جولة أخرى من المفاوضات
نيسان ـ نشر في 2024-08-22 الساعة 10:19
نيسان ـ تعتقد «إسرائيل» أنها تستطيع إخضاعنا بجرائمها، لكننا لم نعد نرغب في شيء سوى الانتقام. نريد الثأر لأولئك الذين قتلتهم «إسرائيل» وتركت جثثهم تنهشها الكلاب أمام أعيننا، بينما كنا عاجزين عن إنقاذهم. لقد أطلقوا النار على أي شخص بمجرد رؤيته. هذا جيش إجرامي يجب علينا مواجهته، وعلى كل فرد في أرضنا أن يقاتله حتى نقضي عليه. - يوسف، مواطن من غزة.
في بداية مفاوضات وقف إطلاق النار، كنت متفائلًا لسبب وحيد: إنها مصلحة أمريكية بحتة. ولكن مع مرور الوقت بين جولة الدوحة والجولة القادمة في القاهرة، تزايد تشاؤمي؛ فهناك قضايا جوهرية ما تزال عالقة. وحتى إذا تم تجاوز هذه القضايا، تظل هناك قنابل موقوتة قد تفشل أي اتفاقية لوقف إطلاق النار في المستقبل إذا ما تحققت.
كان واضحًا أن المفاوضات لم تكن بين حماس والكيان الصهيوني عبر الوسطاء، بل كانت بين الكيان والولايات المتحدة. فقد أعلنت حماس موافقتها على خطة بايدن المعلنة في حزيران والمدعومة من مجلس الأمن قبل بدء الجولة الأولى من المفاوضات، والتي تضمنت انسحاب الصهاينة من غزة على مرحلتين، وتبادل الأسرى على ثلاث مراحل، وإعادة إعمار غزة في المرحلة الثالثة، وإدخال المساعدات الإنسانية في المرحلة الأولى.
لكن هناك إشكالية قد يكون من الصعب تجاوزها، وهي ما الذي سيحدث في اليوم التالي للحرب؟ يسعى الصهاينة للسيطرة على محور فيلادلفيا ونتساريم، الذي يفصل شمال غزة عن جنوبها. أما معبر رفح، فستتولى السلطة الفلسطينية إدارته تحت إشراف صهيوني، مما يعني وجود ثلاثة معابر بثلاث بوابات، إحداها داخل القطاع. هذا الأمر ترفضه حماس تمامًا وتعتبره انقلابًا على خطة بايدن المعلنة.
ولذلك، زار بلينكن نتنياهو واجتمع معه لمدة ثلاث ساعات، وبعدها خرج مصرحًا بأن نتنياهو وافق على الاقتراح الأمريكي. ولكن سرعان ما خرج نتنياهو ليعلن أنه لن يكون هناك انسحاب من المعابر، مما أدى إلى إفشال خطة بايدن تمامًا. ولتجنب الحرج أمام الرأي العام، اتهمت إدارة بايدن حماس بأنها رفضت المقترح الأمريكي، وهو ما نفته حماس فورًا، حيث كانت الخطوط العريضة للخطة واضحة قبل بدء المفاوضات ولكن الولايات المتحدة انقلبت عليه.
إلى جانب قضية المعابر، يبرز موضوع خلافي آخر يتعلق بإدارة القطاع بعد الحرب. فحماس توافق على تشكيل حكومة وحدة وطنية لا تضم أعضاءً منها، لكن الكيان يرفض هذا المقترح، إذ يعتبر أي حكومة وحدة وطنية إعلانًا للحرب. فقد كانت حرب 2014 نتيجة لتوصل السلطة الفلسطينية وحماس إلى اتفاق لتشكيل حكومة وحدة وطنية. ويرفض نتنياهو دخول السلطة الفلسطينية إلى القطاع، مقدمًا حلاً غامضًا يتمثل في حكم محلي تحت إشراف صهيوني، يتألف من رجال الأعمال وشيوخ العشائر، على غرار ما فعلته الولايات المتحدة في العراق، وكان من أسباب دخول البلاد في دوامة العنف. من جانبها، رفضت الدول العربية المشاركة في إدارة القطاع إلا إذا قدمت الولايات المتحدة تعهدًا بإقامة دولة فلسطينية مستقبلية، وهو ما ترفضه حكومة نتنياهو والكنيست، الذي أصدر قانونًا يرفض إقامة دولة فلسطينية.
