ازدواجية الهوية والمواطنة: حق العودة بين التمسك الفلسطيني
الدكتور عمر كامل السواعدة
كاتب وخبير قانوني
نيسان ـ نشر في 2024-09-18 الساعة 19:51
نيسان ـ بداية اعتذر عن الاطالة، حاولت الاختصار قدر الإمكان، ولكن هذا الموضوع لا يمكن الا ان يقدم معا
تُظهر الوثائق التي نشرها موقع ويكيليكس، والتي أوردها الباحث الدكتور عامر السبايلة في صحيفة عمون بتاريخ 9 سبتمبر/أيلول 2011 مجموعة من البرقيات المسربة للسفير الأمريكي، من تلك الرسائل: جمال الرفاعي، وناشط حقوقي، يقول: "إذا كنا لا نأخذ حقنا السياسي هنا فكيف نقتنع بالتخلي عن حقنا بالعودة؟" بما قد يعني: اعطونا حقوق هنا وخذو حق العودة.
الآن، الى الموضوع:
منذ نشأة المملكة الأردنية الهاشمية، كانت الهوية الأردنية العماد الأساسي الذي قامت عليه الدولة الحديثة. هذه الهوية المستمدة من الجذور العشائرية والقيم الوطنية هي التي صاغت ملامح الدولة وأعطتها الاستقرار. ومع تدفق الفلسطينيين إلى الأردن بعد نكبة 1948، ظهر تحدٍ كبير يتعلق بكيفية إدارة العلاقة بين الحفاظ على الهوية الأردنية باعتبارها هوية سيادية وبين منح الفلسطينيين حقوق المواطنة، دون المساس بالهوية الوطنية الأردنية. وللنجاح في مواجهة هذا التحدي، يجب تبني مقاربة تعتمد على الفصل بين الهوية والمواطنة. هذه المقاربة تتيح الحفاظ على الهوية الأردنية باعتبارها الهوية السيادية الوحيدة في الأردن، مع ضمان منح الفلسطينيين حقوق المواطنة الكاملة، دون السماح لتلك المواطنة بأن تؤدي إلى التأثير على هوية الدولة أو تحويل الأردن إلى "وطن بديل" للفلسطينيين.
الهوية الأردنية: سيادة راسخة في مواجهة التهديدات الديموغرافية والفكرية
الهوية الأردنية ليست مجرد هوية ثقافية أو جغرافية، بل هي هوية سيادية حافظة لاستقرار الأردن منذ تأسيسه. إنها الهوية التي وحدت الدولة وأعطتها قوة سياسية واستقرارًا ديموغرافيًا، وهي التي يجب أن تستمر في الهيمنة على جميع السياسات الوطنية لضمان الاستقرار الدائم. الفكرة التي يروج لها البعض بأن الأردن "كيان وظيفي" تم إنشاؤه لتخفيف الضغط الديموغرافي عن إسرائيل، تتعارض مع التاريخ الحقيقي للأردن ودوره المركزي في استقرار المنطقة. هذه الأطروحة تضع الأردن في إطارٍ ضيق كجزء من مخطط خارجي، متجاهلة دوره كدولة ذات سيادة واستقلال سياسي راسخ. إن الحفاظ على الهوية الأردنية كهوية سيادية هو أمر أساسي لضمان استقرار الدولة وتفادي أي تهديدات ديموغرافية أو سياسية تؤثر على بنيتها. بالتالي، فإن أي محاولة لتذويب الهوية الأردنية أو إضعافها يجب أن تُرفض تمامًا، ويجب أن تبقى الهوية الأردنية في مقدمة الهويات التي تحكم الأردن.
حق العودة: جوهر النضال الفلسطيني وأبعاده السياسية
حق العودة للفلسطينيين هو محور النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهو حق راسخ في القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، مثل قرار 194. ومع ذلك، يجب أن يكون واضحًا أن هذا الحق ليس جزءًا من مسؤولية الأردن، بل هو مطلب فلسطيني يواجه إسرائيل ولا يجب أن يُستغل لتغيير الأوضاع الديموغرافية والسياسية داخل الأردن. لقد قدم الأردن دعماً كبيراً للقضية الفلسطينية واستضاف الملايين من اللاجئين، ولكن الأردن ليس مسؤولاً عن حل قضية حق العودة. الفلسطينيون في الشتات يجب أن يحافظوا على هويتهم الوطنية وعلى تمسكهم بحق العودة، ولكن يجب أن يكون هذا التمسك داخل الإطار الفلسطيني، وليس عبر محاولة تحويل الأردن إلى "وطن بديل".
ازدواجية الهوية بين حق العودة والمواطنة الأردنية
ان مجرد مراقبة التوترات التي تنشأ عندما يُذكر حق العودة في النقاشات السياسية والاجتماعية في الأردن، حينما، ترتفع الأصوات التي ترى في الحديث عن هذا الحق تهديدًا للاستقرار الاجتماعي والسياسي، مما يؤدي الى محاولات البعض لإسكات هذه الأصوات. هذا الخلط بين الهوية الفلسطينية والمواطنة الأردنية أدى إلى توترات داخلية جعلت من مسألة الهوية قضية سياسية بامتياز، في الوقت عينه، يعد ذلك تعبيرا صريحا لرفض لبعض الفلسطينيين لأي ذكر لحق العودة على الرغم من الممارسات المنافقة التي يريد البعض ان يخفي سوأته بإضاعة الحق الفلسطيني من خلالها، حيث صار من المتكرر ذكر عبارات مثل "أنا اردني غصبا عنك" "انا اردني تأسيس وليس تجنيس" وغير ذلك من العبارات التي تؤكد ان هنالك برامجية ومشاريعية تؤكد ان حق العودة والانتماء الحقيقي لفلسطين ليس بخير. الازدواجية في الولاء والهوية تمثل نفاقًا سياسيًا. الفلسطيني الذي يدعي التمسك بفلسطين والأردن في آن واحد، ولكنه يرفض الحديث عن حق العودة أو يعتبره عنصرية، هو شخص يمارس النفاق. هذا الشخص يستفيد من المواطنة الأردنية ولكنه في الوقت نفسه لا يتمسك بالمشروع الوطني الفلسطيني. هذه المواقف تساهم في تقويض القضية الفلسطينية وتذويب الهوية الفلسطينية، وهو ما يخدم المشروع الصهيوني الذي يسعى إلى إنهاء حق العودة.
