مقترحات لفكّ الاشتباك وترسيم خطوط النقاش
حسين الرواشدة
كاتب صحافي
نيسان ـ نشر في 2024-03-24 الساعة 01:21
نيسان ـ لا يمكن للدولة الأردنية أن تنأى بنفسها عن الحرب على غزة، فقد تأثرت بها، ولا تزال، كما أنها تحاول أن تؤثر فيها من جهة الدفع السياسي لوقفها، لكن الأردن ليست طرفا بالحرب، ولا يريد أن يستغرق فيها على حساب مناعاته الوطنية؛ المعادلة صعبة، لكن ما جرى، خلال الشهور الخمسة المنصرفة، أثبت أن استدعاء حالة العقلنة للخطاب العام، والتوازن في بناء المواقف، كان ضروريا لتقديم رواية اردنية، توازي بين موقفنا من الحرب، وبين استدارتنا للداخل الأردني.
في هذا الإطار، يمكن أن نوجه نقاشاتنا العامة، لكن بعيدا عن المكاسرات والتشنجات، وعن محاولات التعبئة والتحشيد، وما رافقهما من اتهامات متبادلة وصلت أحيانا إلى حد «التخوين» والإساءة، والجهر بالسوء والفجور بالخصومة، هذه المناخات الملبدة بالأتربة والغبار أنتجت، للأسف، انقسامات داخل المجتمع، وأفرزت تابوهات وأساطير كان من الصعب الاقتراب منها، كما أنها حجبت الرؤية الوطنية الراشدة عن كثير من العناوين والاولويات التي يفترض أن تكون مجالا لحوارات عميقة ومنتجة، تصبّ في الصالح العام، أقصد صالح اهلنا في غزة المنكوبة، وصالح الأردنيين الذين يعتقدون أن الأردن القوي الصامد هو الأقدر على الخروج من تداعيات الحرب بسلامة، ثم دعم اشقائه الفلسطينيين بما يستطيع.
من أجل فك الاشتباك بين التيارات التي انتجتها حراكات النخب السياسية والإعلامية حول الحرب على غزة، سواء كانت هذه الاشتباكات بالهمس أو بالصراخ، أشير إلى عدة قضايا شكلت نقاط التباس وسوء فهم بين بعض الأطراف في بلدنا، ثم غذّت الشارع وأغرقته بحاله من السيولة والاضطراب؛ ثم استأذن بوضع بعض العناوين لترسيم خطوط النقاش العام.
أولا : الأردن، كدولة، حسم موقفه من الحرب منذ اللحظة الأولى، انحاز تماما للحق الفلسطيني، وعبر عن هذا الانحياز، سياسيا وإنسانيا، ثم تحرك عمليا في سياق إمكانياته واضطراراته، كان من الواجب أن تتمثل النخب، بكافة تياراتها السياسية والاجتماعية، مواقف الدولة وأن تدعمها، لا أن تزايد عليها كما فعل البعض، كان من الواجب، ايضا، أن تحسن إدارات الدولة تقديم روايتها بشكل واضح ومقنع، وأن تتعامل مع هذا الزلزال بمنطق أكثر توازنا وحزما، الدولة هي التي تقود الشارع وليس العكس.
ثانيا: لإعادة العقلانية إلى الخطاب العام، كان لابد من التميز بين الموقف من المقاومة، باعتبارها حقا مشروعا وضرورة وطنية، وبين فعل المقاومة والاشتباك مع وقائع الحرب وتداعياتها ونتائجها، البعض وقع في مصيدة الرغائبية والقداسة، وتعامل مع كل من ينتقد الحرب والفاعلين فيها بمنطق الاتهام بالتخوين والتخاذل، المقاومة فكرة كالدين لا تنتهي ولا تموت، لكن من يمارس الفعل تحت هذه العناوين بشر يخطئ ويصيب، الدولة الأردنية، أيضا، قدمت أفضل أداء، لكنها لم تسلم من النقد والتشكيك، فلماذا يكون نقد مواقف الأردن حقا مشروع، فيما نقد تنظيمات المقاومة محرم وممنوع؟
ثالثا : العلاقة بين الأردنيين والفلسطينيين لا تحتاج إلى إعادة «توصيف «، فهي علاقة تاريخ ودم ومصير مشترك، ولا يجوز لأي طرف أن يزاود على الآخر في ذلك، لكن حالة تقمص المقاومة من قبل بعض الأطراف السياسية، ثم الاشتباك مع الدولة الأردنية لمقايضتها، أو إحراجها، أو دفعها إلى خيارات خارج إمكانياتها، لا يعبر عن حقيقة هذه العلاقة، ولا عن مصلحة الفلسطينيين ومصلحة الدولة الأردنية، المزاودات والخطابات التي تبناها البعض، قد تصب (وربما بدون قصد) باتجاه ما تريده تل ابيب، سواء لاضعاف الجبهة الأردنية، أو تمرير مشاريعها على حسابنا، أو الدفع لتحويل ملف الحرب، في الداخل الأردني، من ملف سياسي إلى ملف امني.
