اتصل بنا
 

هل سينجح جعفر حسان؟ أشك في ذلك

كاتب وخبير قانوني

نيسان ـ نشر في 2024-09-17 الساعة 21:44

نيسان ـ تواجه الأردن ضغوطًا سياسية واقتصادية هائلة عقب الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي شهدت بعض المكاسب للمعارضة الإسلامية. في 15 سبتمبر 2024، قام الملك عبدالله الثاني بتعيين جعفر حسان، مستشاره الرئيسي في الديوان الملكي ووزير التخطيط السابق، رئيسًا للوزراء بعد استقالة حكومة بشر الخصاونة. يعلّق الكثيرون آمالهم على أن يتمكن حسان، وهو شخصية سياسية مخضرمة، من قيادة البلاد عبر هذه التحديات الاقتصادية والسياسية. ومع ذلك، أشك في قدرته على النجاح، ليس بسبب كفاءته الشخصية، بل لأن الأردن يواجه مشكلة أعمق: فيتو دولي يقيّد قدرة البلاد على التعافي الاقتصادي حتى تقبل أجندة جيوسياسية أكبر.
أزمة الأردن الاقتصادية: اليد الخفية للفيتو الدولي
الأردن، الدولة التي تمتعت بتاريخ طويل من الصمود في مواجهة الاضطرابات الإقليمية، تجد نفسها الآن تحت شكل من أشكال الضغط الدولي الذي لا يمكن التحدث عنه علنًا، ولكن يتم الشعور به بعمق من قبل الشعب والقيادة على حد سواء. هذا الضغط، الذي أراه بمثابة فيتو غير رسمي لكنه قوي، يدفع الأردن من أزمة اقتصادية إلى أخرى. الهدف الحقيقي من وراء هذا الضغط المستمر؟ هو دفع الأردن لقبول دوره كوطن بديل للفلسطينيين، وهو حل من شأنه، في نظر الكثيرين، أن يلغي القضية الفلسطينية على حساب مستقبل الأردن.
الفيتو غير المرئي: استراتيجية خنق اقتصادي
على مدى العقود الماضية، واجهت الأردن تحديات اقتصادية متصاعدة: بطالة مرتفعة، ديون وطنية متزايدة، واعتماد متزايد على المساعدات الخارجية. بينما تُعزى هذه القضايا عادة إلى عدم الاستقرار الإقليمي، مثل الأزمة السورية وتدفق اللاجئين، إلا أن هناك استراتيجية أكثر خبثًا تلعب دورًا في هذه الأمور. يتم إبقاء الأردن عمدًا على حافة الهاوية، حيث يتم إضعاف اقتصاده للضغط على القيادة الأردنية للرضوخ لأجندة جيوسياسية تخدم مصالح قوى خارجية.
هذا الفيتو الدولي أوقف فعليًا أي تعافٍ اقتصادي حقيقي في الأردن. لقد بذلت القيادة الأردنية محاولات متكررة لإجراء إصلاحات، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتقليل الديون الوطنية، لكن كل هذه الجهود تبدو وكأنها تذهب سدى. الحقيقة هي أنه لا توجد خطة اقتصادية، مهما كانت مصاغة جيدًا أو معدة بعناية، ستنجح طالما أن هذا الفيتو لا يزال قائمًا. هذا الفيتو يضمن استمرار مشاكل الأردن الاقتصادية دون حل حتى تقبل المملكة أن تصبح الوطن البديل للفلسطينيين، وهو اقتراح قاومته الأردن بشدة لعقود.
البنك الدولي وصندوق النقد الدولي: أدوات التدمير الاقتصادي
إلى جانب هذا الضغط الدولي، تأتي شروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، اللذين لعبا تاريخياً دوراً كبيراً في تحديد السياسات الاقتصادية للأردن من خلال القروض التي تأتي مع شروط صارمة. تأثير هذه الشروط على الأردن كان مدمرًا بلا شك.
تفرض برامج التكيف الهيكلي التي يضعها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تدابير تقشفية، وخصخصة، وإصلاحات ضريبية تثقل كاهل الطبقات المتوسطة والدنيا بشكل غير متناسب. هذه التدابير، التي يُفترض أن تهدف إلى تقليل الديون الوطنية وتعزيز النمو الاقتصادي، أدت بدلاً من ذلك إلى تآكل القطاعات العامة في الأردن، من التعليم إلى الصحة، وزادت من عمق الفجوات الاجتماعية.
