اتصل بنا
 

بوادر أزمة دبلوماسية جديدة بين الجزائر وفرنسا بسبب الصحراء الغربية

نيسان ـ نشر في 2024-07-26 الساعة 17:36

x
نيسان ـ ينتظر أن تعرف العلاقات الجزائرية الفرنسية توترات مستقبلية، على خلفية اعتزام باريس الاعتراف بخطة الحكم الذاتي في الصحراء الغربية تحت السيادة المغربية، وهو ما تعتبره الجزائر تجاوزا للقانون الدولي في هذه القضية المصنفة في الأمم المتحدة على أنها “قضية تصفية استعمار”.
وقد أعربت الجزائر، في بيان لخارجيتها الخميس، عن أسفها الكبير واستنكارها الشديد لقرار الحكومة الفرنسية الاعتراف بخطة الحكم الذاتي لإقليم الصحراء الغربية في إطار السيادة المغربية، مؤكدة أنها ستستخلص كافة النتائج والعواقب التي تنجر عن هذا القرار، وتحمل الحكومة الفرنسية وحدها المسؤولية الكاملة والتامة عن ذلك، حسب ما أفاد به بيان لوزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج.
وورد في البيان الذي تضمن المعلومة التي لم تتداولها بعد وسائل الإعلام أن “الحكومة الجزائرية أخذت علما، بأسف كبير واستنكار شديد، بالقرار غير المنتظر وغير الموفق وغير المجدي الذي اتخذته الحكومة الفرنسية بتقديم دعم صريح لا يشوبه أي لبس لمخطط الحكم الذاتي لإقليم الصحراء الغربية في إطار السيادة المغربية المزعومة”، مشيرا إلى أن “السلطات الجزائرية تم إبلاغها بفحوى هذا القرار من قبل نظيرتها الفرنسية في الأيام الأخيرة”.
وهاجمت الخارجية الجزائرية بشدة القرار، قائلة “على ما يبدو، فإن القوى الاستعمارية، القديمة منها والحديثة، تعرف كيف تتماهى مع بعضها البعض وكيف تتفاهم مع بعضها البعض وكيف تمد يد العون لبعضها البعض”. ومن الواضح -حسب ذات المصدر- بأن “القرار الفرنسي هو نتيجة حسابات سياسية مشبوهة وافتراضات غير أخلاقية وقراءات قانونية لا تستند إلى أي مرتكزات سليمة تدعمها أو تبررها”، وأنه “لا يساعد على توفير الظروف الكفيلة بتسوية سلمية لقضية الصحراء الغربية، بل أكثر من ذلك فإنه يساهم بصفة مباشرة في تفاقم حالة الانسداد والجمود التي تسببت في خلقها على وجه التحديد خطة الحكم الذاتي المغربية لأكثر من سبعة عشر عاما”.
ووفق الخارجية الجزائرية، فإنه “على الرغم من أن المجموعة الدولية على قناعة منذ أمد طويل بأن قضية الصحراء الغربية تمثل دون أدنى شك جزءا لا يتجزأ من مسار تصفية الاستعمار الذي ينبغي استكماله على أمثل وجه، فإن ذات القرار الفرنسي يسعى إلى تحريف وتزييف وتشويه الحقائق من خلال تأييد واقع استعماري وتقديم دعم غير مبرر لسيادة المغرب المزعومة والوهمية على إقليم الصحراء الغربية”.
وما يزيد من عدم مقبولية هذا القرار، وفق الدبلوماسية الجزائرية أنه “يصدر من دولة دائمة العضوية بمجلس الأمن يفترض بها أن تتصرف وفقا لقرارات هذه الهيئة بشكل خاص ووفقا للشرعية الدولية بشكل عام”. وأضاف البيان انه “في الوقت الذي تحشد فيه الأمم المتحدة مساعيها الحميدة لإعطاء زخم جديد لمسار البحث عن تسوية سياسية للنزاع في الصحراء الغربية، فإن القرار الفرنسي يناقض هذه الجهود ويعرقل تنفيذها ويتعارض مع المصلحة العليا للسلم والأمن والاستقرار في المنطقة”.
