اتصل بنا
 

الأردن: مصادر التهديد وتحديات الأمن والاستقرار السياسية

نيسان ـ نشر في 2024-03-26 الساعة 16:17

نيسان ـ مبدئيّاً تنحصر مصادر التهديد وتحديات الأمن والاستقرار السياسية التي تواجهها الدولة في مجالين لا ثالث لهما: داخلية وخارجية ، ولا يختلف الأمر عنه في حالة الأردن.
داخلياً :
تأتي التهديدات الأمنية وأسباب عدم الاستقرار السياسي لأي كيان أو دولة من مصدرين ههما:
1 - طبيعة النظام السياسي (نهج إدارة الشأن العام )؛
ثانيا-طبيعة المجتمع .
هذا العنصران أو الركنان (النظام السياسي و المجتمع) مجتمعان يكوّنان الدولة ، ولذلك فإن مصادر التهديد الداخلية للدولة فعليا كثيرا ما تأتي من الدولة ذاتها . طبعا تبرز اشكال التهديد هذه في اطار التفاعل بين المجتمع ونظام الحكم ، فهما يجتمعان ،يتعاونان احيانا ويتكاملان ويتفاعلان سلمياً وقد يتصادمان ويتصارعان احيانا في هذا الإطار الذي يدعى 'الدولة' الا انهما نادرا ما يتحدان عضويا لان لكل منهما سيرورة او عملية تكوين او تشكيل ذاتي مستقله.
فللدولة منطقها ومنهجها وفلسفتها تهتم بالسيطرة والتحكم وبحماية النظام العام وادارة الشأن العام وسن التشريعات وممارسة اعمال السيادة ،وادارة علاقاتها الخارجية بفعالية.
وللمجتمع نظرياته وقيمه غاياته وادواته (الهوية ، والذاكرة ، الفضاء العام ،المشاركة العامة ، والاحتجاج ، والنقاش العام ،البقاء والرخاء ....الخ.)
إذاً كيف تكون الدولة مصدر تهديد وعدم استقرار لنفسها أو لذاتها؟ لمعرفة ذلك لا بد من النظر إلى طبيعة أو بنية كل من هذين المكونين الرئيسيين للدولة الأردنية: نظام الحكم في الاردن و المجتمع الأردني اولا ، ثم طبيعة العلاقة بينهما ثانيا. بهذا المنظور يصبح لدينا ثلاثة متغيرات رئيسية (نظام الحكم ، والمجتمع ، والعلاقة بينهما) وهي جميعها تعتبر مصادر محتملة تهديد سياسية وعدم استقرار في الدولة.
2 / 8
اذا لنتعرف بكلمة مختصرة على هذه العناصر الثلاثة باعتبارها عوامل سياسية محتملة تهدد الأمن والاستقرار في الدولة الاردنية.
الدولة بالمفهوم القانوني والموضوعي معروفة ، لكن في البعد التكويني (التأسيسي) ، وهو البعد الأهم في الإجابة على السؤال بشأن مصادر التهديد وتحديات الأمن والاستقرار السياسية التي تواجه الاردن يحتاج إلى توضيح.
تكوينياً أو تأسيسيا تقوم الدولة على فكرتين رئيسيتين: رضا المحكومين وقبولهم بنهجه وسياساته من جانب ، ثم مدى القدرة على الوفاء بحقوق وواجبات الدولة ، بما في ذلك حماية سيادتها وصيانة استقلالها وتحمل مسؤولياتها وبسط سلطانها على اقليمها . من أبرز ثلاثة خصائص او سمات للدولة:
أ-الحق في انتزاع الموارد والحصول عليها من المجتمع او من غيره ؛ ب- استخدام القوة المشروعة داخلياً؛
ج - استقطاب ولاء المواطنين وانتمائهم الوطني .
أما واجبات الدولة فيمكن اختصارها في :حماية البقاء والوجود الوطني، وتوفير الخدمات العامة وتسهيل الحصول عليها، وتوفير الأمن والنظام العام في إطار يحقق الرضا والقبول الشعبي.
أما بالنسبة الى المكون الثاني للدولة- المجتمع- فقد يكون مصدر تهديد ومتاعب وعدم استقرار اعتمادا على مدى التناغم والانسجام أو الاختلاف والتناقض بين مكوناته – عرقياً ومذهبياً وثقافياً واجتماعياً (طبقيا) ولغوياً.