الاستيطان الفلسطيني في الشتات: بين الاندماج والهوية الوطنية
مع مرور الزمن، أصبح الفلسطينيون في الأردن جزءًا من النسيج الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، خاصة بعد أن حصل عدد كبير منهم على الجنسية الأردنية. ورغم أن الفلسطينيين المجنسين في الأردن يحتفظون بنظرة تقديرية لحق العودة، فإن الكثير منهم يعتبرون أن البقاء والاندماج في الأردن هو الخيار الأكثر واقعية. يُعرف هذا التكيف بـ"الاستيطان المحلي"، وهو يعكس عملية طويلة من الاندماج في المجتمع الأردني. ومع ذلك، هذا التحول لا يخلو من الانتقادات، خاصة من قبل بعض الفلسطينيين الذين يعتبرون أن الاندماج الكامل في الأردن أو البلدان الأخرى يتعارض مع المشروع الوطني الفلسطيني. في هذه الرؤية، يتم تصوير الاندماج كنوع من التخلي عن حق العودة، خاصة في ظل المشاريع الإسرائيلية التي تسعى إلى ترسيخ يهودية الدولة والتخلص من أي مطالبة فلسطينية بالأرض.
حق العودة كمشروع مضاد لمشروع التهجير
مشروع التهجير، الذي مارسته الحركة الصهيونية منذ بداياتها، يسعى إلى تفريغ الأرض من سكانها الفلسطينيين الأصليين. يتم ذلك من خلال سياسات قمعية تهدف إلى دفع الفلسطينيين إلى الهجرة القسرية أو تقليص فرص عيشهم بكرامة داخل وطنهم. منذ النكبة، تعرض الفلسطينيون للتهجير القسري، ولا يزال هذا المشروع مستمرًا بأشكال مختلفة مثل مصادرة الأراضي، وهدم المنازل، والاعتقالات الجماعية، والاعتداءات على المقدسات الإسلامية والمسيحية. مقابل هذا المشروع، يمثل "حق العودة" رؤية سياسية ومشروعية قانونية تعارض أي محاولة لاقتلاع الشعب الفلسطيني من جذوره. فهو يرمز إلى التمسك بالأرض والتاريخ، ويتحدى الرواية الصهيونية التي تحاول فرض يهودية الدولة على أرض فلسطين. من هنا، يأتي وجوب تمسك الفلسطينيين في الشتات بهذا الحق كجزء من مقاومة محاولات محو الهوية الفلسطينية وطمس حقوقهم المشروعة.
مشروع "يهودية الدولة" وحق العودة
مشروع "يهودية الدولة" الذي تسعى إسرائيل لترسيخه يعزز بشكل مباشر رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم. من خلال الاعتراف بإسرائيل كـ "دولة يهودية"، تعني هذه السياسة ضمنيًا أن اللاجئين الفلسطينيين لن يكون لهم مكان في هذه الدولة. الهدف من هذا المشروع هو ضمان أغلبية يهودية ديموغرافية، وبالتالي رفض أي عودة للفلسطينيين الذين يشكلون تهديدًا لهذه الأغلبية. ما يجعل هذا المشروع خطيرًا هو أنه لا يسعى فقط إلى القضاء على حق العودة، بل يسعى إلى تحويل اللاجئين الفلسطينيين إلى قضية غير قابلة للحل من الأساس. من هنا، فإن الفلسطينيين في الأردن والشتات يجب ان يروا في هذا المشروع تحديًا وجوديًا لحقهم في العودة، حيث إن الاعتراف بيهودية الدولة هو تنازل ضمني عن هذا الحق.
الفرق بين حق العودة كمشروع سياسي والعودة الفعلية كتصرف
من المهم أن نفرق بين حق العودة كمبدأ وقضية سياسية وبين العودة الفعلية على الأرض. حق العودة هو شعار ومشروع سياسي وقانوني يقطع الطريق على تصفية القضية العربية في فلسطين، اما العودة الفعلية فهي خيار ذاتي، مع تفهمنا لفكرة انها تواجه عقبات سياسية وجغرافية هائلة. فمنذ اتفاقيات أوسلو، التي تجاهلت إلى حد كبير قضية اللاجئين، تم تقليص الآمال في تحقيق العودة الفعلية.
الفصل بين الهوية والمواطنة: ضمان للسيادة والاستقرار
بكل تأكيد، الخلط بين الهوية والمواطنة سيؤدي إلى تآكل حقوق الأردنيين إذا لم يتم الفصل بين الهوية الوطنية الفلسطينية والهوية الأردنية. فمن جهة، الفلسطينيون قد لا يستطيعون العودة إلى فلسطين بسبب الرفض الإسرائيلي، ومن جهة أخرى، سيصبح الفلسطينيون جزءًا دائمًا من الأردن مع تأثيرات سياسية واقتصادية واجتماعية على القضية الفلسطينية.
