)، في التعامل مع القادم من الأيام، إذ أنّ النظرية السائدة لدى هذه الأنظمة أنّ "الربيع العربي" كان بمثابة "غمامة صيف" عابرة، وليس موجة أولى من موجات طوفان كبير.
عملت دول عربية كثيرة بعد العام 2011 على تصنيف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، واليوم بعد "طوفان الأقصى" ستعيد هذه الحركات إنتاج رواية وخطاب وديناميكيات جديدة، وسيكون من السهولة ربط التصنيفات العربية بالسياسات الأميركية المغضوب عليها شعبياً، وبالعدوان الإسرائيلي، وستدفع المجتمعات العربية ثمناً كبيراً لحالة الضعف والهشاشة في الأنظمة والسياسات العربية!
ليست المسألة تخميناً ولا ضرباً بالمندل؛ انظروا حولنا كم دولة عربية تمرّ بمرحلة تفكك وانهيار سياسي وجغرافي وطائفي حولنا (العراق، سورية، لبنان، اليمن، السودان، الصومال، ليبيا)، وأخرى أمام مشكلات داخلية مستعصية سياسياً واقتصادياً، وأزمات متدحرجة. ... ما لم تكن هنالك نقطة تحول وتغيير في المسار والمقاربات الراهنة Paradigm Shifting فإنّ الانفجارات قادمة.
العربي الجديد
نيسان ـ نشر في 2023-12-31 الساعة 11:15
رأي: د.محمد المومني