وتحدد طريقة إدارة هذه التناقضات من قبل النظام السياسي (نظام الحكم) الى حد بعيد الفرص والتهديدات والمخاطر التي قد تواجه الدولة داخليا من حيث المبدأ. ومثل ذلك تفعل بشأن السياسة الخارجية من حيث ضمان السلامة الوطنية ووجود الدولة وصيانة سيادتها واستقلالها وحماية المصلحة الوطنية بشكل زيادة قوة الدولة .
في هذه المقدمة التعريفية لمصادر التهديد وعدم الاستقرار السياسي المحتملة في الدولة الاردنية يأتي النظام السياسي باعتباره شيئا آخرا من الناحية العملية كونه المسؤول عن طبيعة ونوعية التشريعات والسياسات العامة والممارسات التي تُسن وتُطبق والسيرورة التي ترافق صياغة واقرار مثل هذه التشريعات والسياسات العامة، الى جانب الممارسات وتبعاتها على المواطن والتي تكمن فيها مصادر التهديد وبواعث عدم
3 / 8
الاستقرار السياسي، واحتمال اندلاع الاضطرابات وغياب السلم الأهلي . وتحديدا تكمن فيها شروط وعناصر الرضى الشعبي والمجتمعي عن نظام الحكم من عدمه، مثلما كونها مقياس لمدى قدرة النظام السياسي على التجاوب مع تطلعات وطموحات الاردنيين والوفاء بالتزاماته تجاههم ومواجهة ضغوطات البئتين: الداخلية والخارجية .
إذاً تبين لنا أن درجة رضى الجمهور عن نظام الحكم والمرتبطة بشكل أساسي بطريقة وأسلوب ومضمون إدارة الشأن العام عبر طبيعة القوانين ونوعية السياسات العامة وحصافة وملاءمة الممارسات الحكومية هي المصدر الأساسي للرضى والقبول والثقة من قبل الجمهور، أو الغضب والسخط ، وبالتالي الرفض والاحتجاج وربما اللجوء ال العنف أو التمرد والثورة كملاذ اخير كما حصل في ثورات الربيع العربي المشهورة.
وتعتبر التشريعات ونوعية السياسات العامة وتبعاتها والممارسات الرسمية واثرها التعبير الاقرب والادق عن طبيعة نظام الحكم من ناحية وطبيعة العلاقة بين هذا النظام والمواطن من ناحية اخرى كون مخرجاتها ونتائجها مجتمعة هي من يقرر فيما اذا كانت تحقق الرضى والقبول من جهة، وبالتالي الاستقرار والازدهار والرفاه والتنمية ، أو السخط والغضب والرفض والاحتجاج وحجب الولاء والانتماء وتوتر العلاقة والشك وبالتالي حصول أزمة الثقة بين الحاكم والمحكوم.
وحتى يتبن المراقب طبيعة هذه التشريعات والسياسات والممارسات لا بد أن نتتبع وقائع وحقائق وأعمال السلطات الثلاث في الأردن لاسيما ما يتعلق منها بالحياة السياسية
.وحتى لا يكون الرأي انطباعيا والتشخيص اعتباطيا ، والوصف ارتجالاً، والحكم على هذا كله ذاتيا أو شخصياً، لا بد من تأصيل منهجي للمعلومات التي يتم الاستناد إليها والاستشهاد بها.
كما سيتم اتباع منهج استقرائي في تحليل المعلومات والأدلة والتوصل تلى الاستنتاجات المنطقية والبراهين.
اما مصادر البيانات والمعلومات والوقائع أو الأدلة والظواهر والوقائع في المحاور الثلاثة : القوانين والسياسات والاجراءات التي تبنتها الدولة الأردنية خلال العقد الاخير فتشمل :الوثائق الرسمية والمنشورات العلمية والتقارير الصادرة عن هيئات داخلية وخارجية وازنة ، إلى جانب المشاهدة والملاحظة والتجربة الشخصية والخبرة العملية والفنية.
4 / 8
وبمراجعة سريعة ومركزة لهذه المصادر والمراجع والوثائق التي تمت مراجعتها وتسجيلها والتعامل معها عبر أدوات البحث المعتمدة من تحليل ومناقشة ومقارنة ومشاهدة بالإضافة الى الرصد والتجربة والتقصي والتوثيق برزت وبشكل مؤكد النتائج الآتية:
· تركيز السلطة بيد راس الدولة وهيمنة "الملكي" على النيابي" في بنية نظام الحكم "النيابي الملكي الوراثي “حسب المادة الاولى من الدستور.
