على هامش التوقيفات الإدارية باعتصامات 'الكالوتي' شبهات بعدم دستورية بعض مواد قانون منع الجرائم
نيسان ـ نشر في 2024-04-12 الساعة 14:01
نيسان ـ تشكِّل المواد (15، 7، 128) من الدستور الأردني البنية التحتية لحرية الرأي والتعبير
وللتسهيل تنص الفقرة الأولى من المادة 15: تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول أو الكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون.
المادة 7
1- الحرية الشخصية مصونة.
2- كل اعتداء على الحقوق والحريات العامة أو حرمة الحياة الخاصة للأردنيين جريمة يعاقب عليها القانون.
كيف نحقق التوازن بين هذه الحقوق المتنافسة؟
حسنا فعل المشرع الدستوري باضافة المادة 128 إلى نصوصه:
1- لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها.
وقبل الخوض في الموضوع لا بدَّ من القول أنه على الرغم من الفصل بين السلطات المنصوص عليها في الدستور إلا أنه في التطبيق العملي هناك تغول تاريخي من السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية، والأمثلة على ذلك كثيرة ومنها طلب كفالات مُبالغ فيها لمشاركين في اعتصامات مسجد الكالوتي، وأخرى عندما يحكم القضاء ببراءة أو عدم مسؤولية شخص يقوم الحاكم الإداري بتوقيفه مستخدماً الصلاحيات التقديرية الواسعة والفضفاضة التي تيحها نصوص قانون منع الجرائم (رقم 8 لسنة 1954). ومن المعروف أن قرارات الحكام الإداريين تخضع للطعن أمام القضاء الإداري الذي أصدر قرارات تاريخية بإلغاء قراراتهم وتعويض المتضررين إضافة لما أصدرته المحاكم النظامية.
ومن القرارات المهمة قرار محكمة العدل العليا 28/94 (المنشور بمجلة نقابة المحامين سنة 1994 ص 2031) والذي جاء فيه: "1- لا يجوز للمحافظ ان يتعقب المستدعي الذي احيل من الشرطة الى المدعي العام بجرائم محددة، ويستعمل صلاحياته المخولة اليه بموجب قانون منع الجرائم، قبل ان يفصل القضاء فيما اسند اليه من جرائم. وعليه فيكون قرار المحافظ وضع المستدعي تحت مراقبة الشرطة وفرض قيود الاقامة الجبرية عليه لمدة ستة اشهر على ان يثبت وجوده مرة واحدة في اليوم لدى مركز الشرطة المختص مخالفا للقانون.
2- يعتبر جواز السفر وثيقة رسمية صادرة عن السلطة الاردنية المختصة بموجب قانون جوازات السفر وهي من الوثائق الهامة التي يتمتع بها المواطن الاردني لاستعمالها في التنقل والسفر بحرية داخل الاردن وخارجه. ولا تملك اية سلطة صلاحية مصادرة هذه الوثيقة او منع حاملها من السفر خارج المملكة الا بموجب القانون أو بقرار صادر عن محكمة مختصة 0
3- استقر الفقه والقضاء الاداريين على ان القضاء بالتعويض ليس من مستلزمات القضاء بالالغاء اذ قد يلغي القضاء الاداري القرار الاداري ولكنه لا يحكم بالتعويض في بعض الحالات ومنها حالتا الغاء القرار الاداري لعيب في الشكل او لعيب عدم الاختصاص.
وعليه وحيث ان محافظ العاصمة بنى قراره المطعون فيه بفرض الاقامة الجبرية على المستدعي، على وقائع تبرر صدوره نظرا لخطورة المستدعي باعتباره من اصحاب السوابق حسبما جاء بتنسيب مدير الشرطة وان تركه دون قيود يشكل خطرا على السلامة العامة وبالتالي فلا وجه قانوني بقيام مسؤولية الادارة عن التعويض على الرغم من عيب مخالفة قواعد الاختصاص الذي شاب القرار الطعين".