المسألة هنا تكمن في كيفية التعامل مع الفلسطينيين في الأردن، وخاصة أولئك الذين يتمتعون بمواطنة أردنية ولكنهم في الوقت ذاته يتمسكون بحق العودة إلى فلسطين. هل يمكن أن يكون الفلسطيني في الأردن مواطنًا أردنيًا بشكل كامل ويحافظ في الوقت نفسه على هويته الفلسطينية ومشروع العودة؟ هذا التناقض يخلق حالة من ازدواجية الهوية التي تؤثر على استقرار الهوية الوطنية الأردنية.
أنا، كأردني، أعترف بحق الفلسطينيين في المواطنة الأردنية، وأدعوهم للتمسك بحق العودة كمشروع سياسي وتاريخي، دون الدعوة الى العودة الفعلية الان، لأن الظروف الحالية تجعل العودة شبه مستحيلة. في المقابل، أدعو الفلسطينيين إلى الحفاظ على هويتهم الفلسطينية وعدم السماح بتذويبها، لأن تذويب الهوية الفلسطينية سيكون كارثة على القضية الفلسطينية، ويهدد حق العودة بشكل كبير. إن الحل الأمثل لضمان استقرار الأردن والحفاظ على حقوق الفلسطينيين يتمثل في الفصل الواضح بين الهوية والمواطنة. هذا الفصل سيساهم في حماية الهوية الأردنية بصفتها الهوية السيادية المؤسِسة، وفي الوقت ذاته يضمن للفلسطينيين حقوق المواطنة الكاملة دون التأثير على هوية الدولة.
الهوية الفلسطينية وحق العودة: ارتباط لا يمكن تجاهله - الفلسطينيون في الأردن يجب أن يظلوا متمسكين بهويتهم الفلسطينية وبحق العودة كجزء من نضالهم الوطني ضد الاحتلال. هذا التمسك يجب أن يكون رمزًا للنضال الفلسطيني المستمر، ولكن دون أن يؤدي إلى التأثير على السيادة الأردنية. يجب أن يُفهم أن حق العودة هو مطلب فلسطيني تجاه إسرائيل وليس تجاه الأردن.
المواطنة الأردنية في إطار السيادة الأردنية - بالمقابل، في الوقت الذي يتمتع به الفلسطينيون في الأردن بحقوق المواطنة الكاملة، بما في ذلك الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية، يجب ان يكون هذا التمتع ضمن إطار الحفاظ على فلسطينيتهم، اطار يحترم الهوية الأردنية كهوية سيادية. المواطنة لا يجب أن تتجاوز إلى محاولة التأثير على الهوية السيادية للدولة.
ان الفصل بين الهوية والمواطنة يريح الجميع، يريح الدولة التي لا تقبل ان تكون جزءا من المشروع الصهيوني، تريح الأردني الذي يرى كيف تحول من شعب الى كتلة سكانية وفي احسن الظروف كــ "مكون"، ويريح الفلسطيني الذي سيجد نفسه قادرا على التمسك بحقه في فلسطين دون ان يؤثر ذلك على مصالحه المزدهرة في عمّان.
أدوار الأطراف المختلفة في تذويب الهوية الفلسطينية وإضعاف حق العودة
في هذا السياق، نشأت مواقف مختلفة من بعض الفئات السياسية والأيديولوجية، سواء عن علم أو عن غير علم، ساهمت في تذويب الهوية الفلسطينية وإفراغ حق العودة من مضمونه الحقيقي، متماهية بذلك مع مواقف سياسية مثل مواقف شمعون بيريز وبنيامين نتنياهو.
الكمبرادور الفلسطيني: التجارة بالقضية لصالح الاستقرار المادي - تُشير مصطلحات مثل "الكمبرادور" إلى تلك الفئات الفلسطينية التي استفادت من الوضع القائم اقتصاديًا وسياسيًا، والتي ترى في الاستقرار الحالي فرصة لتحقيق مكاسب مادية على حساب القضية الفلسطينية. هذه الفئة تسعى لتعزيز اندماج الفلسطينيين في البلدان المستضيفة، بما في ذلك الأردن، على حساب حق العودة. بهذه الطريقة، تسهم هذه الفئة في تفريغ النضال الفلسطيني من مضمونه وتقديم الاستقرار المادي كبديل عن المطالب الوطنية.
الإخوان المسلمون: التركيز على القضايا الدينية على حساب الوطنية - جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وعلى الرغم من دعمها المعلن للقضية الفلسطينية، تُسهم في تذويب قضية حق العودة من خلال تركيز خطابها على الشعارات الدينية العامة مثل "الأرض لله". بدلاً من التركيز على المطالب الوطنية الفلسطينية، يتوجه خطاب الجماعة نحو قضايا إسلامية عامة تتجاوز الحدود الوطنية، مما يضعف من تركيز الجماعة على حق العودة كقضية فلسطينية جوهرية.
القوميون: شعارات الوحدة العربية وتهميش القضية الفلسطينية - القوميون العرب في الأردن يرفعون شعارات مثل "أرض العرب للعرب"، التي، على الرغم من ظاهرها الوحدوي، تسهم في تذويب الهوية الفلسطينية في إطار قومي عام. هذه الشعارات قد تبدو داعمة للقضية الفلسطينية، ولكنها في الواقع تُضعف المطالب الوطنية الفلسطينية المحددة، بما في ذلك حق العودة، لصالح رؤية أوسع تقلل من الخصوصية الفلسطينية.
جماعة "الحقوق المنقوصة" - تلك الفئة الفلسطينية في الأردن التي تُطالب بحقوق سياسية واجتماعية كاملة دون اعتبار للهوية الوطنية الفلسطينية أو حق العودة. هذه الفئة ترى أن تحقيق المساواة التامة في الأردن يجب أن يكون على حساب التمسك بهوية فلسطينية مستقلة وحق العودة. بهذا الطرح، تتماهى هذه الجماعة مع المشاريع الصهيونية التي تهدف إلى إنهاء القضية الفلسطينية وتذويبها في دول الجوار.
