الانتقام الروسي - الإيراني من الطعنة التركية
د. نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية في مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية
نيسان ـ نشر في 2015-11-29 الساعة 12:54
تنشغل دولة ولي الفقيه حالياً وتجهد نفسها دون كلل أو ملل في محاولة بلورة رؤية لكيفية التعاطي مع حادثة اسقاط تركيا للطائرة الحربية الروسية ، وتلاه اسقاط مروحية روسية كانت في مهمة للبحث عن الطيار الروسي في ذلك اليوم ،وتضع المقاربات لكيفية تصرف روسيا في أعقاب إسقاط تركيا لطائرتها، وما هو طبيعة هذا الرد ، وهل سيقتصر رد بوتين عند حدود ضبط النفس و توجيه التحذيرات، واصدار قرارات منع السياح من التوجه الى تركيا ، وفرض الفيزا على الأتراك الراغبين لزيارة روسيا ، ام انه سيكون عسكرياً ومدمراً ، وهو ما تتمناه دولة ولي الفقيه ، لتدفن معه مشروع أردوغان في إعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية من جديد ، والتي حذر منها آيات الله العظام القابعين في كهوف قم وخراسان ؟فمن جهة تعتبر طهران السكوت الروسي بمثابة ضوء أخضر لتركيا أردوغان للاستمرار في التهديدات والتحرشات والانتهاكات المستمرة لسماء سوريا وبحرها وحدودها ، ومن جهة ثانية كيف ستضمن موسكو أولاً أن لايؤدي ذلك إلى تدخل الناتو و تعقيد الامور اكثر وبالتالي خشية ولي الفقيه على ضرورة استمرار الدور الروسي حتى يؤدي دوره على أكمل وجه ، وحتى النهاية .
تعتبر دولة الفقيه الذي أشبعنا بشعاراته الجوفاء في مقارعة قوى الاستكبار ودول الالحاد وفي مقدمتها الشيوعية وأنقاضها ، أن تركيا تطاولت وتحركت أكثر من حجمها وخارج الأطرالقانونية والأعراف الدولية، بوقوفها بوجه الدب الروسي الذي لن يوقفه أحد هذه المرة حسب ما لديها من معلومات مؤكدة ، عندما حاولت ومن خلال اسقاطها الطائرة الروسية أن توجه الرسالة الى موسكو بعدم التدخل في الجغرافيا السورية المتاخمة للحدود التركية بذريعة دعم التركمان في تلك المناطق من جهة، ومن جهة ثانية حاولت أنقرة أن توجد ذريعة لتتدخل على أثره في تلك المناطق التي تعتبرها مجالها الحيوي في شمال سوريا وتنشئ منطقة أمنه ليمارس أردوغان سياسته في دعم الارهاب التكفيري .
تعتقد دولة ولي الفقيه ، أنه ومنذ اليوم الأول لدخول روسيا على الخط في سوريا لمحاربة عصابات "داعش" الارهابية المدعومة من واشنطن وتل أبيب وأنقره وما اصطلحت على تسميته بقوى الرجعية العربية ، كانت توقعات طهران تدور حول احتمال بروز مواجهات بين تركيا وروسيا، لدعم نفوذ الجماعات الارهابية ، وأنها أبلغت بوتين بذلك بشكل مباشر ، وكانت النتيجة ما تحقق بالضبط، بإسقاط تركيا الطائرة الروسية فوق الأراضي السورية القريبة من الحدود التركية. وما يؤكد صحة ودقة التوقعات الإيرانية هو سقوط الطائرة داخل الأراضي السورية، هو قيام عصابات تابعة لـ"داعش" بقتل الطيار قرب احدى القرى السورية بعد نقل احداثيات سقوط الطائرة لهم من خلال الجانب التركي .
وأما بشأن الأهداف الكامنة وراء إسقاط طائرة السوخوی الروسیة، فترى طهران ، أن هذه هي المرة الأولى التي یسقط فیها دولة من حلف الناتو طائرة مقاتلة روسیة منذ خمسینیات القرن الماضي، وأن جمیع القرائن تؤکد ان الطائرة الروسیة اسقطت داخل الاراضي السوریة، کما أن أحد الطیارین الروسیین قتل على ید المقاتلین الترکمان المدعومین من ترکیا، بالقرب من قریة بامادي السوریة ، الأمر الذي يؤكد الفرضية السابقة .