وكمثال على توسع الحكام الإداريين في تفسير نصوص قانون منع الجرائم (رقم 8 لسنة 1954) ما جاء في قرار محكمة العدل العليا (رقم الدعوى 8/2004، رقم القرار 46 الصادر في 28/1/2004) بإلغاء قرار لمحافظ العاصمة بوضع شخص في المركز الوطني للصحة النفسية، وقالت انه لا يوجد أي تشريع في الأردن يتيح للمحافظ ذلك.
وأضافت المحكمة: ولما كان إدخال المستدعي إلى المركز الوطني للصحة النفسية قد تم رغما عنه فإنه في حكم التوقيف أو الحبس اللذين نصت المادة 8 من الدستور الأردني على أنه: لا يجوز أن يوقف احد أو يحبس إلا وفق أحكام القانون. الأمر الذي يحتم على المستدعى ضدهما إصدار قرار بإطلاق سراحه والسماح له بالخروج من المركز الوطني للصحة النفسية. .. وإننا لا نجد في قانون منع الجرائم ولا في أي تشريع آخر يخول المستدعى ضدهما وضع المستدعي في المركز".
وكثيراً ما كان يثار الدفع بعدم دستورية القانون أو بعض مواده أمام المحاكم النظامية، ومع صدور قانون المحكمة الدستورية أصبحت المحكمة صاحبة الإختصاص بالنظر في مدى توافق أو تعارض هذه القوانين أو الأنظمة مع الدستور.
ومع أن المحكمة الدستورية الأردنية سبق أن أصدرت الحكم رقم (1 لسنة 2023) بتاريخ (15/1/2023) والمنشور في الجريدة الرسمية بععد 5838 صفحة 505) إلا أنها قالت: "أن الفصل في دستورية النصوص القانونية المدَعى مخالفتها الدستور لا يتصل بكيفية تطبيقها عملياً ولا بالصورة التي يفهمها القائمون على تنفيذها .. كما أن سوء تطبيق نصوص القانون أو الخطأ في تأويلها لا يوقعها في نطعق عدسعم الدستورية إذا كانت صحيحة بذاتها". واضافت المحكمة "أن رقابة القضاء الدستوري تظل رقابة مشروعية لا رقابة مواءمة ولا تمتد لرقابة السياسة التشريعية".
وكانت الطاعنة قد دفعت بعدم دستورية الفقرة 3 من المادة 3 من القانون والفقرة 2 من المادة 5 والمادة 8 من القانون. وخلصت المحكمة أن النصوص المطعون بعدم دستوريتها لم تخرق حرمة النص الدستوري ولم تتجاوز حدوده ولا تشكل تعدياً على الإختصاص القضائي أو مصادرة الحقوق والحريات الأساسية التي تضمنها الدستور فيكون هذا الطعن مستوجب الرد".
ومع أن قرارات المحكمة الدستورية حجة على الكافة إلا أنه لا يمنع من الطعن أمام بفقرات أخرى من القانون لم يتطرق لها قرار المحكمة.
وفي فلسطين أصدرت المحكمة الدستورية العليا قراراً في الفترة نفسها (25/1/2023) بعدم دستورية المواد (3، 8) وسقوط المواد (4، 5، 6، 7) من قانون منع الجرائم (رقم 8 لسنة 1954) الساري المفعول في فلسطين. (أنظر نص القرار: https://cdn1.ichr.ps/cached_uploads/download/2023/02/02/%D8%B7%D8%B9%D9%86-%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-%D9%85%D9%86%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B1%D8%A7%D9%8A-%D9%85-1675328880.pdf
وفي مصر كررت المحكمة الدستورية العليا المصرية (ومنها حكمها في القضية رقم 153 لسنة 21 قضائية دستورية بتاريخ 3 حزيران/يونيه سنة 2000م) العلاقة بين حرية الرأي والتعبير بوصفها الحرية الأصل التي لا يتم الحوار المفتوح إلا في نطاقها، وبدونها تفقد حرية الاجتماع مغزاها.