أثر هذه المواقف
تتفق هذه المواقف، سواء كانت من الكمبرادور، الإخوان المسلمين، القوميين أو جماعة الحقوق المنقوصة، مع رؤية زعماء صهاينة مثل شمعون بيريز وبنيامين نتنياهو، الذين يرون في حق العودة تهديدًا لإسرائيل ويعملون على تفريغه من مضمونه. من خلال الترويج لحلول تذوب الهوية الفلسطينية في المجتمعات المضيفة، يتماهون مع المشروع الصهيوني دون قصد، بل وربما يسهمون في تعزيز هدف إسرائيل النهائي بإلغاء حق العودة.
اللاءات الملكية الثلاث وموقف جلالة الملك من التهجير: مظلة لحماية الأردن وفلسطين
في هذا السياق، تأتي اللاءات الملكية الثلاث التي أعلنها جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه، كسياسة ثابتة للأردن تجاه القضية الفلسطينية. هذه اللاءات الثلاث هي:
لا للتوطين - رفض الأردن الدائم لفكرة توطين الفلسطينيين في الأردن يؤكد على أن الأردن ليس "وطنًا بديلاً" للفلسطينيين، وأن حل القضية الفلسطينية يجب أن يتم من خلال عودة اللاجئين إلى ديارهم في فلسطين وليس عبر توطينهم في الدول المستضيفة.
لا للوطن البديل - جلالة الملك عبدالله الثاني شدد على رفض الأردن القاطع لفكرة الوطن البديل، وهو موقف ثابت يحمي السيادة الأردنية ويضمن أن الحلول للقضية الفلسطينية لن تكون على حساب الأردن أو استقراره.
لا للتنازل عن القدس - هذا الموقف يعكس التزام الأردن بالدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس ودعم الحقوق الفلسطينية في إقامة دولة مستقلة.
موقف جلالة الملك عبدالله الثاني من رفض التهجير أو توطين الفلسطينيين في الأردن يمثل مظلة حماية للأردن وفلسطين على حد سواء. هذا الموقف يضمن عدم المساس بالهوية الوطنية الأردنية، وفي الوقت ذاته يحمي حق العودة للفلسطينيين. مستذكرين حديث جلالته بأن الفلسطيني لا يريد البقاء في الأردن، وأنه يطمح الى ان يكون له علم يرفرف فوق بيته، وفريق كرة قدم يشجعه.
هل انت ليكودي؟
في تصريح هام في عام 2007، قال شيمون بيريز، أحد أبرز القادة الإسرائيليين، إن الاعتراف بحق العودة للفلسطينيين يعني نهاية إسرائيل. وأوضح بيريز أن عودة اللاجئين الفلسطينيين ليست مسألة دينية، بل هي مسألة ديموغرافية بحتة، حيث سيؤدي الاعتراف بهذا الحق إلى أغلبية فلسطينية داخل إسرائيل، مما يعني نهاية الدولة اليهودية. هذا الموقف الإسرائيلي يوضح الرفض الصارم لحق العودة، ليس لأسباب سياسية فقط، بل أيضًا لأسباب ديموغرافية. وفي سياق موقف بيريز، يمكننا أن نرى تشابهًا في التفكير بين الذين يرفضون حق العودة ويعتبرونه عنصرية. هؤلاء الأشخاص، سواء كانوا فلسطينيين في الأردن أو أصواتًا أخرى، يتماهون مع موقف بيريز عندما يرفضون الحديث عن حق العودة ويدعون إلى الاندماج الكامل في المجتمع الأردني دون الحفاظ على الهوية الفلسطينية.
الآن، من يقف إلى جانب بيريز ومن هو الليكودي؟
إذا كان بيريز يرى في حق العودة نهاية لإسرائيل بسبب التهديد الديموغرافي، فإن الذين يرفضون الحديث عن حق العودة في الأردن ويعتبرونه نوعًا من العنصرية أو الفتنة هم في الواقع يقفون إلى جانب بيريز. هذا ليس اتهامًا بالولاء لإسرائيل، بل هو تحليل منطقي للوضع. عندما يرفض الفلسطينيون في الأردن الحديث عن حق العودة أو يصفون من يتحدث عنه بالعنصرية، فهم يساهمون في تذويب القضية الفلسطينية، وهو ما يتماشى مع المشروع الليكودي الذي يسعى إلى إنهاء القضية الفلسطينية بالكامل. الليكودي في هذه المعادلة هو الشخص الذي يرفض حق العودة ويعمل على تذويب الهوية الفلسطينية في هويات أخرى. أما المدافع عن القضية الفلسطينية الحقيقية فهو من يتمسك بحق العودة كجزء أساسي من الهوية الوطنية الفلسطينية، دون أن يتخلى عن مواطنته في الأردن.
وفي الختام، إن التحديات التي تواجه الأردن اليوم تتطلب توازنًا دقيقًا بين الحفاظ على الهوية السيادية الأردنية وتمكين الفلسطينيين من حقوقهم دون التأثير على هذا التوازن. الفصل بين الهوية والمواطنة هو السبيل لضمان استقرار الأردن وهويته، مع الحفاظ على حق الفلسطينيين في العودة والنضال من أجل قضيتهم دون المساس باستقرار الدولة الأردنية.
الأردن ليس "كيانًا وظيفيًا" كما يروّج له البعض، بل هو دولة ذات سيادة وهويته الوطنية يجب أن تُصان وتُحترم. التماهي مع مشاريع تذويب الهوية الفلسطينية، سواء عن قصد أو غير قصد، يجب أن يُرفض بشدة لضمان عدم المساس بحق العودة أو الهوية السيادية للأردن.
