اتصل بنا
 

السنيد يكتب: مواجهة الفقر يحتاج لجهد مجتمعي

نائب سابق وكاتب صحافي

نيسان ـ نشر في 2024-08-26 الساعة 11:14

نيسان ـ عندما استمعت لتصريحات معالي وزيرة التنمية الاجتماعية التي افصحت عن مئات الاف الاسر الفقيرة التي باتت تتلقى مساعدة شهرية منتظمة من وزارة التنمية الاجتماعية لمساعدتها على العيش الكريم تذكرت حادثة وقعت قبل عدة سنوات مضت، وانقضت من حياتي، وكنت حينها اعمل مديرا لجمعية ثقافية في عمان، وكنت افتقدت احد أصدقائي لأيام متواصلة، وعندما سألت عنه اخبروني انه مشغول بإقامة بيت عزاء لاحد الجيران الذي قضى وحيدا، وبعدها التقينا، وكان يعروه الحزن العميق على ذلك الكهل الذي توفي بصمت، ورحل عن الدنيا، ولم يحضر بعض أبنائه الذين يقيمون في الخارج جنازته، ولم يكلفوا خواطرهم بالمجيء الى الأردن، والمشاركة في تشييع جثمان والدهم الذي دفن بمن حضر.
اخبرني حينها ان اشد ما يؤلمه ان هذا الراحل للتو ترك في الدنيا ملايين الدنانير والعقارات التي ستؤول الى أولئك العاقين من ابنائه، وتحسرنا سويا على مصير هذا الانسان الذي لو وعى حقيقة الدنيا لكان اسعد المئات من الفقراء والمعوزين بماله الذي يذهب للهباء، ولكان ذاق حلاوة عمل الخير، وكسب رضى الله سبحانه وتعالى القائل في كتابه العزيز "ان الله يحب المحسنين".
ولكنه رحل عن الدنيا، وترك الاموال من خلفه لأولئك الجاحدين الذين لم يحظ منهم بمجرد نظرة وداع تليق به كأب.
هذه القصة تختصر مشهد بعض الأغنياء الذين يكرسون أعمارهم في جمع الأموال واكتنازها، ويحرمون الفقراء من مجرد زكاتها، ويحرمون انفسهم من السعادة بها ذلك ان السعادة شعور مشترك يتولد عن اسعاد الاخرين ممن حرمتهم الدنيا متاعها، وكان حظهم فيها قليل، وعانوا من شدة الضنك وقلة ذات اليد.
وبعض المترفين يعيشون بلا ادنى مشاعر تربطهم بمواطنيهم الفقراء في ذات المجتمع الواحد، ويتجاهلون اوجاعهم حتى اذا ما جاءهم الموت بغتة اكتشفوا هشاشة الحياة، وسراب التملك، والاماني الكاذبة التي كانوا يطاردونها بلا طائل.
فالاغنياء الذين يلغون الجانب الإنساني من حياتهم يعيشون ويموتون دون ان يدركوا كنه الحياة، وسرها العظيم القائم على اننا كلنا نمثل ادوراً على مسرح الحياة، والعاقل من يجيد أداء دوره، ويقدم افضل ما لديه، ويرحل بسلام دون ان تخدعه الحياة ببريقها الاخاذ، ويصدق ان بقاءه قائم فيها للابد.
والمال يمكن ان يوفر طوق النجاة لاصحاب الثروات، ووسيلة لاكتشاف انسانيتهم، وطريقا رائعا الى السعادة المشتركة من خلال ادخال الفرحة على المساكين والبؤساء في هذه الدنيا فيسعدون، ويشعرون ان لحياتهم قيمة ومعنى حقيقي.
وانا استغرب عندما اتابع قصص واخبار الأنشطة الإنسانية الكبيرة على مستوى العالم التي يقوم بها اثرياء امريكان واوربيين، وكيف ينفقون المليارات في مساعدة الشرائح المحتاجة للتمكين، ودعم حاجة بعض الدول الفقيرة في الحصول على المطاعيم او في مكافحة الامراض الخطيرة في المجتمعات الفقيرة.
وتجد ان السيرة الذاتية الخاصة بأثرياء العالم تؤكد ان عديدين منهم يضعون عشرات المليارات، وبعضهم جل ثرواتهم من اجل الاعمال الإنسانية الكبيرة رغم ان مجتمعاتهم شبه مكتفية، وتتوفر فيها سبل العيش الكريم.
وبعض الجاليات في الخارج بنت من خلال تبرعاتها السفارات، والمدارس والمراكز الصحية والطرق والجسور وساعدت دولها.
في حين ان مجتمعاتنا العربية تجد بعض كبار الأثرياء فيها يتهربون من واجباتهم الدينية والوطنية، وقد يتهربون ضريبيا، ولا يساهمون في تخفيف حدة الفقر، والعوز الذي يمس بالأمن الوطني في حال استفحل في المجتمع.
ونحن نحتاج الى جهود كبيرة ومبادرات على المستوى الوطني يمكن ان يكون لها مردود حقيقي على المناطق الفقيرة.
لا شك ان هنالك من الأغنياء محسنون، ويقومون بواجب وطنهم، ومجتمعهم في الرعاية، ويتحسسون اوجاع الناس، ولكن الفقر معضلة كبيرة، وتحتاج الى جهود مجتمعية كبيرة، وصحوة ضمير.

نيسان ـ نشر في 2024-08-26 الساعة 11:14


رأي: علي عواد السنيد نائب سابق وكاتب صحافي

الكلمات الأكثر بحثاً