وقالت: "إن ضمان الدستور وما اجتمعت عليه الدساتير المقارنة - لحرية التعبير عن الآراء، والتمكين من عرضها ونشرها سواء بالقول أو بالتصوير أو بطباعتها أو بتدوينها وغير ذلك من وسائل التعبير، قد تقرر بوصفها الحرية الأصل التي لا يتم الحوار المفتوح إلا في نطاقها، وبدونها تفقد حرية الاجتماع مغزاها، ولا تكون لها من فائدة، وبها يكون الأفراد أحرارا لا يتهيبون موقفا، ولا يترددون وجلا، ولا ينتصفون لغير الحق طريقا، ذلك إن ما توخاه الدستور من خلال ضمان حرية التعبير - وعلى ما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة - هو أن يكون التماس الآراء والأفكار وتلقيها عن الغير ونقلها إليه غير مقيد بالحدود الإقليمية على اختلافها ولا منحصر في مصادر بذواتها تعد من قنواتها، بل قصد أن تترامى آفاقها، وأن تتعدد مواردها وأدواتها، سعيا لتعدد الآراء، وابتغاء إرسائها على قاعدة من حيدة المعلومات ليكون ضوء الحقيقة منارا لكل عمل، ومحورا لكل اتجاه. بل إن حرية التعبير أبلغ ما تكون أثرا في مجال اتصالها بالشئون العامة، وعرض أوضاعها تبيانا لنواحي التقصير فيها، فقد أراد الدستور بضمانها أن تهيمن مفاهيمها على مظاهر الحياة في أعماق منابتها، بما يحول بين السلطة العامة وفرض وصايتها على العقل العام، وألا تكون معاييرها مرجعا لتقييم الآراء التي تتصل بتكوينه ولا عائقا دون تدفقها. ومن المقرر كذلك إن حرية التعبير، وتفاعل الآراء التي تتولد عنها، لا يجوز تقييدها بأغلال تعوق ممارستها، سواء من ناحية فرض قيود مسبقة على نشرها أو من ناحية العقوبة اللاحقة التي تتوخي قمعها. إذ يتعين أن ينقل المواطنون من خلالها - وعلانية - تلك الأفكار التي تجول في عقولهم ويطرحونها عزما ولو عارضتها السلطة العامة - إحداثا من جانبهم - وبالوسائل السلمية - لتغيير قد يكون مطلوبا، ومن ثم وجب القول بأن حرية التعبير التي كفلها الدستور هي القاعدة في كل تنظيم ديموقراطي، فلا يقوم إلا بها، ولا ينهض مستويا إلا عليها.
وحيث إن حق الاجتماع - سواء كان حقا أصيلا أم بافتراض أن حرية التعبير تشتمل عليه باعتباره كافلا لأهم قنواتها، محققا من خلاله أهدافها - أكثر ما يكون اتصالا بحرية عرض الآراء وتداولها كلما كون أشخاص يؤيدون موقفا أو اتجاها معينا جمعية تحتويهم، يوظفون من خلالها خبراتهم ويطرحون آمالهم ويعرضون فيها كذلك لمصاعبهم، ويتناولون بالحوار ما يؤرقهم، ليكون هذا التجمع المنظم نافذة يطلون منها على ما يعتمل في نفوسهم، وصورة حية لشكل من أشكال التفكير الجماعي، وكان الحق في إنشاء الجمعيات - وسواء كان الغرض منها اقتصاديا أو ثقافيا أو اجتماعيا أو غير ذلك - لا يعدو أن يكون عملا اختياريا، يرمي بالوسائل السلمية إلى تكوين إطار يعبرون فيه عن مواقفهم وتوجهاتهم. ومن ثم فإن حق الاجتماع يتداخل مع حرية التعبير، مكونا لأحد عناصر الحرية الشخصية التي لا يجوز تقييدها بغير اتباع الوسائل الموضوعية والإجرائية التي يتطلبها الدستور أو يكفلها القانون، لازما اقتضاء حتى لو لم يرد بشأنه نص في الدستور، كافلا للحقوق التي أحصاها ضماناتها، محققا فعاليتها، سابقا على وجود الدساتير ذاتها، مرتبطا بالمدنية في مختلف مراحل تطورها، كامنا في