اتصل بنا
 

من ورط الآخر بسقوط الطائرة الروسية

كاتب وروائي ومحلل سياسي مصري

نيسان ـ نشر في 2015-11-26 الساعة 23:12

نيسان ـ

جاء حادث إسقاط تركيا لمقاتلة روسية من نوع سوخوي 24 ليمثل نقطة تحول في مسار الحرب الدائرة في سورية، ولتعلن بداية المرحلة الثالثة والأخيرة من هذه الحرب الدامية، وهي المرحلة الأصعب والأخطر وربما تكون الأطول كذلك؛ لا أحد يدري!

فقد مرت الثورة السورية بثلاث مراحل فاصلة:

1- صراع داخلي بين النظام وفصائل معارضة، ابتداء بمظاهرات سلمية تطالب بـ "إصلاحات" في الربع الأول من العام 2011، وانتهاء بتشكيل المعارضة السورية المسلحة، التي كان أغلبها قيادات منشقة عن جيش النظام.

2- الصراع الإقليمي؛ وهي المرحلة التي شهدت اتساع رقعة الصراع خارج حدود الدولة السورية بدخول أطراف خارجية على خط الصراع في الحرب السورية، سواء علنا أو دونما إعلان، مثل إيران وحزب الله ثم روسيا لا حقا من جهة، وجبهة النصرة وتنظيم الدولة ثم تركيا لاحقا من جهة أخرى.

3- تحول الأطراف الداعمة إلى المواجهة المباشرة: فحادث أمس مثل نقطة تحول فاصلة في الصراع، لأنه ولأول مرة يحدث اشتباك بين أطراف غير سورية بسبب سوريا. فقد تحول اللاعبون الداعمون لطرفي الصراع في الحرب (روسيا التي تدعم الأسد وتركيا التي تدعم المعارضة) إلى لاعبين رئيسيين يشتبكون ببعضهما البعض!

والجدير بالذكر في هذا الحادث أن روسيا لا تواجه هنا تركيا فقط، بل تواجه من ورائها حلف النيتو كاملا، وهو الحلف الذي شعر بالإهانة من احتلال بوتين للقرم أواخر عام 2013 ولم يستطع الغرب الرد حتى الآن. اليوم فقط يمكننا أن نقول أن الغرب قد ثأر من احتلال بوتين للقرم بقوة السلاح.

*

من ورط الآخر في حادث إسقاط الطائرة الروسية المقاتلة فوق تركيا؟؟ روسيا أم تركيا؟؟

لا أعتقد أن تركيا تورطت في هذا الحادث، بل روسيا، لعدة أسباب:

1- رغم أن ما جرى يعتبر أول ثأر عسكري للنيتو من الصفعة الروسية في أوكرانيا، فإن تركيا لم تسقط المقاتلة الروسية إلا عندما اخترقت بالفعل المجال الجوي التركي، وبعد أن أنذروها 10 مرات، وصوروا اختراقها بالقمر الصناعي. واختارت تركيا مقاتلة سوخوي 24 التي تضرب أهدافا أرضية فقط (وليس مقاتلة سوخوي 30 التي تمتلك صواريخ جو جو مما يمكنها من القتال في الجو)، مما ساعد مقاتلات الـ F16 على إسقاطها بسهولة.

2- امتنعت تركيا عن إسقاط مقاتلات روسية انتهكت الأجواء التركية الشهر الماضي لحساسية التوقيت قبل الانتخابات التشريعية المبكرة بل وأنذرت روسيا الشهر الماضي أنها ستطبق قواعد الاشتباك (الإنذار أولا - إطلاق النار في الهواء - الإسقاط)

3- استدعاء أنقرة لسفراء موسكو ولندن وواشنطن أمس إنما هو لتأكيد أنه تم إنذار الطائرة الروسية 10 مرات قبل إسقاطها، لقطع الطريق على بوتين للإدعاء أن ما حدث كان اعتداء تركيا عليها

4- حتى إذا أرادت روسيا أن ترد عسكريا – وهذا يستبعد أكثر بمرور الوقت – فإن لتركيا ثلاث نقاط تضمن لها التفوق على روسيا:

أولا: تركيا تحارب على أرضها وفي مجالها الحيوي، بعكس روسيا التي تحارب بعيدا جدا عن الديار، ولن يمكنها استخدام إلا سلاح الجو والبحرية على أقصى تقدير، وقاعدتها البحرية في مدينة طرطوس السورية لن تسعفها، بل ربما تكون هدفا سهلا كذلك!

ثانيا: تركيا ستحارب وقتها عن قضية عدالة، بردها على انتهاك الروس للأجواء التركية، والذي تكرر منذ أكتوبر الماضي عدة مرات، وعلى اعتداء الروس على الأقلية التركمانية في سوريا – ذات الأصول التركية في قرى جبل التركمان - وهي مناطق لا يتواجد فيها تنظيم الدولة، بعكس روسيا التي ستبدو معتدية.

ثالثا: تركيا لن تكون وحدها، بل سيكون على روسيا مواجهة حلف النيتو كاملا، وهي غير قادرة على ذلك. وبالفعل فقد تأكد دعم النيتو لروسيا بتصريح أوباما أن لتركيا حق الدفاع عن نفسها!

*

صدق ما توقعناه في مقال "أميركا ترقص التانجو على دماء السوريين"، واستطاعت أميركا أن تدفع خصومها جميعا دفعا إلى الانخراط في المستنقع السوري، الذي تورط فيه جميع خصوم أميركا واستنزفوا عسكريا منذ خمس سنوات. (النظام السوري- إيران – حزب الله – جبهة النصرة – داعش- وأخير روسيا)

بهذا الحادث نستطيع أن نقول أن قدم بوتين قد انغرست في المستنقع السوري، وأن الغرب قطع على روسيا خط الرجعة، وعلى بوتين خط الانسحاب! كيف يتراجع بوتين الآن من سوريا وقد تلقى صفعة عسكرية وفقط اثنين من طياريه؟؟ لابد لبوتين من العودة بانتصار، وإلا سيواجه هزيمة سياسية قاسية داخليا.

الآن بوتين كلاعب القمار الذي خسر ويريد أن يستمر كي يعوض خسارته، لكنه لا يعوضها أبدا، ولا يفيق إلا حينما يكون قد أفلس تماما، ويا للعجب فهذا عين ما حدث للروس في أفغانستان، بمكيدة من أميركا أيضا!

إنها بداية النهاية للحرب في سوريا، لكن لا أحد يدري كم تدوم هذه المرحلة! هل تتورط روسيا عسكريا أكثر، بدعم من مصر والإمارات وإيران، وترد الضربة على تركيا، بما يترتب على ذلك من ردود أفعال، أم تخرج بهدوء من سوريا، تجر أذيال الهزيمة، متخلية عن حليفها في دمشق، وعن كثير من قوتها الناعمة التي بناها بوتين في السنوات الأخيرة؟؟

في المقابل فإن موقف تركيا القانوني والعسكري قوي للغاية، وتحظى حتى الآن بدعم كامل من النيتو، لكن هل ستستمر في الحصول على هذا الدعم إذا اضطرت للتدخل لمنع قيام دولة كردية في شمال سوريا بالقوة بدعم من روسيا وإسرايل والإمارات؟؟ ولكن لهذا حديث آخر!

نيسان ـ نشر في 2015-11-26 الساعة 23:12

الكلمات الأكثر بحثاً