اتصل بنا
 

توابع كارثة إعلان روسيا إسقاط الطائرة بقنبلة

كاتب مصري

نيسان ـ نشر في 2015-11-17 الساعة 19:43

نيسان ـ

واضح أن "الكابوس" الذي كنا نهرب من مواجهته أصبح أمرا واقعا ، بعد إعلان السلطات الروسية تأكيداتها بأن طائرتها التي سقطت في سيناء أسقطت عمدا بعمل إرهابي عن طريق زرع قنبلة بدائية الصنع زنة كيلو جرام فجرت الطائرة في الهواء ، وتعهدها بملاحقة المسئولين عن تلك الجريمة أينما كانوا ـ حسب البيان الروسي ـ كما رصدت روسيا خمسين مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تقود إلى توقيف المتورطين في الجريمة ، وتعهد بوتين بمعاقبتهم .

الإعلان الروسي كان له وقع الصاعقة هنا في مصر ، كما أنه حرك شهية الإعلام العالمي لإعادة فتح الجرح الخاص بالطائرة الروسية في سيناء وضعف الإجراءات الأمنية وعزز من مصداقية الإجراءات التي اتخذتها بريطانيا وروسيا وغالبية دول العالم بوقف رحلاتها السياحية إلى شرم الشيخ وبعضها منع السياحة إلى مصر بالكامل على خلفية الاتهام بضعف إجراءات الأمن في المطارات وتعرض المسافرين لخطر ، وحتى كتابة هذه السطور لم يصدر أي بيان رسمي مصري من جهة معروفة أو مسئول معروف ، باستثناء التصريح الذي صدر عن وزارة الطيران ، وليته ما صدر ، والذي قالوا فيه أن ما أعلنته روسيا هو مجرد استنتاجات وأنه حتى الآن لا يوجد دليل يؤكد أن إسقاط الطائرة كان بعمل إرهابي ، وقالت الوزارة أنها هي التي تقود التحقيقات وليس أي جهة أخرى خارج مصر ، وهو بيان صادم ، لأن العجرفة الفارغة عندما توضع في غير سياقها تصبح مثيرة للشفقة والأسى من فرط غرابتها وغياب الإحساس بالمسئولية وحجم الخطر .

الإعلان الروسي فيه إهانة واضحة لمصر ، لأنه لم يعبأ بأنها شريك في التحقيقات ، ولا أن الجريمة كانت على أرضها ، ويفترض أن أي إعلانات تكون بالتشاور وترتيب مشترك ، لأن لمثل هذه المعلومات عواقب وتوابع خطيرة ، ولكن الروس لم يعبأوا بذلك ، وواضح أن هناك حالة من "القريفة" بين الطرفين منذ وقوع الحادث ، وصلت إلى حد أن تعاقب روسيا شركة الطيران المصرية نفسها بمنع رحلاتها إلى أي مدينة روسية وهو ما لم تفعله أي دولة أخرى ، وأعتقد أن أحد توابع الحادث سيكون توتر العلاقة بين القاهرة وموسكو وانتهاء شهر العسل الذي كان حلما جميلا طوال الأشهر الماضية ، وجعلنا نلقي برهاننا كاملا على موسكو كظهير سياسي قوي يدعم نظام السيسي أمام العواصم الغربية التي افترضنا أنها تتآمر علينا .

الإعلان الروسي ، أيا كان رد الفعل المصري ، سيعزز من آلام الاقتصاد المصري ، لأنه يعني ضربة قاتلة للسياحة ، أحد أهم مصادر الدخل القومي ، لأشهر طويل مقبلة ، كما أنه قد يضع مصر تحت ضغط تحمل المسئولية السياسية والأمنية عن الواقعة إذا ثبت أن الإهمال في المطار كان سببا في الكارثة بما يعني تحملها تعويضات باهظة تجاه أسر الضحايا ستكون ملزمة في النهاية بدفعها ، أيضا ، وفي ظل حالة الهياج العالمي تجاه الإرهاب وعولمته ، قد توضع السلطات في مصر تحت ضغط تدخلات أجنبية ، على خلفية ملاحقة الإرهاب والقتلة المتورطين المحتملين في الجريمة ، وهو ـ إن حدث ـ سيمثل خرقا مؤلما للسيادة الوطنية ، وفي ظل المعاناة التي يكابدها نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي اقتصاديا ، ووصول الأزمة لمستويات خطيرة ، قد لا يكون أمامه مساحات كافية للحركة أو تحدي مثل هذه التدخلات ، كما أن حالة الارتباك والضعف التي تبدو في ردود أفعال "الدولة" الآن قد تغري عواصم قوية بممارسة ابتزاز سياسي أو أمني يزيد من إرهاق القيادة المصرية وإحراجاتها .

بدون شك ، فإن تلاحق الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية المربكة والمرهقة للدولة المصرية بهذا الشكل خلال أقل من عامين من تولي السيسي المسئولية ، تجعلنا جميعا أمام استحقاق عقلي وسياسي جديد ، بعيدا عن الجدل والتنظير ، استحقاق يكشف إلى أي مدى كانت سطحيتنا عندما كنا نتحدث عن حاجة مصر إلى "الرئيس الدكر" وانتظار حسم كل الأمور وضبط كل شيء وإنقاذ كل شي وتحسين كل شيء من خلاله ، الآن نحن أمام استحقاق التسليم بأن إدارة الدولة في عالم اليوم ، بتوازناته وخبراته وعولمة كل شيء فيه تقنيا وأمنيا واقتصاديا ، تختلف تماما عن إدارتها بأساليب وأفكار وخيالات وأدوات أجيال سابقة ، وأن الدول الناجحة في الزمن الجديد هي التي تديرها قيادات علمية وإدارية ومدنية موهوبة وخبيرة ومدربة ، وبعضها قيادات نسائية ، وأن الدول التي تبحث عن القوة والرفاه والأمان والاستقرار وصياغة مستقبل راسخ ، لا تعتمد على "أشخاص" وإنما على مؤسسات حقيقية ، تعتمد الكفاءة والعلم والشفافية ، وليس العنجهية الإعلامية والفهلوة .

الأزمات الكبيرة ، كالتي نواجهها الآن ، ليست كلها شرا ، إذا نجحنا في تحويلها إلى دروس عميقة وكاشفة ، تتيح لنا تصحيح البوصلة ، ومراجعة الأخطاء جذريا ، الأخطاء الكبيرة والكلية قبل الفرعيات والجزئيات ، وإعادة صياغة الواقع على أسس صحيحة ووطنية بحق وليس بادعاء .

المصريون

نيسان ـ نشر في 2015-11-17 الساعة 19:43

الكلمات الأكثر بحثاً