اتصل بنا
 

الأحزاب البرامجية.. خطوة خطوتان ثم ثلاث إلى الوراء

نيسان ـ نشر في 2024-07-01 الساعة 07:28

x
نيسان ـ كتب محلل الشؤون البرلمانية:-
العنوان يا سادة ليس ساخرًا تمامًا، فهو يُعبِر واقعيا عما يجري في الأحزاب المدعّمة بالوصف الرسمي المحبب: برامجية، باستثناء حزب الميثاق الذي يروج النشطاء فيه إلى أنه حزب الدولة، والأكثر ثقلًا، وهو الحزب الذي سيبلع كل الأحزاب، التي تشكلت على منواله، لكنه أمر مؤجل إلى ما بعد الانتخابات، ونرى أن بقية الأحزاب، من الطراز نفسه، بدأت مسيرتها الحماسية بالتقهقر، وهذا ليس خارج عملية هندسية جبارة تمهد لعملية الدمج الكبير.
خلال اليومين الماضيين، كانت الأخبار مزعجة، وأهمها إعلان النائب عبد الكريم الدغمي انسحابه من المارثون الانتخابي، ونفي أمين عام حزب إرادة تأثير انسحابه على الحزب وقائمته الانتخابية، ثم إنكاره ما تناقلته وسائط إعلامية وتواصلية اجتماعية من أخبار حول أسماء مترشحين عن الحزب، وتبعه في النفي العديد من الأحزاب بما فيها تصريح الدكتور مصطفى العماوي، أمين عام الحزب الوطني الإسلامي لما يتردد، في الوسائط ذاتها، عن أسماء أعضاء حزبه المترشحين، وهكذا دواليك في دواليك.
ما الذي يجري حقا؟! هو سؤال مكتوم يبلعه الأردني ولا يتعب نفسه بطرحه، فلقد خبر قصص التحديث والابتكار والتفقيس السياسي في بلاده، فغالبا ما تبدأ الحكومات بالترويج لأفكار كبيرة ثم ما تلبث أن تبدأ بقضمها حتى تحيلها إلى عصف مأكول، الديمقراطية تُقزّم، والأحزاب تُهنّدس حتى تصبح دكاكين لبيع الغثاء، والحكومات البرلمانية مؤجلة، واستقلالية السلطات محكومة بمصالح الطبقات المتسيدة، وتطوير التعليم يُرجع الطلاب إلى ظلام الأمية، والتحديث الإداري يُعمق البيرقراطية، وكل الشعارات البراقة تفقد وهجها، نتيجة عمليات التقييف، وهي في أوج جدتها.
هذه العملية الجبّارة لم تعمق حالة عدم الثقة بالمؤسسات فقط، بل إنها شوهت الوعي السياسي وزيفته، وأفسحت المجال للسماسرة لتوجيه أصوات الناس بحيث تصب ضد مصالحهم، وفي خدمة المشروع السياسي الذي يهدف إلى بقاء السيطرة للطبقات الطفيلية في موقعها، وقد ظلت خلال العقود الماضية تتحكم بإدارة البلاد حتى أوصلتها إلى حافة الهاوية، وأثقلتها بمديونية باتت خدمتها تلتهم أكثر من ربع الإيرادات الضريبية، والأخطر من ذلك؛ أن رموزًا كبار، يظهرون كل يوم في ولائم التزلف ويقدمون مرافعات فارغة من المحتوى السياسي، تارة ترى الحل في الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتارة أخرى ترى أن المشكلة هي في ارتفاع سعر الفائدة فقط، ولا أكثر من ذلك، نعم، فليس في جعبتها شيء.
وللتوضيح أكثر؛ فإن دولة سمير الرفاعي، هو الشخصية الوحيدة التي تتقدم بجرأة للتنظير، لكنه تنظير قاصرعلى محاولة بقاء تسيد قوى الوضع القائم لكن بشكل جديد، ولا حديث له إلّا عن التحديث السياسي والإداري والاقتصادي كمكارم، وكل ذلك بدل أن يقدم حوارًا ومراجعة لإرساء قواعد وشروط جديدة لإعادة النظر بعملية إعادة توزيع الثروة والتنمية بشكل عادل بين فئات المجتمع وطبقاته المختلفة.
إن الخلاصة العملية الوحيدة، لكل هذا الذي يجري من تحديثات للمنظومات السياسية والاقتصادية والإدارية، أنها جميعًا مجرد لعبة لشراء الوقت، أو حالة من حالات الهروب إلى الأمام، فلم ينتج التحديث السياسي إلّا مزيدا من قوانين خنق الحريات، وما حدّث التطوير الاداري إلا آليات جديدة للانقضاض على الحقوق المكتسبة للعاملين في قطاعات الدولة، أما الاقتصادي فكل ما جرى في إطار بقاء وترسيخ هيمنة الطبقات المستغلة نفسها.
فأين الأحزاب البرامجية وحتى الجذرية من هذه العملية الصراعية الكبرى!؟ أم أنها مجرد ديكور جديد، أو مؤثرات صوتية في مسرحية التحديث، وليست أحزابًا تسعى فعلا لتداول السلطة والإدارة، هذا أمر يجب أن يبدو واضحا منذ البداية، لأنه لا يأتي بالتدرج، فالحزب الفصيح من البيضة يصيح.

نيسان ـ نشر في 2024-07-01 الساعة 07:28

الكلمات الأكثر بحثاً