أخيرا : لا يوجد أي تيار انعزالي أردني تجاه الحرب على غزة، كما لا يوجد أي تيار أردني يسقط حسابات المخاطر والأثمان السياسية المتوقعة من هذه الحرب على بلدنا، لا أحد، أيضا، يعترض على المقاومة كواجب وشرف، ولا على ضرورة دعمها أردنيا، باعتبارها خط الدفاع الأول لنا وعالمنا العربي، هذا لا يمنع أن نستدير للداخل ونرتب أولوياتنا الوطنية، ثم نتحاور لنفهم سيرورة الحرب ومآلاتها، صحيح هذا ليس وقت المحاسبات، وتحميل الاخطاء وإصدار الأحكام المسبقة، لكن من الواجب إخراج الرأي العام من حالة الانفعالية والاستغراق في الحلم، من الواجب أيضا قراءة ما يحدث بعيون مبصرة، وعقول مفتوحة على الواقع، لا على الغيب الذي لا نعرفه.
الحرب سيكون لها أثمان سياسية كبيرة، وستغير شكل المنطقة التي نحن جزء منها، ولهذا فإن قراءة خرائطها ونتائجها، واستبصار تداعياتها، يقع في صميم المصلحة الوطنية، لقد وقعنا فيما مضى بما يكفي من خيبات نتيجة الالتزام بـ»ما يطلبه المستمعون» و»خطابات السمك والعلوج»، وقد حان الوقت لنتصارح و نتناقش بهدوء، ثم نحسب حساباتنا السياسية بعقلانية وروح وطنية، لا تخضع للأهواء والانفعالات، والأمنيات والمبالغات.
الدستور
في هذا الإطار، يمكن أن نوجه نقاشاتنا العامة، لكن بعيدا عن المكاسرات والتشنجات، وعن محاولات التعبئة والتحشيد، وما رافقهما من اتهامات متبادلة وصلت أحيانا إلى حد «التخوين» والإساءة، والجهر بالسوء والفجور بالخصومة، هذه المناخات الملبدة بالأتربة والغبار أنتجت، للأسف، انقسامات داخل المجتمع، وأفرزت تابوهات وأساطير كان من الصعب الاقتراب منها، كما أنها حجبت الرؤية الوطنية الراشدة عن كثير من العناوين والاولويات التي يفترض أن تكون مجالا لحوارات عميقة ومنتجة، تصبّ في الصالح العام، أقصد صالح اهلنا في غزة المنكوبة، وصالح الأردنيين الذين يعتقدون أن الأردن القوي الصامد هو الأقدر على الخروج من تداعيات الحرب بسلامة، ثم دعم اشقائه الفلسطينيين بما يستطيع.
من أجل فك الاشتباك بين التيارات التي انتجتها حراكات النخب السياسية والإعلامية حول الحرب على غزة، سواء كانت هذه الاشتباكات بالهمس أو بالصراخ، أشير إلى عدة قضايا شكلت نقاط التباس وسوء فهم بين بعض الأطراف في بلدنا، ثم غذّت الشارع وأغرقته بحاله من السيولة والاضطراب؛ ثم استأذن بوضع بعض العناوين لترسيم خطوط النقاش العام.
