اتصل بنا
 

مناصب هاربة

نيسان ـ نشر في 2024-07-01 الساعة 13:06

نيسان ـ تنهد صديقي والتفت إليّ ثم أشاح بوجهه مغلقاً عينيه قليلاً ينظر إلى البعيد كأنه يريد أن يكشف المستقبل... ثم قال وهو يديم النظر .. لم يأتِ لنا الغرب إلا بكل سوء، وأكبر سوء جاء به، هذا الذي يسمونه الديموقراطية!!!
- قلت: كأنك تريد استمرار الملك العضوض في بلادنا؟!!

- نعم هذا ما أتمناه، حاكم فرد يحكم بما يراه بلا قانون، ويحرم العامة من المناصب، حتى ينقطع أملهم من أي منصب، وتطمئن نفوسهم ويعودوا إلى سابق عهدهم في اللطف والبراءة.
- إلى هذه الدرجة تحقد على "تداول السلطة" مع أنك من مطاردي المناصب، وتداول السلطة قد يمكنك من منصب يوما ما.
- دعك مني الآن.. ما أقصده هو عملية الظهور والاختفاء التي صنعها هذا النظام الخبيث..، تصور "العجوز بايدن" استمر في الرئاسة أربع سنوات وهو الآن يقاتل ليفوز بولاية ثانية!!، أربع سنوات وهو الرجل الأول في أقوى دولة، كيف له أن يعود مغموراً لا يدري به أحد ويفقد كل أشكال العظمة والقوة، أي إهانة يتلقاها الشخص من هذا النظام المارق!!.
- وهذا يا صديقي أفضل شيء في هذا النظام، حتى لا يتجبر الشخص وتغريه السلطة ويظلم ويُفسد ويستولي على أموال الناس بالباطل، ويستأثر بمقدرات الدولة، وينحرف أخلاقياً وفكرياً، حتى يفقد إنسانيته ويكون وبالاً على البلاد والعباد.
- انت تصر أن تدخل في الفكر، لكني أناقش ما يحصل على الساحة من تطبيقات هذا النظام "المايع" الذي جعل كل المستويات تتطلع لمنصب ما حتى لو مراقب عمال، وإذا حصل عليه لا يكاد يزهو بالمنصب حتى يطاح به، وهذا أثره خطير، فالتخلي عن المنصب عنوة يسبب أذى نفسياً عميقاً، لا يتعافى منه الشخص مدى حياته!!.
- وضح أكثر، كيف يكون مائعاً وهو يعتمد على إرادة الناس، أما الأثر النفسي يبقى شأن الشخص، كان عليه أن لا يتعلق بالمنصب..
- إرادة الناس هذه هي التي تخلق الميوعة!! فالناس لا يمارسون حقهم في الانتخاب سواء بانتخاب الحكام أو البرلمان أو البلديات والمجالس المحلية، وعملية الانتخاب لا تتم بالشكل الصحيح، بل هناك طرق تزيف إرادتهم، فترى أحدهم يتقدم عليك لأنه دفع للناس، أو دعمته السلطة التي تتحكم بالانتخابات، وتظل أنت تنتظر.. تطارد المنصب حتى الموت.. وإذا حالفك الحظ مرة وذقت عُسيلة المنصب وانتهت مدتك وأردت التجديد، تصطدم بألف من طلاب المناصب يزاحمونك حتى يحرموك من تلك اللذة التي أدمنتها ولا تستطيع ممارستها، ولا يبقى منها إلا "الزي الرسمي" ومطاردة المناسبات في الصيف، حتى إذا أتى الشتاء تذوي في البيات الشتوي الممل، وبعد خروجك من المنصب تصاب بالبيات الأبدي المقيت، ويُقرّعك عدم الاهتمام من الناس بعد خروجك من المنصب، حتى لتكاد تقف عند مدخل كل ديوان ومناسبة تشارك بها لترمم ما انهدم في نفسك، وتصرخ بأعلى صوتك: أنااااااا هنااااا.. ويرجع الصدى كأنه قهقهة هستيرية تملأ المكان...
-اسمع يا صديقي بالرغم من كل ما قلت، ساعترف لك أنني مهما أمعن المنصب بالهروب مني سأبقى أطارده، وإن صدتني الحكومة ووقفت بيني وبينه، فهناك المجتمع المدني ومؤسساته، سيجبر كسري بشبه منصب، وإن تجاهلنا الإعلام الرسمي ف"السوشال ميديا" لا ترد أحداً، وستلقي الضوء علينا...
- قلت له والله يا صديقي ما عندي ما أقوله لك ‏إلا ما قاله "نزار" رحمة الله عليه:
..و سترجع يومًا يا ولدي
مهزومًا مكسورَ الوجدان
وستعرف بعد رحيل العمر
بأنك كنت تطاردخيطدخان...!!

نيسان ـ نشر في 2024-07-01 الساعة 13:06


رأي: صابر العبادي

الكلمات الأكثر بحثاً