يبدو أن نتنياهو ينجح مرة أخرى في إفشال المفاوضات، رغم أن قياداته العسكرية تصرح بأن الوقت قد حان لعقد صفقة، وأن القضاء على حماس ليس ممكنًا، بل يمكن التعايش معها مؤقتًا بعد الحرب.
وإذا نجحت الولايات المتحدة في التوصل إلى وقف لإطلاق النار، فإن مشكلات مستقبلية ستبرز، تتعلق بإعادة بناء قدرة حماس العسكرية، وإعمار غزة، وحالة الصدمة التي يعيشها الشعب الفلسطيني. بالإضافة إلى ذلك، قد تظهر فصائل مسلحة جديدة قادرة على تجنيد المقاتلين بسهولة، نتيجة البربرية والجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال.
لذلك، أعتقد أن الطرفين قد عزما على استمرار القتال. حماس تسعى للقيام بعمليات استشهادية في عمق فلسطين المحتلة لإرباك الكيان والضغط على نتنياهو، والدخول في حرب استنزاف طويلة مع جيش الاحتلال، مع زيادة وتيرة المقاومة في الضفة الغربية. أما نتنياهو، فقد بدأ برفع وتيرة مجازره واستهداف المدنيين للضغط على حماس لقبول صيغته، وهو أمر مستحيل بعد العدد الكبير من الشهداء الذين قدمهم أهالي غزة.
وإذا ما فشلت المفاوضات، سنشهد تحركًا أكبر من تركيا وضغطًا عربيًا، حيث أصبح واضحًا للجميع أن انهيار حماس سيؤدي إلى عمليات تهجير واسعة، وستزداد وتيرة المقاومة في الضفة الغربية وقد تنفجر، وأكيدًا ستنشب حرب مفتوحة بين حزب الله والكيان مما قد يجر المنطقة إلى حرب مدمرة.
فهل ستنجح سياسة «حافة الهاوية» التي تمارسها الولايات المتحدة، أم أنها تحاول كسب أكبر وقت ممكن قبل الإعلان رسميًا عن فشل المفاوضات؟
في بداية مفاوضات وقف إطلاق النار، كنت متفائلًا لسبب وحيد: إنها مصلحة أمريكية بحتة. ولكن مع مرور الوقت بين جولة الدوحة والجولة القادمة في القاهرة، تزايد تشاؤمي؛ فهناك قضايا جوهرية ما تزال عالقة. وحتى إذا تم تجاوز هذه القضايا، تظل هناك قنابل موقوتة قد تفشل أي اتفاقية لوقف إطلاق النار في المستقبل إذا ما تحققت.
كان واضحًا أن المفاوضات لم تكن بين حماس والكيان الصهيوني عبر الوسطاء، بل كانت بين الكيان والولايات المتحدة. فقد أعلنت حماس موافقتها على خطة بايدن المعلنة في حزيران والمدعومة من مجلس الأمن قبل بدء الجولة الأولى من المفاوضات، والتي تضمنت انسحاب الصهاينة من غزة على مرحلتين، وتبادل الأسرى على ثلاث مراحل، وإعادة إعمار غزة في المرحلة الثالثة، وإدخال المساعدات الإنسانية في المرحلة الأولى.
لكن هناك إشكالية قد يكون من الصعب تجاوزها، وهي ما الذي سيحدث في اليوم التالي للحرب؟ يسعى الصهاينة للسيطرة على محور فيلادلفيا ونتساريم، الذي يفصل شمال غزة عن جنوبها. أما معبر رفح، فستتولى السلطة الفلسطينية إدارته تحت إشراف صهيوني، مما يعني وجود ثلاثة معابر بثلاث بوابات، إحداها داخل القطاع. هذا الأمر ترفضه حماس تمامًا وتعتبره انقلابًا على خطة بايدن المعلنة.