النفس البشرية تدعو إليه فطرتها، وهو فوق هذا من الحقوق التي لا يجوز تهميشها أو إجهاضها. بل إن حرية التعبير ذاتها تفقد قيمتها إذا جحد المشرع حق من يلوذون بها في الاجتماع المنظم، وحجب بذلك تبادل الآراء في دائرة أعرض بما يحول دون تفاعلها وتصحيح بعضها البعض، ويعطل تدفق الآراء التي تتصل باتخاذ القرار، ويعوق انسياب روافد تشكيل الشخصية الإنسانية التي لا يمكن تنميتها إلا في شكل من أشكال الاجتماع. كذلك فإن هدم حرية الاجتماع إنما يقوض الأسس التي لا يقوم بدونها نظام للحكم يكون مستندا إلى الإرادة الشعبية، ومن ثم فقد صار لازما - وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - امتناع تقييد حرية الاجتماع إلا وفق القانون، وفي الحدود التي تتسامح فيها النظم الديموقراطية، وترتضيها القيم التي تدعو إليها، ولا يجوز - بالتالي- أن تفرض السلطة التشريعية على حرية الاجتماع قيودا من أجل تنظيمها، إلا إذا حملتها عليها خطورة المصالح التي وجهتها لتقريرها، وكان لها كذلك سند من ثقلها وضرورتها، وكان تدخلها - من خلال هذه القيود - بقدر حدة هذه المصالح ومداها".
وحتى لا يطول المقال نأمل أن تقوم نقابة المحامين بتخصيص فريق دفاع متخصص يتولى الطعن بالتوقيفات الإدارية أمام الحكام الإدارات نيابة عن الموقوفين ومجاني.
وللتسهيل تنص الفقرة الأولى من المادة 15: تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول أو الكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون.
المادة 7
1- الحرية الشخصية مصونة.
2- كل اعتداء على الحقوق والحريات العامة أو حرمة الحياة الخاصة للأردنيين جريمة يعاقب عليها القانون.
كيف نحقق التوازن بين هذه الحقوق المتنافسة؟
حسنا فعل المشرع الدستوري باضافة المادة 128 إلى نصوصه:
1- لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها.
وقبل الخوض في الموضوع لا بدَّ من القول أنه على الرغم من الفصل بين السلطات المنصوص عليها في الدستور إلا أنه في التطبيق العملي هناك تغول تاريخي من السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية، والأمثلة على ذلك كثيرة ومنها طلب كفالات مُبالغ فيها لمشاركين في اعتصامات مسجد الكالوتي، وأخرى عندما يحكم القضاء ببراءة أو عدم مسؤولية شخص يقوم الحاكم الإداري بتوقيفه مستخدماً الصلاحيات التقديرية الواسعة والفضفاضة التي تيحها نصوص قانون منع الجرائم (رقم 8 لسنة 1954). ومن المعروف أن قرارات الحكام الإداريين تخضع للطعن أمام القضاء الإداري الذي أصدر قرارات تاريخية بإلغاء قراراتهم وتعويض المتضررين إضافة لما أصدرته المحاكم النظامية.
ومن القرارات المهمة قرار محكمة العدل العليا 28/94 (المنشور بمجلة نقابة المحامين سنة 1994 ص 2031) والذي جاء فيه: "1- لا يجوز للمحافظ ان يتعقب المستدعي الذي احيل من الشرطة الى المدعي العام بجرائم محددة، ويستعمل صلاحياته المخولة اليه بموجب قانون منع الجرائم، قبل ان يفصل القضاء فيما اسند اليه من جرائم. وعليه فيكون قرار المحافظ وضع المستدعي تحت مراقبة الشرطة وفرض قيود الاقامة الجبرية عليه لمدة ستة اشهر على ان يثبت وجوده مرة واحدة في اليوم لدى مركز الشرطة المختص مخالفا للقانون.