بكل أمل، ان يُقرأ هذا المقال بحسن نية، وعندها، سيعلم المغيبون اننا اكثر انتماء لقضيتنا لفلسطين من كثير من هؤلاء التجار، وسيعلم الفلسطيني اننا اكثر انتماء له منه
تُظهر الوثائق التي نشرها موقع ويكيليكس، والتي أوردها الباحث الدكتور عامر السبايلة في صحيفة عمون بتاريخ 9 سبتمبر/أيلول 2011 مجموعة من البرقيات المسربة للسفير الأمريكي، من تلك الرسائل: جمال الرفاعي، وناشط حقوقي، يقول: "إذا كنا لا نأخذ حقنا السياسي هنا فكيف نقتنع بالتخلي عن حقنا بالعودة؟" بما قد يعني: اعطونا حقوق هنا وخذو حق العودة.
الآن، الى الموضوع:
منذ نشأة المملكة الأردنية الهاشمية، كانت الهوية الأردنية العماد الأساسي الذي قامت عليه الدولة الحديثة. هذه الهوية المستمدة من الجذور العشائرية والقيم الوطنية هي التي صاغت ملامح الدولة وأعطتها الاستقرار. ومع تدفق الفلسطينيين إلى الأردن بعد نكبة 1948، ظهر تحدٍ كبير يتعلق بكيفية إدارة العلاقة بين الحفاظ على الهوية الأردنية باعتبارها هوية سيادية وبين منح الفلسطينيين حقوق المواطنة، دون المساس بالهوية الوطنية الأردنية. وللنجاح في مواجهة هذا التحدي، يجب تبني مقاربة تعتمد على الفصل بين الهوية والمواطنة. هذه المقاربة تتيح الحفاظ على الهوية الأردنية باعتبارها الهوية السيادية الوحيدة في الأردن، مع ضمان منح الفلسطينيين حقوق المواطنة الكاملة، دون السماح لتلك المواطنة بأن تؤدي إلى التأثير على هوية الدولة أو تحويل الأردن إلى "وطن بديل" للفلسطينيين.
الهوية الأردنية: سيادة راسخة في مواجهة التهديدات الديموغرافية والفكرية
الهوية الأردنية ليست مجرد هوية ثقافية أو جغرافية، بل هي هوية سيادية حافظة لاستقرار الأردن منذ تأسيسه. إنها الهوية التي وحدت الدولة وأعطتها قوة سياسية واستقرارًا ديموغرافيًا، وهي التي يجب أن تستمر في الهيمنة على جميع السياسات الوطنية لضمان الاستقرار الدائم. الفكرة التي يروج لها البعض بأن الأردن "كيان وظيفي" تم إنشاؤه لتخفيف الضغط الديموغرافي عن إسرائيل، تتعارض مع التاريخ الحقيقي للأردن ودوره المركزي في استقرار المنطقة. هذه الأطروحة تضع الأردن في إطارٍ ضيق كجزء من مخطط خارجي، متجاهلة دوره كدولة ذات سيادة واستقلال سياسي راسخ. إن الحفاظ على الهوية الأردنية كهوية سيادية هو أمر أساسي لضمان استقرار الدولة وتفادي أي تهديدات ديموغرافية أو سياسية تؤثر على بنيتها. بالتالي، فإن أي محاولة لتذويب الهوية الأردنية أو إضعافها يجب أن تُرفض تمامًا، ويجب أن تبقى الهوية الأردنية في مقدمة الهويات التي تحكم الأردن.
حق العودة: جوهر النضال الفلسطيني وأبعاده السياسية
حق العودة للفلسطينيين هو محور النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهو حق راسخ في القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، مثل قرار 194. ومع ذلك، يجب أن يكون واضحًا أن هذا الحق ليس جزءًا من مسؤولية الأردن، بل هو مطلب فلسطيني يواجه إسرائيل ولا يجب أن يُستغل لتغيير الأوضاع الديموغرافية والسياسية داخل الأردن. لقد قدم الأردن دعماً كبيراً للقضية الفلسطينية واستضاف الملايين من اللاجئين، ولكن الأردن ليس مسؤولاً عن حل قضية حق العودة. الفلسطينيون في الشتات يجب أن يحافظوا على هويتهم الوطنية وعلى تمسكهم بحق العودة، ولكن يجب أن يكون هذا التمسك داخل الإطار الفلسطيني، وليس عبر محاولة تحويل الأردن إلى "وطن بديل".
ازدواجية الهوية بين حق العودة والمواطنة الأردنية
ان مجرد مراقبة التوترات التي تنشأ عندما يُذكر حق العودة في النقاشات السياسية والاجتماعية في الأردن، حينما، ترتفع الأصوات التي ترى في الحديث عن هذا الحق تهديدًا للاستقرار الاجتماعي والسياسي، مما يؤدي الى محاولات البعض لإسكات هذه الأصوات. هذا الخلط بين الهوية الفلسطينية والمواطنة الأردنية أدى إلى توترات داخلية جعلت من مسألة الهوية قضية سياسية بامتياز، في الوقت عينه، يعد ذلك تعبيرا صريحا لرفض لبعض الفلسطينيين لأي ذكر لحق العودة على الرغم من الممارسات المنافقة التي يريد البعض ان يخفي سوأته بإضاعة الحق الفلسطيني من خلالها، حيث صار من المتكرر ذكر عبارات مثل "أنا اردني غصبا عنك" "انا اردني تأسيس وليس تجنيس" وغير ذلك من العبارات التي تؤكد ان هنالك برامجية ومشاريعية تؤكد ان حق العودة والانتماء الحقيقي لفلسطين ليس بخير. الازدواجية في الولاء والهوية تمثل نفاقًا سياسيًا. الفلسطيني الذي يدعي التمسك بفلسطين والأردن في آن واحد، ولكنه يرفض الحديث عن حق العودة أو يعتبره عنصرية، هو شخص يمارس النفاق. هذا الشخص يستفيد من المواطنة الأردنية ولكنه في الوقت نفسه لا يتمسك بالمشروع الوطني الفلسطيني. هذه المواقف تساهم في تقويض القضية الفلسطينية وتذويب الهوية الفلسطينية، وهو ما يخدم المشروع الصهيوني الذي يسعى إلى إنهاء حق العودة.