وختم بأن الحكومة الجزائرية تلاحظ أن “القرار الفرنسي لا يخدم بأي حال من الأحوال أهداف السلم في الصحراء الغربية ويتسبب في إطالة أمد جمود العملية السياسية لحل هذه القضية، ويسهم في تكريس الأمر الواقع الاستعماري في هذا الإقليم”. وبناء على ذلك – يضيف- “ستستخلص الحكومة الجزائرية كافة النتائج والعواقب التي تنجر عن هذا القرار الفرنسي وتحمل الحكومة الفرنسية وحدها المسؤولية الكاملة والتامة عن ذلك”.
وفي ردود الفعل التي تلت موقف الخارجية، قال حزب جبهة التحرير الوطني صاحب الأغلبية البرلمانية، إنه يعتبر هذا القرار “استفزازا جديدا يؤكد مرة اخرى أن المستعمر القديم والمحتل الحالي للأراضي الصحراوية قد أقاما تحالفا خطيرا لا يجب السكوت عنه، خاصة وان فرنسا تدرك جيدا أن قضية الصحراء الغربية هي قضية استعمار وأن الجزائر تعتبرها مرتبطة بالأمن القومي”.
وذكر الحزب المساند للرئيس عبد المجيد تبون، أن “القرار المعبر عنه من لدن الدولة الفرنسية يتناقض مع الشرعية الدولية، كما أن الشعب الصحراوي لا ينتمي إلى المغرب حتى يعطى له حكم ذاتي، علما أن هذا الاقتراح ولد ميتا، على اعتبار أن كل المنظمات الإقليمية والقارية ومنظمة الأمم المتحدة لا يعترفون بأي سيادة للمغرب على الصحراء الغربية، وبالتالي فإن الموقف الفرنسي يندرج في إطار عرقلة فرنسا لمسار وجهود المجتمع الدولي في تطبيق الشرعية الدولية”.
وذكر الحزب أنه “يؤمن بصفة قطعية بأنه لا أمل لقوى الاستعمار القديم والحديث في أي توبة محتملة عن جرائمهم المرتكبة في القرون الماضية وهي اليوم متواصلة في الصحراء الغربية وفي فلسطين، في تجاهل تام لدروس التاريخ التي تقول بأن مصير الاستعمار هو الهزيمة وأن النصر حليف الشعوب المكافحة من أجل الحرية والاستقلال”.
من جانبه، ندد التجمع الوطني الديمقراطي وهو ثاني أحزاب الموالاة بما وصفه “القرار المشبوه والمتواطئ، الذي يخالف قرارات الأمم المتحدة”، باعتبار أن “القضية الصحراوية مدرجة ضمن لجنتها الرابعة، كقضية تصفية استعمار، وأن هذا القرار يؤكد حنين الحكومة الفرنسية إلى ماضيها الاستعماري القديم”.
وسبق للجزائر أن أبلغت مجلس الأمن الدولي بأسباب رفضها لخطة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب لتسوية النزاع في الصحراء الغربية، وجددت تمسكها بمبدأ حق تقرير المصير.
وفي تموز/جويلية 2022، نشر مجلس الأمن الدولي رسالة المبعوث الجزائري الدائم لدى الأمم المتحدة نذير العرباوي (الوزير الأول حاليا)، كوثيقة رسمية، تشرح الحقائق التاريخية والعناصر الأساسية لقضية الصحراء الغربية وأسباب رفض مقترح الحكم الذاتي، وفق ما أفادت وكالة الأنباء الجزائرية.
وأبرزت الرسالة أن مضمون وأسس وأهداف ما يسمى بـ”الحكم الذاتي”، تشكل سابقة خطيرة تهدد أساس الشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة”. واعتبرت أن “منح أي مصداقية للقوة القائمة بالاحتلال ولما يسمى مقترح الحكم الذاتي سيعني، وللمرة الأولى منذ إنشاء الأمم المتحدة، إضفاء الشرعية من قبل المجتمع الدولي على احتلال وضم إقليم والسيطرة على شعبه بالقوة”.
