اتصل بنا
 

أمام العتبة الروسية

رئيس تحرير صحيفة الثورة السورية التابعة لنظام الاسد

نيسان ـ نشر في 2015-11-19 الساعة 11:48

نيسان ـ

اعتادت الدبلوماسية الروسية تدوير وجوه المقاربة السياسية لقضايا مستعصية، وقد نجحت في تجارب سابقة، وتوفرت لديها خبرة تراكمية، تؤهلها لإعادة تقليب وجوه المعضلات العالمية.

وتحضير السلّم لنزول منَّ صعّد كثيراً في مواقفه أو تبايناته أو خطابه إلى الحدّ الذي فصله عن الواقع، أو أوصله إلى الحائط المسدود في مقارباته.‏

سبق لها أن قدمته لأميركا مرة، وربما مرات، وأن عرضته على السعودية، وربما غير مرة، ولا نستبعد أن يكون العرض الروسي وممراته للنزول من مواقع اعتلتها دول كثيرة واستحال نزولها أو يستحيل من دون روسيا، ومع ذلك لم تتجرأ في حينه أي من تلك النماذج على الأخذ بالعرض الروسي إلا بحدود ما يتوافق مع الرغبة الأميركية التي أرادت احتكار التجربة لذاتها.‏

اليوم.. تبدو المقاربة مختلفة بحكم اصطفافات طفت تحت ضغط الأمر الواقع واستيقظت العديد من الدول لتجد نفسها في موقع غير ذاك الموقع الذي تمترست فيه مع الأميركي لعقود طويلة، وإن بعضها على الأقل وجد منفذاً ومبرراً ليخرج قليلاً من سطوة ذلك التمترس والتفكير بعيداً عن حساباته، وإن اقتضى ذلك أن يقترب ولو جزئياً من الموقع الروسي، ولو لم يقصد ذلك، أو لا يرغب به أصلاً.‏

قد يكون من المبكر كثيراً أن نتحدث عن تحالفات جديدة، ولكن يمكن أن نسهب في الحديث وربما الشرح عن اصطفافات جديدة، وإن بقيت اللغة المستخدمة هي ذاتها التي كانت دارجة ما قبل التفكير بهذا المنحى، وربما كان قبل الاضطرار للدخول في تلك الاصطفافات تحت ضغط التطورات الأخيرة، وتحديداً ما يخص التهديدات الإرهابية.‏

فكثير من الدول وجدت نفسها تكرر خطاباً كانت ترفضه، وبعضها وجدت جزءاً من حضورها وقد حكمته الظروف بأن يكون في خندق مجاور، وأحياناً في خندق الخصم الذي ترفض الحديث إليه، بل وتعدُّ العدّة لمجابهته، وتشحذ الهمّة لمواجهته، حالها حال المواجهة المعلنة والمستترة في مشهد العلاقات الدولية التي تعيش مخاضاً قد يكون الأصعب والأقسى الذي يواجهه العالم في عصره الراهن، مع تجاذبات لا تكتفي برسم ملامح المواجهة فحسب، وإنما تضع شروطها المسبقة عليها.‏

الحديث عن التنسيق الفرنسي الروسي، يشكل مؤشراً لا تخطئه العين حيال الانزياح في التموضع الدولي الذي قد يؤهل المشهد، لنرى فرنسا وقد باتت أقرب إلى روسيا مما هي عليه تجاه واشنطن، على الأقل فيما يخص التنسيق لمكافحة الإرهاب ولو لم تقصد، بالرغم من أن المؤشرات الأولية لا توحي بأن لديها الاستعداد لذلك على ضوء تصريحات فابيوس.‏

الأكثر من ذلك ما يروّج هذه الأيام من تلوّن في لغة الخطاب السياسي الذي ينسحب أيضاً على الدول الإقليمية والتنظيمات الإرهابية المرتبطة بها والتي تحاول أن تغتسل مما كانت فيه، وأن تروّج لمقعد لها خارج اللائحة الأممية المعتزم إطلاقها، والتي أوكلت مهمة الإعداد الأولي لها للأردن، لكنها مؤشر على رغبة إقليمية باصطفاف مشابه، قد يكون خارج العربة الأميركية، أو في الحدّ الأدنى بات في موقع اضطر إلى سحب بعض أوراقه من السلّة الأميركية التي اعتادت الاستفراد بها.‏

التموضع الجديد لا بد أن ينسحب في جزء منه على محاكاة ما فرضته المعطيات المستجدة، بما يعنيه ذلك من لغة موازية لموقع الاصطفاف السياسي الذي يقابله، وقد يكون التمهيد الطبيعي لتحالفات خارج الحسابات التقليدية، وتتجاوز قسطاً من خلافات الماضي ورعونته، كمقدمة لتصحيح الاعوجاج في سياسة الكثير من الدول الغربية وبعض الإقليمية التي غالت في الرهان على العمل كبيدق منتقل على الرقعة الأميركية.‏

ليس من الصعب إدراك حجم ما تقدمه روسيا من مخارج وهي تحضّر السلّم للنزول الفرنسي وقد حافظت على ماء وجهها، وإذا ما نجحت في ذلك فإن الباب مفتوح لتجارب مماثلة في أوروبا التي تنتظر نتائج ما تؤول إليه المحاولة الفرنسية، والأمر ذاته وإن كان بدرجة أقل في ظل غياب استقلاليتها بقرارها حتى لو فكرت، ينسحب على بعض التجارب الإقليمية التي ترى في النموذج الأردني حالة قابلة للتكرار، وإن كان بوسائط وطرق أخرى مختلفة، وبعضها بدأ بخطِّ رسائله باتجاه موسكو ليحظى بمقعد في لائحة الانتظار المتوقعة أو أن يحجز مساحة في مشهد الاصطفاف السياسي أمام العتبة الروسية..!!‏

روسيا التي أدارت بكفاءة الانتقال غير المعلن من عصر القطبية الأحادية إلى تباشير الأقطاب المتعددة، مؤهلة لتدير عملية التحرك والانتقال التدريجي أو الكلي من التمترس داخل الخندق الأميركي، وإذا كان من الصعب أن أحداً من حلفاء أميركا أو أدواتها سيصطف مع الروسي في الموقع ذاته أو على النسق نفسه طواعية، فإنه في أقل تقدير يُبعده عن سطوة الأميركي ويتيح له هامشاً من الحراك السياسي أو المناورة والمداورة في المواقف بانتظار أن يتبيّن الخيط الأبيض من الأسود، أقلّه في مسألة مكافحة الإرهاب الذي بات خطراً مباشراً على كثيرين ويتهدد آخرين، كمرحلة تمهيدية يمكن أن تنسحب في وقت لاحق على القضايا الأخرى التي تشكل خلافاً جوهرياً وتواجه انقساماً أفقياً وعمودياً حاداً يصعب الحسم فيها مرحلياً.‏

نيسان ـ نشر في 2015-11-19 الساعة 11:48

الكلمات الأكثر بحثاً