اتصل بنا
 

كريم مروة يقول لكم

نيسان ـ نشر في 2024-01-19 الساعة 03:53

x
نيسان ـ بجرأة الشريف المتخفف من أعباء المصلحة الذاتية والمعاندة طالب بإكرام الشيوعية عبر دفنها ودعا إلى يسار جديد،

رحل كريم مروة، هذا الخبر الحزين فتح أبواب أسئلة تزيد من وطأة الحزن عليه. من سيكمل الطريق؟ هل هناك من سيأخذ بهذا الفكر وبتلك التجربة ليبني عليهما؟ هل سيكون كريم مروة "ماركس" اليسار الوطني الجديد الذي ينتظر "لينيناً" ما؟ هذا القيادي الشيوعي الذي غاب على مشارف 94 سنة، في لحظة مماته كان منه اثنان. رغيف خبز حار خرج من فرن التجارب والأفكار، وجسد بارد دخل مثواه الأخير، هذا الرغيف إلى أي موائد سيصل؟
هناك شيوعيون توقف بهم الزمن فأفل نجمهم، بينما اختار كريم مروة صناعة زمن جديد لاشتراكية تنفض عنها غباراً كثيفاً. بجرأة الشريف المتخفف من أعباء المصلحة الذاتية والمعاندة، طالب بإكرام الشيوعية عبر دفنها، ودعا إلى يسار جديد. يسار لبناني لا تشوبه شوائب خارجية. سيؤخذ على شباب اليسار الجديد أن كهلاً سبقهم، إن لم يسارعوا إلى الخروج من صالونات العصف الفكري إلى الميدان. أن تركب مركب الشيوعية وأنت الشيعي في لبنان ما قبل الحرب، خيار يملك كثيراً من قوة الحجة، ولكن المراكب وجدت لترسو إلى الموانئ لا أن تكون سجناً سابحاً في البحار.
تجربتان شيعيتان شيوعيتان مثلاها كريم مروة ومحسن إبراهيم، تستحقان أن يبنى عليهما، لأنهما تفتحان نوافذ الأمل في جدار "الثنائي الشيعي" الرابض على صدور اللبنانيين. على رغم ما قاما به من مراجعات، لم يطلب مروة وإبراهيم العودة إلى الطائفة على غرار "حزب الله" و"حركة أمل"، بل إعادة الشيعة إلى الميدان اللبناني. ميدان يناضلون ويتعاركون فيه من أجل ما يؤمنون به، لكنه محدد بـ10452 كيلومتراً مربعاً. ميدان وطني لبناني، لا تستدعى إليه موسكو الأممية، أو منظمة التحرير الفلسطينية، أو دمشق البعثية، أو طهران الخمينية.
أسس محسن إبراهيم "منظمة العمل الشيوعي"، بمعنى من المعاني كان على يسار الحزب الشيوعي اللبناني، حزب كريم مروة. رحل الاثنان ولمن أحبهما وقدرهما وانتسب إلى مدرستهما، تركا خميرة اشتراكية وطنية، صنعت في لبنان. الرجلان رائدان في التنظير والتنظيم ولعبة السياسة. محسن إبراهيم كان رجل إشعال الحرائق، بينما كريم مروة كان من مشاعل الفكر السياسي. بعدما بلغا من العمر عتياً، اعترف محسن إبراهيم باستسهاله "ركوب سفينة الحرب الأهلية تحت وهم اختصار الطريق إلى التغيير الديمقراطي"، وأعاد كريم مروة قراءة "الصيغة اللبنانية" التي قاد المعارك لإسقاطها. هذه الصيغة التي برأيه لم تكن كلها وبالاً على الشيعة. وفي ما يشبه "اللهم إني بلغت"، كتب قبل رحيله، وبجرأة المفكر الحر، أن "لبنان الكبير أعطى الشيعة، ما لم يحصلوا عليه خلال 750 سنة من الحكمين المملوكي والعثماني". وبرأيه، قائد "حركة المحرومين" الإمام الشيعي موسى الصدر اختار عن قصد كلمة "حرمان"، وهو لم يطالب "بإعادة النظر جذرياً بالكيان كما كان يطالب بها يومها زعماء آخرون". الصدر كان "كمن يريد العتاب وليس القتال". وفي موقف واضح من "الثنائي الشيعي"، دان مروة نظرية "المؤامرة لرد الشيعة ماسحي أحذية". واعتبر هذا المنطق المضمر "جحوداً ونكراناً للجميل ونسياناً للاحتضان الوطني الذي نعم به شيعة لبنان بعد 1920... تخويف الشيعة من هذا المآل هو للتعمية. إنه كلام مخزٍ هدفه التغطية على خوف آخر. الخوف من الثأر، ثأر الشعوب، بسبب انخراط قياداتهم الحالية في حروب سوريا والعراق واليمن، وإمعانهم في القهر بلبنان".
هل سيبقى رحيل كريم مروة في دائرة الحزن والحنين؟ قال يوماً عالم الأنثروبولوجيا أشلي مونتاغو، "القصد أن تموت شاباً ولكن بعد وقت متأخر جداً". هكذا فعل كريم مروة.
أمجد اسكندر كاتب وصحافي

نيسان ـ نشر في 2024-01-19 الساعة 03:53

الكلمات الأكثر بحثاً