الاستيطان الفلسطيني في الشتات: بين الاندماج والهوية الوطنية
مع مرور الزمن، أصبح الفلسطينيون في الأردن جزءًا من النسيج الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، خاصة بعد أن حصل عدد كبير منهم على الجنسية الأردنية. ورغم أن الفلسطينيين المجنسين في الأردن يحتفظون بنظرة تقديرية لحق العودة، فإن الكثير منهم يعتبرون أن البقاء والاندماج في الأردن هو الخيار الأكثر واقعية. يُعرف هذا التكيف بـ"الاستيطان المحلي"، وهو يعكس عملية طويلة من الاندماج في المجتمع الأردني. ومع ذلك، هذا التحول لا يخلو من الانتقادات، خاصة من قبل بعض الفلسطينيين الذين يعتبرون أن الاندماج الكامل في الأردن أو البلدان الأخرى يتعارض مع المشروع الوطني الفلسطيني. في هذه الرؤية، يتم تصوير الاندماج كنوع من التخلي عن حق العودة، خاصة في ظل المشاريع الإسرائيلية التي تسعى إلى ترسيخ يهودية الدولة والتخلص من أي مطالبة فلسطينية بالأرض.
حق العودة كمشروع مضاد لمشروع التهجير
مشروع التهجير، الذي مارسته الحركة الصهيونية منذ بداياتها، يسعى إلى تفريغ الأرض من سكانها الفلسطينيين الأصليين. يتم ذلك من خلال سياسات قمعية تهدف إلى دفع الفلسطينيين إلى الهجرة القسرية أو تقليص فرص عيشهم بكرامة داخل وطنهم. منذ النكبة، تعرض الفلسطينيون للتهجير القسري، ولا يزال هذا المشروع مستمرًا بأشكال مختلفة مثل مصادرة الأراضي، وهدم المنازل، والاعتقالات الجماعية، والاعتداءات على المقدسات الإسلامية والمسيحية. مقابل هذا المشروع، يمثل "حق العودة" رؤية سياسية ومشروعية قانونية تعارض أي محاولة لاقتلاع الشعب الفلسطيني من جذوره. فهو يرمز إلى التمسك بالأرض والتاريخ، ويتحدى الرواية الصهيونية التي تحاول فرض يهودية الدولة على أرض فلسطين. من هنا، يأتي وجوب تمسك الفلسطينيين في الشتات بهذا الحق كجزء من مقاومة محاولات محو الهوية الفلسطينية وطمس حقوقهم المشروعة.
مشروع "يهودية الدولة" وحق العودة
مشروع "يهودية الدولة" الذي تسعى إسرائيل لترسيخه يعزز بشكل مباشر رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم. من خلال الاعتراف بإسرائيل كـ "دولة يهودية"، تعني هذه السياسة ضمنيًا أن اللاجئين الفلسطينيين لن يكون لهم مكان في هذه الدولة. الهدف من هذا المشروع هو ضمان أغلبية يهودية ديموغرافية، وبالتالي رفض أي عودة للفلسطينيين الذين يشكلون تهديدًا لهذه الأغلبية. ما يجعل هذا المشروع خطيرًا هو أنه لا يسعى فقط إلى القضاء على حق العودة، بل يسعى إلى تحويل اللاجئين الفلسطينيين إلى قضية غير قابلة للحل من الأساس. من هنا، فإن الفلسطينيين في الأردن والشتات يجب ان يروا في هذا المشروع تحديًا وجوديًا لحقهم في العودة، حيث إن الاعتراف بيهودية الدولة هو تنازل ضمني عن هذا الحق.
الفرق بين حق العودة كمشروع سياسي والعودة الفعلية كتصرف
من المهم أن نفرق بين حق العودة كمبدأ وقضية سياسية وبين العودة الفعلية على الأرض. حق العودة هو شعار ومشروع سياسي وقانوني يقطع الطريق على تصفية القضية العربية في فلسطين، اما العودة الفعلية فهي خيار ذاتي، مع تفهمنا لفكرة انها تواجه عقبات سياسية وجغرافية هائلة. فمنذ اتفاقيات أوسلو، التي تجاهلت إلى حد كبير قضية اللاجئين، تم تقليص الآمال في تحقيق العودة الفعلية.
الفصل بين الهوية والمواطنة: ضمان للسيادة والاستقرار
بكل تأكيد، الخلط بين الهوية والمواطنة سيؤدي إلى تآكل حقوق الأردنيين إذا لم يتم الفصل بين الهوية الوطنية الفلسطينية والهوية الأردنية. فمن جهة، الفلسطينيون قد لا يستطيعون العودة إلى فلسطين بسبب الرفض الإسرائيلي، ومن جهة أخرى، سيصبح الفلسطينيون جزءًا دائمًا من الأردن مع تأثيرات سياسية واقتصادية واجتماعية على القضية الفلسطينية.
المسألة هنا تكمن في كيفية التعامل مع الفلسطينيين في الأردن، وخاصة أولئك الذين يتمتعون بمواطنة أردنية ولكنهم في الوقت ذاته يتمسكون بحق العودة إلى فلسطين. هل يمكن أن يكون الفلسطيني في الأردن مواطنًا أردنيًا بشكل كامل ويحافظ في الوقت نفسه على هويته الفلسطينية ومشروع العودة؟ هذا التناقض يخلق حالة من ازدواجية الهوية التي تؤثر على استقرار الهوية الوطنية الأردنية.