تزعم دولة ولي الفقيه أن أهم أسباب إسقاط الطائرة التركية جاءت مباشرة بسبب زیارة الرئیس الروسي فلادیمیر بوتین، الى طهران ولقائه المرشد علي خامنئي، للتأثير على التحالف الإيراني الروسي ، واعتبار اسقاط الطائرة الروسية يعتبر بمثابة رد فعل عاجل ومتهور ، مرده غضب واشنطن ، واحباط ترکي خليجي، من نتائج هذه الزيارة التاريخية ، ولقائه المهم مع الولي الفقيه والتي بحثا فيها سبل التعاون الاستراتيجي بين الدولتين ، ومشاركته في القمة الثالثة لمنتدى الدول المصدرة للغاز وتأكيداته على الاستمرار في محاربة الارهاب التكفيري الذي عاث فساداً ودماراً في سوريه والاقليم ، مما أزعج الغرب الذي تأكد لديه مدى دور ايران الحيوي لتعزيز الامن الاقليمي والدولي لمحاربة الارهاب فضلاً عن قوة الاقتصاد الإيراني والصناعة العسكرية الآخذة بالنمو والتطور ؛ لذا فإن من الأهداف التي كان الغرب يتوخاها من خلال دفع أردوغان لإسقاط السوخوي الروسية حرف الأنظار عن قمة طهران الاقتصادية ، وانجازات القوات السورية ومليشيات إيران والقوات الروسية في مقابل الارهاب التكفيري .
تعتبر دولة ولي الفقيه أن تركيا أردوغان ليست بمستوى القوة الروسية ، لذا ترى أن اسقاط تركيا للطائرة الروسية داخل الأراضي السوريه ، جاء بتحريض غربي؛ أي أن تركيا قامت بهذه الخطوة الجنونية نيابة عن الغرب، وحسب الرؤية الإيرانية فإن حادث اسقاط الطائرة الروسیة لم یکن لیقع لولا ضوء أخضر أمریکي، فمثل هذا الاجراء لن يقدم علیه أردوغان بمفرده، بعد الهستیریا التي أصابت تركيا نتيجة الهزائم المتوالیة للمجموعات المسلحة الارهابية التي تحظى بدعم ترکي سعودي .
من الواضح أن تركيا ومن خلفها السعودية تحاولان من خلال سياساتها المتهورة أن تنوب عن الادارة الأميركية بإرسال رسالة الى موسكو تؤكد خشية الغرب من العمليات الروسية ضد مواقع عصابات "داعش" الارهابية ، ووجهت رسالة تحذيرية مفادها أنه واذا ما تدخل الناتو للوقوف مع أردوغان ضد روسيا وحلفائها بعد هذه التطورات، فإنه سيدفع الثمن غالياً خصوصاً اذا ما استمر في دعم "داعش" والوقوف بوجه جبهة روسيا وايران ، وأن حلف الناتو يعلم جيداً أبعاد خطورة الخطوة التركية، وأنه لا يمكن له أن يورط نفسه في مغامرة لا طائل من ورائها ، لذلك تنصل فوراً من الخطوة التركية ، وأعلن مباشرة أنه لا معلومات مسبقة لديه حول ملابسات اسقاط الطائرة الروسية.
وقد نصبت دولة ولي الفقيه نفسها مدافعاً عن روسيا في انتهاكها للأجواء التركية ، وافترضت أنه حتى لو دخلت الطائرة الروسیة عن طرق الخطأ کیلومتر أو کیلومترین داخل الأجواء الترکیة لبعض ثوان، فلا یستوجب ذلك اسقاطها من قبل بلد یفترض أنه یُقاتل الارهاب تحت لواء التحالف الامریکي، و کان یجب على ترکیا أن تدرك مثل هذا الاختراق جاء نظرا للطبیعة الجغرافیة المعقدة والمتداخلة على الحدود بین ترکیا وسوریا.
وفي اطار سوق دولة ولي الفقيه للأسباب الكامنة وراء اسقاط هذه الطائرة ، فقد أتهمت الرئيس اردوغان بالتعاون مع العصابات الارهابية التي راهنت تركيا والسعودية عليها كثيراً ، لتجني خيبة أملهما ، بعد الهزائم التي لحقت بها من قبل الطائرات الروسية، ففكر أردوغان في إستراتيجية لايقاف الهجوم الروسي الفعال والناجع على مواقع العصابات الارهابية، ولم يجد أفضل من اسقاط الطائرة الروسية للحد من تأثير ذلك ،دون ان يفكر في عواقب الأمور، لذا عليه وحلفائه وفي مقدمتها السعودية أن يدفعا الثمن غالياً .
