اتصل بنا
 

أختامٌ مطبوعةٌ في القلبِ وعيدٌ يعجُّ بالدماء

نيسان ـ نشر في 2024-03-08 الساعة 23:25

نيسان ـ على إيقاعِ أنغام القذائف المحمومة بالقبل للعيون الكحيلة، وتراتيل المدافع المزينة بالرؤوس المدببة بألوان الفسفور لقلوب الأطفال الصغيرة كي تلون ملامحها لتصبح لوحة سوريالية تُقدم إلى متاحف العالم عربون حرب وانتصار لحثالة من بشر.
رنّ جرسُ الهاتفِ في القصرِ.
قلت: من المتكلم؟
قالت: أنا امرأة هذا العصر، أكلمكِ من حديقة البيت الموحشة، التي استحالت إلى خراب وكأنها مرصودة لـ زلزال قلبها رأسا على عقب فأصبحت في خرابة الحياة البقاء فيها لـ الأقوى.
تعجبتُ!!! ودُهِشْتُ من لهجتها المحمومةِ بـ التناقض!!! امرأة هذا العصري وتسكن في خرابة موحشة، فيها العالم بـ شريعة الغاب.
قلت: هل أنت حورية الليل؟
قالت: لا أذكر اسمي كل ما أعرفه أنهم أطلقوا عليّ امرأة العصر في زمنٍ محمومٍ بـ التناقضات، والقتل والتدمير والاغتصاب لأخواتي في هذا الفضاء المشروخ بهمجية لا حدود لها، وتـ تكسرُ على أشرعته كلّ القوانين، ووضعوا لي عيدا عالميًا يحتفلون بي كل سنة.
هل تفهمين ما أعني؟؟؟؟؟ هل تعينَ ما أقصد؟؟؟؟؟؟؟
قلت: هاتِ ما عندكِ علني أفهمُ أكثر.
قالت: أنا إنسان ـ أحمل في أعماقي إنسانية الإنسان ـ قبل أن أكون جسدًا.
عن ماذا أتكلم عن الجوع الذي قطع أمعائي، نتيجة للعنجهية الغربية؟ عن الصدق في الشعور؟؟ في الأحاسيس؟؟ والعالم في صمت مقيت وغيابٌ عن الواقع؟؟؟ عن حقي المشروع في إطعام توأمي واحتضانهما الذي أنجبتهما بعد عشر عجاف، وبلمح البصر فقدتهما بقبلة مشتعلة بالحب؟؟؟ عن ابنتي المغتصبة من مجرمي الحرب، أم ابني الذي يتضور جوعا ولا أملك من أمري شيئا؟؟؟ عن رفضي للقهر الذكوري؟؟؟ أم للقهر العالمي الذي يصفعني كل ثانية ويحرق النبض تلو النبض بفسفور أبيض كالياسمين وأزرق وأحمر كورد جوري.
قلتُ: لذلك أعلنوا للمرأة عيدًا عالميًا لـ ينصفوها من هذا القهر.
قالت: وهل هذا اليوم العالمي يعيدُ لمن تخضب وجهها أمام التنور لـ تطعم أطفال العشيرة...حقها؟؟؟؟ هل هذا اليوم يعيد لمن فقدتْ قدَها المياس بالإنجاب، وغدت وحيدة في أيام الشيخوخة؟؟؟ هل هذا اليوم يعيدُ حقَ الإرث لمن حرمها؟؟؟ هل هذا اليوم يعيدُ لها حبيبها التي فقدته حربّ شعواء حرقت الحجر والبشر والشجر ؟؟؟ هل هذا اليوم يكف الأذى عنها حين يعترضها مجرم قاتل يضع على رقبتها بندقيته ليرديها قتيلة؟؟ هل هذا اليوم ينقذ عائلتها من براثن الهدم أمام العالم أجمع، ويعيد لها بيتها؟؟؟هل هذا اليوم يمنحها حق تقرير المصير عندما يسلبُها زوجُها أجملَ فلذاتِ كبدها ويرميها على قارعة الأحلام؟؟؟ هل هذا اليوم يعيدُ للمرأة كرامتها عندما يطردها الحبيب من قلبه خوفًا عليها من الاحتراق ولا تملكُ حق السؤال وصدق قلبها يعلنُ النفير؟؟؟... تبًا له من يوم!!!
تألمتُ لـ ألمها في سويعاتِ الليل المظلمة، وشعرتُ أن العالم لا يشعرُ بها، وتساءلتُ في نفسي هل الصدق في المشاعرِ والأحاسيس عيبٌ في هذا الزمان؟ هل قول الحق والمطالبة به يكون ثمنه باهظا؟؟ هل العالم أصمٌ أبكم؟؟؟ أليس هذا العالم يكيل بمكيالين أمام أطفال خُدج تموت!!! أمام شباب تُبتر أياديها وأرجلها.
قالت: أين ذهبتِ؟؟؟؟ وقلبها ينبضُ بـ الألم، ألم يعجبك ما قلت هل هذا اليوم يعيد لي ما فقدته؟
قلت: كُلّي أذنٌ صاغية يا امرأة العصر.
قالت: لم أكن أدري أنّ الصدقَ في الشعور يؤدي إلى جرحٍ كبيرٍ من الصعبِ أن نداويَ نزيفه، فـ يصبح أكثر وقعًا على الأذنِ، وبدلاً من عزفِ هذا الإيقاعِ الجميل بـ سمفونيةِ حبٍ، لـ تكون أكثر قربًا لـ القلبِ، تصمتُ فجأةً بعد شرخٍ أصابَ الشعور الصادق.