2- يعتبر جواز السفر وثيقة رسمية صادرة عن السلطة الاردنية المختصة بموجب قانون جوازات السفر وهي من الوثائق الهامة التي يتمتع بها المواطن الاردني لاستعمالها في التنقل والسفر بحرية داخل الاردن وخارجه. ولا تملك اية سلطة صلاحية مصادرة هذه الوثيقة او منع حاملها من السفر خارج المملكة الا بموجب القانون أو بقرار صادر عن محكمة مختصة 0
3- استقر الفقه والقضاء الاداريين على ان القضاء بالتعويض ليس من مستلزمات القضاء بالالغاء اذ قد يلغي القضاء الاداري القرار الاداري ولكنه لا يحكم بالتعويض في بعض الحالات ومنها حالتا الغاء القرار الاداري لعيب في الشكل او لعيب عدم الاختصاص.
وعليه وحيث ان محافظ العاصمة بنى قراره المطعون فيه بفرض الاقامة الجبرية على المستدعي، على وقائع تبرر صدوره نظرا لخطورة المستدعي باعتباره من اصحاب السوابق حسبما جاء بتنسيب مدير الشرطة وان تركه دون قيود يشكل خطرا على السلامة العامة وبالتالي فلا وجه قانوني بقيام مسؤولية الادارة عن التعويض على الرغم من عيب مخالفة قواعد الاختصاص الذي شاب القرار الطعين".
وكمثال على توسع الحكام الإداريين في تفسير نصوص قانون منع الجرائم (رقم 8 لسنة 1954) ما جاء في قرار محكمة العدل العليا (رقم الدعوى 8/2004، رقم القرار 46 الصادر في 28/1/2004) بإلغاء قرار لمحافظ العاصمة بوضع شخص في المركز الوطني للصحة النفسية، وقالت انه لا يوجد أي تشريع في الأردن يتيح للمحافظ ذلك.
وأضافت المحكمة: ولما كان إدخال المستدعي إلى المركز الوطني للصحة النفسية قد تم رغما عنه فإنه في حكم التوقيف أو الحبس اللذين نصت المادة 8 من الدستور الأردني على أنه: لا يجوز أن يوقف احد أو يحبس إلا وفق أحكام القانون. الأمر الذي يحتم على المستدعى ضدهما إصدار قرار بإطلاق سراحه والسماح له بالخروج من المركز الوطني للصحة النفسية. .. وإننا لا نجد في قانون منع الجرائم ولا في أي تشريع آخر يخول المستدعى ضدهما وضع المستدعي في المركز".
وكثيراً ما كان يثار الدفع بعدم دستورية القانون أو بعض مواده أمام المحاكم النظامية، ومع صدور قانون المحكمة الدستورية أصبحت المحكمة صاحبة الإختصاص بالنظر في مدى توافق أو تعارض هذه القوانين أو الأنظمة مع الدستور.
ومع أن المحكمة الدستورية الأردنية سبق أن أصدرت الحكم رقم (1 لسنة 2023) بتاريخ (15/1/2023) والمنشور في الجريدة الرسمية بععد 5838 صفحة 505) إلا أنها قالت: "أن الفصل في دستورية النصوص القانونية المدَعى مخالفتها الدستور لا يتصل بكيفية تطبيقها عملياً ولا بالصورة التي يفهمها القائمون على تنفيذها .. كما أن سوء تطبيق نصوص القانون أو الخطأ في تأويلها لا يوقعها في نطعق عدسعم الدستورية إذا كانت صحيحة بذاتها". واضافت المحكمة "أن رقابة القضاء الدستوري تظل رقابة مشروعية لا رقابة مواءمة ولا تمتد لرقابة السياسة التشريعية".