زيادة الضرائب الناتجة عن هذه الإصلاحات لا تضعف القدرة الشرائية فحسب، بل تقتل روح الانتماء الوطني، حيث يشعر الأردنيون أن الدولة تخدم مصالح اقتصادية خارجية بدلاً من مصالح مواطنيها. في الوقت نفسه، أدى خصخصة القطاعات الحيوية إلى تحول الأصول الوطنية إلى سلع يتم بيعها للمستثمرين الأجانب، مما جعل الأردن يفقد السيطرة على قطاعات حيوية.
ارتبطت أسماء مثل رئيس الوزراء السابق عمر الرزاز، الذي جاء من خلفية العمل في البنك الدولي، بتنفيذ هذه السياسات تحت شعارات الإصلاح. إلا أن سياساته لم تؤدِ إلا إلى زيادة الاعتماد على القروض الدولية وتعميق الفجوة الاقتصادية، في حين تدهورت البنية التحتية والخدمات الاجتماعية والتعليمية.
الوطن البديل: حل لا يمكن للأردن قبوله
كانت فكرة أن تصبح الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين مطروحة على الطاولة لسنوات عديدة، غالبًا خلف الأبواب المغلقة. هذا الحل من شأنه أن يخفف من العبء الذي تتحمله إسرائيل على حساب الأردن، مما يؤدي إلى تغيير دائم في التركيبة السكانية للمملكة، وإضعاف سيادتها، وزعزعة استقرارها السياسي والاجتماعي.
رفضت القيادة الأردنية، وخاصة الملك عبدالله الثاني، هذه الفكرة مرارًا وتكرارًا، وأكدت التزام الأردن بحل الدولتين، مع القدس الشرقية كعاصمة لدولة فلسطينية مستقلة. ومع ذلك، فإن هذا الرفض لم يأتِ دون ثمن. طالما استمر الأردن في رفض هذا الدور، ستبقى المملكة عالقة في حالة من الركود الاقتصادي، وسيكون من المستحيل على البلاد تحقيق التعافي المالي بسبب الفيتو الدولي المستمر.
الركود الاقتصادي: نتيجة لعبة جيوسياسية أكبر
الركود الاقتصادي الذي تعاني منه الأردن ليس نتيجة سوء إدارة أو نقص في الجهود من قبل المسؤولين. بل هو النتيجة الحتمية للفيتو الدولي المفروض على البلاد. هذا الفيتو يظهر في صور مختلفة، منها المساعدات الخارجية المشروطة، والفرص الاستثمارية التي لا تتحقق، والإصلاحات الاقتصادية التي يتم تقويضها باستمرار من قبل الضغوط الخارجية.
تلعب المؤسسات المالية الدولية، والدول المانحة، والقوى الإقليمية دورًا في هذه الشبكة المعقدة من السيطرة. رسالتهم إلى الأردن واضحة: حتى تقبلوا الحل الجيوسياسي الذي وضعناه، لن يُسمح لكم بالازدهار. الأردن يتم احتجازه رهينة لرفضه التخلي عن القضية الفلسطينية، ونتيجة لذلك، لا قائد ولا سياسة ستنجح في حل المشاكل الاقتصادية للبلاد حتى يتم رفع هذا الفيتو.
الفخ الجيوسياسي
دور الأردن في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني هو عامل رئيسي في الفيتو المفروض على البلاد. مع وجود نسبة كبيرة من الفلسطينيين داخل حدودها، كانت الأردن دائمًا في قلب المناقشات حول مستقبل فلسطين. لقد كانت استقرار المملكة مرتبطًا منذ فترة طويلة بطبيعة هذا الصراع غير المحلولة، وتدرك القوى الخارجية ذلك جيدًا. من خلال إبقاء الأردن ضعيفًا اقتصاديًا ومعتمدًا على الآخرين، تأمل هذه القوى في إجبار البلاد على قبول حل يضر بمستقبلها.
النتيجة هي فخ جيوسياسي لا يمكن للأردن الهروب منه. كل محاولة لإصلاح الاقتصاد تقابل بعقبات جديدة، وكل جهد للتفاوض على شروط اقتصادية أفضل يتم تقويضه من قبل أولئك الذين يتحكمون في الأمور المالية. القيادة الأردنية على دراية تامة بهذا الفخ، لكنها تجد نفسها أمام خيارات محدودة. التحدي هو مقاومة هذا الفيتو والاستمرار في المعاناة الاقتصادية، أو قبول ما لا يمكن قبوله وتغيير مستقبل الأردن إلى الأبد.
"اللاءات الملكية ": يجب أن يقف الأردنيون مع الملك