· إضعاف دور وقدرة الجهاز الحكومي (مجلس الوزراء والمؤسسات المدنية الأخرى التابعة له) مقابل بروز دور المؤسسة الأمنية مما حيّد وقيّد قدرة المؤسسات المدنية الرسمية على السيطرة والتحكم بموارد الدولة التي تقوم الحكومة ذاتها بانتزاعها والحصول عليها سواء من جيب المواطن أو من مختلف المصادر الداخلية والخارجية الاخرى .
· اعتماد تشريعات سالبة للحرية وتبني سياسات تقييدية بشكل واسع في مجال الحقوق والحريات ، خاصة الحريات العامة المدنية والسياسية ، وبشكل خاص حرية التعبد وحرية التجمع السلمي.
· ضعف وإضعاف الحق في المشاركة العامة للمواطنين في القرارات التي تمس مستقبلهم وحياتهم .
· إجهاض حق المواطن في مسألة ومحاسبة المسؤول ومخاطبة السلطات العامة بشكل فعّال.
· تحييد دور المجتمع وإسقاط مفهوم هذا المجتمع كمجال مستقل وحر كما يقتضي مفهوم المصلحة العامة أو الشأن العام الذي تم مصادرته بشكل كبير بدوره وذلك بتوسيع صلاحيات السلطات الامنية ودورها، وتدخلها في الفضاء الخاص للأفراد، وتكريس ظاهرة 'الإكراه السياسي' نتيجة هيمنة السلطات على تعاملات ونشاطات المواطنين العادية مما أضر بمفهوم 'الاجتماع المدني' والسياسي حيث يتدخل الحاكم الإداري (المحافظ) والوكالات الرسمية في ادق تفاصيل الحياة الخاصة للمواطنين حتى في النشاطات الاجتماعية الروتينية للمواطنين واللقاءات الجماهرية العامة حتى الدعوات الاجتماعية العادية التي اصبح محظورة وغير ممكنه بدون إذن رسمي مسبق.ويتبين ذلك من نظرة فاحصه لمفهوم المصلحة العامة او الفضاء العام، الذي هو في حقيقة الامر مفهوم يقيس ويدلل على مدى 'عقلانية' السلطة التي تصون مثل هذه المصلحة باعتبار هذه المصلحة حصيلة أداء الأفراد العاديين لأدوارهم وممارسة نشاطاتهم الروتينية باستقلالية ، وحريتهم في التحرك والعمل والمبادرة على أساس قواعد الاجتماع البشري الإنساني في مجتمع مستقل وحر. ولكن الواقع في الاردن يكشف عن عجز كبير في مسألة احترام السلطات الرسمية لمبدأ المصلحة العامة والفضاء العام وقيام
5 / 8
مجتمع حر ومستقل في الأردن حيث تم تدمير فكرة المجتمع الحر المستقل بتوسيع صلاحيات السلطة من جهة وتحييد المجتمع وتجاوزه والاصرار عل تطويعه واقتحام خصوصيته ضد إرادته لصالح مفهوم ‘ الدور' ومقتضيات هذا 'الدور' الذي هو في صميم بنية نظام الحكم في الاردن سياساً وامنيا واقتصاديا كما هو معروف . وبمناسبة ' الدور' وشروطه غير المحددة وغير الواضحة سوى الاعتماد شبه التام في مجالات سياسية وعسكرية وامنية واقتصادية على الغرب- اوروبا والولايات المتحدة ، وتقليص طموحات وتطلعات الشعب الاردني الوطنية والقومية الى ما دون الحد الادنى ، وغياب اي سياسة متكاملة او حتى رؤية واضحة للوصول الى درجة مقبولة من الاعتماد على الذات تظهر دلائل واضحة منذ فترة انه حتى ثنائية 'الدولة والدور' التقليدية قد تلاشت بهيمنة الدور بشكل شبه مطلق على الدولة!