وكانت الطاعنة قد دفعت بعدم دستورية الفقرة 3 من المادة 3 من القانون والفقرة 2 من المادة 5 والمادة 8 من القانون. وخلصت المحكمة أن النصوص المطعون بعدم دستوريتها لم تخرق حرمة النص الدستوري ولم تتجاوز حدوده ولا تشكل تعدياً على الإختصاص القضائي أو مصادرة الحقوق والحريات الأساسية التي تضمنها الدستور فيكون هذا الطعن مستوجب الرد".
ومع أن قرارات المحكمة الدستورية حجة على الكافة إلا أنه لا يمنع من الطعن أمام بفقرات أخرى من القانون لم يتطرق لها قرار المحكمة.
وفي فلسطين أصدرت المحكمة الدستورية العليا قراراً في الفترة نفسها (25/1/2023) بعدم دستورية المواد (3، 8) وسقوط المواد (4، 5، 6، 7) من قانون منع الجرائم (رقم 8 لسنة 1954) الساري المفعول في فلسطين. (أنظر نص القرار: https://cdn1.ichr.ps/cached_uploads/download/2023/02/02/%D8%B7%D8%B9%D9%86-%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-%D9%85%D9%86%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B1%D8%A7%D9%8A-%D9%85-1675328880.pdf
وفي مصر كررت المحكمة الدستورية العليا المصرية (ومنها حكمها في القضية رقم 153 لسنة 21 قضائية دستورية بتاريخ 3 حزيران/يونيه سنة 2000م) العلاقة بين حرية الرأي والتعبير بوصفها الحرية الأصل التي لا يتم الحوار المفتوح إلا في نطاقها، وبدونها تفقد حرية الاجتماع مغزاها.
وقالت: "إن ضمان الدستور وما اجتمعت عليه الدساتير المقارنة - لحرية التعبير عن الآراء، والتمكين من عرضها ونشرها سواء بالقول أو بالتصوير أو بطباعتها أو بتدوينها وغير ذلك من وسائل التعبير، قد تقرر بوصفها الحرية الأصل التي لا يتم الحوار المفتوح إلا في نطاقها، وبدونها تفقد حرية الاجتماع مغزاها، ولا تكون لها من فائدة، وبها يكون الأفراد أحرارا لا يتهيبون موقفا، ولا يترددون وجلا، ولا ينتصفون لغير الحق طريقا، ذلك إن ما توخاه الدستور من خلال ضمان حرية التعبير - وعلى ما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة - هو أن يكون التماس الآراء والأفكار وتلقيها عن الغير ونقلها إليه غير مقيد بالحدود الإقليمية على اختلافها ولا منحصر في مصادر بذواتها تعد من قنواتها، بل قصد أن تترامى آفاقها، وأن تتعدد مواردها وأدواتها، سعيا لتعدد الآراء، وابتغاء إرسائها على قاعدة من حيدة المعلومات ليكون ضوء الحقيقة منارا لكل عمل، ومحورا لكل اتجاه. بل إن حرية التعبير أبلغ ما تكون أثرا في مجال اتصالها بالشئون العامة، وعرض أوضاعها تبيانا لنواحي التقصير فيها، فقد أراد الدستور بضمانها أن تهيمن مفاهيمها على مظاهر الحياة في أعماق منابتها، بما يحول بين السلطة العامة وفرض وصايتها على العقل العام، وألا تكون معاييرها مرجعا لتقييم الآراء التي تتصل بتكوينه ولا عائقا دون تدفقها. ومن المقرر كذلك إن حرية التعبير، وتفاعل الآراء التي تتولد عنها، لا يجوز تقييدها بأغلال تعوق ممارستها، سواء من ناحية فرض قيود مسبقة على نشرها أو من ناحية العقوبة اللاحقة التي تتوخي قمعها. إذ يتعين أن ينقل المواطنون من خلالها - وعلانية - تلك الأفكار التي تجول في عقولهم ويطرحونها عزما ولو عارضتها السلطة العامة - إحداثا من جانبهم - وبالوسائل السلمية - لتغيير قد يكون مطلوبا، ومن ثم وجب القول بأن حرية التعبير التي كفلها الدستور هي القاعدة في كل تنظيم ديموقراطي، فلا يقوم إلا بها، ولا ينهض مستويا إلا عليها.