في هذه الأوقات الصعبة، من الضروري أن يتوحد الأردنيون خلف الملك عبدالله الثاني ورفضه الثابت لأي خطة من شأنها تحويل الأردن إلى وطن بديل للفلسطينيين. موقف الملك واضح، ويتماشى مع مصلحة الوطن:
1. لا للوطن البديل،
2. لا لتوطين الفلسطينيين في الأردن،
3. لا للمساومة على القدس.
يجب أن تكون هذه "اللاءات الثلاث" هي الأساس لمقاومة الأردن للضغوط الدولية التي تواجهها. على الأردنيين أن يدركوا أن مشاكل البلاد الاقتصادية لا يمكن حلها طالما أن هذا الفيتو قائم. الطريق الوحيد إلى الأمام هو التوحد خلف قيادة الملك ورفض أي محاولة لزعزعة استقرار البلاد من خلال تغييرات ديموغرافية قسرية أو تنازلات سياسية.
يجب أن يقف الفلسطينيون مع الأردن: المطالبة بحق العودة
هذا ليس نضالاً أردنيًا فقط. يجب على الفلسطينيين أيضًا دعم الأردن في هذا الوقت الحرج. بدلاً من قبول خطط لإعادة توطينهم في الأردن وتقويض حقهم في وطنهم، يجب على الفلسطينيين رفع أصواتهم من أجل حق العودة. هذا الحق أساسي ويجب أن يظل غير قابل للتفاوض في أي عملية سلام.
من خلال الوقوف مع الأردن والدفاع عن حقهم في العودة إلى فلسطين، يمكن للفلسطينيين تعزيز موقف الأردن في مواجهة الضغوط الدولية. لا يجب حل القضية الفلسطينية على حساب الأردن، ويجب على الأردنيين والفلسطينيين معًا رفض أي محاولة لفرض مثل هذا الحل.
تحدي جعفرحسان: قيادة في ظل الفيتو
لا شك أن جعفر حسان سياسي ماهر، لكن التحدي الذي يواجهه هائل. عليه أن يتنقل في مشهد اقتصادي يتشكل ليس فقط بسبب التحديات الداخلية، بل أيضًا بسبب القوى الخارجية التي تبقي الأردن ضعيفًا اقتصاديًا بشكل متعمد. نجاحه، مع ذلك، لا يعتمد فقط على سياساته أو استراتيجياته.
حتى يتم رفع الفيتو الدولي، لا يمكن لأي قائد أن ينجح في إخراج الأردن من أزمته الاقتصادية.
كسر قيود الفيتو
الطريق الوحيد أمام الأردن للخروج من هذا الركود الاقتصادي المستمر هو كسر قيود هذا الفيتو الدولي. لكن هذا لن يحدث طالما استمرت الأردن في رفض دورها كوطن بديل للفلسطينيين. على القيادة الأردنية أن تواصل مقاومتها لهذه الضغوط، لكن من الواضح أن الطريق سيكون صعبًا. يجب على المجتمع الدولي، وخاصة القوى التي تتحكم في مستقبل الأردن الاقتصادي، أن تدرك أن إجبار الأردن على قبول هذا الحل هو ليس فقط غير عادل بل خطير أيضًا.
مثل هذا الحل سيزعزع استقرار المنطقة بأكملها ويخلق نزاعات جديدة بدلاً من حل القديمة. حان الوقت للعالم أن يفهم أن سيادة الأردن واستقراره الاقتصادي لا يمكن التضحية بهما في سبيل استراتيجيات جيوسياسية قصيرة النظر.
الخلاصة
الأردن لا يواجه أزمة اقتصادية فقط، بل يواجه حملة منسقة من الضغط، وهي فيتو دولي مصمم لإضعاف البلاد حتى تستسلم لخطة طالما رفضتها. لن يُرفع هذا الفيتو حتى توافق الأردن على أن تكون الوطن البديل للفلسطينيين، وهو حل من شأنه تغيير مستقبل البلاد إلى الأبد.
كأمة، يجب على الأردن أن يواصل مقاومة هذا الضغط، حتى في ظل التحديات الاقتصادية المتزايدة. على العالم أن يقف مع الأردن في رفض هذا المخطط الخطير والمزعزع للاستقرار. حتى يتم رفع هذا الفيتو الدولي، ستظل عملية التعافي الاقتصادي في الأردن بعيدة المنال، وسيستمر الشعب في دفع ثمن نزاع لم يخلقوه، ولكن يُطلب منهم حله على حساب مستقبلهم.
هل سينجح جعفر حسان؟ في ظل هذه الظروف، أشك في ذلك. الطريق نحو التعافي يكمن ليس فقط في الإصلاحات الاقتصادية، بل في التحرر من الفيتو الدولي الذي يبقي الأردن على حافة الهاوية.

نيسان ـ نشر في 2024-09-17 الساعة 21:44


رأي: الدكتور عمر كامل السواعدة كاتب وخبير قانوني

الكلمات الأكثر بحثاً