ولذلك، زار بلينكن نتنياهو واجتمع معه لمدة ثلاث ساعات، وبعدها خرج مصرحًا بأن نتنياهو وافق على الاقتراح الأمريكي. ولكن سرعان ما خرج نتنياهو ليعلن أنه لن يكون هناك انسحاب من المعابر، مما أدى إلى إفشال خطة بايدن تمامًا. ولتجنب الحرج أمام الرأي العام، اتهمت إدارة بايدن حماس بأنها رفضت المقترح الأمريكي، وهو ما نفته حماس فورًا، حيث كانت الخطوط العريضة للخطة واضحة قبل بدء المفاوضات ولكن الولايات المتحدة انقلبت عليه.
إلى جانب قضية المعابر، يبرز موضوع خلافي آخر يتعلق بإدارة القطاع بعد الحرب. فحماس توافق على تشكيل حكومة وحدة وطنية لا تضم أعضاءً منها، لكن الكيان يرفض هذا المقترح، إذ يعتبر أي حكومة وحدة وطنية إعلانًا للحرب. فقد كانت حرب 2014 نتيجة لتوصل السلطة الفلسطينية وحماس إلى اتفاق لتشكيل حكومة وحدة وطنية. ويرفض نتنياهو دخول السلطة الفلسطينية إلى القطاع، مقدمًا حلاً غامضًا يتمثل في حكم محلي تحت إشراف صهيوني، يتألف من رجال الأعمال وشيوخ العشائر، على غرار ما فعلته الولايات المتحدة في العراق، وكان من أسباب دخول البلاد في دوامة العنف. من جانبها، رفضت الدول العربية المشاركة في إدارة القطاع إلا إذا قدمت الولايات المتحدة تعهدًا بإقامة دولة فلسطينية مستقبلية، وهو ما ترفضه حكومة نتنياهو والكنيست، الذي أصدر قانونًا يرفض إقامة دولة فلسطينية.
يبدو أن نتنياهو ينجح مرة أخرى في إفشال المفاوضات، رغم أن قياداته العسكرية تصرح بأن الوقت قد حان لعقد صفقة، وأن القضاء على حماس ليس ممكنًا، بل يمكن التعايش معها مؤقتًا بعد الحرب.
وإذا نجحت الولايات المتحدة في التوصل إلى وقف لإطلاق النار، فإن مشكلات مستقبلية ستبرز، تتعلق بإعادة بناء قدرة حماس العسكرية، وإعمار غزة، وحالة الصدمة التي يعيشها الشعب الفلسطيني. بالإضافة إلى ذلك، قد تظهر فصائل مسلحة جديدة قادرة على تجنيد المقاتلين بسهولة، نتيجة البربرية والجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال.
لذلك، أعتقد أن الطرفين قد عزما على استمرار القتال. حماس تسعى للقيام بعمليات استشهادية في عمق فلسطين المحتلة لإرباك الكيان والضغط على نتنياهو، والدخول في حرب استنزاف طويلة مع جيش الاحتلال، مع زيادة وتيرة المقاومة في الضفة الغربية. أما نتنياهو، فقد بدأ برفع وتيرة مجازره واستهداف المدنيين للضغط على حماس لقبول صيغته، وهو أمر مستحيل بعد العدد الكبير من الشهداء الذين قدمهم أهالي غزة.
وإذا ما فشلت المفاوضات، سنشهد تحركًا أكبر من تركيا وضغطًا عربيًا، حيث أصبح واضحًا للجميع أن انهيار حماس سيؤدي إلى عمليات تهجير واسعة، وستزداد وتيرة المقاومة في الضفة الغربية وقد تنفجر، وأكيدًا ستنشب حرب مفتوحة بين حزب الله والكيان مما قد يجر المنطقة إلى حرب مدمرة.
فهل ستنجح سياسة «حافة الهاوية» التي تمارسها الولايات المتحدة، أم أنها تحاول كسب أكبر وقت ممكن قبل الإعلان رسميًا عن فشل المفاوضات؟
نيسان ـ نشر في 2024-08-22 الساعة 10:19
رأي: اسماعيل الشريف