وشاخت أمريكا
نيسان ـ نشر في 2024-06-09 الساعة 04:05
نيسان ـ «العالم سيفقد قائده إذا انسحبت الولايات المتحدة من المسرح العالمي»، بايدن.
يدور جدل بين علماء السياسة والاجتماع حول إمكانية عودة الحضارات العظيمة التي سادت العالم في الماضي لتسود مرة أخرى، البعض يرفض هذه الفكرة، مستندًا إلى أن التاريخ لم يشهد عودة أي من الحضارات السابقة كالعرب المسلمين، والفراعنة، والمغول، والآشوريين... وهي حضارات سادت ثم زالت. في المقابل، يؤمن آخرون بإمكانية عودة الحضارات، أولئك يرون إن الحضارة الأنجلوسكسونية (الولايات المتحدة) إنما هي إحياء وإعادة انبعاث للحضارة الرومانية القديمة!
يتفق الجميع على أن الولايات المتحدة تشهد تراجعًا، لكنهم يختلفون حول تحديد بداية هذا التراجع؛ بعضهم يعتبر حرب فيتنام نقطة البداية، بينما يرى آخرون أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر هي البداية، أما أنا شخصيًّا فأميل إلى الاعتقاد بأن الولايات المتحدة بلغت ذروتها بعد حرب الخليج الثانية، عندما أعلن بوش الأب ولادة النظام العالمي الجديد أحادي القطب، ومن المعلوم أنه بعد الوصول إلى قمة الجبل لا بد من الهبوط.
لم يكن انهيار الحضارة الرومانية حدثًا مفاجئًا، بل استغرق قرونًا من التدهور التدريجي قبل السقوط النهائي والانهيار، ومن أبرز أسباب انهيارها -والتي تجدها متشابهة مع ما يحدث في الولايات المتحدة اليوم- استخدام المرتزقة في الحروب، وتوجيه ميزانية الدولة للنزاعات العسكرية على حساب رفاهية المواطنين، والانقسامات الداخلية، وغيرها...
هل سمعت عن عملية الاحتيال المعروفة باسم «بونزي»؟ هذه العملية التي عُرفت في الأردن بالبورصات تعتمد على نظام بيع هرمي يجذب مستثمرين جددا لدفع الأرباح للمستثمرين القدامى، وتستمر في العمل طالما توافر المستثمرون الجدد والثقة في تلك المنظومة، ولكنها تنهار عندما يتوقف انضمام مستثمرين جدد أو عندما يطلب عدد كبير من المستثمرين استرداد رؤوس أموالهم.
يقارن بعض علماء الاقتصاد اقتصاد الولايات المتحدة بنظام «بونزي» بسبب المديونية المرتفعة والاستدانة المتكررة لتغطية الديون القائمة، بالإضافة إلى نظام الضمان الاجتماعي. وقد شهدنا في عام 2008 أزمة الرهن العقاري، وقبلها في بداية الألفية الجديدة، ما عُرف بأزمة «دوت كوم».
وما ينطبق على الاقتصاد الأمريكي ينطبق كذلك على الآلة العسكرية الأمريكية؛ فهي تحتاج إلى حروب جديدة للتغطية على الحروب الفاشلة التي خاضتها، فبعد عشرين عامًا من احتلالها لأفغانستان انسحبت منها أخيرًا منها بشكل مهين، والآن تُهزم في أشهر من قبل اليمن أفقر دولة في العالم، كما تفشل بعد ثمانية شهور في هزيمة حماس أو أن تضع حدًّا لإيران وحزب الله.
اطلعت على عدة تقارير تدعم وجهة النظر هذه؛ حيث كشف بحث استقصائي أجراه موقع «أوقات الجيش» عام 2018 أن حوادث الطائرات الحربية الأمريكية قد ارتفعت بنسبة 40% خلال السنوات من 2013 إلى 2017، فأصدر وزير الدفاع السابق جيمس ماتيوس أمرًا بتحسين الطائرات العسكرية، ولكن خرج تقرير يثبت فشل عملية التحسين، ويتحدث تقرير آخر عن أن عملية صيانة الطائرات الحربية تتطلب وقتًا طويلاً ومبالغ ضخمة.
في تسعينيات القرن الماضي قرأت كتابًا، ذكر فيه كاتبه أن الولايات المتحدة ستستمر في إدارة العالم بفضل تفوقها البحري، ولكن، مع مرور الوقت، يبدو أن هذه النظرية لم تعد صحيحة، فالصين -على سبيل المثال- أصبحت تمتلك أسطولًا بحريًّا ضخمًا، وكذلك فالطائرات المسيرة والصواريخ أصبحت تضعف من القوة البحرية، وقد شهدنا ذلك في اليمن، فالمدمرات الأمريكية فشلت في وقف هجمات الحوثيين، واضطرت المدمرة البريطانية والفرطاقتان الفرنسية والدنماركية إلى الهروب أمام هجمات الحوثيين.
