اتصل بنا
 

زلزال فى تونس

كاتب عربي

نيسان ـ نشر في 2015-11-15 الساعة 20:41

نيسان ـ

إعلاميا وسياسيا تعرضت تونس فى الأسبوع الماضى لزلزال سياسى من الدرجة العالية.
ذلك أن حزب النداء الذى يقود الائتلاف الحكومى فقد أغلبيته البرلمانية، بعد انشقاق ٣٢ نائبا واستقالتهم منه، وانفراط عقد حزب الأغلبية يعد تطورا مهما لا ريب.
إلا أن الأهم من ذلك أن هذه الخطوة إذا تمت فإنها تقلب الموازين داخل البرلمان بحيث تصبح حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية صاحبة التمثيل الأكبر، حيث يكون لها ٦٩ نائبا فى مقابل ٥٢ نائبا لحزب نداء تونس.

ما حدث لم يكن مفاجئا تماما. لأن تركيبة حزب نداء تونس لم تكن مرشحة للاستمرار من البداية.
ذلك أن الحزب الذى شكله السيد باجى قايد السبسى (الرئيس لاحقا)قام على فكرة منازلة حركة النهضة التى فازت بالأغلبية فى انتخابات عام ٢٠١١ وشكلت الحكومة.. إلى آخر القصة المعروفة آنذاك.

وبسبب تلك الخلفية اجتمع فى الحزب أهم إن لم يكن كل معارضى النهضة، من علمانيين وليبراليين ويساريين ومستقلين وقوميين ودستوريين.

وكانت عناصر اليسار وغلاة العلمانيين هى الأكثر نشاطا فى تجميع المعارضين وإذكاء المواجهة.

وحين حقق حزب النداء مراده فى الفوز بالمركز الأول فى انتخابات عام ٢٠١٤ وتفوق على النهضة فى عدد المقاعد ظهرت التمايزات بين مكوناته وعاد كل فريق إلى جماعته الأصلية،

إذ ما عاد «النداء» صوتا واحدا ولكن ترددت فى فضاءاته أصوات عدة معبرة عن اختلاف الأيديولوجيات والطموحات السياسية من جهة، وعن الرغبة فى الاستئثار ببعض المناصب الوزارية من جهة أخرى.

ولأن شخص الرئيس السبسى كان إحدى نقاط الالتقاء بين التيارات المختلفة بقدر ما أن معارضة حركة النهضة كانت الموضوع الأساسى للقاء، فإن تقلد السبسى لمنصب رئيس الجمهورية وتخليه عن قيادة الحزب أضاف سببا جديدا للخلاف بين أركان حزبه حول التيار أو الشخص الأجدر بخلافته.

رغم تعدد أسباب الخلاف داخل نداء تونس، إلا أن أحد العوامل الجوهرية التى ظلت كامنة وراء العديد من مشاهد الصراع بين أجنحته تمثلت فى التنافس على قيادة الحزب وإدارته
بين حافظ قائد السبسى ابن الرئيس الذى يشيع بين كثيرين أنه يسعى لخلافة أبيه.
وبين الأمين العام للحزب محسن مرزوق، (كان مدير الحملة الانتتخابية التى أسفرت عن انتخاب الرئيس).

ثمة كلام كثير يتردد حول تفاصيل الصراع. وسعى السبسى الأب إلى احتوائه، وفشله فى ذلك بسبب ما أثير عن انحياز الأب لابنه.
الأمر الذى أبقى الأبواب مشرعة أمام الانتقادات والتجاذبات والاشتباكات، التى وصلت إلى حد اللجوء إلى القضاء لوقف أعمال الاجتماع الانتخابى للحزب وإبطال بعض قرارات هيئته التأسيسية.

وكان من بين أوراق الضغط التى استخدمها من وصفوا بالمنشقين من ممثلى الحزب فى البرلمان أنهم هددوا بالاستقالة من الحزب إذا لم تتم الاستجابة لطلبهم اتخاذ بعض الإجراءات التصحيحية لعلاج مشكلاته الداخلية.

وأمهل هؤلاء قيادة الحزب إلى يوم ١٠ نوفمبر الحالى لحسم الأمر، وإلا فإنهم سوف يقدمون استقالتهم.

وحين حل الأجل ولم يستجب لمطلبهم فإنهم أعلنوا موقفهم الأمر الذى أدى إلى خسارة الكتلة النيابية للحزب للأغلبية البرلمانية، ويؤدى إلى تقدم حركة النهضة بحيث تعود إلى تقلد المركز الأول الذى شغلته فى انتخابات عام ٢٠١١. الأمر الذى يفتح الأبواب مرة أخرى لتولى الحركة رئاسة الحكومة.

سألت الشيخ راشد الغنوشى زعيم حركة النهضة عن احتمالات عودة الحركة إلى رئاسة الحكومة، فجاء رده كالتالى:
إن استقالة نواب نداء تونس لا تصبح سارية إلا بعد مضى خمسة أيام على تقديمها، (حين اتصلت به هاتفيا لم تكن المدة قد انقضت)ـ
ـ فى الوقت نفسه ثمة جهد يبذل لإثناء المستقلين عن قرارهم.

إذا أصروا على موقفهم وتراجعت أغلبية ممثلى «النداء» فإن حركة النهضة تصبح فى المركز الأول ويحق لها الترشح لرئاسة الحكومة،
إلا أن نص المادة ٨٩ من الدستور وسع من خيارات رئيس الجمهورية بحيث خوله حق تكليف مرشح حزب الأغلبية أو الائتلاف الحاصل على أكبر عدد من مقاعد مجلس النواب بتشكيل الحكومة.
وفى الوقت الراهن فإن رئيس الوزراء الحبيب الصيد يعد رجلا مستقلا وليس مرشح حزب النداء، ولكن اختياره تم بالتوافق بين قيادتى النهضة والنداء. وهذا التوافق لايزال ساريا إلى الآن.

سألته هل ستطالب حركة النهضة بحقها فى رئاسة الحكومة إذا ما أصبحت فى المركز الأول، فكان رده أن الحركة تخلت طائعة عن الحكومة حين كانت تملك الأغلبية فى مجلس النواب السابق لحرصها على التوافق والاستقرار فى تونس. وهى لازالت على موقفها إلى الآن.

ولذلك فإنها لن تطالب بتشكيل الحكومة ولكنها ستظل داعمة لحكومة الصيد، لأن حرصها على الاستقرار لايزال قائما، فضلا عن أنها تريد لحكومته أن تواصل مسيرة الإصلاح، ونجاحها فى ذلك هو الفوز الحقيقى للنهضة.

سألته أخيرا: هل تعتبر ما جرى زلزالا سياسيا؟
فرد ضاحكا إنها مجرد هزة أرضية بسيطة بوسعنا استيعابها وعبورها.

الشروق

نيسان ـ نشر في 2015-11-15 الساعة 20:41

الكلمات الأكثر بحثاً