أنا، كأردني، أعترف بحق الفلسطينيين في المواطنة الأردنية، وأدعوهم للتمسك بحق العودة كمشروع سياسي وتاريخي، دون الدعوة الى العودة الفعلية الان، لأن الظروف الحالية تجعل العودة شبه مستحيلة. في المقابل، أدعو الفلسطينيين إلى الحفاظ على هويتهم الفلسطينية وعدم السماح بتذويبها، لأن تذويب الهوية الفلسطينية سيكون كارثة على القضية الفلسطينية، ويهدد حق العودة بشكل كبير. إن الحل الأمثل لضمان استقرار الأردن والحفاظ على حقوق الفلسطينيين يتمثل في الفصل الواضح بين الهوية والمواطنة. هذا الفصل سيساهم في حماية الهوية الأردنية بصفتها الهوية السيادية المؤسِسة، وفي الوقت ذاته يضمن للفلسطينيين حقوق المواطنة الكاملة دون التأثير على هوية الدولة.
الهوية الفلسطينية وحق العودة: ارتباط لا يمكن تجاهله - الفلسطينيون في الأردن يجب أن يظلوا متمسكين بهويتهم الفلسطينية وبحق العودة كجزء من نضالهم الوطني ضد الاحتلال. هذا التمسك يجب أن يكون رمزًا للنضال الفلسطيني المستمر، ولكن دون أن يؤدي إلى التأثير على السيادة الأردنية. يجب أن يُفهم أن حق العودة هو مطلب فلسطيني تجاه إسرائيل وليس تجاه الأردن.
المواطنة الأردنية في إطار السيادة الأردنية - بالمقابل، في الوقت الذي يتمتع به الفلسطينيون في الأردن بحقوق المواطنة الكاملة، بما في ذلك الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية، يجب ان يكون هذا التمتع ضمن إطار الحفاظ على فلسطينيتهم، اطار يحترم الهوية الأردنية كهوية سيادية. المواطنة لا يجب أن تتجاوز إلى محاولة التأثير على الهوية السيادية للدولة.
ان الفصل بين الهوية والمواطنة يريح الجميع، يريح الدولة التي لا تقبل ان تكون جزءا من المشروع الصهيوني، تريح الأردني الذي يرى كيف تحول من شعب الى كتلة سكانية وفي احسن الظروف كــ "مكون"، ويريح الفلسطيني الذي سيجد نفسه قادرا على التمسك بحقه في فلسطين دون ان يؤثر ذلك على مصالحه المزدهرة في عمّان.
أدوار الأطراف المختلفة في تذويب الهوية الفلسطينية وإضعاف حق العودة
في هذا السياق، نشأت مواقف مختلفة من بعض الفئات السياسية والأيديولوجية، سواء عن علم أو عن غير علم، ساهمت في تذويب الهوية الفلسطينية وإفراغ حق العودة من مضمونه الحقيقي، متماهية بذلك مع مواقف سياسية مثل مواقف شمعون بيريز وبنيامين نتنياهو.
الكمبرادور الفلسطيني: التجارة بالقضية لصالح الاستقرار المادي - تُشير مصطلحات مثل "الكمبرادور" إلى تلك الفئات الفلسطينية التي استفادت من الوضع القائم اقتصاديًا وسياسيًا، والتي ترى في الاستقرار الحالي فرصة لتحقيق مكاسب مادية على حساب القضية الفلسطينية. هذه الفئة تسعى لتعزيز اندماج الفلسطينيين في البلدان المستضيفة، بما في ذلك الأردن، على حساب حق العودة. بهذه الطريقة، تسهم هذه الفئة في تفريغ النضال الفلسطيني من مضمونه وتقديم الاستقرار المادي كبديل عن المطالب الوطنية.
الإخوان المسلمون: التركيز على القضايا الدينية على حساب الوطنية - جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وعلى الرغم من دعمها المعلن للقضية الفلسطينية، تُسهم في تذويب قضية حق العودة من خلال تركيز خطابها على الشعارات الدينية العامة مثل "الأرض لله". بدلاً من التركيز على المطالب الوطنية الفلسطينية، يتوجه خطاب الجماعة نحو قضايا إسلامية عامة تتجاوز الحدود الوطنية، مما يضعف من تركيز الجماعة على حق العودة كقضية فلسطينية جوهرية.
القوميون: شعارات الوحدة العربية وتهميش القضية الفلسطينية - القوميون العرب في الأردن يرفعون شعارات مثل "أرض العرب للعرب"، التي، على الرغم من ظاهرها الوحدوي، تسهم في تذويب الهوية الفلسطينية في إطار قومي عام. هذه الشعارات قد تبدو داعمة للقضية الفلسطينية، ولكنها في الواقع تُضعف المطالب الوطنية الفلسطينية المحددة، بما في ذلك حق العودة، لصالح رؤية أوسع تقلل من الخصوصية الفلسطينية.
جماعة "الحقوق المنقوصة" - تلك الفئة الفلسطينية في الأردن التي تُطالب بحقوق سياسية واجتماعية كاملة دون اعتبار للهوية الوطنية الفلسطينية أو حق العودة. هذه الفئة ترى أن تحقيق المساواة التامة في الأردن يجب أن يكون على حساب التمسك بهوية فلسطينية مستقلة وحق العودة. بهذا الطرح، تتماهى هذه الجماعة مع المشاريع الصهيونية التي تهدف إلى إنهاء القضية الفلسطينية وتذويبها في دول الجوار.