قلت: ماذا تريدين مني؟
قالت: أريدُ علاجًا ناجعًا لـ هذا الجرح الذي شكّلَ شبكةً عنكبوتيةً أحاطتْ بـ عضلةِ القلبِ إحاطةً عمياء، ودفعتْ بـ الشعور لـ الموتِ المحتوم في عالم بغيض، لا يملك إحساسا ولا مشاعر تجاه النساء القابعات تحت الركام، وربما فوقه مسجيات.
قلت: ربما تكون الأمور عكسية وأنا لا أعي ذلك تمامًا.
قالت: ما من إجابة توضح سر المجهول الخفي الذي يلامسُ قلوبنا فجأة ولا نستطيع أن نسيطرُ عليه أو نملكه.
قلت: كل الذي أعرفه يا امرأة العصر أنّ الشعور الصادق سر الحياة الإنسانية، يولدُ بـ عفويةٍ، وينطلق بـ غير حسابٍ ميكانيكي أو فيزيائي، بـ قوة دفعٍ لا حدودَ لها، تختلفُ عن دافعة أرخميدس الفيزيائية، ولا يستطيع المرء أن يترجمها إلاّ إلى لغة الإحساس اللاإرادي.
قالت: اتصلتُ بكِ لـ أجدَ عندكِ علاجًا ناجعًا لـ القلب، وبلسمًا لـ الجراح، وليس معادلات أرخميدس.
قلت: صبرًا، يا امرأة العصر، لـ أُكملَ لكِ هذا الشعور المعلنة ثورتك من أجله.
فـ لو اعتبرنا أنّ هذا الإحساس مرهونٌ بـ أمرِ العقل لـ كان هذا الشعور الصادق جملة من المعادلات الكيميائية والفيزيائية، يستطيع المرء أن يتحكم بها ويصدرُ أوامره بـ تنفيذها حسب رغبة العقل.
قالت: ما هو الدليل على ذلك؟
قلت: الشعور لا تسيطر عليه الإرادة، نحبُّ من نحب، ونكرهُ من نكره، ، فـ تتغير مشاعرنا بـ غير إراداتنا، لـ أنّ المحبة والكره إحساسٌ غير مقرونٌ بـ فعلٍ إرادي، والمسؤول عن ذلك جملة المراكز العصبية الحسية، فـ هي المقود الحقيقي لـ الفعلِ المنعكس، بـ أمرها تـ تحول التنبيهات الحسية الواردة إليها إلى تنبيهاتٍ محركة تحويلاً مباشرًا، دون تدخل الإرادة في ذلك.
قالت: هل يعني أن الشعور يتحرك دون تدخل دماغ العقل البشري.
قلت: أجل.
قالت: لا أقتنع، ولن أصدقَ.
قلت: اسمعي يا امرأة العصر "حسب نظرية بافلوف" اللعاب يسيل لدى رؤية الطعام الشهي، وهذا مسؤول عنه المراكز العصبية وليس الدماغ، نتيجة الشعور بـ الجوع.
قالت: هل نقتل هذا الشعور، ونمتنع عن الأكل، والحب والمحبة؟
قلت: لا.... كيف نمنع مشاعرنا عن التحرك أو نقتلها؟؟؟ فـ هي خارج نطاق الإرادة ولا نملك دفعًا لها.
قالت: كيف يسمح الحبيب أن يخدشَ شعورًا صادقًا، أو يعبث بـ روحٍ محبة، وأنتم في هذا العالم تقيمون احتفالا عالميا لـ المرأة من أجل الحفاظ على حقوقها، أليس من حقي أن أعرفَ؟؟؟؟
قلت: تمهلي يا امرأة العصر!!!! القلب متقلب، وبين اصبعي الرحمن.
يا أعبق من رائحة الياسمين، ما من امرأة على سطح هذا العالم إلا وتعيش هذا الصراع النفسي. بـ نفس كل واحدة فينا تجربة حزنٍ مريرةٍ مقرونةٍ بـ جراحة المشاعر، مليئة بـ بحرٍ من الدموع، ضمن تفكير مشلول، لا حركة فيه، ولا تجد طريقًا لـ عبور طوفان الصمت، لا أحد يحسُ بها، أو يعرف ما بـ داخلها من آلام طالما هناك أختامًا مطبوعةً على جدران القلب صادرة من المراكز العصبية الحسية.
قالت: من المسؤول عن تفجير هذه الجروح.
قلت: يا امرأة العصر من غير أن نبحرَ إلى أعماقِ أنفسنا، نطالعُ منها خيوط الحياة الحقيقية، نصل إلى منبر الإنسانية السامي "المشاعر الصادقة".
قالت: ولسان الصباح يمتد.... نقفُ أمامَ تلاشي صوتنا في الضباب بين غصاتِ الأسى، وجراحات المشاعر، التي تفني الذات الإنسانية وتـ تركها صريعة النزيف المؤلم يتدفقُ بـ صمتٍ، ومن أجلِ الآخرين.... وصمت شهرزاد عن الكلام المباح.

نيسان ـ نشر في 2024-03-08 الساعة 23:25


رأي: آمنة بدرالدين الحلبي

الكلمات الأكثر بحثاً