اتصل بنا
 

تفخيخ العالم بالقهر

كاتب وصحافي اردني

نيسان ـ نشر في 2024-01-29 الساعة 07:30

نيسان ـ يطرح الصديق محمد الرواجبة (وهو شاب أردني مثابر يعمل في الإعلام)، سؤالا بسيطا بعفوية، يجعلني أتعمق أكثر في عمق السؤال البسيط.
يقول بعد حديث طويل: ما الذي يريده الاحتلال بالضبط؟ هل الفرار إلى أوروبا هو مفتاح الحل لديهم؟ أولئك الذين نسميهم "الاحتلال"، أليسوا هم ذاتهم القادمين من أوروبا بالأصل؟ فمن هو المتطرف الحقيقي هنا؟
الحديث الطويل الذي سبق الأسئلة لا يقل أهمية، فهو يعقد مقارنات غاية في البساطة ونعيشها يوميا ويراها الجميع بوضوح: فهذا الغربي "عموما" الذي يساند إسرائيل في قتل الفلسطيني على أرضه، هو ذاته الأوروبي " او الغربي" الذي يفتح ذراعيه وكل منظومة حقوق الإنسان وقيمها الرفيعة لذات الفلسطيني المهاجر إلى أوروبا!! لينتهي أغلبهم مواطنين أوروبيين في القارة البيضاء، لكن هذا الفلسطيني نفسه على أرضه عدو.. مهدور الدم.
تلك مفارقة واضحة لكنها مدهشة.
ما هو المطلوب من الفلسطيني بالضبط؟
عملية التهجير التي يخطط لها اليمين الإسرائيلي ضمن عقيدة راديكالية متطرفة ويحاول أن يحققها بكل السبل التي يستطيع الوصول إليها لا يمكن أن تكتمل بدون موافقة غربية – أوروبية، فهذه الكتل البشرية التي يستهدف اليمين تهجيرها من أرضها لن تجد ملاذا "إنسانيا!!" لها إلا في الغرب وأوروبا.
بعض من أعرفهم من ثقات في الضفة الغربية يتحدثون عن تسهيل عمليات شراء في قبرص واليونان وبعض الدول الأوروبية للفلسطيني القادر على الشراء، مع كل ما يتضمنه ذلك من إجراءات إقامة دائمة قابلة للتحول إلى جنسية في تلك الدول!
عملية الترانسفير الفلسطيني قائمة بالفعل، عبر الترهيب والتهديد، والفلسطيني في النهاية إنسان يبحث عن عيش كريم ولو بالحد الأدنى الذي لا يجده تحت الاحتلال: فإما أن يزول الاحتلال بحل دولي متفق عليه يضغط على إسرائيل، او يزول الفلسطيني عن أرضه ومنها بتواطؤ دولي يضغط على العالم للقبول به.
هل يتحمل العالم تلك الكلفة "الإنسانية" بكل ما تحمله من ثقل؟ والأثقال هنا بشرية متخمة بالقهر والذاكرة ومع كل هذا القتل والدم المسفوح فهي مثقلة بالانتقام!
من هنا، لا بد من حملة "علاقات عامة" ممنهجة تخاطب قواعد الرأي العام الأوروبي والغربي عبر الأحزاب السياسية التي تمثل العموم، وتلقي بمرشحيها كصانعي قرار في المؤسسات هناك.
وهذا يتطلب اكثر من إعلام "شعبوي" يثير الأدرنالين في شرايين المشاهد العربي لا أكثر، إلى خطاب عقلاني إقليمي موجه إلى العالم مفاده أن لا حل إلا الحلول السياسية الجدية والواقعية، التي تفرض على إسرائيل النزول عن شاهقها اليميني المتغطرس، والقبول بالحلول الدولية، بعد وقف فوري لكل أعمال العنف في كل جبهاتها.
كل يوم يمر في غزة والضفة الغربية "المحتلتين حسب الإجماع الدولي" تحت طائلة القصف الدموي والعنف المفرط حد القتل والإبادة هو تراكم إضافي لقنابل بشرية مؤقتة على انفجار انتقامي وشيك على صيغة من تبقى من أحياء، وسيبقى الكثير على قيد الحياة يحمل في داخله كل تلك الذاكرة المثقلة بالدم والغضب.
العالم كله مسؤول اليوم، وملزم بتعطيل ما أمكن من قنابل الغضب الموقوتة وخفض منسوب القهر.
الغد

نيسان ـ نشر في 2024-01-29 الساعة 07:30


رأي: مالك عثامنة كاتب وصحافي اردني

الكلمات الأكثر بحثاً