واستمرارًا في إذلال الولايات المتحدة فهجمات الحوثيين بدأت أول الأمر باستهداف السفن الصهيونية، ومع تصاعد الهجوم البريطاني الأمريكي امتد استهدافهم ليشمل السفن الأمريكية والبريطانية، وأخيرًا مدمرة أيزنهاور الموجودة للدفاع عن السفن، وتشير التقارير بأن المدمرات الأمريكية تواجه نقصًا حادًّا في قطع الغيار، وفي ميزانية الصيانة، ويتم استبدال قطع الغيار بين المدمرات، فالمدمرات كالديناصورات من الصعب إغراقها ومن الصعب إصلاحها.
بعد انسحابها من أفغانستان، لم تعد الولايات المتحدة تخوض حروبًا على الأرض، بل تقاتل اليوم عبر وكلاء كما في أوكرانيا وفلسطين المحتلة. وحتى الآن، لم تتمكن حروبها من تحقيق الأهداف المنشودة، وتُظهر التقارير أن الرغبة في الانضمام للجيش الأمريكي قد تراجعت؛ إذ يرغب 9% فقط من الشباب الأمريكي في الالتحاق بالجيش، بينما يُعتبر 77% منهم غير مؤهلين للخدمة العسكرية؛ بسبب مشاكل نفسية وإدمانية وصحية وزيادة في الوزن، وتواجه الولايات المتحدة نقصًا حادًّا في مخزون الذخيرة نتيجة الحروب في غزة وأوكرانيا.
تشير هذه التقارير إلى شيء واحد، أن الولايات المتحدة تشيخ وتعاني من تراجع سريع في قوتها، وهو ما كشفه «طوفان الأقصى»، وفي الوقت نفسه، بدأت تظهر قوى منافسة جديدة تتمتع بالشباب والحيوية.
ولولا الطلب المتزايد على الدولار، وهيمنة الولايات المتحدة على سوق النفط، لكان من الممكن أن نشهد انهيارها بوضوح.
تركت لكم مصادر بحث هذه المقالة أسفلها.
https://www.militarytimes.com/news/your-military/2018/04/08/the-death-toll-for-rising-aviation-accidents-133-troops-killed-in-five-years/
https://www.gao.gov/assets/gao-21-101sp.pdf
https://www.gao.gov/assets/gao-22-105032.pdf
https://prod-
يدور جدل بين علماء السياسة والاجتماع حول إمكانية عودة الحضارات العظيمة التي سادت العالم في الماضي لتسود مرة أخرى، البعض يرفض هذه الفكرة، مستندًا إلى أن التاريخ لم يشهد عودة أي من الحضارات السابقة كالعرب المسلمين، والفراعنة، والمغول، والآشوريين... وهي حضارات سادت ثم زالت. في المقابل، يؤمن آخرون بإمكانية عودة الحضارات، أولئك يرون إن الحضارة الأنجلوسكسونية (الولايات المتحدة) إنما هي إحياء وإعادة انبعاث للحضارة الرومانية القديمة!
يتفق الجميع على أن الولايات المتحدة تشهد تراجعًا، لكنهم يختلفون حول تحديد بداية هذا التراجع؛ بعضهم يعتبر حرب فيتنام نقطة البداية، بينما يرى آخرون أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر هي البداية، أما أنا شخصيًّا فأميل إلى الاعتقاد بأن الولايات المتحدة بلغت ذروتها بعد حرب الخليج الثانية، عندما أعلن بوش الأب ولادة النظام العالمي الجديد أحادي القطب، ومن المعلوم أنه بعد الوصول إلى قمة الجبل لا بد من الهبوط.
لم يكن انهيار الحضارة الرومانية حدثًا مفاجئًا، بل استغرق قرونًا من التدهور التدريجي قبل السقوط النهائي والانهيار، ومن أبرز أسباب انهيارها -والتي تجدها متشابهة مع ما يحدث في الولايات المتحدة اليوم- استخدام المرتزقة في الحروب، وتوجيه ميزانية الدولة للنزاعات العسكرية على حساب رفاهية المواطنين، والانقسامات الداخلية، وغيرها...
هل سمعت عن عملية الاحتيال المعروفة باسم «بونزي»؟ هذه العملية التي عُرفت في الأردن بالبورصات تعتمد على نظام بيع هرمي يجذب مستثمرين جددا لدفع الأرباح للمستثمرين القدامى، وتستمر في العمل طالما توافر المستثمرون الجدد والثقة في تلك المنظومة، ولكنها تنهار عندما يتوقف انضمام مستثمرين جدد أو عندما يطلب عدد كبير من المستثمرين استرداد رؤوس أموالهم.