وحيث إن حق الاجتماع - سواء كان حقا أصيلا أم بافتراض أن حرية التعبير تشتمل عليه باعتباره كافلا لأهم قنواتها، محققا من خلاله أهدافها - أكثر ما يكون اتصالا بحرية عرض الآراء وتداولها كلما كون أشخاص يؤيدون موقفا أو اتجاها معينا جمعية تحتويهم، يوظفون من خلالها خبراتهم ويطرحون آمالهم ويعرضون فيها كذلك لمصاعبهم، ويتناولون بالحوار ما يؤرقهم، ليكون هذا التجمع المنظم نافذة يطلون منها على ما يعتمل في نفوسهم، وصورة حية لشكل من أشكال التفكير الجماعي، وكان الحق في إنشاء الجمعيات - وسواء كان الغرض منها اقتصاديا أو ثقافيا أو اجتماعيا أو غير ذلك - لا يعدو أن يكون عملا اختياريا، يرمي بالوسائل السلمية إلى تكوين إطار يعبرون فيه عن مواقفهم وتوجهاتهم. ومن ثم فإن حق الاجتماع يتداخل مع حرية التعبير، مكونا لأحد عناصر الحرية الشخصية التي لا يجوز تقييدها بغير اتباع الوسائل الموضوعية والإجرائية التي يتطلبها الدستور أو يكفلها القانون، لازما اقتضاء حتى لو لم يرد بشأنه نص في الدستور، كافلا للحقوق التي أحصاها ضماناتها، محققا فعاليتها، سابقا على وجود الدساتير ذاتها، مرتبطا بالمدنية في مختلف مراحل تطورها، كامنا في النفس البشرية تدعو إليه فطرتها، وهو فوق هذا من الحقوق التي لا يجوز تهميشها أو إجهاضها. بل إن حرية التعبير ذاتها تفقد قيمتها إذا جحد المشرع حق من يلوذون بها في الاجتماع المنظم، وحجب بذلك تبادل الآراء في دائرة أعرض بما يحول دون تفاعلها وتصحيح بعضها البعض، ويعطل تدفق الآراء التي تتصل باتخاذ القرار، ويعوق انسياب روافد تشكيل الشخصية الإنسانية التي لا يمكن تنميتها إلا في شكل من أشكال الاجتماع. كذلك فإن هدم حرية الاجتماع إنما يقوض الأسس التي لا يقوم بدونها نظام للحكم يكون مستندا إلى الإرادة الشعبية، ومن ثم فقد صار لازما - وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - امتناع تقييد حرية الاجتماع إلا وفق القانون، وفي الحدود التي تتسامح فيها النظم الديموقراطية، وترتضيها القيم التي تدعو إليها، ولا يجوز - بالتالي- أن تفرض السلطة التشريعية على حرية الاجتماع قيودا من أجل تنظيمها، إلا إذا حملتها عليها خطورة المصالح التي وجهتها لتقريرها، وكان لها كذلك سند من ثقلها وضرورتها، وكان تدخلها - من خلال هذه القيود - بقدر حدة هذه المصالح ومداها".
وحتى لا يطول المقال نأمل أن تقوم نقابة المحامين بتخصيص فريق دفاع متخصص يتولى الطعن بالتوقيفات الإدارية أمام الحكام الإدارات نيابة عن الموقوفين ومجاني.
نيسان ـ نشر في 2024-04-12 الساعة 14:01
رأي: يحيى شقير