فتركيا والغرب أرادوا توجيه رسالة انتقام إلى موسكو بسبب علاقاتها مع المتدهورة مع مصر، بسبب دعمهم للاخوان المسلمين وللتنظيمات التكفيرية ، وحربها على عصابات "داعش" و قوة علاقاتها مع إيران، فضلاً عن ان أردوغان و الغرب وبعض الدول الخليجية وفي مقدمتها السعودية أرادوا ان يغطوا على فضيحة مد العصابات الارهابية بالسلاح من خلال توجيه الضربة لروسيا التي شاهد العالم كيف انها تحارب العصابات الارهابية في سوريا ،ومن المحتمل ان توسع نطاق عملياتها لتشمل العراق ايضا.
كذلك جاء اسقاط تركيا للطائرة الروسية بعد أن تعرضت فرنسا لهجوم ارهابي ، وتنسيقها مع روسيا كي تحارب تنظيم "داعش" على اعتبار أنه بات يُشكل تهديداً مباشراً لها، وبنفس الوقت وضعت خطة لهذا الامر مفادها ان يقوم الجيش السوري لمحاربة "داعش" على الارض ، على تتولى كل من فرنسا وروسيا الامر من الجو. فجاء اسقاط أردوغان للطائرة الروسية للحد من التعاون مع الروس ،وتسويف الامر من اجل ان لا تستثمر موسكو وباريس قوتهما وقدرتهما لضرب الارهاب.
بشرتنا طهران أن الرد الروسی على تركيا وحلفائها العرب سيكون متأنیا ومدروسا وناجعاً ، وأن أردوغان بفعلته هذه قد قبر والى الابد حلم اعادة احياء الامبراطورية العثمانية التي تعتبر مصدر تهديد لإيران ودول المنطقة حتى المتحالفة معه .
فالاحتمال الأقوى هو أن الأ وضاع لن تبقى في اطار التحذيرات والقرارات المحدودة، فروسيا قامت بنشر منظومة صواريخ اس ٤۰۰ ، في قاعدة حميميم الجوية باللاذقية، وارسال مقاتلات حماية للطائرات الروسية القاصفة ومدمرات تحمل صواريخ ذكية إلى سواحل اللاذقية مصحوبة برزمة تحذيرات صارمة من قبل روسيا لتركي والسعودية وقطر.
بوتين الآن حسب التوقع والمعلومات الإيرانية المؤكدة -التي تتوقع أيضا عملية تخريبية ستقوم بها داعش بدعم تركي سعودي قطري داخل روسيا - تُخطط لأكبر من الرد العسكري المحدود ، بعد نجاح زيارته الى فرنسا التي نجح فيها بوتين من اللعب على وتر الخلافات داخل الناتو عبر اقناع فرنسا بضرورة محاربة "داعش" والابقاء على الاسد في الحكم في ان واحد. ما يعني ان "داعش" أصبحت في فخ السياسات الاقليمية والدولية، وأن أكبر حماتها كتركيا والسعودية ستدفعان الثمن غالياً .
تعتبر طهران أن الاجراءات الروسية اتخذت لسد الطريق امام أية قرارات متهورة قد تتخذها تركيا من جديد، والدفع باتجاه تحرك الجيش التركي ضد أردوغان وعصابته ، والتشجيع للانقلاب عليه . فموسكو ومن أجل ان لا تطعن من جديد من الخلف أعلنت أنها ستضرب بقبضة حديدية، فضلاً عن سلسلة اجراءات اقتصادية اتخذتها روسيا من قبيل منع السياح من التوجه الى تركيا ووقف عمل الشركات التركية في روسيا ؛ خصوصاً العاملة في قطاع الانشاءات ، هذا بالإضافة إلى اعلانها اعادة النظر في قضية تصدير الغاز الى تركيا. وهذا ما سينعكس سلبياً على مكانة تركيا الاقليمية والدولية ، وجعل أردوغان ومن شايعه يدفع ثمن سياساته الهوجاء .