أثر هذه المواقف
تتفق هذه المواقف، سواء كانت من الكمبرادور، الإخوان المسلمين، القوميين أو جماعة الحقوق المنقوصة، مع رؤية زعماء صهاينة مثل شمعون بيريز وبنيامين نتنياهو، الذين يرون في حق العودة تهديدًا لإسرائيل ويعملون على تفريغه من مضمونه. من خلال الترويج لحلول تذوب الهوية الفلسطينية في المجتمعات المضيفة، يتماهون مع المشروع الصهيوني دون قصد، بل وربما يسهمون في تعزيز هدف إسرائيل النهائي بإلغاء حق العودة.
اللاءات الملكية الثلاث وموقف جلالة الملك من التهجير: مظلة لحماية الأردن وفلسطين
في هذا السياق، تأتي اللاءات الملكية الثلاث التي أعلنها جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه، كسياسة ثابتة للأردن تجاه القضية الفلسطينية. هذه اللاءات الثلاث هي:
لا للتوطين - رفض الأردن الدائم لفكرة توطين الفلسطينيين في الأردن يؤكد على أن الأردن ليس "وطنًا بديلاً" للفلسطينيين، وأن حل القضية الفلسطينية يجب أن يتم من خلال عودة اللاجئين إلى ديارهم في فلسطين وليس عبر توطينهم في الدول المستضيفة.
لا للوطن البديل - جلالة الملك عبدالله الثاني شدد على رفض الأردن القاطع لفكرة الوطن البديل، وهو موقف ثابت يحمي السيادة الأردنية ويضمن أن الحلول للقضية الفلسطينية لن تكون على حساب الأردن أو استقراره.
لا للتنازل عن القدس - هذا الموقف يعكس التزام الأردن بالدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس ودعم الحقوق الفلسطينية في إقامة دولة مستقلة.
موقف جلالة الملك عبدالله الثاني من رفض التهجير أو توطين الفلسطينيين في الأردن يمثل مظلة حماية للأردن وفلسطين على حد سواء. هذا الموقف يضمن عدم المساس بالهوية الوطنية الأردنية، وفي الوقت ذاته يحمي حق العودة للفلسطينيين. مستذكرين حديث جلالته بأن الفلسطيني لا يريد البقاء في الأردن، وأنه يطمح الى ان يكون له علم يرفرف فوق بيته، وفريق كرة قدم يشجعه.
هل انت ليكودي؟
في تصريح هام في عام 2007، قال شيمون بيريز، أحد أبرز القادة الإسرائيليين، إن الاعتراف بحق العودة للفلسطينيين يعني نهاية إسرائيل. وأوضح بيريز أن عودة اللاجئين الفلسطينيين ليست مسألة دينية، بل هي مسألة ديموغرافية بحتة، حيث سيؤدي الاعتراف بهذا الحق إلى أغلبية فلسطينية داخل إسرائيل، مما يعني نهاية الدولة اليهودية. هذا الموقف الإسرائيلي يوضح الرفض الصارم لحق العودة، ليس لأسباب سياسية فقط، بل أيضًا لأسباب ديموغرافية. وفي سياق موقف بيريز، يمكننا أن نرى تشابهًا في التفكير بين الذين يرفضون حق العودة ويعتبرونه عنصرية. هؤلاء الأشخاص، سواء كانوا فلسطينيين في الأردن أو أصواتًا أخرى، يتماهون مع موقف بيريز عندما يرفضون الحديث عن حق العودة ويدعون إلى الاندماج الكامل في المجتمع الأردني دون الحفاظ على الهوية الفلسطينية.
الآن، من يقف إلى جانب بيريز ومن هو الليكودي؟
إذا كان بيريز يرى في حق العودة نهاية لإسرائيل بسبب التهديد الديموغرافي، فإن الذين يرفضون الحديث عن حق العودة في الأردن ويعتبرونه نوعًا من العنصرية أو الفتنة هم في الواقع يقفون إلى جانب بيريز. هذا ليس اتهامًا بالولاء لإسرائيل، بل هو تحليل منطقي للوضع. عندما يرفض الفلسطينيون في الأردن الحديث عن حق العودة أو يصفون من يتحدث عنه بالعنصرية، فهم يساهمون في تذويب القضية الفلسطينية، وهو ما يتماشى مع المشروع الليكودي الذي يسعى إلى إنهاء القضية الفلسطينية بالكامل. الليكودي في هذه المعادلة هو الشخص الذي يرفض حق العودة ويعمل على تذويب الهوية الفلسطينية في هويات أخرى. أما المدافع عن القضية الفلسطينية الحقيقية فهو من يتمسك بحق العودة كجزء أساسي من الهوية الوطنية الفلسطينية، دون أن يتخلى عن مواطنته في الأردن.
وفي الختام، إن التحديات التي تواجه الأردن اليوم تتطلب توازنًا دقيقًا بين الحفاظ على الهوية السيادية الأردنية وتمكين الفلسطينيين من حقوقهم دون التأثير على هذا التوازن. الفصل بين الهوية والمواطنة هو السبيل لضمان استقرار الأردن وهويته، مع الحفاظ على حق الفلسطينيين في العودة والنضال من أجل قضيتهم دون المساس باستقرار الدولة الأردنية.
الأردن ليس "كيانًا وظيفيًا" كما يروّج له البعض، بل هو دولة ذات سيادة وهويته الوطنية يجب أن تُصان وتُحترم. التماهي مع مشاريع تذويب الهوية الفلسطينية، سواء عن قصد أو غير قصد، يجب أن يُرفض بشدة لضمان عدم المساس بحق العودة أو الهوية السيادية للأردن.
بكل أمل، ان يُقرأ هذا المقال بحسن نية، وعندها، سيعلم المغيبون اننا اكثر انتماء لقضيتنا لفلسطين من كثير من هؤلاء التجار، وسيعلم الفلسطيني اننا اكثر انتماء له منه
نيسان ـ نشر في 2024-09-18 الساعة 19:51
رأي: الدكتور عمر كامل السواعدة كاتب وخبير قانوني