هذه الملاحظات هي غيض من فيض، وهي نتائج لمقدمات أبرزها:
· تعديلات دستورية، طالت جوهر العلاقة بين ركيزتي نظام الحكم في البلاد: النيابي والملكي لصالح الثاني على حساب الأولى؛
· اختزال الولاية العامة لمجلس الوزراء بصلاحيات شكلية ؛
· تقليص دور السلطة التشريعية ومصادرة أدوات فرصة اجراء انتخابات حرة ونزيهة ، وبالتالي تنصيب مجلس نيابي مستقل يكون نتاج الارادة الحرة للناخبين الأردنيين ؛
· المساس باستقلال القضاء والقاضي إلى حد بعيد؛
· توّسع سطوة الجهاز الأمني وتسيد مفهوم الامن على حساب مفهوم الحرية؛
· إضعاف دور المؤسسات الرقابية بشكل شبه مطلق؛
· التحكم بالحياة الحزبية وبتشكيل ونشاط الأحزاب السياسية؛
· غياب التدفق الحر للمعلومات؛
· احتواء دور مؤسسات المجتمع المدني؛
· سن قوانين سالبة للحرية فلسفتها التوسع في التجريم والتضييق على حرية التعبير؛
6 / 8
يضاف إلى هذه التجاوزات على الحريات والحقوق السياسية والحريات المدنية للأردنيين غياب مفهوم العدالة الاجتماعية حيث إن الفجوة بشان توزيع الثروة تتسع بشكل كبير، وارتفاع نسبة الضرائب واستشراء الفساد على مختلف المستويات.
خارجيا
يعيش الأردن في بيئة خارجية -إقليمية ودولية- غير مستقرة، وتتسم البيئة الإقليمية بشكل خاص بالإرباك وبالحيرة بالنسبة الى المراقبين والمتابعين بسبب سرعة تغيير نمط التحالفات وطبيعة العلاقات الثنائية والتنافس وحتى التوتر والعداوة الشديدة بين الأعضاء في المنطقة . كما أن هذه البيئة تعاني من حالة الميوعة أو "التميع" الاستراتيجي والهشاشة السياسية مما يجعلها شديدة التأثير بالبيئة الدولية، وذلك لتشابك العلاقات وارتفاع درجة التناقضات بين دولها ومجتمعاتها.
وتعاني العلاقات الإقليمية من درجة عالية من عدم القدرة على التنبؤ بما ستؤول اليه حيث تغيب عنها بشكل ملحوظ صفتا "الاستمرارية" "والاستقرار". لذلك تعتبر مصدر قلق وتهديد دائمين لكثير من دولها، فاكثر الأعضاء تجد نفسها في مسار 'تعاوني!' مفروض مع اشد خصومها وأصدقاء او حلفاء اليوم هم مصادر تهديد بالأمس وربما غدا. ويحول التقلب السريع في هذه التحالفات دون بناء علاقات تعاون وتفاهم مستقرة . فغالباً ما يكون الأصدقاء أعداء لأصدقاء أساسيين للدولة أو الأعداء أصدقاء لخصوم ، والعكس صحيح مما يجعل الاعتماد على صديق أو حليف خيارا محفوفاً بالمخاطر على الدولة ونظامها.
وتضيف شدة التنافس وعدم الثقة والصراعات المرتبطة بالانقسامات المذهبية والعرقية والإقليمية والمذهبية التي توظفها دول كبرى – هي بالعادة صديقة للأردن- لإضعاف جبهة أو محور صديق، لذلك تجد أن التلاعب بمصير الأنظمة والشعوب في الإقليم من قبل الدول الغربية وغيرها أمرا روتينياً.
في هذه البيئة المضطربة يعاني الاردن من عدة أخطار أبرزها التهديد الأخطر وهو إسرائيل وتبعات غياب الحل العادل للقضية الفلسطينية.
كما أن الولايات المتحدة والتزامها الكامل بدعم إسرائيل وطبيعة مصالحها وأهدافها الاستراتيجية التي تتناقض مع تطلعات ومصالح الشعوب العربية والإسلامية بمن فيها الشعب الأردني تعتبر أبرز تهديد للدولة والمجتمع في الاردن رغم التحالف الاستراتيجي بين عمان وواشنطن ورعاية هذه الاخيرة للنظام واهتمامها بأمنه واستمراريته.
7 / 8
وحتى في حال استمرار مثل هذا الدعم فإن الثمن السياسي المدفوع عالي جدا وياتي على علاقة نظام الحكم بالشعب ، وفي حقيقته يشكل الخطر الثاني على الأردن واستقراره بعد التهديد الإسرائيلي - الصهيوني.
ولا تتوقف تبعات العلاقة مع الولايات المتحدة والغرب على تهديد مشروعية الحكم أو النظام السياسي بسبب الفجوة التي أوجدتها هذه العلاقة بين هذا النظام السياسي والمجتمع، بل تتعدى ذلك بخلق توترات شديدة الخطورة مع دول الإقليم لا سيما مع كل من إيران وسوريا.
لذلك يعتبر دعم الولايات المتحدة المطلق لدولة إسرائيل – مصدر التهديد الوجودي للأردن- ومعاداتها للإسلام وطموحها للتحكم بمصير الإقليم خطراً وجودياً إضافياً على الأردن.