أولا : الأردن، كدولة، حسم موقفه من الحرب منذ اللحظة الأولى، انحاز تماما للحق الفلسطيني، وعبر عن هذا الانحياز، سياسيا وإنسانيا، ثم تحرك عمليا في سياق إمكانياته واضطراراته، كان من الواجب أن تتمثل النخب، بكافة تياراتها السياسية والاجتماعية، مواقف الدولة وأن تدعمها، لا أن تزايد عليها كما فعل البعض، كان من الواجب، ايضا، أن تحسن إدارات الدولة تقديم روايتها بشكل واضح ومقنع، وأن تتعامل مع هذا الزلزال بمنطق أكثر توازنا وحزما، الدولة هي التي تقود الشارع وليس العكس.
ثانيا: لإعادة العقلانية إلى الخطاب العام، كان لابد من التميز بين الموقف من المقاومة، باعتبارها حقا مشروعا وضرورة وطنية، وبين فعل المقاومة والاشتباك مع وقائع الحرب وتداعياتها ونتائجها، البعض وقع في مصيدة الرغائبية والقداسة، وتعامل مع كل من ينتقد الحرب والفاعلين فيها بمنطق الاتهام بالتخوين والتخاذل، المقاومة فكرة كالدين لا تنتهي ولا تموت، لكن من يمارس الفعل تحت هذه العناوين بشر يخطئ ويصيب، الدولة الأردنية، أيضا، قدمت أفضل أداء، لكنها لم تسلم من النقد والتشكيك، فلماذا يكون نقد مواقف الأردن حقا مشروع، فيما نقد تنظيمات المقاومة محرم وممنوع؟
ثالثا : العلاقة بين الأردنيين والفلسطينيين لا تحتاج إلى إعادة «توصيف «، فهي علاقة تاريخ ودم ومصير مشترك، ولا يجوز لأي طرف أن يزاود على الآخر في ذلك، لكن حالة تقمص المقاومة من قبل بعض الأطراف السياسية، ثم الاشتباك مع الدولة الأردنية لمقايضتها، أو إحراجها، أو دفعها إلى خيارات خارج إمكانياتها، لا يعبر عن حقيقة هذه العلاقة، ولا عن مصلحة الفلسطينيين ومصلحة الدولة الأردنية، المزاودات والخطابات التي تبناها البعض، قد تصب (وربما بدون قصد) باتجاه ما تريده تل ابيب، سواء لاضعاف الجبهة الأردنية، أو تمرير مشاريعها على حسابنا، أو الدفع لتحويل ملف الحرب، في الداخل الأردني، من ملف سياسي إلى ملف امني.
أخيرا : لا يوجد أي تيار انعزالي أردني تجاه الحرب على غزة، كما لا يوجد أي تيار أردني يسقط حسابات المخاطر والأثمان السياسية المتوقعة من هذه الحرب على بلدنا، لا أحد، أيضا، يعترض على المقاومة كواجب وشرف، ولا على ضرورة دعمها أردنيا، باعتبارها خط الدفاع الأول لنا وعالمنا العربي، هذا لا يمنع أن نستدير للداخل ونرتب أولوياتنا الوطنية، ثم نتحاور لنفهم سيرورة الحرب ومآلاتها، صحيح هذا ليس وقت المحاسبات، وتحميل الاخطاء وإصدار الأحكام المسبقة، لكن من الواجب إخراج الرأي العام من حالة الانفعالية والاستغراق في الحلم، من الواجب أيضا قراءة ما يحدث بعيون مبصرة، وعقول مفتوحة على الواقع، لا على الغيب الذي لا نعرفه.
الحرب سيكون لها أثمان سياسية كبيرة، وستغير شكل المنطقة التي نحن جزء منها، ولهذا فإن قراءة خرائطها ونتائجها، واستبصار تداعياتها، يقع في صميم المصلحة الوطنية، لقد وقعنا فيما مضى بما يكفي من خيبات نتيجة الالتزام بـ»ما يطلبه المستمعون» و»خطابات السمك والعلوج»، وقد حان الوقت لنتصارح و نتناقش بهدوء، ثم نحسب حساباتنا السياسية بعقلانية وروح وطنية، لا تخضع للأهواء والانفعالات، والأمنيات والمبالغات.
الدستور
نيسان ـ نشر في 2024-03-24 الساعة 01:21
رأي: حسين الرواشدة كاتب صحافي