وذكرت أن فكرة إعطاء هذا المقترح أي اعتبار “قد ترقى إلى محاولة مسايرة خطة رجعية تتعارض مع عقيدة تصفية الاستعمار الراسخة والمعروفة لدى الأمم المتحدة”. وأشارت في ذات السياق إلى أنه “من المفارقات العجيبة أن هذه الأشكال الاستعمارية البالية التي عفا عليها الزمن، قد أتاحت فرصًا للشعوب المستعمرة، تفوق بكثير ما تدعي تقديمه المسماة خطة الحكم الذاتي، بمعنى أن هذه الأشكال القديمة قد أدت، بطريقة ما في نهاية المطاف إلى تقرير مصير الشعوب، بما في ذلك في حالة المغرب نفسه، الذي وضع تحت الحماية الفرنسية حتى عام 1956”.
بالمقابل، دافعت الرسالة عن مبدأ تقرير المصير، مبرزة أن “قضية الصحراء الغربية تم إدراجها عام 1963 كإقليم ضمن قائمة الأقاليم المطلوب إنهاء الاستعمار فيها بموجب ميثاق الأمم المتحدة، فضلا عن أن جميع القرارات التي اعتمدتها الجمعية العامة الأممية تحمل قاسما مشتركا، حسبه، وهو الاعتراف بالحق غير القابل للتصرف لشعب الصحراء الغربية في تقرير المصير”. وأضافت أن “المغرب قوة محتلة في الصحراء الغربية وهو ما أكدته الجمعية العامة الأممية منذ عام 1975 حينما أعربت عن قلقها إزاء تفاقم الوضع الناجم عن استمرار احتلال المغرب للصحراء الغربية”.
ورغم أن الاعتراف الفرنسي بخطة الحكم الذاتي، يمكن أن ينجر عنه تدهور في العلاقات، خاصة أن الجزائر تتحمل منذ عقود تبعات الصراع في الصحراء الغربية باستقبالها للاجئين، إلا أنه يستبعد أن يكون الخلاف بنفس قوة ما حدث مع إسبانيا (المحتل السابق للصحراء الغربية) عقب اتخاذها نفس الخطوة، وهو ما كان قد تسبب في إعلان الجزائر سحب سفيرها من مدريد، ثم قرارها التعليق الفوري لمعاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون المبرمة مع المملكة الإسبانية سنة 2002.
وكان الموقف الإسباني مفاجئا على اعتبار أن مدريد هي القوة الاستعمارية السابقة في الصحراء الغربية ولا تزال القوة المديرة للإقليم وفق السلطات الجزائرية. وذكرت الرئاسة الجزائرية في مبرراتها في ذلك الوقت (آذار/مارس 2022) أن ما فعلته إسبانيا “يعد انتهاكا لالتزاماتها القانونية والأخلاقية والسياسية للسلطة المسؤولة عن الإقليم والتي تقع على كاهل مملكة إسبانيا حتى يتم إعلان إنهاء الاستعمار في الصحراء الغربية من قبل الأمم المتحدة”.
وتنتظر الجزائر وفرنسا التي تتقلب علاقتهما بين الهدوء والتوتر، استحقاقا مهما يتمثل في زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى باريس نهاية شهر أيلول/سبتمبر المقبل في حال إعادة انتخابه وهو المرجح. وسيكون تأكيد هذه الزيارة من عدمه في الأسابيع المقبلة مؤشرا مهما على مدى تضرر العلاقات، علما أن الزيارة تأجلت لثلاث مرات منذ إعلانها بداية 2022 بسبب توترات طارئة على العلاقات.القدس العربي

نيسان ـ نشر في 2024-07-26 الساعة 17:36

الكلمات الأكثر بحثاً