وأدت العلاقات المتشابكة بين دول الإقليم وإفسادها سياسياً وأمنياً واقتصادياً من قبل القوى الخارجية لا سيما الغرب وأمريكا تحديداً إلى أن يجد الأردن نفسه في حالة من العزلة وعدم القدرة على التأثير في مجريات أهم مسألة بالنسبة إليه وهي القضية الفلسطينية، وبهذا المجال تحديداً وجد النظام الأردني نفسه حليفاً لكيانات ودول بمن فيها إسرائيل معادية لجهات وكيانات عربية تنسجم أهدافها مع مصالحه وتطلعات شعبه مثل حركة المقاومة الإسلامية حماس التي تقاوم التهجير وتحارب مشروع الوطن البديل وتتمسك بالقدس عربية إسلامية وكأرض فلسطينية محتلة وعاصمة للدولة الفلسطينية المأمولة.
إن هذه الشيزوفرانيا الاستراتيجية نتيجة اضطراره لمحالة أعدائه ومصادر الخطر المقبل والكامن لم تمس شرعية النظام وبالتالي استقراره وأمنه فحسب، بل وضعته في أزمة داخلية واقتصادية وضعف بنيوي حرمته وتحرمه من فرص عديدة، وقلصت من خيارته وقدرته على التكيف الإيجابي في مواجهة أزمات النظام العربي الرسمي، وفي الصراع العربي- الإسرائيلي، والفلسطيني الإسرائيلي بشكل خاص.
ومن الثابت أن تفاقم حالة الضعف العربية وتراجع دور النظام العربي الرسمي في الأزمات التي تواجه دول ومجتمعات عيدية، ومواجهة مصدر تهديد آخر للدول حيث تمادت إسرائيل في تراجع فرص حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة ما يعني استرار التوتر والعنف وعدم الاستقرار في المنطقة وفي مقدمتها الأردن.
كما خسر الأردن كثيراً وهو الذي ينادي دائماً بالسلام واحترام القانون الدولي الإنساني والتمسك بالشرعية الدولية كخيار واضح وأصبح أكثر انكشافاً للتهديدات الخارجية بعد انهيار النظام القانوني الدولي، وسقوط الشرعية الدولية على يد إسرائيل وحلفائها في الغرب.
8 / 8
ففي غياب الثقة التامة بين النظام وشعبه وصعوبة الخيار العسكري وانهيار المنظومة القانونية العالمية وتحالف حلفائه وأصدقائه في الغرب مع عدوه الأول ومصدر التهديد الرئيسي لوجوده إسرائيل، ماذا يحتاج الأردن بعد ليشعر بالقلق العميق على استقراره ووجوده.
وفي ظل تمرد إسرائيل على كل المعايير والقيم القانونية والأخلاقية والإنسانية ومواجهة الاردن بأطماعها بشكل مكشوف، لم يستطع أيضاً نسج علاقات واقعية ومتينة استراتيجياً وحتى سياسياً واقتصادياً مع أي من دول الجوار الجغرافي -إيران وتركيا-.
ما هي الخيارات أمام الأردن لمواجهة هذه التهديدات والتحديات؟
مهما جال الخيال السياسي وطاف فلن يجد للأردن مخرجاً آمنا سوى العودة وباسرع ما يمكن إلى الالتحام مع قاعدته المجتمعية والانفتاح على الشعب وإعادة الثقة التي تبخرت بين الطرفين جاء الإمعان في سياسات وتشريعات وممارسات جوهرها مصادرة إرادة الشعب الأردني ومحاولة تطويعه للاستسلام لمتطلبات مصالح القوى الخارجية الطامحة والمهيمنة.
إن هذا الخيار الحقيقي الذي يؤسس للقوة الكامنة للدولة الاردنية بإطلاق حريات المواطن وتحرير إرادته المرتهنة لحالة الضعف هو الذي سيمكن النظام السياسي من استعادة دوره إقليمياً ودولياً لصالح شعبه ومجتمعه والأمة العربية، وبالتالي الخروج من حالة الإرتهان لإرادة حلفاء في الخارج هم في واقع الحال ألد الأعداء.
لقد الأردن تمسكه بدور مشوه وصداقة موهومة على حساب دور حقيقي وشرعية موثوقة بشعبه ومواطنه.

نيسان ـ نشر في 2024-03-26 الساعة 16:17


رأي: د. موسى بريزات

الكلمات الأكثر بحثاً