يقارن بعض علماء الاقتصاد اقتصاد الولايات المتحدة بنظام «بونزي» بسبب المديونية المرتفعة والاستدانة المتكررة لتغطية الديون القائمة، بالإضافة إلى نظام الضمان الاجتماعي. وقد شهدنا في عام 2008 أزمة الرهن العقاري، وقبلها في بداية الألفية الجديدة، ما عُرف بأزمة «دوت كوم».
وما ينطبق على الاقتصاد الأمريكي ينطبق كذلك على الآلة العسكرية الأمريكية؛ فهي تحتاج إلى حروب جديدة للتغطية على الحروب الفاشلة التي خاضتها، فبعد عشرين عامًا من احتلالها لأفغانستان انسحبت منها أخيرًا منها بشكل مهين، والآن تُهزم في أشهر من قبل اليمن أفقر دولة في العالم، كما تفشل بعد ثمانية شهور في هزيمة حماس أو أن تضع حدًّا لإيران وحزب الله.
اطلعت على عدة تقارير تدعم وجهة النظر هذه؛ حيث كشف بحث استقصائي أجراه موقع «أوقات الجيش» عام 2018 أن حوادث الطائرات الحربية الأمريكية قد ارتفعت بنسبة 40% خلال السنوات من 2013 إلى 2017، فأصدر وزير الدفاع السابق جيمس ماتيوس أمرًا بتحسين الطائرات العسكرية، ولكن خرج تقرير يثبت فشل عملية التحسين، ويتحدث تقرير آخر عن أن عملية صيانة الطائرات الحربية تتطلب وقتًا طويلاً ومبالغ ضخمة.
في تسعينيات القرن الماضي قرأت كتابًا، ذكر فيه كاتبه أن الولايات المتحدة ستستمر في إدارة العالم بفضل تفوقها البحري، ولكن، مع مرور الوقت، يبدو أن هذه النظرية لم تعد صحيحة، فالصين -على سبيل المثال- أصبحت تمتلك أسطولًا بحريًّا ضخمًا، وكذلك فالطائرات المسيرة والصواريخ أصبحت تضعف من القوة البحرية، وقد شهدنا ذلك في اليمن، فالمدمرات الأمريكية فشلت في وقف هجمات الحوثيين، واضطرت المدمرة البريطانية والفرطاقتان الفرنسية والدنماركية إلى الهروب أمام هجمات الحوثيين.
واستمرارًا في إذلال الولايات المتحدة فهجمات الحوثيين بدأت أول الأمر باستهداف السفن الصهيونية، ومع تصاعد الهجوم البريطاني الأمريكي امتد استهدافهم ليشمل السفن الأمريكية والبريطانية، وأخيرًا مدمرة أيزنهاور الموجودة للدفاع عن السفن، وتشير التقارير بأن المدمرات الأمريكية تواجه نقصًا حادًّا في قطع الغيار، وفي ميزانية الصيانة، ويتم استبدال قطع الغيار بين المدمرات، فالمدمرات كالديناصورات من الصعب إغراقها ومن الصعب إصلاحها.
بعد انسحابها من أفغانستان، لم تعد الولايات المتحدة تخوض حروبًا على الأرض، بل تقاتل اليوم عبر وكلاء كما في أوكرانيا وفلسطين المحتلة. وحتى الآن، لم تتمكن حروبها من تحقيق الأهداف المنشودة، وتُظهر التقارير أن الرغبة في الانضمام للجيش الأمريكي قد تراجعت؛ إذ يرغب 9% فقط من الشباب الأمريكي في الالتحاق بالجيش، بينما يُعتبر 77% منهم غير مؤهلين للخدمة العسكرية؛ بسبب مشاكل نفسية وإدمانية وصحية وزيادة في الوزن، وتواجه الولايات المتحدة نقصًا حادًّا في مخزون الذخيرة نتيجة الحروب في غزة وأوكرانيا.
تشير هذه التقارير إلى شيء واحد، أن الولايات المتحدة تشيخ وتعاني من تراجع سريع في قوتها، وهو ما كشفه «طوفان الأقصى»، وفي الوقت نفسه، بدأت تظهر قوى منافسة جديدة تتمتع بالشباب والحيوية.
ولولا الطلب المتزايد على الدولار، وهيمنة الولايات المتحدة على سوق النفط، لكان من الممكن أن نشهد انهيارها بوضوح.
تركت لكم مصادر بحث هذه المقالة أسفلها.
https://www.militarytimes.com/news/your-military/2018/04/08/the-death-toll-for-rising-aviation-accidents-133-troops-killed-in-five-years/
https://www.gao.gov/assets/gao-21-101sp.pdf
https://www.gao.gov/assets/gao-22-105032.pdf
https://prod-
نيسان ـ نشر في 2024-06-09 الساعة 04:05
رأي: اسماعيل الشريف