اتصل بنا
 

لحم طازج و رخيص

نيسان ـ نشر في 2024-04-25 الساعة 12:06

نيسان ـ كلفني رئيس تحرير الصحيفة، وكانت تلك تجربة العمل الصحفي الأولى مابعد التخرج، بإعداد تقريرًا عن محل في العاصمة عمان مختص ببيع لحم الخنزير للهيئات الدبلوماسية الأجنبية.
كان وقع التكليف عليّ أشبه الصاعقة، ولو خُيرت حينها الذهاب إلى حقل ألغام ، لأخترت حقل الألغام عن ذاك الموضوع.
دخلت المحل وجلة، تدور عيناي في أرجاء المكان، وكأنني أقترف كبيرة من الكبائر، فما أفعله لم أتخيله يومًا، إذ نشأنا على شدة تحريم لحم الخنزير وتغليظ العقوبة الربانية. وضرورة التأكد في حالة السفر إلى بلاد الغرب مما نأكله، قل في الطائرة والمطاعم "نو هام"
بدأت أطرح الأسئلة على مالك المحل عن محله وزبائنه وعما يتعلق بالأمر، كنت أدون مايقول دون وعي، فذهني مشغولًا بعدم لمس شيئا، اعتذرت عن تناول فنجان قهوة، متحججة بالصوم، أفكر متى بالعودة إلى البيت قبل الجريدة، كي أستحم فورا، وأغسل ثيابي لإزالة الرجس عن كاهلي، وأستغفر الله العظيم.
هكذا فُسر لنا منذ طفولتنا مقصد تحريم لحم الخنزير َالإقتراب منه، سواء من قبل الأهل أو المدرسة أو شيوخ الدين، فمن يأكله" يتخنزر " يتحول إلى ديوث ذليل، تموت في قلبه الغيرة، والحمية والمروءة ،حيث تنتقل كل تلك الصفات الدنيئة للإنسان، وهذا ما لا يرضاه الله لعباده.وتاكيدًا على ذلك، ضربوا لنا امثالًا، فالخنزير يرمي رأسه نحو الأرض عندما يمشي دائما، ويترمرم من أكوام النفايات، ويأكل روث ومخلفات المخلوقات الأخرى.
ولأن الأفكار كما الموت لا تدري كيف ومتى تنتابك، فكل هذه المذابح والمقابر الجماعية،والأغتصاب الذي أحاول عدم تصديقه تحديدًا، لشدة هول وقعه وبشاعته على النفس، ذكرتني بقصة الخنزير، ومع ذلك لم تحرك الأمة ساكنًا، فلم تشتعل جذوتها، ولم تهب نار غيرتها، اكتفت بالفرجة السلبية، وبالتثبيط والسخرية أحيانًا، ممن مازالوا يصرخون، و يذكرون بهول الإبادة، وأنصرفت لممارسة حياتها الطبيعية، وكأنها تقرأ، هذا إن قرأت، عن أحدث حدثت ماقبل التاريخ البشرى... لاشك أن الأمة بريئة من لحم الخنازير.

نيسان ـ نشر في 2024-04-25 الساعة 12:06


رأي: ميسر السردية

الكلمات الأكثر بحثاً